هل يجب الخوف من الفيروسات؟

غير مصنف8 مايو، 2020

تجد البكتيريات والفيروسات مضيفا في جسم كل إنسان، وتتطور حسب المضيف دون تدميره، وإلا لاختفت المضيفون تماما.
يتسلل الفيروس داخل جسم الفرد كي يتكاثر ويخلق اضطرابا. هكذا تحقق توازن ضمان نجاة الاثنين، مُضيفا وفيروسا، بعد ملايين السنين: الشيء المهم هو التكيف مع الوضع، والسعي لتجنب منح الفيروسات الظروف المناسبة لإلحاق الضرر.
يحمل الفيروس ثلاث فوائد للمضيف:
* مرونة جينية ستضمن له قدرات النجاة بوجه التغيرات الفجائية في المنظومة البيئية.
* المساهمة في نظامه المناعي.
* تأثير على الشيفرة الوراثية للبروتينات الضرورية لحياة المضيف.
إذن، بدل شن الحرب على الفيروسات، حسب تعبير ماكرون الذي لم يفهم من جوهر الكائن الحي شيئا، وجب فهم طريقة اشتغالها وتقوية طرق مواجهتها.
الجوائح الحديثة
تنحدر كلها من عملية انتقال من الحيوان إلى البشر، تبعا لتغيرات سببتها أنشطة الرأسمالية المدمرة للوسط الطبيعي: تدمير الغابات والصيد وتربية الماشية المكثفة والزراعة الكيميائية…
* جرى التعرف على فيروس “فقدان المناعة المكتسبة” المسبب للسيدا سنة 1983، وهو يسبب ثلاث ملايين وفاة سنويا: وقع انتقال الفيروس من قردة الشمبانزي إلى البشر بأفريقيا وسط الصيد الكثيف المُحَفَّز بتدمير الغابات وتوسع حضري كثيف. فيما تكفلت التبادلات العالمية المتزايدة بالباقي.
* اكتُشف فيروس السارس سنة 2003، فيروس تاجي مثل الكوفيد- 19، فيروس قادم من الصين: انتقل من الخفافيش “الغابوية” إلى البشر عن طريق حيوان ثديي: “قط الزباد” هو الاخر ضحية لصيد مكثف. انتقال عززته الكثافة السكانية وسوء شروط النظافة في الأسواق.
* اكتُشفت “الملاريا” سنة 1880، وانتقلت إلى البشر عبر حشرة. منذ 6000 سنة، سمح استصلاح أراضي كبير (عمليات كبيرة لتحويل الغابات إلى أراضي زراعية) بتكون مياه راكدة. بعيدا عن الضواري، انتشرت الحشرات وأصابت مجتمعات بشرية بالعدوى. اليوم، في إفريقيا، يصيب المرض مئتي مليون شخص ويسبب وفاة أربعمئة ألف شخص سنويا.
* اكتشف فيروس “نيبا” عام 1998 وكان قد ظهر في ماليزيا: حَرَمَ اجتثاثُ الغابات، من أجل السماح بتربية مكثفة للخنازير، الخفافيشَ “الغابوية” من مسكنها، فتوجهت بدورها إلى وسط بديل: “مزارع زيت النخيل القريبة من الحظائر”، فنقل روثُ الخفافيش العدوى للخنازيرِ ومن تم للبشر.
* جرى التعرف على فيروس “إيبولا” سنة 1976 في إفريقيا: أصابت العدوى الساكنة الأوهن، المُهجَّرة بسبب الحرب. هنا أيضا كانت الخفافيش “الغابوية” ناقلا للعدوى.
* فيروس “H5N1” المسبب لإنفلونزا الطيور في 2004: انطلق من جنوب- شرق اسيا، في حظائر تربية الدواجن المكثفة وانتشر متتبعا الطرق التجارية، وليست طرق الطيور المهاجرة الحامل الطبيعي للفيروس.
* مع “الكوفيد 19″، هنا أيضا، جرت نفس العملية: الخفافيش واللحوم القادمة من الأدغال وتجارة الحيوانات غير المشروعة (البنغول أو آكل النمل) والكثافة السكانية وضعف الشروط الصحية.
إذا كنا نجد آسيا والصين دائما “منشأ” للجوائح، فهذا راجع لتركز الأسباب المواتية لانتشار الإصابة: نمو حضري قوي وسريع، نمو يتعدى الأنواع الطبيعية وتربية المواشي المكثفة في شروط صحية سيئة ومنطقة استوائية حيث تتركز الأنواع المخزنة للفيروسات.
العلاقة بين الأزمة البيئية والجوائح
تعود الجوائح للعصر الحجري الجديد، نتيجة التأثير القوي، للزراعة ونشأة تربية المواشي، على النظام البيئي الطبيعي. لكن الرأسمالية ونظامها القائم على نهب الثروات الطبيعية والبشرية، وتغيير وتدهور الطبيعة أدى إلى مضاعفة عوامل ظهور الجوائح.
* انهيار التنوع الطبيعي، وانخفاض العوامل الرئيسية المنظمة/المقننة للمُمْرِضات (العناصر المسببة للمرض. م) أو اختفاؤها، وتوحيد المناظر الطبيعية، والتغييرات الجذرية للمساكن بتفضيل أنواع حيوانية على حساب أخرى، وفقدان الثروات النوعية الخاصة بأوساط معينة (10 أنواع عوض 100 نوع)، كل هذا يشوه النظام البيئي، ويربك التطور الثنائي التقليدي الذي جمع بين البشر والفيروس، ويسهل تنقل الجوائح.
* الزراعة المكثفة والمعولمة: تحت ضغط التجارة العالمية. يدفع انتقال الثروات من “الجنوب” إلى “الشمال” إلى زراعة مكثفة وموحدة، دخيلة على محيطها البيئي، بفضل الإجراءات الصناعية (منتجات كيميائية). إجراءات تدمر النُّظم البيئية المحلية، وتربك التطور الثنائي. وفي قطاع تربية المواشي، جرى اختفاء أنواع أليفة محلية لفائدة عدد محدود من الأنواع الموجهة إلى توحيد المعايير الجينية ما يُيَسِّرُ أيضا الإصابة بالمرض. وتخلق تربية المواشي المكثفة في شروط صحية رديئة، “قناطر عبور” جينية نحو الإنسان.
كما أرغم تدمير الأوساط الطبيعية مصدر عيش السكان، والهجرة القروية الناتجة عن ذلك، على التوجه إلى ضواحي المدن. ويسهل تركز السكان في المدن الكبرى، في شروط عيش متدهورة، ممرات “العبور” (انتقال الفيروسات من الحيوانات إلى البشر. م). ومن جانبه، وَسَّعَ ارتفاع عدد السكان عالميا، البالغ سبعة ملايير نسمة، رقعةَ التأثير.
تنامي التبادلات التجارية وتنقل الأفراد: يمنح التطور غير المحسوب للسياحة العالمية، وانفجار التنقل خصوصا بالسيارات، والتزايد المجنون لنقل السلع الفيروس طرق تنقل متعددة.
الاحتباس الحراري: يهدد استقرار سريع لأنواع جديدة، ما يعني كذلك طفيليات جديدة مرافقة لها، استقرار النظام البيئي ويعزز انخفاض التنوع البيئي.
ويقود تدمير النُّظُم البيئية (إزالة الغابات، تصنيع الأراضي) أنواع “مخزنة للفيروس” إلى لقاء مباشر مع شعوب جديدة ذات كثافة سكانية مرتفعة. عاشت الشعوب قبل العصر الحجري الجديد والسكان الأصليون، بتواصل مع الأحياء البرية وعبرها، لم يكونوا عرضة للإصابة أو كانوا أقل عرضة للإصابة. لقد تعايشوا وتطوروا مع فرائسهم ومع المُمْرِضات التي تحملها الفرائس بالتالي هم محميون جيدا.
ماذا عن البكتيريات؟
يمكن أن يحرر ذوبان التربة الصقيعية بسبب الاحتباس الحراري بكتيريات مُمْرِضَة. إضافة إلى الحظائر الصناعية التي تركز عددا كبيرا من الحيوانات مستعملة بطريقة تلقائية مضادات حيوية، يمثل هذا شرطا نموذجيا لعملية انتقاء البكتيريات المقاومة للمضادات الحيوية. في هذه الظروف بات كابوس انتشار بكتريا معدية مثل سارس- كوفيد-2- وأكثر حدة وأكثر مقاومة للمضادات الحيوية المستعملة في يومنا هذا وبنسبة وفيات كارثية- وارد الحدوث، إذا لم نغير النظام القائم.
المصدر: https://npa2009.org/arguments/sante/faut-il-avoir-peur-des-virus?


شارك المقالة

اقرأ أيضا