لا تُسمّوها ثورة جيل زد!
بقلم: ويليام شوكي
ترجمة: غسان بن خليفة
- وصف الثورات بـ «احتجاجات جيل زد» هو خلط بين الوسيلة والرسالة. إذ أنّه يحوّل أزمة بنيوية إلى مزاج جيلي، ويختزل السياسة في الديموغرافيا. ما يختفي عن الأنظار هو الحقيقة الأعمق: أنّ هذه الانتفاضات تعبّر عن عودة ظهور موضوع سياسي عالمي ظلّ لفترة طويلة على الهامش – الشباب باعتبارهم ضمير نظام عالمي في حالة تدهور.
- إذا كان العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عقداً من الانتفاضات من دون ثورة، هبّات كشفت عن إخفاقات النظام من دون تجاوزها، فإن الاضطرابات الحالية هي بمثابة سياسة الضرورة: ليست ثورية بعد، ولكنها وُلدت من إدراك أنّ مجرّد البقاء على قيد الحياة يتطلّب الآن مواجهة النظام نفسه.
عبر القارات، عادت مشاهد مألوفة إلى الشوارع. في نيبال، أطاح المتظاهرون الشباب بالحكومة بعد سنوات من الفساد والركود. في المغرب، ملأ تجمّع «جيل زد 212»، الذي لا زعيم له، ساحات المدن بهتافات ضد تبذير الدولة وإهمالها اليومي. في مدغشقر، أجبر الطلاب والعمّال دون عمل، الذين يواجهون نقصاً في المياه وانقطاعاً متكرراً للكهرباء، الرئيس على حلّ حكومته. وسرعان ما قدّمت وسائل الإعلام العالمية عنواناً ملائماً: الجيل زد ينتفض.
ومع ذلك، فإن هذا الوصف، الذي تكرّر من «سي إن إن» إلى صحيفة «نيويورك تايمز»، صحيح ومضلّل للغاية في الوقت نفسه. صحيح أنّ المتظاهرين شباب، وأنّ الأدوات الرقمية – خوادم «ديسكورد» وموجزات «تيك توك» وقنوات «تيليغرام» – قد سرّعت من تنسيقهم. لكنّ وصف هذه الثورات بـ«احتجاجات جيل زد» هو خلط بين الوسيلة والرسالة. إذ أنّه يحوّل أزمة بنيوية إلى مزاج جيلي، ويختزل السياسة في الديموغرافيا. ما يختفي عن الأنظار هو الحقيقة الأعمق: أنّ هذه الانتفاضات تعبّر عن عودة ظهور موضوع سياسي عالمي ظلّ لفترة طويلة على الهامش – الشباب باعتبارهم ضمير نظام عالمي في حالة تدهور.
تنتمي انتفاضات هذا العام إلى القوس التاريخي نفسه: «الثورة المؤجَّلَة». وقد رسمت خريطة لعقد ونصف العقد من الاحتجاجات – من الربيع العربي إلى #FeesMustFall – عندما اندلعت تحركات جماهيرية في جميع أنحاء العالم، لكنّها نادراً ما غيّرت البُنَى التي واجهتها. كشفت تلك الحركات عن حدود الديمقراطية النيوليبرالية، لكنّ الأخيرة احتوتها في نهاية المطاف. لم تنطفئ الثورة المؤجّلة، بل تمّ تشتيتها. تشير أحداث العام 2025 إلى عودة طاقة تلك الدورة، التي تشكلت بفعل الظروف الاقتصادية الأكثر قسوة وتجرّدت من الأوهام السابقة عن الإصلاح. إذا كان العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عقداً من الانتفاضات من دون ثورة – من هبّات كشفت عن إخفاقات النظام من دون تجاوزها – فإنّ الاضطرابات الحالية هي بمثابة سياسة الضرورة: ليست ثورية بعد، ولكنها وُلدت من إدراك أنّ مجرّد البقاء على قيد الحياة يتطلّب الآن مواجهة النظام نفسه.
إضفاء الطابع غير السياسي
تكرار ثورات الشباب ليس أمراً غامضاً. في ظلّ الرأسمالية، يكون الشباب دائماً أوّل من يعاني من تناقضات التراكم. فهم يرِثون تكاليف أزمات لم يتسبّبوا فيها، ويدخلون مرحلة البلوغ في اقتصاداتٍ لم تعد بحاجة إلى قوّة عملهم ونُظُم سياسية لم تعد تطلب رضاهم. في المغرب، أكثر من ثلث الشباب دون سنّ 24 عاماً من دون عمل، حتى في الوقت الذي تبني فيه الدولة ملاعباً لاستضافة كأس العالم 2030. في نيبال، جرى تصدير أجيال كاملة كعَمالة مهاجرة، ما سمح باستمرار اقتصاد التحويلات المالية الذي أتاح للنخب المحلية تأجيل أي تحوّل بُنيوي. في معظم دول الجنوب العالمي، أصبح الفائض الدائم من الشباب سمة ثابتة في الحياة الاقتصادية – أغلبية ديموغرافية محكوم عليها بالبطالة الاجتماعية.
إن التعامل مع هذا الأمر على أنه صراع بين الأجيال – جيل زد ضد كبار السن – هو إضفاء الطابع غير السياسي عليه. ينتمي مصطلح «جيل زد» إلى قاموس التسويق في مرحلة الرأسمالية المتأخرة، وليس إلى مفردات التغيير التاريخي. وهو يشير إلى أنّ ما يوحّد هؤلاء الشباب هو الثقافة أو الموقف وليس الظروف المادية. لكن المأزق المشترك بينهم ليس نفسياً. إنه بُنيَوي. الاقتصادات نفسها المدفوعة بالديون، والخدمات الاجتماعية المخصخَصة، وبرامج التقشف المفروضة من الخارج التي ميّزت العصر النيوليبرالي قد وصلت الآن إلى حدودها السياسية. يقف الشباب على حافة هذا الإرهاق، حيث انهارت كلّ وعود التنمية لتتحوّل إلى حالة من الهشاشة الدائمة.
تغيّر شكل الاحتجاج، لكنّ منطقه لم يتغيّر. في المغرب، نمت قناة «Gen Z 212» على منصة ديسكورد لتصل إلى أكثر من 130 ألف عضو في غضون أيام قليلة – وهي بنية تحتية رقمية تملأ الفراغ الذي كانت تشغله الأحزاب السياسية والنقابات في السابق. في مدغشقر، نسّقت شبكة «Gen Z Mada» عبر الإنترنت مع النقابات العمالية للدعوة إلى إضرابات وطنية. في نيبال، تطوّرت الحركة التي بدأت ضد حظر وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفض جماهيري للنظام ما بعد الماوي بأكمله، والذي فقد مصداقيته بسبب عقود من التحرير الاقتصادي وتناوب النخب. هذه ليست مجرّد انتفاضات رقمية. إنها إعادة تشكيل للطبقات الاجتماعية تتّم عبر الوسائل الرقمية، وتجاربٌ في التنظيم تنبثق من بين أنقاض الوسائل التقليدية للسياسة الجماهيرية.
تجدر الإشارة إلى أنّ الكثير من الحركات تتبنّى عن وعي التسمية نفسها التي تستخدمها وسائل الإعلام لتقلّل من أهميتها. فقد تبنّت حركات «جيل زد 212» في المغرب و«جيل- ز- مدَ» في مدغشقر و«جيل- زد نيبال» هذه التسمية ليس من منطلق التماهي مع فئة تسويقية عالمية، بل كطريقة لتسمية القواسم المشتركة بين أجيالهم في ظلّ الأزمة. وهي تعمل كاختصار تكتيكي – علامة تجارية ساخرة باللغة العالمية التي تستبعدهم (وهي لغة تتعايش مع صناعة صحافية وثقافية مبتذلة تُعامل «جيل زد» كمعرض في حديقة حيوانات، وتتكهن دائماً بالعادات الغريبة لهذا النوع – «نظرته الميتة»، وكراهيته للعمل، وخوفه من النوادي الليلية – بينما غالباً ما تتجاهل النظام الاجتماعي الذي ينتج هذه الظروف).
وعي جذري أكثر مما يبدو
لا يزال المحتوى الأيديولوجي لهذه الحركات في طور التكوين. يعبّر الكثيرون عن غضبهم بعبارات أخلاقية – الفساد، الكرامة، الخيانة. لكن وراء هذه المفردات يكمن وعيٌ بُنيَويّ: أنّ النخب الوطنية تعمل كوسطاء لنظام عالمي لم يعُد يفي بوعوده. كما قال أحد المتظاهرين في نيروبي خلال الانتفاضات التي شهدتها كينيا العام الماضي: «نحن محكومون من البنوك، وليس من البرلمان». من أنتاناناريفو إلى كاتماندو، الاتهام واحد: الدولة بيعت، المستقبل مغلق.
هذا الوعي ليس برنامجاً بعد، لكنه أكثر جذرية ممّا يبدو. إنه يمثل عودة ظهور الوعي بالنظام العالمي من الأسفل – الإحساس بأنّ الظلم في الحياة اليومية مرتبط بهيكل الرأسمالية العالمية نفسها. في المراحل السابقة من الاحتجاجات الجماهيرية، كان المطلب هو الإدماج: أن يتمّ تمثيلهم، والاعتراف بهم، وتطويرهم. أما المطلب الذي يحرك الانتفاضات الحالية فهو أكثر جوهرية: البقاء على قيد الحياة في نظام استنفد شروط الحفاظ على الحياة المحض. وهذا هو السبب أيضاً في أنّ فلسطين أصبحت معياراً أخلاقياً وسياسياً قوياً للغاية. لقد أوضحت الإبادة الجماعية المستمرّة في غزة، وشجاعة أولئك الذين يواصلون تحدّيها – من مخيمات الطلاب إلى أسطول الصمود العالمي – لجيل كامل أن الإمبراطورية ليست فكرة مجرّدة (تعرّض نشطاء الأسطول للاحتجاز الإسرائيلي في ظروف غير إنسانية، بما في ذلك الكاتبة الجنوب أفريقية زوكيسوا وانر، المساهمة في مجلّتنا، والمحتجزة مع مئات آخرين تحدّثوا عن تعرّضهم للضرب والحرمان والحبس القسري). إنه المنطق التنظيمي للمنظومة التي يواجهونها. ما يربط الاحتجاجات في نيروبي وكاتماندو وليما أو الدار البيضاء بأولئك الذين يطالبون بفلسطين حرّة هو رفضٌ مشتركٌ لعالم منتظم من خلال نزع الملكية والهرمية.
يجسّد مسار الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ البالغة من العمر 22 عاماً هذه الدينامية بشكل مثالي. فبعد أن كانت محبوبة الليبراليين المدافعين عن البيئة – حيث استُقبلت في دافوس، ورحّب بها أوباما، واحتُفيَ بها كدليل على أن «جيل زد يهتم» – جرى الاحتفاء بها لأنّ انتقاداتها بدت أخلاقية أكثر منها بنيويّة. ولكن في اللحظة التي ربطت فيها العدالة المناخية بمناهضة الإمبريالية، ووقفت إلى جانب الفلسطينيين، ووصفت الفصل العنصري الإسرائيلي والحرب المستمرّة على غزة بالإبادة الجماعية، تلاشت الدعوات (لم تركز ثونبرغ على فلسطين والعدالة المناخية فحسب، بل كانت ثابتة في مواقفها بشأن مجموعة من القضايا، بما في ذلك أوكرانيا وأرمينيا والصحراء الغربية). فجأة اكتشف السياسيون الغربيون، الذين كانوا يصفقون لها في السابق، حدود تحمّلهم. ما تغيّر ليس عمرها بل سياستها. لا يستطيع النظام السائد تحمّل معارضة الشباب إلّا عندما تمدح صورته الذاتية، وهو يتراجع في اللحظة التي تسمّي فيها المعارضة أُسُسَه.
نزع القناع
عندما يصف التعليق السائد هذه الموجة من الاحتجاجات بأنّها «تمرّد جيل زد»، فإنّ ما يعنيه في الواقع هو: لا تأخذوا الأمر على محمل الجدّ. هذه التسمية تروّض ما ينبغي أن يكون مُهدِّداً. إنّها تحوّل النضال السياسي إلى تقليعَة في نمط الحياة. ولكن إذا نزعنا هذا القناع، فما يظهر هو نمطٌ يربط الحاضر بتاريخ أطول من ثورات الشباب في ظلّ الرأسمالية – من باريس في العام 1968 إلى سويتو في العام 1976 إلى حركات #EndSARS وFallist في العقد الماضي. في كلّ تلك الحالات، لم يكن الشباب مجموعة مصالح خاصة، بل الفئة الاجتماعية التي أعلن من خلالها التاريخ أنّ النظام القديم قد انتهى.
يجري التعبير عن هذا الإعلان مرّة أخرى. ما نشهده من كاتماندو إلى الدار البيضاء ليس مجرد نفاد صبر جيل جديد، بل عودة ظهور تناقض عالمي لا يمكن لأي حكومة، مهما كانت قمعية، أن تتعامل معه إلى ما لا نهاية. لقد عادت الثورة المؤجَّلة إلى الظهور، مجرّدة من الأوهام وتعتمد الشاشات وسيطاً، لكنّها في جوهرها لا تزال كما هي: تطالب بإصرار بعالم يمكنه الحفاظ على الحياة والكرامة والمعنى بما يتجاوز السوق، ومن أجل الناس، وليس من أجل السلطة أو الربح.
المصدر: موقع صفر https://alsifr.org/genz-uprising
اقرأ أيضا