مشروع قانون التعليم العالي بين: رهان خوصصة الجامعة وتطلعات مكوناتها
بقلم: ايكيدر عثمان
صادق المجلس الحكومي المنعقد يوم الخميس 28 أكتوبر 2025، على مشروع القانون رقم 24-59 المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي، وبالسؤال عن تسريع وتيرة المصادقة عليه نجد الجواب الشافي في تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة، في اللقاء الصحفي الذي أعقب مجلس الحكومة المذكور،”…وذلك قصد تعزيز الدور الفعال للتعليم العالي في تحقيق الأولويات التنموية، واسهامه المحوري في تكوين الرأسمال البشري المؤهل لمواكبة للسياسات والبرامج والاوراش…”و هذا الكلام يترجم بالحرص على الاستجابة لحاجيات الرأسمال المحلي والاجنبي من يد عاملة مؤهلة كفيلة بتأمين دورات إنتاجه…..
الجامعة العمومية في مهب العاصفة: خوصصة الخدمات ونهج أسلوب مقاولتي في التسيير
الجامعة كمؤسسة عمومية، تقدم تكوين وتعليم بالمجان، وتعتمد في تسييرها المالي على الاعتمادات المخصصة لها في إطار الميزانية العامة. إلا أن مشروع القانون 24-59 يهدف الى ضرب هذا الطابع للجامعة، وتحويلها الى الاعتماد على التنويع في مداخيلها المالية، بدءا ب:
– فرض رسوم عن الخدمات المقدمة تحت مسميات ”التوقيت الميسر، التكوين المستمر.” . (المادة 81)
– إحداث شركات مساهمة تسمى مؤسسات تنمية التكوين والبحث والابتكار، والمساهمة في رأسمال مقاولات خاصة، المادة (47)
ثم تأتي أخيرا المبالغ الممنوحة من طرف الدولة والجماعات المحلية في شكل إعانات ؟؟؟
وقد كانت المذكرة التقديمية للمشروع، جعلت من ” ترسيخ دور مؤسسات التعليم العالي التابعة للقطاع الخاص، من خلال النهوض بوظائفها…. إحدى المرتكزات الأساسية للمشروع.” الذي أفرد فصلا بكامله (الفصل الثالث) للتعليم العالي الخاص، في مسعى واضح نحو ادخال الجامعة الى عالم المقاولة، حيث نص مشروع القانون على وجود ممثل لنقابة أرباب العمل في تركيبة مجلس الجامعة؟؟؟ كما يعتبر خدماتها مؤدى عنها، وهذا ما شرعت فيه بعض المؤسسات الجامعية، عبر استيفاء رسوم التسجيل بسلك الماستر قبل دخول القانون حيز التنفيذ…، مع العزم على إضفاء طابع الشركات عن طرق تسييرها المالي والإداري، وهو ما سيشكل ضربا صريحا لمجانية التكوين والتعليم العالي، وتحويل الجامعة من مؤسسة أكاديمية ذات رسالة علمية وإنسانية إلى مقاولة تجارية يحكمها منطق الربح.
مجلس الأمناء: ترسيخ التحكم الفوقي بالجامعة وإفراغ هياكلها من صلاحيات التقرير والتسيير
تنص المواد 30،31،34 من مشروع القانون 24-59 على احداث مجلس للأمناء بكل جامعة يتألف من شخصيات علمية وأكاديمية إضافة الى والي الجهة ورئيس مجلسها ……مع تعيين رئيس له بمرسوم باقتراح من السلطة المختصة، مع التنصيص على منح هذا المجلس صلاحيات واسعة مثل:
- المصادقة على استراتيجية تطوير الجامعة وتحيينها
- تتبع تنفيذ العقود والبرامج المبرمة مع الدولة
- الموافقة على اتفاقيات إحداث الأقطاب الجامعية
- عرض حصيلة المنجزات وبرنامج عمل السنة الموالية ……
وبالنظر الى حيوية هذه الأدوار، وما تفتضيه من إلمام بدور الجامعة وإمكانياتها الذاتية، وبالتالي اضطلاع أعضاء المجلس على ذلك، إلا أن مشروع القانون منح تمثيلية هزيلة لمكونات الجامعة داخل مجلس الأمناء، تقتصر على عضو واحد كممثل للأساتذة الباحثين، وعضو واحد كممثل للأطر الإدارية والتقنية، مع تغييب لأي تمثيلية للطلبة-ات وعاملات وعمال المناولة، كما يحصر حضور رئيس الجامعة في مداولات المجلس بصفة استشارية وفقط.
إن كل ما ورد أعلاه لا يترك مجالا للشك في كون إحداث هذا المجلس يشكل إنتهاك صريح لاستقلالية الجامعة، ”وسعي واضح إلى فرض وصاية سلطوية سياسية وإدارية عليها، بهدف إفراغها من محتواها الأكاديمي ومحاولة إخضاعها لمسعى تحكمي من خارج هياكلها، قصد إفراغ مجالسها المنتخبة من روحها التمثيلية والسطو على اختصاصاتها الإدارية والبيداغوجية.”(بيان المكتب الجهوي للنقابة الوطنية للتعليم العالي بجامعة ابن زهر أكادير)
مواقف المكونات المشكلة للجامعة
أ-نقابتي الأساتذة الباحثين
نددت النقابة الوطنية للتعليم العالي في بيان صادر عن مكتبها الوطني يوم 29 غشت 2025 بإخضاع مشروع القانون 24-59 لمسطرة المصادقة دون استشارة هيئة الأساتذة الباحثين، وهذا ما يستدعي حسب البيان تعبئة وطنية واسعة، وإثارة انتباه الرأي العام والمنظمات المعنية بالتعليم العالي …. وما تمثله من رهانات تخص سيادة وحق في تعليم عمومي وديموقراطي للجميع، كما دعت النقابة إلى عقد دورة للجنة الإدارية يوم 14 شتنبر 2025 وتنظيم ندوة صحفية يوم 17 من نفس الشهر.
كما أن تيار الأساتذة الباحثين التقدميين بنفس النقابة اعتبر في بيان له صادر يوم 08 شتنبر 2025 أن المشروع يشكل تهديد غير مسبوق للجامعة ومجانية التعليم والتكوين، مع دعوة الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية والجمعوية المناضلة الى الحضور لاجتماع سيعقد يوم 13شتنبر 2025 قصد تأسيس جبهة وطنية من أجل التصدي للمشروع،
كما أعلنت النقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي عن رفضها للمشروع واعتبرته ردة خطيرة تمس هوية الجامعة العمومية وتراجعا خطيرا عن المكتسبات التاريخية للأساتذة الباحثين، فضلا عن تكريس تبعية الجامعة لسلطة الوصاية، معتبرة إحالة المشروع عن المسطرة التشريعية ضربا للمسار التوافقي، مطالبة بسحب المشروع وإعادته لطاولة الحوار، حسب بيان صادر عن مجلسها الوطني المنعقد في دورة استثنائية يوم 04 شتنبر 2025.
ب-نقابات الموظفين/ات الإداريين/ ات والتقنيين/ ات بالتعليم العالي
أشارت النقابة الوطنية لموظفي التعليم العالي والأحياء الجامعية (كدش) في بيان صادر عن مكتبها الوطني يوم 24 غشت 2025 الى ‘‘إقدام الوزارة على وضع مشروع قانون التعليم العالي في مسطرة التشريع وفي عز العطلة الصيفية……دون إشراك لنا كنقابة أكثر تمثيلية، خلافا للوعود التي قطعتها على نفسها…، كما تضمن بيان صادر عن المجلس الوطني لنفس النقابة المنعقد يوم 11شتنبر 2025 ” تجديد الرفض القاطع للمشروع القانون، الذي جاء مجحفا في حق الموظفين وخاصة المادة 84 منه…مطالبا بسحبه الى حين التوافق حوله.
كما صدر بيان عن النقابة الوطنية لقطاع التعليم العالي المنضوية (إم ش)، وصفت فيه إصدار المشروع من قبل الوزارة، دون إشراك مكونات الجامعة، بالقرار المتعنت. وهو ما يشكل ”خرقا واضحا لمبدأ الحوار الاجتماعي والديموقراطية التشاركية….” داعية الى خوض إضراب إنذاري لمدة 48 ساعة يومي 11و 12 شتنبر 2025.
أما نقابتي الجامعة الوطنية لموظفي التعليم العالي والأحياء الجامعية (الاتحاد العام للشغالين بالمغرب) وقطاع التعليم العالي (فدش) فقد أفادتا في بلاغ إخباري مشترك عقب لقاءهما مع ممثلين عن وزارة التعليم العالي يوم الاثنين 07 شتنبر 2025، أنهما قد أكدتا في هذا اللقاء بخصوص مشروع القانون 24-59على ” أن أي إصلاح يجب أن يصون حقوق ومكتسبات الموظفين في إطار الوظيفة العمومية……مع ضرورة الحفاظ على مركزية أجورهم وصرفها من الميزانية العامة.”
وفي بلاغ صدر عن مكتبها الوطني يوم 05 شتنبر 2025، جاء فيه أن الجامعة الوطنية لقطاع التعليم العالي (الاتحاد الوطني للشغل) ”ترفض بشكل قاطع صدور القانون رقم 24-59 بالتعليم العالي والذي يمثل تهديدا لحقوق الموظفين ويمس بمكتسباتهم التي تم النضال من أجلها على مر السنوات.” مطالبة ب ” فتح باب التشاور والتوافق بشأنه….”
في حين لم يتم تداول أي منشور صادر عن النقابة الوطنية للعاملين بالتعليم العالي التابعة للجامعة الوطنية للتعليم/ التوجه الديموقراطي، يتضمن موقف من مشروع القانون 24-59.
التنظيمات الطلابية
تم يوم 28 غشت 2025 تداول بيان مشترك على المواقع الالكترونية وصفحات التواصل …. صادر عن التنسيقية الوطنية للطلبة المهندسين، اللجنة الوطنية لطلبة الطب و طب الأسنان والصيدلة بالمغرب، الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (دون الإشارة الى فصيل أو فصائل تحديدا)، تضمن الإشارة الى أن إصدار مشروع القانون 24-59 المتعلق بالتعليم العالي يعكس غياب إرادة سياسة ومقاربة تشاركية حقيقية…. مؤكدا أن ”المشروع الحالي لا يكفل للطلبة حقهم في التنظيم عبر هيئاتهم التمثيلية (مجالس، مكاتب وجمعيات…) باعتبارها ضمانة قانونية للحرية والتنظيم والدفاع عن حقوقهم….”
ضرورة النضال المشترك
إن الدفاع عن الجامعة كمؤسسة عمومية و مجانية و كذا جودة خدماتها، في احترام تام لاستقلاليتها الأكاديمية و الإدارية و ما يصون كرامة و حقوق كل مكوناتها من طلبة/ات و أساتذة /ات باحثين/ات و أطر إدارية وتقنية و عمال/ ات شركات المناولة، يقتضي تكتل هيئاتهم النقابية في جبهة واحدة وإسنادها بدعم الإطارات المناضلة خارج الجامعة، النقابية والحقوقية والشبابية والسياسية ….قصد النضال المشترك للحفاظ على المكتسبات المادية والمعنوية لهذه المكونات، وضمان مستقبل يضمن الحق في متابعة التحصيل العلمي مجانا للأجيال القادمة، حتى لا تتحول المدرسة والجامعة العموميتين إلى مشاتل لتخريج أفواج من اليد العاملة المؤهلة والزج بها في طاحونة الاستغلال والاستيلاب الرأسماليين.
12 شتنبر 2025
اقرأ أيضا


