من إنتفاضة 20 يونيو 1981 إلى إنتفاضة الريف 2017: الدروس والعبر وسبل إنتزاع النصر

سياسة19 أغسطس، 2017

على ضوء النضال البطولي الجاري في الريف منذ ثمانية أشهر، احتجاجا على مقتل محسن فكري، والمطالبة بحد أدنى من الخدمات العمومية؛ مستشفى وجامعة وتشغيل المعطلين… تحل الذكرى السادسة والثلاثين لانتفاضة 20 يونيو 1981 وما اقترف النظام من مجزرة في مدينة الدار البيضاء.

الهمت تجربة كفاح الريفيين مدنا عدة، وعمت المظاهرات طول البلد وعرضه منادية بمطالب إجتماعية . واجهت الدولة هذه النضالات تارة بالقمع والإعتقالات وطورا أخر بعقد اجتماعات خاوية مع «المنتخبين» وما يسمى «المجتمع المدني»، لتدارس ونقاش ما يمكن تقديمه من الأعيب واكاذيب تطفئ بها جمرة الغضب المتقدة.
يجري حاليا قمع الريفيين بالهروات واعتقال قياديي الحراك الشباب وعسكرة المدينة وترهيب سكانها ومحاصرتها بقطع صبيب الانترنيت وتسخير أقلام مأجورة لترويج خطاب «الأوباش» ومحاولة النيل من حظوة أهل الريف، وكل صنوف التنكيل الأخرى… ولازالت الانتفاضة الريفية سائرة في طريقها.
قمع انتفاضة 20 يونيو 1981: درس قديم يتجدد
سقط آلاف الجرحى ومئات الشهداء في عملية قمع شرسة للمتظاهرين في شوارع الدار البيضاء سنة 1981. باستعمال الرصاص والاليات العسكرية، وكانت بنادق رجال الجيش والشرطة مصوبة نحو مواطنين عُزل.
كانت الإصابات قاتلة، والبنادق موجهة إلى الصدر والرأس مباشرة. جريمة مكتملة الأركان قادها الجلاد إدريس البصري وزير داخلية الحسن الثاني، سحقت المظاهرات في حمام دم. وكانت كلفة الإضراب العام الذي دعت إليه الكنفدرالية الديمقراطية للشغل غالية جدا، ولازالت تنتظر القصاص الشعبي العادل إلى اليوم، فالجلادون يسكنون القصور ويهربون الأموال، فيما الضحايا منهم من لازال في عداد المفقودين أو مدفونون في مقابر جماعية سرية، وآخرون قضوا سنوات في ظلمات الزنازين الرطبة بسجانيها الطغاة.
نزل الشعب إلى الشوارع للاحتجاج على الارتفاع الصاروخي لأسعار المواد الغذائية الأساسية، فلاحقته الدبابات والمروحيات. إنه الوجه الحقيقي للديمقراطية الحسنية.
في النص التالي نحاول تقديم بعض الدروس والعبر من الانتفاضة المجيدة لسنة 1981 والتذكير بنواقصها ومدى استفادة الدولة من ضعف تنظيمات النضال الشعبي، أملا في تجاوز الأخطاء وانتزاع نصر الكادحين فيما نراه من نضالات في الحسيمة ونواحيها.
السياق العام لإضراب الكنفدرالية الديمقراطية للشغل و دور اليسار
شهدت بداية الثمانينات بداية تصاعد الهجوم النيوليبرالي الكاسح على مكتسبات اجتماعية للطبقة العاملة في أوربا وأمريكا، حيث انطلقت إجراءات دكاكة الرأسمالية في نسف الحقوق الاقتصادية الاجتماعية (صحة وشغل وتعليم وتقاعد …) مع ما تلا ذلك من استبداد سياسي بقمع تنظيمات الطبقة العاملة ( نقابة العمال المنجميين في بريطانيا ونقابة المراقبين الجويين في أمريكا ) وفتح الأسواق المحلية للرأسمال العالمي، فيما سمي التحرير الشامل للاقتصاد.
لم يكن المغرب استثناءا من بين البلدان الرأسمالية التابعة، حيث دشن الحسن الثاني حقبة جديدة في الهجوم المعمم على أغلبية من هم في الأسفل، يوم 28 مايو من سنة 1981 جاء في نشرة لوكالة المغرب العربي للأنباء قرار حكومي يفيد بزيادة في أسعار المواد الأساسية لعيش المغاربة : الدقيق 14% والسكر 50 % والزيت 28% والحليب 14% والزبدة 76%…كانت هذه الزيادة في المواد الاستهلاكية حافزا مباشرا لتحرك قطاعات عريضة من الكادحين في الشارع للدفاع عن قوتهم اليومي.
أضربت المحال التجارية، وتوقفت مصانع عن العمل، واحتلت الجموع الغاضبة الأزقة والشوارع، وبدأت المسيرات الشعبية في مدينة الدار البيضاء (الحي المحمدي والبرنوصي…) ليتلوها نزول المدرعات والدبابات وانطلاق المجزرة الرهيبة مخلفتا جروحا لم تندم بعد. قمعت الانتفاضة بكلفة باهظة معلنة هزيمة الطبقة العاملة ومعها كادحي المغرب.
سهل هزيمة انتفاضة 20 يونيو 1981، غياب انغراس كاف لقوى اليسار المناضل في النقابات العمالية شديدة التبقرط، ما أن دعت النقابات إلى إضراب وطني عام، حتى انفلتت الجماهير من عقالها، وتدفقت قوى نضال شعبي مكسرة أغلال التحكم الفوقي. برز ضعف أثر اليسار الثوري ومحدودية انغراسه وحتى غيابه، حيث طال الاستبداد كوادره وسحقهم قبل ذلك بسنوات، وما بقى من القوى الاتحادية «الديمقراطية» زيفا وزورا كانت لها حسابات «النضال الديمقراطي» أي النضال من أجل تقاسم الحكم تحت رعاية الأسياد ورضاهم. أما مئات النقابيين المقموعين، سجنا أو طردا من العمل، فقد كانوا مناضلين عماليين مدافعين عن قوت الطبقة العاملة، لكنهم مخدوعون سياسيا من قبل حزب حامل لمشروع برجوازي أقصى غايته تقاسم السلطة مع الملكية وتلطيف نظام الرأسمالية التابعة القائم بالمغرب.
دخلت جماهير الدار البيضاء ساحة حرب طبقية بلا متراس يحميها من ضربات العدو، اندلعت المواجهات المكشوفة بعيدا عن أي توجيه سياسي طبقي يقدمه حزب ثوري مجرب وله من القدرة ما يكفي على خوض النزال. خسائر غياب طليعة ثورية جسيمة وفادحة، معتقلون وجرحى وشهداء ومفقودون… والأعظم من كل ذلك خروج النظام الملكي منتصرا رغم ما أحدثه النزال في جسده من كدمات وتصدعات، وهزيمة مدوية لطبقة عاملة مكافحة، خاضت غمار تجربة نضال بدعوة لم تستعد لها بما يكفي من عدة وعتاد.
كل هذا ولازال اليسار المناضل غائبا عن ساحة الأحداث المتواترة، الهجوم يشتد وطأة و التبقرط في أوجه ووعي العمال السياسي في الحضيض، ومعارك عمالية تموت خنقا بيد قيادات متواطئة مع الدولة وخدامها.
يعزز اليسار المناضل و الحال هاته، ديمومة هزيمة الطبقة العاملة وحتى إحباط معنوياتها وإطفاء شعلة شباب مقدم على النضال، بعضه مدفوع بتأثيرات محيطه الإقليمي. لا مناص من إعادة تسليح حلفائنا بروح الماركسية الثورية وبتجارب نضالات الطبقة العاملة العالمية، وهذه مهمة أنية لا تقبل التأجيل، من دونها نكرس الهزائم ونمجد تاريخ الانكسارات.
الحسيمة نضالات شعبية كفاحية تغيب عنها الطبقة العاملة كفاعل قائم بذاته
تغيب الطبقة العمالية الواعية والمنظمة عن الانخراط المباشر في الصراع الدائرة رحاه في مدينة الحسيمة ونواحيها. فالجماهير تحتل الشوارع منذ أشهر في مسيرات ووقفات احتجاج، استطاعت الدولة بشتى تلاوين القمع والحيل الأخرى الحد من انتشارها في المدن.
أمام هذه المعضلة الحقيقية في بقاء المنظمات النقابية بعيدة عن الالتحام بالنضال الشعبيالجاري، بيروقراطية تضع العمال طوع إشارتها، وجاثمة على مفاصل التنظيمات العمالية يفزعها تحرك الأجراء وتحاول كبحه بشتى السبل، ما يطرح مسألة دور اليسار المناضل في المنظمات النقابية ومدى استعداده للنهوض بدور طليعي في القادم من المعارك.
كشفت انتفاضة الحسيمة نواقصنا كيسار وضعف تهيكلنا، في تعبئة قطاعات عمالية من داخل النقابات من أجل حثها على التضامن والمشاركة الفعلية في النضال.
إن الدور المنوط بالقوى الثورية هو حفز التضامن مع أهالينا الريفيين والتنويه بتجربة كفاحهم وتعميمها، الحسيمة المدينة الواقعة على الهامش تخرج في مسيرات نسائية مبددة كل أوهام عن تراجع الزخم النضالي النسائي الكامن، فشدة القهر والاضطهاد والحكرة تلف كل الكادحين و الكادحات لمواجهتها.
سنة 1981 كانت الانتفاضة المجيدة بدعوة من التنظيمات العمالية، لكن في الحسيمة كانت شدة الظلم وبطش رجالات الدولة هو الحافز، لم ترقى الطبقة العاملة بعد إلى الزخم النضالي الشعبي الكائن، جراء القيد البيروقراطي الذي يشلها. وهذه علة كافية لليسار المنتسب لتحرر العمال، والفاعل في النقابات العمالية لبداية خوض معركة التحرر من البيروقراطية، فهل هناك مناخ مساعد أكثر مما هو عليه حال شعبنا الكادح من كفاح اليوم ؟
تخوض الملكية حربا اقتصادية طاحنة على الطبقات الشعبية تكلف المزيد من الخراب الاجتماعي، وتموه جرائمها بما تسميه «مسلسلا ديمقراطيا»، كل ذلك التمويه والخراب يواجهه الشعب بنضالات وبطولات سرعان ما تخبو وتتبخر، وتهب من جديد صبوة شعبية…لكن أليس لهذه الدوامة حد فاصل بين الهزيمة النهائية أو الانتصار الكامل؟
بلى، انتصار شعبنا في الريف و في كل المناطق محتوم، لكنه مشروط بضرورة بناء حزب ماركسي ثوري ينظم التدخل الناجع والمنظم والواعي للطبقة العاملة المغربية، القائدة لعامة الكادحين والمقهورين. إنها ليست مهمة مستحيلة وبعيدة المنال، تاريخ الطبقة العاملة يزكي هذا الطموح ويثبته جديته وراهنيته الآن وفورا.
فلنتوجه إلى العمال …فلا نصر كامل لتضحيات شعبنا دونهم
عاش الريف ولا عاش من خانه

شارك المقالة

اقرأ أيضا