الجزائر: حول تطورات الحراك النضالي الجارية

 

 

 

 

مجددا ملايين المتظاهرين في الجزائر

 

كمال عيسات متحدثا عبر الهاتف إلى حصيلة تظاهرات يوم 19 نيسان/أبريل ورهانات هذا الأسبوع في الجزائر.

كانت مسيرات يوم الجمعة 19 نيسان/أبريل مذهلة. إنها تاسع عطلة نهاية الأسبوع حيث شهدنا ملايين الأشخاص في الشارع. ليس من السهل على أي شعب الانخراط في مسيرات كل يوم جمعة، لأن أنشطة أخرى تنظرنا، ونحن في حاجة إلى بعض الراحة، والمجتمع يضحي بيوم راحته للانخراط في المسيرات. وهذا مذهل، ومفرح وهادئ للغاية.

هناك هدوء مطبق، وعزم مثير للإعجاب، دون غضب، ودون ضغينة، لكنه يقول اننا نريد منكم الرحيل! وهذا فريد من نوعه في تاريخ الحراك الاجتماعي، بما في ذلك على المستوى العالم. تعبأت 48 ولاية لقول «سترحلون».

إنها من فرضت رحيل الحكومة، وتريد اجبارهم على الرحيل. ستكون هناك عطلات نهاية أسبوع بمشاركة عدد أقل من الناس، لكن يبقى عدد المنخرطين في التعبئات يناهز 20 مليون شخص. التعبئة سليمة وإرادة التغيير أيضا. هذا ما يجب الإقرار به، لأن في بعض الصحف، سينشر مشاركة عدد أقل من الناس، وليس 17 مليونًا ولكن 10 ملايين وحسب. لكن هذا العدد يظل هائلا.

يجب عدم تجاهل أن هناك أيضا تعبئة الأسبوع. كل يوم ثلاثاء هناك تعبئة في الجامعات، بمساهمة الطلبة والعمال وكل قطاع والإدارة العامة والبنوك والبلديات. وفي أيام أخرى من الأسبوع. أصبح تحديد الحجم متعذرا.

لم تدفع مناورات السلطة إلى فتور التعبئة

ينبغي فهم أن نظام بوتفليقة يشتغل منذ عشرين سنة. وقبله، كان هناك نظام العشرية السوداء، حيث ظهرت أوليغارشية في سنوات التسعينيات، ثم أخرى في العقد الأول من القرن العشرين. أدرك الناس أن النظام كان قادرًا على تجديد نفسه، وإيجاد مخارج سياسية وإدماج طبقات جديدة.

لم يعد الناس يؤمنون بتغيير قد يأتي من جهاز الدولة، من هذا النظام. إنهم لا يؤمنون بتغيير يأتي من داخل الطبقات الحاكمة.

يتضح دور ذاكرة التعبئات: ترسخت جميع النضالات التي حدثت أثناء الثلاثين سنة الماضية في الذاكرة الجماعية للجماهير الشعبية. لم تحصل على الإجابة التي كانت تودها في اللحظة الذي تريدها، لكن الآن يقول الناس أنهم يعلمون طبيعة هذا النظام، ويعرفون من قام بشراء الشركات العامة، واستفاد من سنوات التسعينيات، واستفاد من خطط التقويم الهيكلي لصندوق النقد الدولي، واستفاد من برامج البنك العالمي ونظام بوتفليقة. يعرف الناس كل ذلك ويصرحون به في تظاهرات اليوم.

على سبيل المثال، في بجاية، كانت الشعارات الأبرز هي الشعارات المعادية للإمبريالية، سواء ضد «الجهات الأجنبية» التي نددها بها الجيش، والتي جرى تحويلها لقول «الجهات الأجنبية ستجبركم على الرحيل»، أو ضد السيطرة الأمريكية على نفط الجزائر، والتي جرى رفضها عبر بعض اللافتات.

لم تؤدي استقالات هذا الأسبوع وظيفتها، ولا تؤديها. لأن راهنية الدستور الحالي لم تعد قائمة في الجزائر. رفض السكان الدستور لأنه مصمم خصيصًا للأوليغارشيين، والبرجوازيين الجزائريين، ومن يتولون زمام السلطة. القانون ليس محايدًا بأي وجه، إنه تعبير عن موازين قوى اللحظة: عندما صادر قام بوتفليقة، في انحرافه الملكي، بمصادرة السلطة، وصاغ دستورًا لتمكين البرجوازية من الاستيلاء على الثروة الوطنية. وهذا ما رفضه الشعب اليوم!

يوم السبت 20 نيسان/أبريل 2019، وجرى تحديثه يوم السبت 20 نيسان/أبريل 2019

————————————————————–

الجزائر: في شهر رمضان، التعبئة الطلابية مستمرة ضد السلطة

 

كانت التعبئة الطلابية في السابع من أيار/مايو بمثابة اختبار، في هذه اللحظة الخاصة من بداية شهر رمضان. وبناء على ذلك كانت أسئلة كُثر تُطرح حول إمكانية مواصلة الحراك في هذا الشهر.

كان الاختبار ناجحًا لأنه رغم الصيام، كان الطلبة حاضرين في الشارع، ولو أن عددهم تقلص قليلا. لكن ذلك يثبت عزم الطلبة على إبراز معارضتهم للنظام حتى رحيله برمته. ستساعد هذه التعبئة على استمرار تظاهرات يوم الجمعة على نطاق واسع.

لقد تطورت الشعارات: من قبل، رُفعت شعارات تأييد لأحمد قايد صالح، وادعى البعض أنه استجاب لمطالب الشعب باعتقال بعض رموز الفساد، وبعض الأوليغاشيات، وبعض رموز السلطة. لكن مع القمع، تغيرت الأمور، وهناك شعارات كُثر ضد أحمد قايد صالح. بالإضافة إلى ذلك، يرفض الطلبة رغبة أحمد قايد صالح وعبد القادر بن صالح في الابقاء على انتخابات يوم 4 تموز/يوليو حفاظا على النظام وإعادة تشكيله. لذلك كانت شعارات كُثر ترفض الانتخابات، بشعارات: «أولاش الفوت أولاش» [بالأمازيغية: لا للانتخابات]، «ما كانش الانتخابات معا العصابات»، [«لا للانتخابات معا العصابات»]، «لن يكون هناك تصويت مع الطغمة القائمة.»

كانت هذه هي الشعارات. وكانت هناك أيضًا حملة لصالح الإبراهيمي، وهو شخصية سياسية شارك في حكومات عديدة منذ عام 1962، وكان وزير التعليم بوجه خاص. هناك تغليط، وحملة للإيهام   بقدرته على إدارة الفترة الانتقالية.

هناك أيضًا نقاشات دائمة حول آفاق الحراك: تطرح نقاشات كُثر حول خرائط طريق مُقترحة حتى الآن، فهي تتحدث عن جمعية تأسيسية، ولكن أيضًا عن انتقال سلمي عبر تفاوض مع النظام القائم، وعن دور الجيش. على أي حال، فإن فكرة الحل في إطار الدستور الحالي تشهد تراجعا واضحا بين الجماهير، فاسحة المجال أمام مقترحات أكثر جذرية، للقطيعة.

وبوجه آخر، جرى أيضا استعادة مطالب الأسابيع الماضية، نفس مطالب الحراك الشعبي: رحيل النظام برمته، والحكومة وبالتالي أحمد قايد صالح.

الهدف هو تنظيم الحراك على المستوى الوطني، في إطار تنسيق وطني. بالفعل على مستوى الجزائر ثم على المستوى الوطني لبناء ميزان قوى هام. إن إسهام الحراك الطلابي في الحراك الشعبي متمثل في تمكين موجة القمع من الاستمرار، بإضافة يوم تعبئة أسبوعيًا، يوم الثلاثاء، وهو يوم ثابت، يوم الثلاثاء 22.

كما أن ذلك يرسم توجها بشأن مسألة التنظيم الذاتي للحراك: في تيزي وزو وبجاية وقسنطينة والجزائر العاصمة، في جامعات عديدة، يرفع شعار التنظيم الذاتي، وهناك أمل في أن يصبح ذلك نموذجا يحتذي به، على مستوى العمال والعاطلين وجميع القطاعات الأخرى. وهذا كفيل بحثهم على التنظيم الذاتي، والتسييس حول برنامج مطالب.

حكيم شنان، طالب في الجزائر العاصمة، مناضل حزب العمال الاشتراكي.

أُعد يوم الخميس 9 أيار/مايو 2019، وحُيّن يوم 9 أيار/مايو 2019.

————————————————————–

*محمود رشيدي، الأمين العام لحزب العمال الاشتراكي (PST): «القيادات العسكرية العليا جزء من الأوليغارشية الحاكمة»

نُشر الحوار في جريدة الوطن الجزائرية، وأجراه محند أزيري، مضى أكثر من شهرين على اندلاع الحراك الشعبي في 22 شباط/فبراير. عند العودة إلى الوراء، ونظرا إلى الأهداف التي حددها الحراك، يعني رحيل النظام، ألا تشعرون أن هناك خارطة طريق، خارطة طريق السلطة، وهي في طور الإعداد بعد كل يوم جمعة؟ نوع من الانتقال المنظم مع عمليات تراجع مبرمج، وأن هناك لهجة وتوقيت يوحيان بأن الحراك الشعبي يلازمهما و/أو يرافقها في مجرى هكذا خارطة الطريق بوجه التحديد …

في الواقع، نحن في إطار سيناريو انتقال مُتحكم به. بقدر ما أن السلطة، السلطة الفعلية –لأن هناك سلطة فعلية- تفرض  نهجا معينا. علاوة على ذلك، تلقينا للتو دعوة من عبد القادر بن صالح (الرئيس المؤقت) لحضور اجتماع تشاوري (حول انتخابات الرابع من تموز/يوليو، ملاحظة هيئة التحرير).

لذلك، هناك رغبة في توريط الجميع في هكذا خارطة الطريق التي تكرس سيرورة انتقال مُتحكم به، والتي ينبغي أن تتوج بانتخاب رئيس الجمهورية في يوم 4 تموز/يوليو.

ما يعني أننا دائمًا في نفس «النظام» الاستبدادي بقوانينه، وتنظيمه، وإدارته، إلخ، وردود أفعاله. لكن جواب ملايين الجزائريين، والجماهير الشعبية، يؤكد العكس: «ايتنحاو قاع»، و«يسقط النظام»، وهذا يعني التغيير الجذري.

وعاينا ذلك، حتى بعد استقالة الطيب بلعيز (رئيس المجلس الدستوري)، لقد ازداد حجم التعبئة وكرر الحراك الشعبي رفضه لهذا الشخص وللنظام وخارطة طريقه التي ترسخ، في الواقع، استمراره.

لأن النظام، إلى جانب طابعه الاستبدادي وقاتل الحريات، وتجاوزاته المَلكية، فإنه مرتبط بالكارثة. كارثة اقتصادية واجتماعية، كنتيجة مباشرة للسياسات والوصفات الليبرالية.

إنه نظام أثبت إفلاسه. على المستوى الاجتماعي، ارتفاع معدل البطالة، وانخفاض القوة الشرائية، الأجر الوطني الأدنى المضمون الذي لم يزد منذ تسع سنوات بالأقل. الأجور هي الأدنى في حوض البحر المتوسط ​؛ وانخفاض قيمة الدينار على نحو لا يمكن تصوره.

واتضح ذلك في انفجار الواردات التي أقيمت صراحة كنموذج للاستعاضة عن الإنتاج المحلي. ويتبين ذلك من الأشغال الكبرى؛ وكيف جاءت مشاريع البنيات التحتية الكبرى لملء دفتر طلبات المقاولات متعددة القوميات، بينما كان من الممكن الاستفادة منها في بناء الاقتصاد الوطني. كل ما أُعلن عن الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ومشاريع التصنيع، هو الإفلاس.

ويتضح ذلك جيدًا فيما قدموه لنا كصناعة السيارات التي لا تشكل، في الواقع، سوى نصف الثلث الذي كان لدينا في سنوات السبعينيات. وينص قانون المالية لعام 2015 على التقشف، مع تخفيضات شديدة في الميزانية (…). وتشكل هذه الكوارث مجتمعة أيضا جذور الحراك. ولا تمثل العهدة الخامسة سوى القشة التي قصمت ظهر البعير.

ما هي قراءتك حول موازين القوى القائمة في السلطة؟  

غني عن القول أننا لسنا على اطلاع كاف بمجريات الأمور. نحن لسنا عرّافين. تكشف قراءة الأحداث بادئ ذي بدء عن وزن الأوليغارشيين الذين سبق وجودهم نظام بوتفليقة. طبعا، عزز هذا الأخير تنامي الأوليغارشية الخاصة به. أصبحت الفئتين الاثنتين من الأولغارشية ثريتين بفضل الدولة.

واليوم، تطالب «الأوليغارشية القديمة» بحصتها. إن الأمر يتعلق بهكذا عملية إعادة التشكيل، بتبايناتها، والضغوط لإعادة التفاوض، وبالتالي شبكات الجهاز السابق لدائرة الاستعلام والأمن [المخابرات الجزائرية] المنهمكة حاليا في التدخل، إلخ. لكن لن نغالي في التفكير. ما يمكن قوله، مع ذلك، هو أن هذا الصراع لا يتناغم مع مطالب الحراك.

إنه تضارب مصالح، ومجموعات مصالح، تعني للبعض: انها تفرض إعادة إدماجها في دائرة القرار السياسي؛ وبالنسبة للبعض الآخر: انها تواصل السطو على هذه السلطة السياسية نفسها. هذا ليس صراعًا طبقيًا، لأنه صراع فصائل في السلطة.

 

كيف ترون دور الجيش اليوم؟ هل هو دور إيجابي أم رجعي؟

من الواضح أن الأزمة الحالية قد عجلت عودة الجيش إلى مقدمة المشهد. أزمة عززت دوره طبعا. وتعرض هذا الدور للطعن بالأقل منذ عهدة بوتفليقة الثانية وهزيمة مجموعة محمد العماري/علي بن فليس.

وبالتوازي مع أفول دور الجيش، ارتسمت، بالمقابل، معالم دور قوى عالم المال. ما نراه اليوم مع الحراك هو أن الانقلاب يمر عبر الجيش. تلعب القيادات العسكرية، ورئيس أركان الجيش في هذه الحالة، دور ضامن استمرارية النظام في إطار نوع من إعادة التشكيل. إعادة تشكيل حيث يصبح الجيش مرة أخرى فاعلا هاما للغاية في مراكز القرار السياسي.

إلى أي مدى يمكن أن يكون الجيش أو يصبح أداة تغيير حقيقية؟

ذلك غير وارد في ظل القيادة الحالية. لقد تأكدنا من ذلك للتو. تسعى القيادات العسكرية جاهدة إلى احتواءنا في إطار حل دستوري. غير أن هذا الأخير، يعني جليا استمرار النظام.  لا يمكن أن تكون الحلول، مرة أخرى، ذات طبيعية قانونية. والحل السياسي غير قائم في الدستور.

من وجهة نظر عملية، كيف يمكن للجيش أن يقترح أو يبادر أو يقود أو يرافق حلا سياسيا لم تحدد معالمه بعد؟

لنبدأ بادئ ذي بدء بعدم جعل الجيش فرامل. عبر المضي بسرعة نحو إزالة جميع العقبات بوجه ممارسة الحريات الديمقراطية فعليا. لأننا ما زلنا اليوم عاجزين عن الوصول إلى ساحة البريد المركزي على شكل مجموعات. هناك عناصر البوليس في هذه اللحظة… يحتلون المكان ويمنعون الوقوف فيه، ووسائل الإعلام العامة غير مفتوحة (…).

عندما تقولون ان على الجيش ألا يفرمل، ألم يكن هذا الجيش مسؤولاً؟

إن القيادات العسكرية التي يجسدها حاليا أحمد قايد صالح هي التي تحدد المسار وتطرح ما بلورته من خريطة طريق مرحلة انتقالية متحكم بها. انه انتقال بالقوة. رغم أن قايد صالح يدعي في خطبه دعم الحراك وتطبيق المادتين 7 و8.

حتى لو كان يعطي الانطباع بمهاجمة بعض الأسماء. ترى هذه القيادات العسكرية، أن شعار «خاوة خاوة» للاستهلاك فقط. لأنه في الواقع، من وجهة نظر الطبقات الاجتماعية، «خاوة خاوة» مع من يمثلون الأوليغارشية، شعار غير ممكن.

هذا غير ممكن فيما يتعلق بالمصالح المشتركة والمفهومة جيدا. شاهدوا كل هذه الشركات والمجموعات الخاصة التي يتحكم بها جنود سابقون، والتي تستفيد من دفتر طلبات عامة، وسخاء وامتيازات.

إن القيادات العسكرية العليا، إلى حد ما، جزء من الأوليغارشية الحاكمة وعندما يطالب الناس بـ «يتناخاو قاع» (ارحلوا جميعا)، فإن ذلك يشمل قايد صالح. عدم الفرملة، وازالة العقبات التي تعترض سبيل الحريات، لتمكين الجزائريين والعمال والطلبة والعاطلين من التنظيم؛ وفتح نقاش وطني حتى يكون بالإمكان معرفة ومناقشة جميع الأفكار والمقترحات بحرية والمضي صوب حلول.

بالنسبة إلى حزب العمال الاشتراكي، يمر الحل عبر جمعية تأسيسية …

أجل، جمعية تأسيسية ذات سيادة وتمثيلية، وهذا مهم، للمصالح والتطلعات الديمقراطية والاجتماعية للجماهير الشعبية، أي معظم الجزائريات والجزائريين.

هذه الجمعية التأسيسية، المنتخبة على نحو ديمقراطي وشفاف، وهذا يتضمن فرض الجماهير الشعبية رقابة مباشرة على السيرورة الشعبية، والتي ستصيغ دستورًا جديدًا مع إعادة تنظيم عميق للدولة والمؤسسات، والتي سيتعين عليها تنظيم الممارسة الفعلية للحريات والاقتصاد ومكانة الدين واللغات والحقوق المتساوية بين الرجال والنساء، حيث يجب أن يكون الاقتصاد في خدمة تلبية الحاجات الاجتماعية.

نحن بالتأكيد بحاجة إلى القطع مع نظام يركز كل السلطات في يدي رجل واحد، نظام يعيد السلطة إلى ممثلي الشعب المُنتخَبين، سواء كانوا على المستوى المحلي و/أو المركزي. نظام برلماني دون مجلس أمة [الغرفة العليا -المجلس الأعلى التشريعي] لمراقبة خُدع الثلث الرئاسي واسقاطها. ولكن يجب مناقشة كل ذلك.

كيف يمكن تجاوز ما يرفعه الحراك من «شعار جذري مطالب برحيلهم جميعا» والتمكن من تنفيذ هكذا خريطة الطريق؟

عبر التنظيم الذاتي. باتت الحركات الاجتماعية ممثلة عبر النقابات الكفاحية. بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الحراك بالضرورة طرح انتخاب ممثليه على بساط البحث. وهذا ممكن. ولماذا لا يجري التفكير، بعد انتخاب الجمعية التأسيسية، في تشكيل حكومة منبثقة عنها؟ بدلا من القيام بالعكس.

ولكن قبل الوصول إلى هذا المسار، وفي أفق ترحيل السلطة برمتها، هل تقترحون هيئة مؤقتة، un HSE، أو حكومة مؤقتة … ستقود هذه السيرورة برمتها وتنظمها…

ليس هناك افتقار في المقترحات ولن نضيف أخرى. يفرض هذا الحراك المذهل الذي نشهده الترفع عن هذه الأحداث التقنية الطارئة. وعبر النقاش الوطني، عبر هذا النقاش الوطني، سُتأخذ هذه الجوانب التقنية بعين الاعتبار.

أليست الجمعية التأسيسية مصدر متاعب وكوارث بقدر ما أن هذه الصيغة تنطوي على خطر استئثار حركة أصولية ورجعية على كل شيء؟ وبوجه آخر، نسخة جديدة من انتخابات عام 1991 التي كرست انتصار جبهة الإنقاذ الإسلامي في الانتخابات التشريعية، هذا الخطر، هل تدرجونه أو لا تدرجونه إطلاقا؟

نحن نرى أنه خطاب يتعلق بدعاوة خبيثة …

إنه التاريخ، ولكن…

لكن ذلك حدث قبل زهاء 30 عامًا. ومن يدعون أن التاريخ سيتكرر كما في عام 1992 لا يريدون ملاحظة انهيار الإسلاموية. نحن في يوم تاسع جمعة من التظاهرات (أجري الحوار عشية تاسع تَحرك، ملاحظة هيئة التحرير) ولا يستطيع الإسلاميون حتى تشكيل مربع صغير لإظهار وجودهم بالأقل. طبعا على الهامش هناك ظواهر ثانوية يميل البعض إلى تضخيم حجمها.

لا يزال نظام بوتفليقة يستخدم هذه الفزاعة لحجزنا في إطار خارطة طريقه. لقد انهار الإسلام السياسي. وهذا الأمر ليس مجرد واقع جزائري. نرى هزيمته في كل مكان. لا يسقط الإسلاميون هكذا من السماء. في الجزائر، منذ سنوات التسعينيات، تعرضت الإسلاموية المسلحة للهزيمة. وجرى اقصاء المعتدلين بفعل مشاركتهم في السلطة.

والآن، هل يمكن أن ينبعثوا من رمادهم … هذا ممكن، لكن ذلك لن يكون أقل من تأمل نظري بهذا الشأن.  والآن، إذا قلتم لي التدين، فهذا شيء آخر. لا يمثل التدين مشروعًا سياسيًا بعكس الإسلاموية. إنها، طبعا، نزعة المحافظة الدينية التقليدية، الحاضرة في عائلاتنا والأحياء وأماكن العمل، إلخ. لكن لا علاقة لها بـ «الدولة الإسلامية» (الدولة الثيوقراطية).

لكن ألا يتهدد هذا الأساس الديني، هذا الخزان الانتخابي الكامن، خطر الاصطدام بحركة أصولية جماهيرية في نهاية المطاف؟ 

هذا هو نوع السيناريو الذي لا يمكن رسمه. إنه مثل وضع سيناريو حرب نووية. نحن ننطلق من عناصر ملموسة، والعناصر الملموسة تؤكد انهيار الإسلام السياسي.

نحن عند نقطة التقاطع، عند مفترق الطرق حيث كل شيء ممكن: الأفضل والأسوأ. ولكن، موضوعيا، لا يتماشى تطور الحراك مع ما تقولونه. لم تعد الإسلاموية مسموعة أو أكثر وضوحا. وبشكل ملموس، نشهد حراكا مذهلا وتاريخيا، لكن يجب توخي الحذر، فأنا لا أقول ان الإسلاموية ماتت. أنا أقول: انهارت …

لكن ألا يتبنى الإسلاميون موقفا تكتيكيا، وتراجعا استراتيجيا، في انتظار، اللحظة المناسبة للبروز مرة أخرى وسرقة النصر، كما الحال في كل مكان مرّ فيه الربيع العربي؟

مرة أخرى، هذا مجرد تخمين. في المطلق، كل شيء ممكن. ولكن اليوم، ليس بنّاء ولا مجديا، ولا جديا، ولا مهما الحديث عن إسلاموية تنبعث بينما يتعذر رؤيتها أو سماعها في هذا الحراك المذهل، حيث نصفه نساء، وحيث يشهد إحياء نضالات عمالية، إلخ. أفضل التركيز على ما يلي: إنه ملموس. وأضيف، بالنسبة للجمعية التأسيسية، أن الخطر الذي يأتي من الإسلاموية أقل من الخطر الذي يأتي من الليبراليين وقواهم المالية.

دعا حزب العمال الاشتراكي إلى التنظيم الذاتي. من الصعب تطبيقه هذا الأخير على أرض الواقع. خاصة في عمق الجزائر. لماذا يتعذر تنفيذ التقارب وتحقيقه؟

أنا متفائل. لماذا تريد أن نتمكن من بناء منظمة كاملة الصفات أثناء شهرين فقط من الحراك. دعونا لا ننسى أن البلد يخرج من وضع صعب للغاية، بسبب التدمير المنهجي، ونزع التسييس … هذا صحيح، وشاق، لكن النتائج ماثلة أمامنا: يشهد الحراك هيكلة على نحو أمثل، ومزيدا من التنظيم كل يوم.

في التظاهرات، الشعارات سياسية باطراد، وصياغتها متقنة. ولمن لا يعرفون ذلك، تقوم الحركة الطلابية الآن بإنشاء تنسيق وطني (…) وبالنسبة للحركة العمالية، نحرز تقدما بجدية، إما عبر دينامية استعادة الاتحاد العام للعمال الجزائريين UGTA من طرف العمال أو من عبر كونفدرالية النقابات المستقلة CSA.

هناك تجمعات نسائية قيد التشكل. وحتى في الأحياء، مثل سعيد حمدين (بير مراد رايس، الجزائر العاصمة) وأيضًا داخل البلد، بدأت لجان أحياء في الظهور. ينبغي معاينة واستحسان الساحات العامة، و«حلقات» النقاشات السياسية التي تجري في جميع أنحاء البلد … إنها سيرورة كاملة وتبدأ من الأساس. لماذا لا نفكر فقط في هذه التجمعات المحلية ونعمل على أن يشمل شعار «ارحلوا جميعا» الإقطاعات و«العصابات» المحلية.

نأمل أن تنضم قطاعات أخرى إلى هذا الحراك ليصل التنظيم الذاتي إلى مستواه الضروري. وهذا لنؤكد لكم أنه حتى لو لم يحرز هذا التنظيم الذاتي تقدما كما نرغب، فإنه يحرز تقدما على أي حال. التنظيم الذاتي، هو الذي سيعطي مضمونه للحراك.

لماذا لا يتمكن الحراك، في رأيك، من العمل بشكل واضح على مفصلة القضايا الاجتماعية، ومسألة حقوق المرأة، وما إلى ذلك؟ هل بسبب طابعه الذي لا يفرز بين الطبقات، أم أن الأمر يتعلق بمسألة تدرج الأهداف: يحدد الحراك هدفه أولاً، في ترحيل النظام؟

المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة تتعلق بادئ ذي بدء بمسائل ديمقراطية. قدم حراك 22 شباط/فبراير دلائل وافية حول طابعه الشعبي.

بُعْدٌ شعبي واضح. حتى لو وجدنا أيضا المهن الحرة والتجار والطبقات الوسطى بشكل عام، لكن البعد الأساسي هو هذا البعد الشعبي.

وإذا لم ننخرط، بالمعنى الدقيق للكلمة، في الطابع العمالي والبروليتارية فهذا يعني أن ذلك يرتبط بإشكالية ليست خاصة بالجزائر، وهي إشكالية تراجع الوعي الطبقي، إلخ.

نحن نعيش ذلك. لا يأتي العمال إلى الحراك بصفتهم عمالا، وبالتالي ليس بصفتهم قوة طبقية: إنهم يأتون بشكل فردي. البعد الشعبي قائم في المعنى المقصود بالجماهير الشعبية، والجزائريين من الأسفل، والأحياء الشعبية، الذين يطبعون الحراك.

الشعارات السائدة، علاوة على ذلك، في هذا الحراك، تأتي إلينا من الملاعب، وبالتالي من الأحياء الشعبية. للعودة إلى مسألة التمفصل، يجب أن الاعتراف بأنها مشكلة خطيرة.

ولكن هذا ليس صحيحا في كل مكان. وحتى في الجزائر العاصمة، عندما ترفع شعارات حول البطالة والعدالة الاجتماعية، سرعان ما ترددها الجماهير. لكن لنكن واضحين: كلما تمفصلت هذه القضايا الاجتماعية، تُمارس ضغوط من قبل السلطة والمعارضة الليبرالية لتأكيد ما يلي: «لا، هذه ليست اللحظة المناسبة»، بما في ذلك القضايا الديمقراطية، وضمنها حقوق المرأة.

لذلك إذا لم تطرح هكذا مسائل القوة الشرائية والآفاق المسدودة والبطالة والمكانة المتدنية للمرأة الآن، فمتى ستطرح؟ ونظرا لأن الحراك يستمد جذوره منها، يجب أن تكون هذه القضايا في صلب السيرورة.

هذا هو سبب دعمنا مبدأ الإضراب العام، مع العلم أنه سيضع القضايا الاجتماعية، والطبقة العاملة، والعمال في صلب معركة السياسة، وبالتالي إعطاء معنى تقدمي للحراك الشعبي.

شنت اعتقالات ومتابعات قضائية ضد بعض الأوليغارشيات وشخصيات النظام. هل هي عملية «الأيدي النظيفة»، أو مطاردة الساحرات؟

في حزب العمال الاشتراكي، كما الحال في الحراك، نقول أن جهاز القضاء، تحت الأوامر، وهو جزء من هذا النظام الذي يجب أن يرحل. من قبل، كان القضاة تحت أوامر نظام بوتفليقة، وهم اليوم تحت أوامر أحمد قايد صالح والأسياد الجدد.

إنه منطق فصائل. إذا كان هذا يعني أننا قيد تنظيف الدار الجزائرية، فإن مؤيدي هذا النظام متورطون أيضًا.

طبعا يتعين محاكمة الجميع، لكن العدالة البرجوازية، التي هي جزء من النظام السائد، يجب تغيرها أيضًا بشكل جذري.

أُعد يوم الاثنين 6 أيار/مايو 2019، وحُيّن يوم الاثنين 6 أيار/مايو 2019

*محمود رشيدي: ولد سنة 1961 بالجزائر و تلقى تعليما قانونيا وفي سنة 1980 التحق بالمجموعة الشيوعية الثورية التي كانت تنشط في السرية. وكان عضوا مؤسسا لحزب العمال الاشتراكي في سنة 1989. وأصبح في سنة 2012 الأمين العام للحزب بعد استقالة شوقي صالحي.

 

ترجمة جريدة المناضل-ة

 

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا