نظرات استدراك إلى التعبئات الاجتماعية التاريخية في الهند

بلا حدود8 مايو، 2021

حوار مع مادوريش كوما، مسؤول وطني في التحالف الوطني للحركات الشعبية (NAPM).

° يوم 26 نونبر 2020 شارك 250 مليون من سكان الهند في إضراب. على مدى أسابيع، تعبأ مئات آلاف القرويين بنيو دلهي وأماكن أخرى طيلة أسابيع. ماذا كانت الأسباب؟
– في 5 يونيو 2020، وبينما جائحة كوفيد-19 سائرة في الانتشار، صادقت الحكومة بعجالة على ثلاث قرارات، وهي قانون تشجيع وتسهيل تجارة المواد الفلاحية (1)، وقانون ضمان أسعار المنتجات والخدمات الفلاحية (2) والقانون حول المنتجات الأساسية (3). وتم في شتنبر 2020 إصدار هذه القوانين دون أي نقاش برلماني كاف ولا نقاشات مع ممثلي العالم القروي.
وتفسر الحكومة اعتماد هذه القوانين الثلاث بمبرر أزمة في فلاحة البلد و حاجتها لإصلاحات. وبنظرها سيتحقق إنماء مداخيل الفلاحين عبر تحرير الأسواق الفلاحية، وذلك من أجل خلق المزيد من الاستثمارات. والمقصود استثمارات القطاع الخاص والصناعة، ما سيقود إلى مزيد من تسليع القطاع الفلاحي الهندي.
ويُجمع الكل على قول إن فلاحة الهند في أزمة، إذ ينتحر كل سنة حوالي عشرون ألف فلاح بسبب ديونهم، من جراء اليأس أو بسبب محصول سيء. فزهاء 60% من سكان الهند مندمجون في القطاع الفلاحي بطريقة أو بأخرى، مع أن نسبة إسهاهه في النتاج الداخلى الإجمالي ليست سوى 18%. وزهاء 80% من الفلاحين، أي الذين يملكون أراضي، هم صغار الملاك. يعملون على أٌقل من نصف هكتار او هكتار من الأرض. هذا إذن نوع الفلاحين في الهند، فلاحين صغار. وينضاف إليهم عمال الزراعة، أي من لا ملكية عقارية لديهم.
هذه القوانين التي تم اعتمادها بمبرر ما ستجلب من استثمارات إضافية ستشجع بالخصوص الزراعة التعاقدية[1]. وقد يكون لذلك أثران اثنان. ستقوم شركات الصناعة الغذائية الكبرى، مثل “بيبسي” و”كوك”، بل حتى “أداني”و ITC، بإبرام اتفاقات مع الفلاحين، دون أن يكون لهم أي هامش مناورة. فإبرام عقد بين طرفين متساويين يتيح إلزامية احترام العقود. لكن السلطة موزعة بين مزارع صغير وشركة متعددة الجنسيات بتفاوت والقانون لا يحمي الفلاح. إذ إن القانون لا يحمي سوى الالتزامات التعاقدية المبرمة من قبل المقاولات. هذه القوانين ستجعل الفلاحين تابعين للشركات المتعددة الجنسيات.
ثانيا، هذه القوانين ستسرع تفكيك الآلية العمومية لدعم الأسعار، القائمة من أجل دعم الفلاحين. في الوقت الراهن، تحدد الحكومة سعرا أدنى للدعم يسمى MPS. إذا حدد هذا المبلغ في 25 يورو لقنطار من القمح في السوق، لن يحصل الفلاح سوى على 15 أو 20 يويو للقنطار. وهو ما ليس كافيا. ومع هذه القوانين الجديدة ومجيء الفاعلين الخواص، ستنخفض هذه الأثمان أكثر.وبالتالي، عندما تكون تكلفة المدخلات جد مرتفعة، لن يكسب الفلاحون ما فيه الكفاية.
أخيرا، يجب الرجوع إلى طريقة المصادقة على هذه القوانين. ففي الوقت الذي لا تزال فيه الجائحة مستمرة، في مارس وأبريل 2020، صادقت الحكومة على تدابير مستعجلة، في شكل قرارات. وفي يوليو/تموز 2020، عندما بلغت الجائحة ذروتها، أُستُدعي البرلمان ليصادق على هذه القرارات دون مناقشات. فقد تم اختصار طريق عمل المناقشات التشريعية العادية برمته، بما فيه مع منظمات المجتمع المدني، فيما الأمر يتعلق بقوانين من العيار الكبير. لذلك يتساءل الجميع: إذا كان الأمر يتعلق بنصوص تشريعية مفيدة وتاريخية، لماذا لا يتم استشارتنا؟ هكذا، جرى مجمل العملية التشريعية بشكل سلطوي، ما أثار انتقادات. ذلك هو السياق العام لهذه التظاهرات الكبرى.

أين يتجلي طابع هذه الحركات «التاريخي»؟ هل حققت ما كانت تناضل من أجله؟
إنها بالفعل تعبئات تاريخية. إذ لم نشهد، منذ زمن بعيد جدا، تعبئة جماهيرية من هذا القبيل، صمدت أمام حملة الدولة ووسائل الإعلام لتشويهها وتجريمها. وقد تعرضت الحركة لهجوم في الميدان، وواجهت العنف، وجرى اتهامها بأنها معادية لـ«مصلحة الأمة»، وموجهة من المعارضة، وبأن قادتها ليسوا فلاحين حقيقيين، وأنها مدعمة من عناصر انفصالية، لكنها نجحت من مقاومة هذه الهجمات. هذه أول مرة تبدو الحكومة في موقف دفاع، فيما سبق أن استعملت بنجاح هذه التكتيكات المضللة والدعاية الإعلامية لإخراج مظاهرات مواطنة ضخمة عن سكتها. انصرم حتى الآن أكثر من 100 يوم من بدء الفلاحين مخيم اعتصامهم في ثلاث مداخل للعاصمة الوطنية، دلهي، وفي الوقت ذاته، امتدت الاحتجاجات إلى البلد برمته . وقد حضر الـ«مهبانشايا» (المجالس العمومية للفلاحين) في ولايات شمال الهند وفي الولايات المجاورة مئات آلاف الأشخاص.
وحظيت الحركة بدعم عريض من كل طبقات المجتمع، وكذا على صعيد دولي. وتضررت صورة الهند دوليا. وقد لوحظ أثر هذه الحركة أيضا على المستوى الانتخابي، بما أن الحزب الحاكم BJP قد خسر مؤخرا الانتخابات المحلية بالبانجاب وبهاريانا، وتوجد حكومته الاِئتلافية بولاية هاريانا تحت الضغط.
وقد جرت تسع دورات تفاوض بين الفلاحين والحكومة. واقترحت هذه الأخيرة تعليق تطبيق القوانين مدة 18 شهرا، لكن الحركة رفضت قبول هذه الشروط، وبقيت متمسكة بمطلبها بالإلغاء الكلي لهذه القوانين الثلاث. ويبدو أن محاولة المحكمة العليا الخروج من الأزمة فشلت أيضا وأن اللجنة التي أنشأتها لصياغة توصيات لم تفلح في بث الثقة. وتبقي معرفة كيف ستخرج الحكومة من هذا المأزق.

يرأس الهند أحد أشد الزعماء محافظة على الأرض. فهل تمهد التعبئات القوية الحالية الطريق لعودة القوى التقدمية في الهند؟
تشهد الهند هجوما على قيمها ومعاييرها الديمقراطية. فمنذ 2014 ، ومجيء ناريندرا مودي كوزير أول، أضحى البلد متقاطبا بنحو غير مسبوق على أساس دين مختلف مكونات السكان. ورغم حملات الاضطهاد، والقمع والاعتقالات التي طالت مناضلي حقوق الإنسان والجامعيين والمحامين والصحافيين والسكان العاديين، فإن كل تطور في هذا المنحى قد جرى رفضه. بالفعل، منذ فترة ولاية مودي الأولى، من 2014 إلى 2019، كانت أول هزيمة له في مواجهة مع العالم القروي. كان مشروعه تغيير القانون المتعلق بحيازة الأراضي، لجعله أكثر ملائمة للشركات وليكون بإمكانها وضع يدها على الأراضي. وعقب تعبئة حاشدة، تم رفض القانون، وخسر مودي. بعد ذلك، لم يكف الفلاحون لمدة ثلاث سنوات عن التظاهر بكثافة. وفي 2018، مشى 50.000 مزارع قرابة 300 كيلومتر من ناشيك إلى مومباي. إننا نشهد استمرارا لكل هذه الاحتجاجات.
والكل يتمنى تغير المشهد. وقد تمنينا ذلك في 2019. وتبقى المشكلة في نقص قوة الأحزاب السياسية المعارضة. هي من يعارك من أجل الانتخابات وليست قادرة على استخدام الخطاب الذي صاغه الفلاحون والعمال والنساء الخ.. لأن العمال شنوا أيضا إضرابات تاريخية في القطاع الصناعي في السنوات الأخيرة. ولا يزال أمام مودي ثلاث سنوات قبل الانتخابات القادمة. وما لم يحدث أمر درامي ما، سيكون لاحتجاجات الفلاحين أثر. وذلك يمد الجميع بالطاقة. لا بل كان لذلك أثر على الخطاب السائد: وسائل الإعلام موجودة تحت الضغط، القضاة موجودون تحت الضغط، لكن يجب على الأحزاب السياسية المعارضة أن تعزز مكانتها. وأظن أن ذلك سيكون صعبا، لكن لدينا أمل.
إشارة:[1] الزراعة التعاقدية قائمة على اتفاقيات البيع المسبق بين الصناعة الغذائية والمزارعين. وفي غلب الأحيان، تحدد هذه العقود شروط الإنتاج وكذا تواريخ وترتيبات التسليم.

1- Farmers’ Produce Trade and Commerce (Promotion and Facilitation) Act, 2020
2- Farmers’ (Empowerment and Protection) Agreement on Price Assurance and Farm Services Act, 2020
3- Essential Commodities (Amendment) Act, 2020

المصدر: موقع أطاك-فرنسا.
الثلاثاء 13 أبريل/ نيسان 2021: عن ماكسيم كومب

ترجمة المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا