كلميم وادنُون: طبقةٌ عاملةٌ مقهُورة وواقعٌ نقابيّ متأزّم

بقلم حمودي- كلميم وادنون

شهدت مدينة كلميم توسعا عمرانيا كبيرا خصوصا مع بداية الألفية الثالثة، بعدما كانت بالسابق جماعة قروية تابعة لدائرة الطنطان عمالة إقليم طرفاية منذ إحداث هذه الأخيرة سنة 1958، وانتمائها لجهة الجنوب، فأصبحت المدينة اليوم ولاية لجهة كلميم وادنون المشكلة من : سيدي افني، والطنطان، واسا – الزاك، تمتد من ساحل المحيط الأطلسي إلى تخوم الصحراء، هذا التحول كما هو الحال بكل مكان، حصل بعرق وكدح الطبقة العاملة وكافة فئات الأجراء بجميع القطاعات.

تمتد الجهة على مساحة ثمانية وخمسون الف، ومائة وثمانية وستون(58268) كيلومتر مربع، يقطنها نحو أربعمائة وثلاثة وثلاثون الف، وسبعمائة وخمسة وخمسون(433755) نسمة. تضم الجهة 53 جماعة و8 مجالس حضرية.
وموقع مدينة كلميم بالجهة جاء على الطريق الوطنية رقم واحد(1) بمركز رئيسي أساسي (استراتيجي) يربط بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، وبلغ عدد سكانها، مائة وثمانية عشر الف، وثلاثمائة وثمانية عشر(118.318) نسمة،حسب ( إحصاء 2014) ولجهة كلميم وادنون ثروات طبيعية متنوعة، خصوصا المنجمية والمعدنية والبحرية…)؛ حيث يطحن الرأسماليون الطبقة العاملة طحنا، وتتوفر على أراضي زراعية تمتد على أزيد من مائتين الف (200 الف) هكتار، فضلا على المساحات الشاسعة الصالحة للرعي، تبلغ نحو أربعة ملايين(4 مليون) هكتار، وعلى ميناءان بكل من سيدي افني، والطنطان، يعدان من الموانئ تفريغ كميات مهمة من أصناف الثروات البحرية، ومطارين بكل من كلميم والطنطان،وقد بلغت نسبة التمدن بها نحو ستين بالمائة.(1)(2)
فالفضل الكبير بكل هذا يعود للكادحين والموظفين الصغار الذين اشتغلوا ويشتغلون جل الوقت من أعمارهم/ن، في ظروف قاسية وبأجور زهيدة وحقوق مهضومة، وعلى حسابهم/ن، وصلت الجهة ومدينة كلميم لهذا المستوى اليوم.

الطبقة العاملة تحت أدوات السحق الرأسمالية
تعاني الطبقة العاملة من ظلم الرأسماليين المحليين والأجانب؛ فنزاعات الشغل كثيرة والحرمان من الحقوق مستمر، والقضاء المدعي تطبيق العدل،غير مستقل ويساند أرباب العمل الرأسماليين على حساب العمال. وقد ازداد القهر بتطبيق خصخصة القطاعات الاجتماعية في ظل السياسات المتبعة، التي خلقت مقاولات من الباطن تشغل العمال بالعقدة، حسب حاجتها لهم/ن، من أجل تراكم الأموال على عرقهم، وبعد ذلك تطردهم وقت شاءت؛ لأن ميزان القوى يميل لجهة الطبقة الحاكمة؛ بينما منظمات النضال العمالية التي من علة وجودها، وواجبها الدفاع عنهم/ن، مشلولة وتعيش أزمة عميقة جداً.
كانت أهم واكبر وحدة صناعية بكلميم، هي المطاحن الكبرى التابعة للشركة المغربية لتنمية الأقاليم الصحراوية، التي تأسست بعد المسيرة الخضراء مباشرة سنة 1976. ولما بدأت العمل والإنتاج والتسويق سنة 1983، اشتغل بها أزيد من 130 عامل ومستخدم، في ظروف الاستعباد، وانعدام النضال النقابي المكافح، بحيث ترك الكادحين لغسل الدماغ، وشحن وعيهم بأفكار الرأسماليين الكبار،وأغنياء حرب الصحراء الغربية الجدد، المبنية على الوحدة الوطنية والقضية الأولى، التي يطلب من العمال/ات التضحية بحياتهم من اجلها، مثل الخدمة العسكرية لمصلحة الأقلية الحاكمة، وبعد ذلك يطردون، وحتى أرامل وأبناء الجنود الذين ضحوا بأرواحهم بهذه الحرب يعانون القهر، وأوضاعهن/م جد مزرية.

جزء من عمل الحركة النقابية بكلميم
كانت فرحة الطبقة العاملة وكافة الأجراء عالية، ومنهم عمال ومستخدمي المطاحن الكبرى لكلميم عندما تأسس فرع نقابي بالمدينة. لكن الحركة النقابية المكافحة بالمغرب عرفت وتعرف عدة مشكلات، انعكست على الوضع النقابي بالجهة. فالفروع بالمنطقة عاشت وتعيش أزمة مزمنة، ويرجع أصلها منذ تأسيسها من طرف أحزاب ما عرف بالكتلة الديمقراطية،المشكلة من المحافظين والليبراليين الحداثيين الذين يستقطبون الشباب بحملهم اسم الاشتراكية، الجاذبة إليها المتعطشين للتغيير الفعلي. فكل حزب أسس الفرع النقابي التابع له، وتشكيل جل المكاتب النقابية بالقطاعات الموجودة بالمدينة لكي تبقى تحت سيطرتها أو تدور بفلكها. فنقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب ارتبطت بحزب الاستقلال، والكنفدرالية الديمقراطية للشغل بحزب الاتحاد الاشتراكي، وكان أعضاء حزبي التقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي ينشطون بهذه الأخيرة.
ولما تأسس فرع حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي بكلميم، تعمق الصراع التاريخي بين مناضليه و حزب الاتحاد الاشتراكي وحلفائه، داخل كل منظمات النضال النقابية والحقوقية، وبالجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين عندما تأسس فرع لها بالمدينة.
وفي أواخر التسعينيات من القرن العشرين، ومع عودة خريجي الجامعات والمعاهد ومراكز تكوين الموظفين، وأعداد المعطلين/ات من مختلف المواقع الجامعية، وبروز تيارات اليسار الجذري بالمدينة، منهم : الديمقراطيون المستقلون، والحركة من اجل الديمقراطية، والنهج الديمقراطي، وماركسيون ثوريون، إضافة لأنصار استقلال الصحراء الغربية، و نشطاء الحركة الثقافية الامازيغية، وتيارات الإسلام السياسي،منها : العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية، بهذا التنوع الفكري والسياسي، والصراع الإيديولوجي، تعقدت الأمور بكلميم، واشتد العراك على المواقع والتحكم فيها. وبذلك احتدت الأزمة أكثر، وبانعدام بوصلة الكفاح العمالي بمنظمات النضال في مقدمتها النقابات، وبذلك وجد الرأسماليون سهولة لسحق العمال سحقا،لأنهم/ن تركوا للعدو الطبقي منزوعي السلاح رغم إرادتهم/ن القوية بالنضال.
في البداية كانت الحركة النقابية بكلميم دائما خاضعة للأحزاب المتنافسة على خدمة الرأسماليين ونظام الاستبداد، وكانت غاية أعضاءها هي الفوز بالانتخابات التشريعية والمجالس الاستشارية والجماعات المحلية بالمنطقة. ويقحمون النقابات التابعة لها بالمعارك بتلك الانتخابات؛ لكن مع وجود حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي بالمدينة، و مجموعات قليلة من اليسار الجذري الذين يدعون لمقاطعة الانتخابات، بدأت المنافسة الحادة والحسابات على كيفية التحكم بالأجهزة النقابية، منها: مكاتب القطاعات والمكاتب المحلية والجهوية؛ وبذلك تكونت بيروقراطية محلية من صنف جديد. وانطلق العمل على تأسيس منظمات وفروع لمركزيات نقابية جديدة، من اجل السيطرة عليها بالكامل، وبذلك تشرذمت الحركة النقابية بكلميم، مما جعل كل مجموعة تنغلق على ذاتها، مرددة :نحن أو لا احد. وبهذا العمل، وبدون أن يدروا أو يقصدوا، فقد منحوا بهذه الحالة الفرصة الثمينة للرأسماليين ودولتهم للمزيد من الهجمات العنيفة والبطش الشديد بوجه أي تململ ضد نظام الاستغلال والاستبداد.
كان أول فرع نشيط تأسس بالمدينة للكنفدرالية الديمقراطية للشغل كما ذكرت سابقا، الذي احتضن معارك فرع الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، وما جاء من بعدها بعد انطفاء فرع الجمعية وبروز عدة حركات للمعطلين ذات طبيعة محلية مع اختلاف الفئات والتسميات. وفي الحقيقة فحركة المعطلين/ات بأصنافها تلك هي التي زرعت ثقافة الاحتجاج بالشوارع، والساحات وأمام مقرات المؤسسات والسلطات المحلية بالمدينة على سياسة الدولة في قضية الحق في التشغيل خصوصا النساء المعطلات.واستطاعت بذلك تغيير الصورة السابقة التي دامت لعقود، ذات الطابع الرسمي والوطنية الزائدة بالمناسبات لدى النقابات. ولما اتفقت المعارضة الليبرالية، بقيادة الاتحاد الاشتراكي، مع القصر لتدبير مرحلة الأزمة الخانقة للنظام، ما عرف بحكومة التناوب التوافقي، ومع وفاة الحسن الثاني واستلام محمد السادس السلطة، وتوسيع الحملة لعهده من طرف جيوش من الصحفيين الليبراليين والحقوقيين وبعض الضحايا وأسرهم، وغيرهم،بأنه عهد جديد سيشرف على طي صفحة الماضي البغيض ومنح حرية التعبير…الخ؛ في هذه الفترة حصلت مستجدات بالنقابات والأحزاب بكلميم منها : انشقاقات وانسحابات وتأسيس أحزاب جديدة وفروع نقابية جديدة وهكذا حتى اليوم.

الاتحاد المغربي للشغل
كان من بين مبررات الانسحاب من الكنفدرالية وتأسيس الفرع المحلي للاتحاد المغربي في بداية الألفية الثالثة، الذي تزعمه قسم من اليسار الجذري بقطاع التعليم، بأنها غير تابعة، وليست مرتبطة بأي حزب ومحايدة، بينما في الحقيقة لها علاقة وطيدة بالنظام منذ لحظة تأسيسها، معللين ذلك بإمكانية العمل المتاحة فيها نسبيا لمختلف الأحزاب والتيارات السياسية المنتسبة لليسار الجديد والجذري. وقد ضمت بعض القطاعات المهمة بالمدينة، ونشطت في بدايتها وفتحت مقرها للجان التحضيرية لتأسيس الجمعيات الحقوقية والثقافية خصوصا مع فتح مركز تكوين المعلمين/ات بالمدينة في الفترة نفسها. لكن هذا النشاط لم يستمر، فقد بدأت أزمة الفرع بسبب خلافات بين الجامعة الوطنية للتعليم والمكتب المحلي للاتحاد، مما انعكس بقوة على عمله وتفاقمت أزمته لمدة طويلة حتى اندلعت الثورات العربية سنة 2011 ودفعت موجتها القوية ببروز حركة 20 فبراير وطنيا ومحليا، التي استطاعت إحياء النضال والتنسيق الميداني بالمدينة، خصوصا بين الفروع النقابية بمناسبة فاتح مايو/ ايار2011،وانتزعت بعض المكاسب الطفيفة.
لقد ظلت جل المحطات الأممية والوطنية تمر محتشمة وأحيانا باهتة، ففي بداية فبراير/ شباط 2020 نظمت الجامعة الوطنية للتعليم –الاتحاد المغربي للشغل بمركز الاستقبال التابع لوزارة الشباب والرياضة،مؤتمرها الجهوي الثاني لجهة كلميم وادنون، تحت شعار» من اجل تنظيم نقابي وحدوي ومستقل مدافع عن المدرسة العمومية وحقوق ومكتسبات العاملين بها».(3)
وفي يوم 6 مارس/ اذار 2021 عقدت الجامعة الوطنية للتعليم- التوجه الديمقراطي بإقليم كلميم جمعا عاما إقليميا. وانتخبت عاوطوف الحسين كاتبا إقليميا لها.واغلب ما يتم نشره والإعلان عنه، هو تشكيل المكاتب والدعوة للوحدة النقابية، أما تسطير البرامج التكوينية وتنظيم الحملات الواسعة لتوعية العمال للاستعداد للمعارك النضالية، وتفعيل الوحدة الحقيقية على ارض الواقع التي ستزيدنا قوة وصلاية نضالنا النقابي؛ ذلك لم يحصل لحد الآن.(4)

الكنفدرالية الديمقراطية للشغل
بعد ما انطفاء وهج حركة عشرين فبراير، بدأت الدولة الرأسمالية عملها المعهود، باستعمالها كل سلطاتها المحلية وأجهزتها القمعية، لشن حملات المنع والقمع، ففي منتصف مارس/اذار 2012 أمر باشا المدينة بمنع فرع نقابة، ك، د ، ش، من تنظيم شكل نضالي جماهيري أمام مقره، بمبرر» تهديد السلم العام …» وتسلمت النقابة قرار المنع كتابيا حسب بيانها الذي عبرت فيه عن ذلك، واعتبرته مسا بالحقوق والحريات في ظل الدستور الجديد، ودعت جميع النقابيين والمناضلين/ات،لرص الصفوف والوقوف ضد ممثلي السلطات(5)
وفي يوليو /تموز 2013 عقد المكتب المحلي للنقابة الوطنية للتعليم كدش، اجتماعا اشرف عليه عضو اللجنة الإدارية الوطنية فريد الخمسي بمقر النقابة، و كان من إحدى خلاصة النقاش، الدعوة لوحدة الشغيلة التعليمية بمختلف فئاتها بالإقليم. لكن هذه الوحدة تحتاج للعمل على أدنى القواسم المشتركة من اجل البناء من الأسفل مع ضحايا الرأسمالية لخلق ميزان قوى قادر على صد الهجمات المتتالية للطبقة الحاكمة وأجهزتها القمعية على الطبقة العاملة وكافة الكادحين، والنضال المستميت لانتزاع الحقوق بحيث لا تستطيع السلطات الإقدام بأي خطوة على منع العمال ومنظماتهم من تفعيل أي نشاط يهمهم/ن. إن منع نقابة كدش بكلميم يعد حقيقة أمرا فظيعا، وقد كشف بالفعل عن مستوى الضعف النقابي بالمدينة والجهة بصفة عامة، ولو كانت نقابتنا جبارة لما تجرأت السلطات منع أنشطتها.(6)
وفي بداية يناير/ كانون الثاني 2016، عقد أعضاء مجلس فرع النقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت كدش اجتماعا بمقرها بكلميم، اشرف عليه أمين المكتب الجهوي بوبكر وانغير، لهيكلة الفرع، وانتخب مكتب جديد تحمل فيه ابراهيم مودني عضو حزب المؤتمر الوطني الاتحادي صفة مستشار، وهو الذي تحكم بمصير فرع كلميم لمدة طويلة.
وكما هو معلوم بالمدينة، فقد كان التحاق عدة تنظيمات عمالية بالقطاع الخاص للكدش، وانخراطها بها، منذ سنين،هو الذي قوى من حضورها بالساحة، بحيث انخرطوا بالفرع من اجل الدفاع عن حقوقهم/ن، ضد ظلم الرأسماليين الجشعين، منهم عمال : مقالع الحجر المطحون المتواجدة بنواحي المدينة خصوصا بسلسلة جبال الجهة الغربية بجماعات: امي نفاست، واباينو، واكيسل،ومستخدمين بالصيدليات، عمال الحدائق،وعمال وعاملات النظافة والطبخ والحراسة بالمؤسسات التعليمية،أصحاب الشاحنات والسيارة النقل الصغيرة…الخ) وعمال النظافة للشركات المتعاقبة على الخدمة بعد خصخصتها، آخرهم مجموعة اوزون للبيئة والخدمات. فإدارة هذه الشركات تطرد، بتزكية من المجالس الجماعية المنتخبة وحماية من السلطات التنفيذية المحلية كل من أراد تشكيل مكتب نقابي بها ، يدافع عن حقوقه.
إن شركة أوزون تعد من اكبر مشغل لليد العاملة بكلميم، وقد اكتسب عمالها ثقافة نضالية، وكانت تربطهم علاقة وطيدة في ما بينهم، ويحتجون بشكل منظم مرتدين الزي الرسمي الموحد للشركة الخاص بالعمال، وساهموا بنشر ثقافة النزول للميدان والاحتجاج كاشفين مأسي سياسة الخصخصة.
وفي مارس / آذار 2017 عقد بمقر الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بكلميم الجمع العام لتجديد المكتب النقابي للصحة تحت إشراف سليمان عمري عضو المكتب الوطني للنقابة الوطنية للصحة بحضور ابراهيم مودني عضو المجلس الوطني للكنفدرالية الديمقراطية للشغل.(7)

يتبع..

المراجع المعتمدة في جمع المعلومات والمعطيات لانجاز النص.

(1)http://guelmimpress.com/%D9%83%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%85-%D8%AD%D8%B2%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D9%84%D8%A7%D9%84-%D9%81%D8%B1%D8%B9-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AF%D9%8A%D9%82-%D8%A8/
(2)http://delegation.mjs.gov.ma/guelmim/index.php/journ/2013-10-22-03-48-26
(3)https://www.tighirtnews.com/?p=43173
(4)https://www.riadinoureddine.com/2021/03/blog-post_84.html
(5)https://akhbarsahara.com/news7.html
(6)https://www.dafatir.net/vb/showthread.php?t=150044#.YHFJkbhChTA
(7)https://www.maghress.com/wadnon/20151
شارك المقالة

اقرأ أيضا