تنسيقية التعاقد المفروض: لنعمل على تقوية آليات تواصلنا إعدادا للقادم من النضالات

لا يمكن صياغة برنامج نضالي دون وضع تجربتنا السابقة الملموسة (أربع سنوات من النضال) تحت النقد، وإلا سنستنسخ أخطاءنا السابقة.

بعد انعقاد كل مجلس وطني تترقب آلاف الأساتذة- ات البيان الوطني والبرنامج النضالي المضمَّن فيه. تسجل انتقادات وتحفظات لكنها تتلاشى وسط حالة الحماس- الغامر أو الفاتر حسب الظرفية- التي ترافق التعبئة لـ”لخطوات الميدانية”، تعد العدة لحشد الجماهير الأستاذية: ملصقات، لايفات، مساهمات فنية… إلخ. ترتفع الحماسة، يحج الأساتذة- ات من كل حدب وصوب للمشاركة في الأشكال (إقليمية، جهوية، وطنية)، ترافَق بتوثيق لمراحل السفر والصعاب التي تواجه كل أستاذ- ة للوصول إلى المكان الموعود (رحلة سير على الأقدام، صراع مع أحوال الطقس، ثلوج، أمطار، حرارة شمس…).

يحين الموعد فتصدح الحناجر بصوت واحد: “لا لا ثم لا، للتعاقد المهزلة”، “شكون حنا: أساتذة”. يجتمع الأساتذة- ات للتداول في الحلول الممكنة، في سيناريوهات الحوار، القمع، التصعيد، تُجمع مساهمات مالية لحالات إنسانية، أو لفوج لا يزال يتابع التكوين داخل المراكز لكنها أبى إلا أن يحضر ويشارك في هاته الأحداث العظيمة. وتظل القلوب والعيون تترقب: ماذا بعد؟ هل من دعوة للحوار؟ هل من تصريح مسؤول، هل من وعود هل من إجابة؟

تأتي الإجابة مخيبة للآمال في معظم الأوقات، وتشد الجماهير رحال العودة، ويلتحق كل أستاذ- ة بمؤسستهما. وحدهما داخل القسم، في فرعية بعيدة أو مدرسة غارقة في بطن مدينة ضخمة، في رتابة اليوم العادي للعمل، في عزلة عن رفاق- ات النضال، باستثناء التواصل الافتراضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويبقى الحنين والشوق لخوض تجربة مماثلة هو أكبر ما يربط الأستاذ- ة بهذه المعركة، يظهر هذا في مشاركة صور ماضي النضال المشرق.

يبدو التوصيف أعلاه رومانسيا، وهو كذلك، لأن الحافز للنضال يفتقد للفهم الصائب والاقتناع الراسخ، الذين يجدان جذورهما في الوعي بحجم العدو وحجم الخطر الذي تشكله هجماته. وهذا لا يتأتى إلا بالنقاش الديمقراطي الجماعي وبمشاركة أوسع الجماهير الأستاذية، ويفترض الوضوح والنقد والاعتراف بالأخطاء، وهي أمور نفتقدها في حركة النضال النقابي والاجتماعي بالمغرب.

إن الوقت الذي يمضيه الأساتذة- ات في مواجهة أعباء الحياة اليومية كفيل بأن يعيد ترتيب أولوياتهم-هن بعد أن خاضوا-ن “معارك بطولية لم تأتي أكلها في اللحظة والحين”.

ربما الاعتراف بأن المعركة طويلة النفس في طريقه لأن يتحول إلى استسلام غير معلن وقبول بوضعية التعاقد المعدَّلة، محفَّزا بقوة الآلة الإعلامية للدولة. رفعُ وعي الجماهير الأستاذية وتصليب قناعاتها مرتبط بعملية ممتدة في الزمن لإبقاء شعلة النضال متقدة: التواصل.

يبدو أن إحدى معضلات التنسيقية الأساسية يمكن تلخيصها في كلمة رئيسية: “التواصل”. سواء تعلق الأمر بالتواصل الداخلي (أي مع المفترض فيهن- هم قواعد التنسيقية) والتواصل الخارجي (أي مع الشغيلة من نفس القطاع قطاعات أخرى، ومع الأسر… إلخ).

تقتصر آلية عمل التنسيقية التنظيمية في استدعاء الأساتذة -ات إلى الجموع العامة، ومن يحضر يعتبر نِصابا قانونيا لعقد تلك الجموع. لا مجهود يُبذَل للانتقال إلى حيث يتواجد الأساتذة -ات: أي أماكن العمل. فجمع عام يُعقَد في مقر خارجي أو عن بعد سيحضره فقط المنشغل بشكل يومي بأمور النضال، أو من يجري إحراجه بالإلحاح على الحضور.

إن الانتقال إلى أماكن العمل يتيح ليس فقط الالتقاء مع المفروض عليهن -هم التعاقد، بل كل فئات الشغيلة الأخرى سواء تعلق الأمر بهيئة التدريس أو الفئات الأخرى، أو شغيلة الحراسة والنظافة والإطعام المدرسي.

ينتظر التنسيقية إذا أرادت لململة نفسها تشغيلا فعليا لهياكلها ولكن أيضا لكل من لديه الاستعداد لعمل تواصلي حقيقي: برنامج تواصل حقيقي ميداني يشمل “المؤسسات التعليمية”، أي برنامج تنقل منتظم. وقد أثبتت “معركة المؤسسات” في الموسم الماضي جدوى التلاقي الميداني داخل أماكن العمل.

لا يمكن أن نتحدث عن تواصل حقيقي بالتركيز على مطلب يخص فئة واحدة. يحتاج الأمر إلى انفتاح فعلي وعن اقتناع على مطالب ومشاكل الفئات الأخرى من الشغيلة التي تضمها “المؤسسة التعليمية”.

علينا أن نُقدِم على تقييم صادق لأربع سنوات من عمل التنسيقية يتضمن الاعتراف بنقطتين رئيسيتين: الأولى؛ هي الاعتراف بحجم تقدم هجوم الدولة على القطاع وعلى شغيلته، أما الثانية؛ فهي حجم التراجع الذي لحق نضال شغيلة التعليم وضمنها طبعا شغيلة التعاقد المفروض. وكلا النقطتين تحفزان بعضهما وتشكلان سببا ونتيجة في نفس الوقت. إن الصدق مع الجماهير هو نقطة البداية لبرنامج تواصلي سيفتح المستقبل لاستئناف نضال فعلي ضد الهجمات التي تلحق القطاع وشغيلته.

في ما يخص التواصل مع شغيلة التعليم؛ سجل الإضراب من داخل المؤسسات (برنامج شهر يناير 2021) نجاحا منقطع النظير، حتى في اللحظات التي شهدت عزوفا عن المشاركة في الجموع العامة والأشكال النضالية، وهو دليل على فعالية هذا الشكل.

سمح تجسيد الإضراب من داخل المؤسسات بالتواصل مع المترددين- ات من المفروض عليهن-هم التعاقد ورفع الغطاء عن مبرراتهم- هن، وفي حالات كثيرة شكل حافزا على انخراطهم- هن من جديد في الإضراب. لم يتوقف الأمر عند المفروض عليهن-هم التعاقد بل تجاوزه إلى الشغيلة المرسمة داخل نفس المؤسسة.

المدرسة باعتبارها مكان العمل هي مكان التلاقي الفعلي والجماعي لجمهور الأساتذة- ات، حيث يلتقي الجميع وتسقط جدران الفئوية بين هيئة التدريس المفروض عليها التعاقد والمرسمة والهيئة الإدارية وشغيلة الحراسة والنظافة والإطعام المدرسي. بينما الجموع العامة (وإن كانت ضرورية للتقرير) تضم جزءً يسيرا من المفروض عليهن –هم التعاقد، فبالأحرى أن تفتح إمكانية التواصل مع بقية أقسام شغيلة التعليم.

لنقوي تواصلنا ونصوب بوصلته كي تتقوى تنظيمات نضالنا

بقلم: بشرى لكفول

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا