نهايةُ الكَابوس في البرازيلْ؟

بلا حدود15 أكتوبر، 2022

بقلم مايكل لووي

كانت نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات البرازيلية في الثاني من أكتوبر متباينة. من المؤكد أن لولا مرشح حزب العمال يتقدم بنسبة 48.4٪ من الأصوات، لكن الأمل في تحقيق نصر في الجولة الأولى تلاشى، خاصة وأنه متبوع عن كثب جايير بولسونارو، المرشح الفاشي الجديد، بنسبة 43.2٪ – المتجاوزة بكثير توقعات استطلاعات الرأي. لذلك ستجري جولة ثانية في 30 أكتوبر من شأن لولا أن يفوز بها، ما لم يحدث انعكاس غير متوقع. ومع ذلك، يبدو أن أنصار بولسونارو يسيطرون على البرلمان وكذلك على العديد من الحكومات الإقليمية. باختصار، من المحتمل أن يخسر التيار الفاشي الجديد الرئاسة، لكنه يظل قوة سياسية قوية للغاية.

لم يكن لدى الطبقات السائدة في البرازيل أبدًا ولع كبير بالديمقراطية. فقد أبان ورثة ثلاثة قرون من الاستعمار الأوروبي، وأربعة قرون من العبودية، في المائة عام الماضية، ميلًا قويًا إلى دولة استبدادية، سواء تحت السلطة الشخصية للزعيم جيتوليو فارغاس من عام 1930 إلى عام 1945 ؛ أو في  ظل دكتاتورية عسكرية من 1964-1985 ؛ أو شبه انقلاب برلماني ضد الرئيسة المنتخبة ديلما روسيف في عام 2016  ؛ أوفي ظل حكومة فاشية جديدة برئاسة جاير بولسونارو في  2018-2022. ويبدو أن الفترات الديمقراطية هي إلى حد ما أقواس بين نظامين استبداديين.

كانت السنوات الأربع لرئاسة بولسونارو كارثة كبيرة للشعب البرازيلي. فقد انتخب بدعم من الصحافة البرجوازية ودوائر الأعمال وأصحاب الأراضي والمصارف والكنائس الخمسينية الجديدة، واستغل حقيقة أن لولا، الخصم الوحيد القادر على هزمه، قد وُضع في السجن بتهم باطلة. لم يتمكن النقيب السابق من تحقيق حلمه بإعادة تأسيس دكتاتورية عسكرية وإطلاق النار على “ثلاثين ألف شيوعي”. لكنه خرب كل سياسة صحية في وجه كوفيد-19، ما أدى إلى وفاة أكثر من 600 ألف، ودمر الخدمات العامة الهشة في البرازيل (الصحة والتعليم وما إلى ذلك) . وألقى عشرات الملايين من نساء البرازيل في دائرة الفقر، ودعم بنشاط تدمير غابات الأمازون على يد ملوك فول الصويا والماشية. وروج للفاشية الجديدة، ولكره المثلية، ولأفكار كارهة للمرأة، ومتشككة في أزمة المناخ. ودعم الميليشيات شبه العسكرية (المسؤولة عن اغتيال مارييل فرانكو)، ولم يتوقف عن محاولة إقامة نظام استبدادي.

هل ستضع انتخابات أكتوبر 2022 نهاية لهذا الكابوس؟ من المرجح أن يفوز لولا في الجولة الثانية في 30 أكتوبر. لكن بولسونارو، على غرار نموذجه السياسي، دونالد ترامب، أعلن بالفعل أنه لن يعترف بنتيجة غير مواتية: “إذا خسرت، فبسبب تزوير التصويت”. ويبدو أن قسما من الجيش، الممثل بقوة في حكومته، يؤيده. هل يذهب إلى حد المبادرة بانقلاب عسكري على الرئيس المنتخب، أي لولا؟ لا يمكن استبعاد هذه الفرضية، حتى لو لم تكن مرجحة: فالجيش البرازيلي ليس معتادًا على التحرك بدون ضوء أخضر من البنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية. لكن بايدن لا يهتم في الوقت الحالي بدعم ترامب الاستوائي على رأس البرازيل. حاول بولسونارو حشد مؤيديه -الشرطة والميليشيات، والجنرالات المتقاعدين، والأساقفة الخمسينيين الجدد، وما إلى ذلك -لخلق حالة أزمة مماثلة للتي تسبب بها ترامب حول مبنى الكابيتول بعد هزيمته الانتخابية. هل سيحقق نفس النجاح الذي حققه مثله الأعلى في أمريكا الشمالية؟

على الرغم من كون اختيار رجل سياسة برجوازي رجعي (جيرالدو ألكمين) لمنصب نائب الرئيس أمرا قابلا جدا للنقاش، جلي أن لولا – لويس إيناسيو دا سيلفا، عامل التعدين السابق، وزعيم نقابة العمال أثناء الإضرابات الكبرى عام 1979 ، ومؤسس حزب العمال – يجسد حاليًا أمل الشعب البرازيلي في وضع حد لحقبة الفاشية الجديدة المستمرة منذ السنوات الأربع الماضية. إنه مدعوم من قبل تحالف قوى واسع، لا يشمل معظم منظمات اليسار والحركة الاجتماعية -النقابات العمالية، وحركة المعدمين ‫(من الأرض – م) ، وحركة المشردين  ‫(المحرومين من المأوى – م)  – وحسب، بل أيضًا القطاعات العريضة للبرجوازية الصناعية التي توصلت، على خلاف مالكي الأراضي الذين ظلوا مخلصين لبولسونارو، إلى استنتاج مفاده أن القبطان السابق لم يكن خيارًا جيدًا للعمل. ويجب الإقرار بأن المعركة الانتخابية لم تكن مسبوقة بتعبئة شعبية كما جرى في كولومبيا.

قرر حزب الحرية والاشتراكية، القوة الرئيسية لليسار الراديكالي و / أو المناهض للرأسمالية في البرازيل -حيث توجد عدة تيارات متآلفة، بشكل أو بآخر، مع الأممية الرابعة -بعد فترة نقاش داخلي طويلة، مساندة لولا من الجولة الأولى. لم يوافق تيار منشق صغير، بقيادة الخبير الاقتصادي بلينيو دي أرودا سامبايو جونيور، على هذا الخيار فغادر الحزب. لكن التيارات اليسارية الرئيسية لحزب الحرية والاشتراكية، مثل حركة اليسار الاشتراكي، التي كانت لوسيانا جنرو المتحدثة باسمها مرشحة حزب الاشتراكية والحرية عام ٢٠١٤، أيدت قرار الأكثرية، رغم رغبتها في أن يقدم الحزب مرشحا خاصا به في الجولة الأولى، وأسهمت بنشاط في حملة مساندة لولا.

ليس‫ لدى معظم نشطاء حزب الاشتراكية والحرية أوهام حول ما ستكون عليه الحكومة بقيادة لولا وحزب العمال: ربما حتى نسخة أكثر اختلالا من سياسات التوفيق الطبقي الاجتماعية الليبرالية التي شهدتها التجارب السابقة بقيادة حزب العمال.

أتاحت فعه لا تلك التجارب بعض أوجه التقدم الاجتماعي، لكن ليس مؤكدا أن يكون الأمر كذلك هذه المرة.  يتوقف ذلك طبعا على مقدرة اليسار الجذري، ولا سيما الحركات الاجتماعية، والمستغلين والمضطهدين على التحرك بنحو مستقل.  بيد انه جلي أن التصويت لصالح لولا ضرورة لا محيد عنها لتحرر شعب البرازيل  من الكابوس المشؤوم الذي مثله نظام بولسونارو.

سيواجه لولا، بمجرد انتخابه، العديد من الصعوبات: معارضة شرسة من قطاعات الجيش، وملوك الماشية وفول الصويا، وكنائس الخمسينية الجديدة، وأنصار بولسونارو المتعصبين (المسلحين غالبًا). ومن المحتمل أن يكون أمامه كونغريس معاد تهيمن عليه قوى رجعية. يتحكم في الكونغريس الحالي ما يسمى بالباءات الاربعة وهي أحرف بالباء الأولى من الكلمات التالية «: لحوم البقر، والبنوك، والأناجيل، والرصاص”، أي ملاك الأراضي، ورأس المال المالي، والطوائف الإنجيلية والميليشيات شبه العسكرية. وستكون إحدى المعارك الحاسمة في المستقبل هي إنقاذ غابات الأمازون، التي تدمرها الرأسمالية الزراعية

بالإضافة إلى ذلك، سيكون لولا، مثل ديلما روسيف، تحت التهديد الدائم بـ “انقلاب برلماني”. نتج هذا عن اختيار كارثي لمنصب نائب الرئيس متمثلا في جيرالدو ألكمين، الحاكم السابق لساو باولو، الخصم اليميني السابق الذي هزمته ديلما روسيف في عام 2014. ربما اختاره لولا لإعطاء ضمانات للبرجوازية ونزع سلاح الجناح اليميني ‫- المعارض. لكنه منح بذلك سلاحا حاسما للطبقات السائدة. فإذا اتخذ لولا أي إجراء لا يرضي الأوليغارشية البرازيلية، المسيطرة على غالبية البرلمان، فسيكون موضوع إجراءات العزل، كما جرى لديلما في عام 2016. في هذه السابقة المحزنة، عوقبت بذرائع سخيفة وحل محلها نائب الرئيس، تامر، الرجعي المنتمي الى ما يُسمى بـ “الوسط” البرجوازي. يمكن أن يحدث الشيء نفسه مع لولا: المساءلة والاستبدال بواسطة ألكمين. كان الكولومبي غوستافو بيترو أكثر مهارة، فاختار لمنصب نائب الرئيس فرانسيا ماركيز، وهي امرأة من أصل أفريقي كولومبي، ونسوية ومدافعة عن البيئة

ومع ذلك، فإن ما تقتضيه اللحظة، في أكتوبر 2022، هو بلا شك التصويت لصالح لولا. كما أوضح تروتسكي جيدًا منذ ما يقرب من قرن من الزمان ، إن أوسع وحدة لجميع قوى الحركة العمالية هي الشرط الضروري لهزم الفاشية.

ترجمة المناضل-ة

٣ تشرين الاول ‫/ أكتوبر ٢٠٢٢

  • مايكل لووي، ناشط في الأممية الرابعة، عالم إيكولوجي اجتماعي وعالم اجتماع وفيلسوف. ولد عام 1938 في ساو باولو (البرازيل)، وعاش في باريس منذ عام 1969. مدير الأبحاث (فخري) في CNRS وأستاذ في مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية. مؤلف للعديد من الكتب المنشورة في تسعة وعشرين كتابًا بمختلف اللغات. منها ماركسية تشي جيفارا، الماركسية وعلم اللاهوت التحريري، الوطن أم الأرض الأم؟ وحرب الآلهة: الدين والسياسة في أمريكا اللاتينية. وهو مؤلف مشترك (مع جويل كوفيل) للبيان الإيكولوجي الدولي. كما كان أحد منظمي الاجتماع الإيكولوجي الدولي الأول في باريس عام 2007.

يتم نشر وجهة النظر الدولية  International Viewpoint تحت مسؤولية مكتب الأممية الرابعة. مقالات موقعة لا تعبر بالضرورة عن السياسة التحريرية. يمكن إعادة طباعة المقالات مع ذكر المصدر،  ورابط مباشر إن أمكن.

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا