واجبُ مُناهضي الامبريالية حشدُ القوى من أجل نزع تام للسلاح النووي

بلا حدود20 أكتوبر، 2022

تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لوحدهما 90% من الأسلحة النووية على صعيد الكوكب. وقد أضحت على إثر ذلك مخاطر مواجهة، وبالتالي حرب نووية، هائلة. لم يعد ممكنا الرهان على ” الردع النووي ” كعامل ثابت. 

تتوالى هذه المواجهات فضلا عن ذلك بترسانة من التخويف والابتزاز والتدخلات المسلحة. وكما يشير جون كارل بيكر John Carl Baker هنا، في هذا العالم، «كل قنبلة هي قنبلة رأسمالية». ها هو ندائه، المفعم بمنظورات استراتيجية واقعية وملموسة، إلى تعبئة من أجل نزع السلاح العسكري الكامل، والراسخ بقوة  في منظور مناهض للإمبريالية.

***

أَبرَزَ غزو روسيا لأوكرانيا الواقع الجديد للنزاعات بين القوى الكبرى، المستندة على أسلحتها النووية. مهمتنا رفض الاصطفاف إلى أحد هذه القوى الكبرى والضغط بالأحرى لأجل نزع عام للسلاح النووي.

على إثر غزو روسيا لأوكرانيا، ارتفع عدد متنام من الأصوات اليسارية مؤكدة على ضرورة أن نتصدى لواقع التنافس الجديد بين القوى الامبريالية المتبارية. إن التركيز على إمبراطورية الولايات المتحدة الأمريكية فقط غير مناسب في فترة تحاول فيها روسيا الاستيلاء على أراض أوروبية، أو حين تسحق الصين الديمقراطية في هونغ كونغ، أو عندما تلغي الهند الحكم الذاتي لجامو وكشمير وحيث يظل مصير تايوان مسألة مفتوحة.

التحليل صحيح: تستدعي اللحظة متعددة الأقطاب تحليلًا متعدد الأقطاب. لكن اليسار اعترف وفكر نظريا بدرجة أقل في كون التنافس الحالي بين الإمبرياليات هو تنافس نووي بنحو خاص. هذا الإغفال مثير أكثر بقدر ما أن الحرب في أوكرانيا، حيث قوة نووية عظمى هي الغازية وأخرى توفر أسلحة للدفاع عن البلد المجتاح، تثير شبح الحرب النووية بدرجة قلما أثارتها أحداث أخرى في التاريخ الحديث.

إن الدولة المُعْتَدِية المذكورة أعلاه، أي روسيا، والصين، والهند، كلها دول نووية، كما هو شأن منافساتها الرئيسية، أي الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وفرنسا وباكستان. تقوم هذه الدول (بإضافة إسرائيل وكوريا الشمالية) بتحديث ترسانتها النووية. ويقوم بعضها، مثل الصين والمملكة المتحدة، بتطويرها. وقد ذكرت جريدة The Guardian ، هذا الأسبوع، أن عدد الأسلحة النووية الاجمالي سيشهد  في السنوات القادمة ارتفاعاً لأول مرة منذ عقود.

في أحسن الأحوال، ستكون هذه التطورات بالأقل مدعاة للقلق، ولكنها مقلقة بقدر ما أنها تجري في عالم حيث تنهار بسرعة معاهدات حقبة الحرب الباردة الخاصة بمراقبة التسلح. ومن وجهة النظر هذه، أود أن اقترح عليكم ثلاث ملاحظات موجزة عن الحاضر النووي الجديد وآثاره من أجل استراتيجية يسارية اليوم.

  • قد يكون المأزق الأوكراني الأول ضمن جملة متوالية من نقط قابلية الالتهاب النووي

يبرز غزو أوكرانيا بجلاء أننا دخلنا عصر تنافس جديد بين القوى الكبرى، أي عالما مليئا بالتوترات الكامنة بين الدول المسلحة بالنووي. لكن الضحايا المباشرة ستكون على الأرجح من دول مثل أوكرانيا لا تمتلك أسلحة نووية وليست تحت مظلة قوة نووية. في أوكرانيا، أتاحت الأسلحة النووية لروسيا غطاء لعدوانها وللولايات المتحدة الأمريكية مبررا لعدم التدخل، لأن نزاعا مباشرا بين دول تتحكم في 90% من الأسلحة النووية بالعالم من المحتمل أن يكون كارثيًا.

امتنعت روسيا، حتى الآن، عن مهاجمة الناتو؛ وقررت الولايات المتحدة الأمريكية عدم إرسال قوات إلى أوكرانيا. يرى المتفائلون في ذلك دليلا على أن الردع النووي فعلي، الأمر الممكن في بعض الظروف وفي ظل شروط معينة. لكن توالي نقط قابلية التهاب سيعني تعدد مخاطر مواجهات نووية جديدة. وقد تكون بعض بؤر الاشتعال هذه صراعات حقيقية بالوكالة.  وقد يؤدي بعض آخر إلى جعل دولة مسلحة نوويًا تستخدم التهديد العسكري لابتزاز دولة غير نووية لدفعها إلى الاستسلام. يمكن أن تحدث أيضًا مواجهات بين الإمبراطوريات بشأن قواعد تسلح أو عمليات سيبرانية هجومية. وقد تكون بعض الأزمات غير متوقعة على الإطلاق.

في جميع الحالات، ستواجه القوى النووية جملة حالات فريدة تستوجب إعادة تقييم لمسألة وجود خطر من عدمه. لن يكفي ” تذكر دروس الحرب الباردة ” من أجل تجاوز هذه الحقبة الجديدة، خاصة وأن استيعاب أصحاب القرار السياسي للمخاطر النووية قد تضاءل في واشنطن (ودون شك أيضًا في موسكو وبكين).

وستشكل الأزمات المقبلة أيضا تحدياً معنوياً. ستصبح النداءات من أجل “فعل شيء ما” قوية وأحياناً مفهومة، فأوكرانيا، في نهاية الأمر،  تكافح من أجل تقرير مصيرها. لكن مخاطر الخطوات الخاطئة ستكون كبيرة، كما أظهرت ذلك بوضوح المبادرة السيئة المتمثلة في إقامة منطقة حظر طيران في أوكرانيا.

هذه المرة، لم تفلح الدعوة إلى التصعيد. لكن الأمر قد لا يكون كذلك في المرة المقبلة.

  • كل قنبلة، في عالمنا لما بعد الحرب الباردة، هي قنبلة رأسمالية

خلال الحرب الباردة، كانت هناك فروق اقتصادية واضحة بين الكتل. بلغ الانقسام بين شرق وغرب حتى الأسلحة الخاصة، مثل القنبلة النيوترونية، التي اعتبرها القادة السوفييت وغيرهم سلاحا رأسماليا لأنها تستهدف الأشخاص أكثر مما تستهدف الممتلكات. القصة غبية ولكنها توضيحية: كان لقوة الاتحاد السوفيتي وقع دائم على السياسة النووية في تلك الفترة. كان اليسار بوجه الاجمال مؤيدا لنزع السلاح، ولكن بينما كانت بعض المجموعات تنتقد كلا الكتلتين على اقتيادهما العالم إلى شفا الهوة النووية، كان آخرون مع فكرة حاجة الدول الشيوعية إلى قوة رادعة لمنع عدوان رأسمالي.

لم تعد هكذا انقسامات ضرورية اليوم. تمثل الدول النووية أشكال رأسمالية متباينة، لكنها كلها دول رأسمالية. (كوريا الشمالية، الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، قلَّما تمثل بديلاً مرغوبًا فيه). لا يوجد فاعل اشتراكي في المنافسة بين القوى العظمى اليوم، حتى لو كان الحزب الشيوعي الصيني يدعي ذلك اللقب. فلا يمكن أن يكون فائزا الفائز في هذا الصراع  سوى الرأسمالية.

هذا توضيح. تحتاج اللحظة التي نعيش فيها إلى يسار مستقل تماماً، متحرر من أي ارتباط متبقٍ بمصالح القوى العظمى.

يجب، رداً على هذا التقارب الاقتصادي، أن نتوقع قيام كل الأطراف باللعب على الفروق الإيديولوجية، حتى لو نال منها الشك بشكل متزايد. فروسيا، مثلاً، تستخدم وجود قوميين أوكرانيين من اليمين المتطرف لإظهار غزوها كعمل مناهض للفاشية. وفي الولايات المتحدة، تم تقديم المنافسة بين القوى الكبرى على أنها مواجهة بين الديمقراطية والاستبداد، حتى لو لم تكن البلاد ديمقراطية وظيفية وقد يخسر استبدادي مثل دونالد ترامب التصويت الشعبي (مرة أخرى) ويفوز بالرئاسة في العام 2024. قد لا تكون القوى العظمى متشابهة، لكنها ليست جد مختلفة.

  • إذا كانت الأسلحة النووية في صلب الإمبريالية الحالية، فينبغي أن يكون نزع السلاح النووي في مركز مناهضة الإمبريالية

إذا كانت الأسلحة النووية تتيح أشكال جديدة من العدوان الإمبريالي، فإن من واجب مناهضي الإمبريالية المساندة الصارمة لنزع السلاح النووي. باتت قطاعات عديدة من اليسار  تقوم بذلك نظريا بالأقل. لكن لا يكفي التعبير عن تأييد خطابي ثم الابتهاج لاحقا باتخاذ موقف صحيح.

إن الالتزام المتجدد من أجل نزع السلاح النووي يعني العمل، الكثير من العمل. يجب أن نقوم بتثقيف أنفسنا وبتثقيف الطبقة العاملة بشكل عام حول الدور الذي كان للناس العاديين في إنهاء سباق التسلح إبان الحرب الباردة. هذا يعني ضخ دماء جديدة في منظمات نزع السلاح القديمة وإنشاء أخرى جديدة عند الاقتضاء. هذا يعني التنظيم ضد الصناعات التي تستفيد من إنتاج الأسلحة الكارثية. هذا يعني الإقرار بأن الأسلحة النووية تقتل الناس الآن، حتى لو استمر الردع. هذا يعني مساءلة القادة الذين يُفاقمون التوترات النووية، وأيضا أولئك الذين يستغلون الأزمات للدفاع عن زيادة الأسلحة.

هذا يعني أنه يجب التحرك على مختلف المستويات. على الصعيد العالمي، يجب أن يضغط اليسار من أجل أن تقوم بلدان أكثر بالتوقيع والمصادقة على معاهدة الأمم المتحدة حول منع الأسلحة النووية، التي دخلت حيز التنفيذ العام الماضي والذي عقدت الدول المعنية بأمرها الاجتماع الأول في يونيو من العام 2022. وعلى نفس المنوال، ينبغي أن نضغط من أجل احترام الدول المالكة الأسلحة النووية للمادة السادسة من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، التي تفرض عليها بذل جهد بحسن النية لنزع السلاح، فالامر الجلي انها لا تقوم به. سيكون العمل الدولي مُهِماً بشكل خاص في دول الناتو وكذلك في مناطق مثل بيلاروسيا، التي قد تستقبل قريبًا أسلحة نووية روسية.

على المستوى الوطني، يجب ألا يخشى اليسار المعارك التشريعية المستهدِفة للسياسات وبرامج التسلح المحددة. إن هذه المجهودات تقدمية وتظل أحيانا غير مرئية، لكن وقعها حقيقي وحظوظ نجاحها أكبر من إعلان شعارات نزع السلاح في فراغ. هنا، في الولايات المتحدة الأمريكية، يجب أن ندعم سياسة “عدم السبق إلى استخدام” الأسلحة النووية، وأن نعمل على إصلاح سلطة اطلاق السلاح النووي، التي ارتكزت حتى وقت قريب فقط على دونالد ترامب. يجب أن ندعم الجهود التشريعية لمنع الأسلحة النووية التكتيكية أو “منخفضة المردودية” التي تخفض عتبة الاستخدام. ويجب علينا أيضا أن نشجع التخلص التدريجي من الصواريخ الباليستية الأرضية العابرة للقارات التي تقلل من وقت قرار الرئيس وتزيد من مخاطر وقوع أخطاء في الإطلاق.

أكيد أن نزع السلاح هدف، ولكنه أيضا سيرورة، سيرورة يمكننا أن نساعد على إعادة إطلاقها.

في العام الماضي، ذكرت مجلة Air Force Magazine أن الصاروخ الباليستي الجديد العابر للقارات برأس النووي الخاص بالولايات المتحدة، والمعروف Ground Based Strategic Deterrent, والمعروف الآن باسم Sentinel، يهدف إلى أن يكون جزءًا من برنامج مدته 70 عامًا. فكروا في الأمر: سبعون عامًا إضافية من العمر النووي. سبعون عاما أخرى سيكون العالم خلالها تحت رحمة تسعة بلدان فقط. سبعون سنة أخرى من الروليت الروسي.

هذا الوضع غير قابل للحياة، بالتأكيد ليس في عصر تكون فيه الحرب بين القوى العظمى (بالوكالة أو بدونها) احتمالا واقعيا.  إن التفجير الواحد سيكون كارثة، ومن شأن حرب نووية واسعة النطاق أن تهدد الحضارة نفسها.

في أحسن الأحوال، يمنح اليسار الناس الأمل في إمكانية مستقبل أفضل. ويجب أن نستخدم هذا الشعور للنضال من أجل نزع السلاح النووي. الأسلحة النووية مشابهة جدًا للرأسمالية: فهي تعتبر خالدة ومحتومة وحتى طبيعية. لكن يوجد هناك بديل. يستحق الكل(ذكورا و إناثا) مستقبلا آمنا ومأمونا، خاليا من تهديد الحرب النووية. دعونا نبنيه.

* ترجمة المناضل-ة

نُشر هذا النص في الأصل من طرف Jacobin.

جون كارل بيكر مكلف ببرنامج Ploughshares Fund.

الآراء المعبر عنها هنا تعني كاتبها.

شارك المقالة

اقرأ أيضا