مُونديال 2022 في قطر: متعةٌ بنكهة العُبودية

بقلم: العاصي

لا يبدو أن كلفة مونديال 2022 (220 مليار دولار) ضخمة، مقارنةً بالكلفة البيئية والإنسانية والاجتماعية الحقيقية التي سيتحملها السكان الفقراء بدولة قطر أجمعين، في سبيل تنظيم التظاهرة وتمكين الشركات الكبرى من الأرباح.

الاستغلال والموت في الملاعب

أعلنت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير صدر حول أوضاع العمال في شهر مايو من العام 2022 بأن العمال في شركات تقوم بإنجاز العديد من المشاريع الحالية المتعلقة بمونديال 2022 في قطر، قدموا شكاوى بتأخر تلقي الأجور أو سرقتها أو عدم أدائها لشهور عديدة دون جدوى.

وذكر التقرير بأن الشركات ترغم العمال على الاشتغال رغم عدم تأدية الأجور. إن كل عمل تحت التهديد بعقوبة يعتبر عملا قسريا أو جبريا حسب “اتفاقية العمل الجبري” الصادرة عن “منظمة العمل الدولية” (رقم 29).

طيلة أشغال تهيئة البنية التحتية المستقبلة للمونديال منذ العام 2010 (7 ملاعب، طرق، فنادق…) التي بلغت 220 مليار دولار، قضى أكثر من 6751 عامل مهاجر في حوادث شغل في أوراش العمل. لم تُثر هذه الجريمة إجراءات فعلية من طرف مسؤولي كرة القدم عالميا، رغم توالي التقارير والانتقادات والدعوات بسحب تنظيم مونديال 2022 لكرة القدم من قطر. لكن قطر بقدرتها المالية الخارقة نفثت غازها المسموم، وبتواطؤ مكشوف من مسؤولي الفيفا تمكنت من طي الملف إعلاميا، بإعلانها مجموعة إجراءات لمراقبة وتتبع ومعاقبة كل خرق لحقوق العمال المهاجرين وإحداث صندوق لتعويض العمال في العام 2020. وبقدرة ذراع قطر الإعلامي (الجزيرة وباين سبورت) وعلى لسان الفيفا كانت الأمور تبدو بخير لكن في واقع الحال واصل أرباب العمل إرسال جثث العمال لأقاربهم في صناديق دون تعويض.

اليوم ولأن أنظار العالم موجهة لقطر لقُرب انطلاق التظاهرة الرياضية. لم يقتصر التقرير الجديد على ظروف عمل العمال المهاجرين وحسب، بل سلط الضوء على مواضيع أخرى بخلاف سابقيه.

المرأة ومجتمع الميم في قطر

النظام في قطر نظام اقتصادي رأسمالي أبوي (بطريركي) يسيطر فيه الرجال على كل شيء. فالنساء بقطر لا يمكنهن العمل أو الزواج أو السفر إلى الخارج إلا بإذن. والمرأة يستحيل عليها النزول في فندق في غياب وثيقة زواج أو برفقة ولي. تُعنف المرأة وتُساء معاملتها دون أن تتمكن من الحصول على حق متابعة مرتكبي العنف. في دولة قطر تتحول المُغتصَبة إلى مُدانة إذا أبلغت عن الجريمة، والعقوبة قد تصل إلى الجلد وسنوات سبع من السجن. أما وضع العاملات المنزليات المهاجرات فأكثر من ذلك. فنظام الكفالة سيء الذكر يتيح لأرباب العمل كل أنواع سوء المعاملة والاغتصاب وظروف العمل المشينة (عدم تأدية الأجور وطول ساعات العمل وغياب العطل).

أما فيما يخص القمع الجندري، فقد جاء في تقارير هيومن رايتس ووتش أن دولة قطر تمارس كل أنواع المراقبة وتقوم باعتقال أفراد من مجتمع الميم وتضع كل أنشطتهم تحت أنظار تكنولوجيا المراقبة المتقدمة (من أجل مراقبة كل تفاصيل مونديال 2022 تم اقتناء تكنولوجيا مراقبة متطورة). وأكدت المنظمة أنه أمام موجة الانتقادات المتصاعدة قد تُقرر الدولة وقف العمل مؤقتا بالقوانين القامعة لحرية مجتمع الميم (حرية رفع الأعلام في الملاعب…)،خلال منافسات مونديال2022، لكن هذا لا يعني سوى استئناف العمل بها بدرجة أكبر وممارسة الانتقام من الأفراد القطريين بعد انتهاء التظاهرة.

البيئة

في شهر مايو من العام 2022، أنجزت منظمة Carbon Market Watch غير الحكومية (1) تحليلا حول تصريح قطر في موضوع الوعد، بحياد الكربون، خلال مونديال 2022 الذي قطعه المسؤولين. أعلن التقرير أن الملاعب المكيفة (شيدت دولة قطر 6 ملاعب تعمل على التبريد الذاتي لمواجهة ارتفاع الحرارة) التي تستعمل الطاقة وتحلية المياه والبلاستيك ومجموع الرحلات اليومية المقدرة داخل البلد بـ160 رحلة يومية طيلة مونديال 2022 والأثر البيئي الناتج من مشاريع البنية التحتية ستسهم في انبعاثات أكثر من التي توقعتها قطر(63 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون) وبالتالي لا يجب أن يظللنا قول الفيفا بأن مونديال 2022 بقطر صديق للبيئة. إن بناء الملاعب العملاقة التي لن تُستعمل بعد التظاهرة في مساحة صغيرة كقطر خلخل التوازن البيئي المحلي والإقليمي.

من أجل متعة متحررة من إكراه الربح

ليست المتعة (فنية كانت أم رياضية أم جنسية… إلخ) بمنفصلة عن السياق الاجتماعي/ الاقتصادي. فالنظام الرأسمالي قد تمكن من جعل كل الأنشطة البشرية، بما فيها أكثرها حميمية، سلعة وموردا لمراكمة الأرباح. يؤدي هذا إلى ظهور اتجاهات نكوصية تعتقد أن الأمر محضُ انحراف خٌلُقي، يستدعي ردعَه بالعنف أحيانا وبالوعظ والإرشاد أحيانا أخرى، وتنتهي هذه الاتجاهات إلى أن تكون مضطهِدا بدورها للنساء والشبيبة وكل أصناف “الأقليات”، كما هو الحال مع التيارات المتطرفة الإنجيلية في الولايات المتحدة، أو مع حركات الإسلام السياسي وأنظمتها، كما هو الحال مع إيران حاليا.

فقط إعادة بناء المجتمع لخدمة الجماعة البشرية المتحررة من إكراه بيع قوة العمل وبيع الجسد، للهرب من الموت جوعا، هو ما سيجعل المتعة تندمج من جديد في نشاط اجتماعي مثمر ومنتج، ومحافظ على الوسط الطبيعي/ البيئي.

(1): https://carbonmarketwatch.org/2022/06/07/fifa-2022-world-cups-carbon-neutral-claim-is-far-fetched-and-spurious/

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا