امتحان المُحاماة شجرة تُخفي غابة فساد مُتجذر

سياسة7 يناير، 2023

نظم عشرات الغاضبين- ات من نتائج امتحان الحصول على شهادة الأهلية لمزاولة مهنة المُحاماة وقفة احتجاجية بالرباط*، للمطالبة بإلغائها كليا وفتح تحقيق فيما شابها من خروقات، بدء بظروف اجتياز الامتحان وصيغته، وفي طريقة تصحيحه، والشكوك القوية حول أهلية عدد من الناجحين- ات على حساب ترسيب متعمد لمترشحين أقل حظوة وجاها. كما أجج تصريح متعال لوزير العدل غضبا واسعا أجبره على تكرار الظهور في القنوات الإعلامية الرسمية لتهدئة الغضب.

أكد تصريح وزير العدل فكرة شائعة شعبيا مؤداها أن نظام التعليم الطبقي ينتج عنه حصول أبناء الفقراء على شهادات معظمها لا تؤهلهم إلا لبطالة مديدة، في حين يتسلح أبناء مالكي الثروة بديبلومات من معاهد خاصة أو جامعات أجنبية تؤدي بهم إلى وظائف مجزية وبألقاب مقرونة بمجد أسري تمهد الطريق لتولي دفة القيادة السياسية و/ أو الاقتصادية.

أما عنجهية رد وزير العدل فهي انعكاس لعداء طبقي مشترك بين الطبقة البرجوازية وبيروقراطيتها خصوصا من محدثي النعمة الذين يُصفون الحساب مع ماضيهم وذلك بإعلان عدائهم للطبقات الكادحة، وتبرمهم من نقدها المحكوم بحس طبقي يرونه حسدا لارتقائهم الخاص.

أسباب الغضب الحالي، نزاهة مذبوحة وبطالة جماهيرية

يعرف القاصي والداني أن مباريات التوظيف في المناصب العليا والدنيا تفتقد لمعايير النزاهة والموضوعية. ويعلم جميع المغاربة أن الكفاءة والجدارة لا تكفيان وحدهما لتولى منصب عمل. الرشوة والبحث عن وسطاء أمر شائع في معظم الحالات، كما يشترط لتولي بعض المناصب في مختلف الوزارات والإدارات تقريرا إيجابيا من البوليس السياسي، بشكل فاق ما كان فيما يعرف بسنوات الجمر والرصاص، حيث كنا نجد معارضين سياسيين في الجامعات والمحاماة والتعليم… الخ، أما حاليا فقد تكشفت فضيحة التطهير المنهجي للوائح الناجحين باستحقاق في امتحان التعليم العمومي بشكل متكرر عن دوس فج لقانون الدولة نفسها، أراده النظام أن يكون معلوما لا خفيا لردع الشبيبة المعارضة للنظام وسياسته.

الغضب الواسع والتغطية الإعلامية التي رافقت امتحان المحاماة الأخير عكس الحالات السابقة مرده الأساسي إلى أربعة أمور: 1) نتائج فضائحية نجح فيها مقربون عديدون من نافذين، بما فيهم مسؤول كبير في وزارة العدل، 2) فعالية بعض الصفحات الفيسبوكية التي تتبعت النتائج وشهرت بها منذ البداية، 3) وجود أبناء جزء من الرأسماليين والنخب السياسية والنقابية وبيروقراطية الدولة كضحايا هذه المرة، ما جرح أنفتهم الطبقية وهم المنتسبون لعلية القوم فكيف لا يحسب لهم حسابهم؟  4) وإحساس القاعدة الواسعة بالغبن الشديد بعد انكشاف ان لائحة الناجحين تتضمن أبناء وأقارب مسؤولين قضائيين ومحامين وإداريي وزارة العدل وبرلمانيين من “المعارضة” و”الأغلبية” في لفيف جمعه تقسيم كعكعة مناصب ستكون قنطرة نحو ما هو أعظم، أي المال الوفير والمناصب المجزية.

بعد خنق الوظيفة العمومية جاء دور المهن الحرة

أنهت الدولة منذ زمان مرحلة التشغيل الواسع في القطاع العام، وهي سائرة نحو تقليص كتلة الأجور بعدة طرق وخصوصا تعميم الهشاشة السائدة في القطاع الخاص عبر التشغيل بالعقود المؤقتة، ما يعني إقبار الوظيفة العمومية كما عُرفت منذ 1958. لقد أغلق أحد المنافذ الذي يستوعب الخريجين الجامعيين، والآن حان أجل المهن الحرة، حيث ستتعرض لمركزة شديدة واكتساح كبريات الشركات وإجبار المهنيين المستقلين على خوض منافسة غير متناسبة، وسينزل على كاهلهم ثقل الضرائب ما سيجبرهم على التحول إلى أجراء عند الشركات أو الهجرة الى الخارج. هذا ما سيحل بالأطباء والموثقين والمحامين والمهندسين المعماريين والطوبوغرافيين والبياطرة…الخ، رغم ذلك فجحيم البطالة يدفع الشباب الجامعي ليطمح إلى بلوغ تلك المهن بدافع ما أسبغ عليها من علامات النجاح المهني والعائد المادي، مع عدم وعي بما أضحى ينتظرها في المستقبل.

إن البطالة الجماهيرية التي تسحق حاملي الشهادات وأصحاب السواعد سببها نظام اقتصادي رأسمالي تابع عاجز عن استيعاب تدفق اليد العاملة بأنواعها وهذا جذر الكارثة الاجتماعية التي تعصف بالعاطلين- ات قسرا والعاملين- ات قهرا بأجور بؤس سواء بسواء.

مناصب شغل قليلة مقابل فائض عرض لقوة العمل، في ظل نظام تعتبر فيه شبكة الفساد أحد الأدوات المثبتة للاستبداد، والنتيجة ضرب في مقتل لمصداقية المباريات والترقي، فالمناصب يوصى بها للنافذين أو تباع ببساطة مع حرص على وجود قلة ناجحة باستحقاق للتغطية على الفضيحة.

ما المطلوب؟

نساند مطالب الشبيبة ضحية خروقات امتحان المحاماة، ونساند مطلب إعادة الامتحان بقواعد صارمة لتأمين النزاهة وفي ظروف مناسبة تحفظ تساوى حظوظ المشاركين.

نطالب بإسقاط حكومة أرباب العمل، بأكملها، التي أبانت عن شراسة في العداء للشعب الكادح وخصوصا الشباب وشراسة فريدة في تنفيذ سياسة نيوليبرالية خطيرة من نتائجها ضرب الخدمات العمومية وزيادة البطالة وإغلاق آخر منافذ تشغيل أبناء الكادحين في الوظيفة العمومية.

لأجل تشغيل كثيف في إطار برنامج استعجالي اجتماعي لتلبية الخصاص في المرافق الاجتماعية والصحية ورعاية الطفولة والبنيات التحتية.

ونطالب بحق المحرومين من العمل من دخل لا يقل عن الحد الأدنى للأجور.

الفساد أخطبوط ينهش البلد لكنه ليس لعنة قدرية بل راعيه نظام الاستبداد الذي يرشح الفساد من كل مسامه ولا قضاء على الفساد الا بإسقاط الاستبداد.

بقلم: أ. م

…..

* تقدم للمباراة حوالي 76 ألفا، ونجح من بينهم 2000 شخص،

شارك المقالة

اقرأ أيضا