8 مارس: من أجل التصدي لإفراغ القضية النسائية من مضمُونها التحرري

الافتتاحية6 مارس، 2023

تُكابد غالبية نساء المغرب أوضاع استغلال واضطهاد ليست أقل من عذاب يومي، من شظف عيش، وميز، وعنف بدني، وآخر جنسي.

قهرٌ ينتجه مجتمع يسير بمنطق أرباح الأقلية بدلا من منطق حق الجميع في حياة لائقة بتلبية الحاجات الأساسية وتسيير كل مناحي الحياة بديمقراطية. وتتداخل مع هذا خصائصُ المجتمع الذكوريةُ المفعمةُ بثقافة رجعية مُذِلّة للنساء. فباتت دونية النساء واستعبادهن واقعا غير قابل للإنكار، يجعل الجميع يستعرض أوجهَهُ، معزَّزاً بالأرقام، وازدهرت صناعةُ التقارير من كل نوع بعد الاستيلاء على مقاربة النوع الاجتماعي وإفراغها من شحنتها التمرُّديّةِ. وعلى غرار سائر بلدان الجنوب العالمي، المُخضَعَة بأغلال الديون، تتعرضُ القضية النسائية بالمغرب لهجوم يستهدف روحها. فمنذ ما ينيف على العقدين من الزمن، وبعد فقدانه لكل مشروعية نتيجة لسياسته المدمرة اجتماعيا، دأب البنك العالمي على تأنيث منهجية برامجه على نحو يدمج النساء في خططه النيوليبرالية.

يقوم هذا المسعى على تقليص أشكال الميز ضد النساء لجعلهن أكثر مردودية، سواء في المجال المنزلي أو الإنتاجي. وذلك بتحسينات ليست هدفا بحد ذاتها، بل حاملة لأهداف اقتصادية، تتمثل في الاستعمال الأمثل للنساء بما هن مورد واستثمار وعامل انتاج. إنها عقلانية اقتصادية رأسمالية تستعمل النساء، تحت غطاء “تنمية تشاركية”، وليست عقلانية تحررية بأي وجه.

وقد نزل هذا الاستعمال المُغرض لقضية النساء هدية من السماء على نظام استبداد سياسي مغربي ظل حريصا على نزع فتيل قنبلة قهر النساء بتدخلات إصلاحية زائفة لأحد أبشع أدوات استعباد النساء، قانون الأحوال الشخصية. وتجلى هذا التمازج بصدد قضية النساء، بين أهداف كل من الامبريالية والاستبداد المحلي، فيما سمي “خطة إدماج المرأة في التنمية”، مطلع سنوات 2000.

اجمالا، ليست معالجة الدولة للمسألة النسائية، بإشراف البنك العالمي، غير جانب من تدبيرها للمسألة الاجتماعية المتفاقمة بفعل تشديد السياسات النيوليبرالية. وهو تدبير يقوم على احتواء استياء النساء ببرامج التضميد، وتحييد الحركة النسوية، وافراغها من حمولتها السياسية الجذرية، وإلغاء كل استقلال فكري ومؤسسي ومالي.  وقد بلغ النظام غاية بعيدة في هذا المسعى، مستعملا فزاعة التيارات الدينية، ومستفيدا من قصور سياسي طبع حركة النساء بالمغرب الناشئة ضمن اليسار.

تعاني معظم نساء المغرب (عاملات ومعطلات وقرويات) الفقر، وهن أفقر ما يكُنَّ إلى وعي فقرهن واضطهادهن. وحتى التنظيمات المنتسبة لقضية النساء واقعة في شرك البنك العالمي، ما أعوزها إلى منظور جوهري لاضطهاد النساء، يكشف أسبابه الهيكلية، وأسقطها في حلول ترميم النيوليبرالية البطريركية.

وما نرى اليوم سوى شتات من الجمعيات، قسمها الأعظم، واجهة شبه رسمية للدولة، مجندٌ لترويج سياستها إزاء النساء، وللمشاركة في تنفيذها. يليه قسم ليبرالي، قائم على منظور الترافع والتمكين والتماس اصلاحات قانونية لتخفيف وطأة الاضطهاد، وهو شريك للمؤسسات الدولية. وأخيرا ثمة حركة نسائية رجعية دينية، تعتبر النساء قاعدتها الواسعة والمجندة وراء تنظيماتها العديدة، مُستشرسةً في مناهضة المساواة باسم الحفاظ على الهوية والأسرة الاسلاميتين، ومتحدة رغم تباين موقفها من النظام السياسي في العداء للمطالب النسائية الديمقراطية.

ولا شك أن نقص انشغال المنظمات العمالية بخصوصية استغلال النساء في أماكن العمل، وباستفادة النظام الرأسمالي من عملهن المنزلي، أضعف الحركة النسوية، ونال من مقدرتها على امتلاك المنظور الجوهري الشمولي لاضطهاد النساء، ومن ثمة الافتقار أيضا إلى استراتيجية نضال وتغيير حقيقية.

طاقة النضال النسوية متدفقة في قطاعات الإنتاج والخدمات، وفي الأحياء الشعبية، وفي العالم القروي حيث شهدت عليها مكانة النساء في الحراكات الشعبية المتتالية منذ عقود. بيد أن هذا الدفق بحاجة إلى رؤية فكرية وسياسية، واستراتيجية، ومنظمات نضال مستقلة.

لهذا يندرج بناء منظمة نسوية جماهيرية مستقلة ضمن أمهات مهام مناهضي قهر الرأسمالية البطريركية للنساء، ضمن بناء مختلف أدوات نضال طبقة الشغيلة وكل ضحايا نظام الاستبداد والاستغلال والاضطهاد. ومنطلق هذا البناء المطالب اليومية الأولية، والنضالات الجارية بشكل دوري، مع عمل تثقيف فكري سياسي لا غنى عنه.

المناضل-ة

 

 

 

 

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا