في ذكرى 23 مارس 1965: تجذر نضال الشبيبة أحد شروط الخلاص من أهوال الحاضر الرأسمالي

الافتتاحية20 مارس، 2023

يوم 23 مارس 1965 هبت شبيبة مدارس المغرب، والتحقت بها باقي جماهير الشعب الكادح، في انتفاضة هزت أركان الحكم وأصابت “المجتمع الرسمي”، بنظامه وأحزابه وبيروقراطيات نقاباته، بالرعب من حركة شعبية انبعثت من أعماق المجتمع.

انتفضت الشبيبة ضد نتائج استقلال شكلي، كان حصيلة إجهاض نضال ضد الاستعمار استأثرت بقيادته الحركة الوطنية البرجوازية (حزب الاستقلال،…)، عبر صفقة بين الإمبريالية الفرنسية والملَكية والحركة الوطنية البرجوازية. حافظت تلك الصفقة على ركائز الاستعمار (المصالح الاقتصادية، والقواعد العسكرية) وأرست حكمَ فردِ مستبد، وجعلت خيرات البلاد فرصَ نهبِ واغتناء أمام كبار الملاك والبرجوازيين والرأسمال الأجنبي.

انقشعت آمال التمتع بثمار استقلال أدى ثمنَه الشعبُ تضحياتٍ جسام. استأثرت البرجوازية الزراعية وكبار الملاك بأفضل الأراضي المسترجعة، وألقي بالأسر الفلاحية المهجَّرة من الأرياف في بؤس ضواحي المدن، وتحولت إلى يد عاملة أو جيش احتياطي يتعيش في أسوءِ الشروط.

انقشعت أوهام “الاستقلال” بإحباط طموحات الكادحين-ات في القضاء على الفقر والجهل، بل على العكس صدمهم-هن النظام بفرض سياسة تقشف، كان من أوجهها سعي إلى حرمان آلاف تلاميذ-ات الأسر العمالية والكادحة من حق تعليم كانت متطلعة إليه وسيلةَ تحسين لمستوى عيشها.

في الآن ذاته، كانت الملكية ترسي أركان استبدادها بقمع كل معارضة مهما بلغ تواضع مطالبها. تواترت صنوف القمع من اغتيال واختطاف وتعذيب في أقبية سرية. وكتم هذا القمع أشكال المعارضة العلنية. في هذا السياق تفجرت الانتفاضة العفوية للشبيبة وجماهير الشعب الكادح يوم 23 مارس، وأُغرِقت بدورها في الدماء.

انهزمت تلك الهَبَّة بحكم افتقادها لأي منظور سياسي، ولكونها محض انفجار عفوي لتنفيس استياء اجتماعي مكبوت. وكانت كل القوى السياسية القائمة، حتى التي كانت تنسب نفسها إلى مشروع الطبقة العاملة (الحزب الشيوعي المغربي المحظور)، ترتعب من حركة الجماهير ساعية إلى تفادي استثارتها، أكثر من خشيتها من الحكم الفردي الذي كانت تتوق إلى توافق معه.

أدى قمع الانتفاضة إلى تعميق السياسة المنتهجة حتئذ. فُرِضت حالة استثناء واستمرت السياسة الاقتصادية خادمة مشروع إنماء رأسمالية محلية تحترم تخصصها في إطار قسمة العمل الدولي التي حددها الاستعمار للمغرب كبلد تابع.

بعد أقل من عقد، اندفعت حركة شبيبة أخرى، منبثقة من الحركة الطلابية، متبنية صيغة ماركسية- لينينية في سعي إلى إسقاط النظام وإقامة جمهورية مجالس العمال والفلاحين. لكن شدة القمع المتضافرة مع نقص تلاؤم المنظورات مع واقع الحركة العمالية والشعبية عزلاها عن الطبقات التواقة إلى التغيير، وعلى رأسها الحركة العمالية المكبوحة ببيروقراطية أفسدها الحكم الفردي بالامتيازات.

وكانت هَبَّة مارس 1965 مقدمة لتجذر الحركة الطلابية، وتبوئها موقعا متقدما في النضال السياسي ضد الاستبداد. بيد أن أزمة الحركة العمالية القائمة فعلا، وأخطاء ماركسيي- ات تلك الحقبة، مهدا طريق هذر قدر عظيم من القوى الشابة المتجذرة التي كان من شأنها الإسهام في بناء حزب الشغيلة الثوري.

وبعد عقد من فرض برنامج التقويم الهيكلي، المحكوم بتقشف نيوليبرالي قاضم لمكاسب ما بعد الاستقلال، انطلقت الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين-ات في النضال من أجل شغل يضمن العيش اللائق.

ولأن كل هذه الحركات كانت معزولة عن الطبقة العاملة وغياب حامل مشروعها التاريخي التحرري من كل أشكال الاستغلال والاضطهاد، أفلح النظام والمؤسسات الإمبريالية في تدبير مرحلة ما بعد التقويم الهيكلي وتيسير انتقال هادئ للحكم من ملك راحل (الحسن الثاني) إلى ولي عهده (محمد السادس).

جرت تصفية مكاسب اجتماعية طفيفة لما بعد الاستقلال، بتبني سياسة التخلي عن كل شيء للقطاع الخاص (المحلي والأجنبي) مع استئثار الرأسمال الكبير الملتف حول الملكية بثمار تلك السياسة. وجدت الشبيبة نفسها محرومة من حق تعليم وصحة عموميين جيدين وتشغيل وعُمِّمت الهشاشة في التشغيل.

قُضي على مجالات التثقيف (دور شباب وجمعيات تثقيف) وتراجع دور اليسار (الليبرالي منه والجذري) في التوجه نحو الشبيبة وانحصر عمله في الجامعات، بينما تنامى دور القوى الرجعية الدينية، التي غزت معقل الشبيبة تلك؛ الحركة الطلابية والمدارس.

أسهمت سياسة تسليع كل شيء، في تفشي الآفات الاجتماعية بين الشباب، وفي تعمق الاستلاب الأيديولوجي، وتحولت النساء إلى سلعة تُستَغلُّ أجسادهن في الترويج الدعائي والبغاء. وأعلت وسائل التواصل التكنولوجي آفاق طموحات الشبيبة لكن مع انسداد إمكان تحقيقها. ووجدت القوى الدينية في ذلك تربة خصبة للمزيد من الانغراس، بالدفاع عن منظور رجعي يتيح مجتمعا مضادا ملاذا لضحايا التحلل الاجتماعي الذي سببه عنف غزو العلاقات النقدية الرأسمالية لكل مناحي الحياة وتمددها إلى كل مسام المجتمع.

أمام انسداد الآفاق، خصوصا مع حدود وهزائم الحراكات الاجتماعية المنطلقة من البوادي والمركز الحضرية الصغيرة، تحولت الهجرة نحو الخارج إلى ملاذ لقسم مهم من الشبيبة.

تواصل الدولة (مع نموذجها التنموي الجديد) تعميق سياسة هيكلة كل مناحي الحياة والمجتمع لما فيه مصلحة الرأسمال (المحلي والأجنبي)، وتعلي شأن قيم التنافس والنجاح الفردي والمبادرة الخاصة، مع ترويج خطاب إحساني تحت مسمى “الحماية الاجتماعية” موجَّه لتسكين آلام أكثر ضحايا سياساتها بؤسا.

الشباب ضحية أولى لآفات المجتمع الرأسمالي وأهواله، تنسد الأفاق أمام مئات الاف بفعل البطالة والعمل الهش، وتتحطم الآمال بفعل نظام تعليم طبقي، ويفتك فرط الاستغلال في ظروف متردية بملايين في مواقع العمل، ويحيل وضع الخدمات العامة وخصخصتها الزاحفة الحياة اليومية إلى عذاب دائم. وضع اجتماعي يدفع ملايين الشباب دفعا إلى البحث عن سبل الخلاص، وتجد قلة منهم طريقها الى النضال. بيد أن هزائم الماضي ومخلفاتها على منظمات النضال القائمة لا يزال ينيخ بثقله على طاقة النضال الكامنة.

انطلاقا من الحاجات الأنية يجب بناء أدوات النضال، في المدارس والجامعة، وبين المعطلين/ات، وفي أماكن العمل والسكن، والسعي لتلاقي مختلف روافد الحركة الجماهيرية، وذلك حول منظور مناهض للرأسمالية المنذرة بجر العالم إلى كارثة غير قابلة للتدارك. فشبح الحرب بين قوى نووية بات وشيكا والأزمة البيئية المدمرة تخنق الحياة والأزمات الاقتصادية العنيفة تخلف دوريا دمارا هائلا.

لا خلاص للشبيبة من أهوال الحاضر الرأسمالي إلا بتغيير شامل وعميق يتيحه إبدال السلطة القائمة بسلطة الأغلبية العاملة والكادحة. ما يقتضي بناء أداة هذا التغيير، متمثلة في حزب الطبقة الطليعية: الطبقة العاملة ومشروعها التحرري الاشتراكي النسوي البيئي. فقط مجتمع مبني على قيم التعاون والتضامن، مجتمع متحرر من قوانين الرأسمالية قادر على القضاء على كل شرور المجتمع الحالي من بطالة وحرمان وقهر واستلاب وكل صنوف الاضطهاد.

المناضل-ة

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا