النظام الأساسي الجديد لأجراء-ات التعليم العمومي نصر للدولة وأرضية جديدة للنضال

الافتتاحية4 أكتوبر، 2023

تمكنت الدولة من إنجاح غارتها على إحدى جبهات تشريعات الشغل بالمغرب، إذ صادق مجلس حكومة الواجهة على “المرسوم 2.23.819 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية والتكوين” يوم 27 سبتمبر 2023. ويشكل نجاح هذه الغارة نجاحا كبيرا لخطة المراجعة الشاملة لأنظمة الوظيفة العمومية، إذا أضيفت إلى غارة أخرى نجحت عبرها في إخراج أجراء قطاع الصحة العمومية من النظام الأساسي للوظيفة العمومية منذ ماي 2021 والإعداد لإصدار نظام أساسي خاص بالوظيفة العمومية الصحية.
تمكنت الدولة بمشاركة ما تُطلق عليه شركاءها الاجتماعيين، أي قيادة النقابات من هدم كلي للنظام الأساسي لشغيلة قطاع التعليم لسنة 2003، وليس هذا طبعا إلا استكمالا للهجوم الذي بدأ منذ إصدار الميثاق الوطني للتربية والتكوين. فنظام 2003 ذاته نجح في إخراج أقسام من شغيلة قطاع التعليم من الوظيفة العمومية، هي عمال- ات الحراسة والنظافة والإطعام والإيواء المدرسي وتفويض تدبير تلك الخدمات إلى شركات القطاع الخاص، ما حول حياة تلك الشغيلة إلى جحيم ما بين انتظار تجديد العقود والإفراج عن مستحقات الأجور. لقد كانت تنازلات نظام 2003 مقابلا للسكوت عن تحويل تلك الشغيلة إلى لقمة سائغة في يد شركات القطاع الخاص، وفي نفس الوقت فتح الباب لمراجعات عديدة تهم منظومة التقييم والتنقيط والترقية. ليس النظام الأساسي الجديد إذن إلا استكمالا لغارة بدأت منذ سنة 2003.
ليست هذه المراجعات الجذرية لتشريعات شغل أجراء القطاعات العمومية إلا الوجه الآخر لتدمير هذه الخدمات وجعلها في أيدي القطاع الخاص مصدرا لإنماء أرباحه، وفي نفس الوقت تنفيذ إملاءات المؤسسات المالية الدولية في ما يخص القضاء على نمط التوظيف القديم القائم على التشغيل مع الأجهزة المركزية للدولة، وتحويل هذه المهمة إلى مؤسسات دنيا، في إطار المبدأ الدستوري المسمى “التفريع”.
لا يقتصر الأمر على المراجعة الشاملة لتشريعات الشغل داخل الوظيفة العمومية/ القطاع العام، لكن هجمة الدولة شاملة. وهي تسعى بجد إلى مطابقة كل تشريعات الشغل مع الطور الجديد من النموذج التنموي الجديد/ القديم القائم على تمكين القطاع الخاص من الاستثمار في كل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية. فالإعداد لمراجعة مدونة الشغل نزولا عند رغبة أرباب العمل الذين ينتقدون صلابتها المفرطة منادين بتعميم المرونة؛ على شكل تسهيل التخلص من الأجراء- ات والتراجع عن الحد الأدنى القانوني للأجر وتعويضه باتفاقات بين أرباب المقاولات وأجراء- اتها فضلا عن المطالبة بحد أدنى أجر جهوي. تعمل الدولة أيضا على مراجعة الأنظمة الأساسية للمقاولات العمومية، وقد نجحت الدولة في تمرير بعضها وعلى رأسها النظام الأساسي لشغيلة بريد بنك.
إنها استراتيجية هجومية شاملة على الطبقة العاملة لفائدة الرأسماليين، تضع آليات تنظيم جديدة لمسار الشغيلة، من الولوج للعمل مرورا عبر قناة المسار المهني حتى الإحالة على المعاش، ما يضعها تحت الضغط الدائم: رفع المردودية (كثافة الاستغلال) والهشاشة (ضرب الاستقرار المهني) تقليص الدخل الأجري والمعاشات، تمرير الاستراتيجية العدوانية تلك غير ممكن دون توجيه ضربة قاصمة لممارسة الحريات النقابية ونزع سلاح الإضراب من الشغيلة عبر تقنينه القانوني المرادف للمنع بلغة الواقع.
تمكنت الدولة من تنفيذ غاراتها على تشريعات الشغل بمساعدة قيادات نقابية تعتبر الحفاظ على السلم الاجتماعية والاستقرار السياسي خطا سياسيا تحرص على عدم الخروج عن طريقه وتقمع أي معارضة داخلية تحاول إرساء خط نقابي ديمقراطي كفاحي. ويشكل هذا أرضية تلاقي تلك القيادات مع دولة البرجوازية. وبذلك تنفذ حرفيا تلك المهمة التي أوكلها “تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد” للنقابات؛ أي مصاحبة هجمات الدولة على الشغيلة ودرء أي مقاومة نابعة من أسفل قد تعرقل تلك الهجمات.
حاولت القيادات النقابية إيهام الشغيلة بأن المشاركة في الحوار و”المقاربة التشاركية” ستضمن المكاسب القديمة وتأتي بأخرى جديدة، ووقعت على سلم اجتماعي في قطاع التعليم العمومي في اتفاق 18 يناير 2022. وفي نفس الوقت حاولت تلك القيادات استغلال نضال التنسيقيات الفئوية طيلة سنتي 2022 و2023، كثقل في ميزان حوارها مع الوزارة، دون أن تعمل على تطوير تلك النضالات وتوحيدها ومدها إلى قطاعات أخرى تشهد نفس الهجمات.
يجد مآل نضال شغيلة التعليم (وغيرهم- هن من شغيلة باقي القطاعات) تفسيره في سطوة قيادات غير عمالية على تنظيماتها، قيادات تابعة إما لأحزاب برجوازية أو غير حزبية موالية مباشرة للقصر. وتتفق هذه القيادات النقابية مع الدولة والبرجوازية على النموذج التنموي الرأسمالي الذي يجب أن تكون الشغيلة (سواء في القطاع العمومي أو الخاص) حطب إنتاج الأرباح. وكل ما تقوم به تلك القيادات هو التماس واستجداء تنازلات تقي الأقسام المنظمة من الشغيلة من أشد ويلات ذلك النموذج، دون الاهتمام بباقي أقسام الطبقة وبالحقوق الشعبية. ولأن تلك القيادات تذهب إلى “الحوار” دون ميزان قوى يضمنه النضال، تنتهي دائما إلى الاستسلام وتعود إلى البكاء على عدم وفاء الدولة بالتزاماتها وخرق المقاربة التشاركية.
قامت معارضة ضد إصدار النظام الأساسي الجديد، لكنها لا تمس جوهر ذلك النظام، بل تنتقد فقط عدم وفاء الدولة بالفتات الذي وعدت بتمضينه في ذلك النظام (ترقيات وتعويضات)، فيما انفردت تنسيقية المفروض عليهم التعاقد برفض النظام الأساسي الجديد كونه خارج النظام الأساسي للوظيفة العمومية. ومرة أخرى اتجه غضب الشغيلة وجهة غير سليمة، تمثل أساسا في تحميل النقابات المسؤولية بدل تحميلها لقياداتها، والدعوة إلى الانسحاب من النقابات والمبادرة بتأسيس تنسيقيات. لقد أثبت تاريخ المغرب أن المشكل قائم أساسا في المنظور النقابي القائم على التعاون الطبقي مع البرجوازيين ودولتهم وتفضيل “الحوار” على النضال والإضراب. وهو خط سرعان ما ينبت داخل التنسيقيات وكل أشكال “البديل النقابي” التي تظهر على هامش النقابات.
إن الهزيمة عميقة ولا يمكن أن يخفيها التغني بالمكاسب التي يضمها النظام الأساسي الجديد، كما لا يمكن أن يخفيها التبرؤ من مسؤولية ثابتة في الإسهام في إصدار ذلك النظام. الهزيمة أيضا سياسية، فقد تمكن الخط النقابي الذي يعتبر “الإضراب أبغض الحلال” ويصر على “مأسسة الحوار الاجتماعي” و”المقاربة التشاركية” مع دولة البرجوازية، من تمرير أشد التعديات في تاريخ أجراء-ات الوظيفة العمومية. ولا مخرج من المأزق سوى ببروز خط نقابي ديمقراطي كفاحي ينحو نحو توحيد الشغيلة على أرضية مطالب إجمالية بدل تبديد القوى في ملاحقة مطالب فئوية لا تواجه جوهر الهجوم البرجوازي على التعليم والعمومي والتوظيف القار.
سيعمم النظام الأساسي الجديد “الأشكال الحديثة لتدبير الموارد البشرية”، أي أشكال فرط الاستغلال القائمة في القطاع الخاص، وغايتها اعتصار أكبر قدر من العمل والمردودية مقابل أقل قدر من الحقوق (أجور وتعويضات وتقاعد). وسيؤدي هذا  إلى انطلاق النضال على أرضية جديدة، أرضية مساواة أوضاع الاستغلال بين كل أقسام الطبقة العاملة المغربية، سواء في القطاعات العمومية أو القطاع الخاص، ما يفتح الباب لما ينقص النضال العمالي منذ عقود؛ الوحدة الطبقية لشغيلة المغرب في وجه الرأسماليين ودولتهم ووراءهما مؤسسات الرأسمال العالمي.

المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا