مهنة التَّدريس: مصاعب، مخاطر، أمراض…

أخبار عمالية8 يناير، 2024

مهنة التَّدريس: مصاعب، مخاطر، أمراض

في المغرب “ينتهي التعليم بعلة وذلة وقلة”…

 

المؤسسات التعليمية: مدارس، إعداديات، ثانويات…، عمومية كانت، أو خاصة، ليست فقط أماكن لتربية وتعليم وتكوين التلميذات والتلاميذ، ولكنها أيضا أماكن عمل.

لذا فالمدرِّسات والمدرِّسون معرضون، كسائر عاملات وعمال القطاعات الأخرى، لمخاطر مهنية عامة (حوادث شغل وأمراض مهنية) مشتركة بين مختلف المهن، ومخاطر مهنية خاصة أو مرتبطة بمهنة التدريس؛ منها ما يتصل بمكان العمل وظروفه، ومنها ما يتعلق بمواد العمل وأدواته، وهناك ما يتعلق بالمدرِّسات والمدرِّسين أنفسهم، وبطريقة تنظيم العمل في المؤسسة التعليمية، فيصابون نتيجة ذلك بالكثير من الأمراض…

فيما يلي سنحاول التطرق لعدد من المخاطر التي يواجهها المدرس والأمراض التي تتربص به.

أولا: مخاطر مرتبطة بمهنة التدريس

لدى كثيرٍ من الناس تمثلات حول كون مهنة التدريس أقل المهن التي قد تعرض مُمارِسها للمخاطر الصحية، وهذا غير صحيح على الإطلاق. وفيما يلي سرد لأكثرها شيوعا:

مخاطرطبيعية و/أوفيزيائية

قد تنجم عن عدم ملاءمة التجهيزات والبيئة بالقاعات الدراسية أو المختبرات أو المباني الإدارية لعوامل الإضاءة، والتهوية، والضوضاء، والحرارة، والبرودة، والرطوبة وذلك نتيجة لعدم تطبيق إجراءات السلامة والصحة المهنية عند إنشاء المنشآت التعليمية وتجهيزاتها.

وتجاهل هذه المصادر المزعجة قد تعرض المدرس إلى الشعور مبكرا بالإرهاق، والتعب، وعدم القدرة على التركيز، وقد تسبب مع مرور الوقت مزيدا من التوتر العصبي. كما يعتبر الضجيج (الضوضاء)، من أكثر العناصر تأثيرا على المدرس.

مخاطر ميكانيكية

نتيجة التعرض لمخاطر الإصابة بالتجهيزات أو الآلات والمعدات نتيجة غياب إجراءات السلامة والصحة المهنية ، أو أشغال الصيانة…

مخاطر الحريق :

قد تهدد الحرائق حياة التلميذات والتلاميذ، وكل العاملين في المؤسسات التعليمية، وتتسبب في ضياع وتلف الممتلكات نتيجة عدم تطبيق إجراءات السلامة والصحة المهنية أثناء عمليات تشييد المؤسسات التعليمية، مثل عدم توافر المخارج، الممرات، سلالم النجاة، تجهيزات السلامة…، أو عدم تجهيزها بأجهزة إنذار ومكافحة الحرائق، وتدريب فرق داخل المؤسسات التعليمية على كيفية التصرف في حالات الحريق.

مخاطر كيميائية

قد تنتج عن الأتربة والغبار الموجود في قاعة الدراسة أو فناء المؤسسة، وما تسببه من آثار صحية ضارة ومباشرة، وبالتالي قد تؤدي إلى تهيجات تنفسية وتجعل الفرد عرضة لالتهابات الجهاز التنفسي العلوي، وأمراض الحساسية. كما تندرج تحتها مخاطر المواد الكيميائية مثل السوائل والغازات والأدخنة والأبخرة في المختبرات العلمية أثناء إجراء التجارب العملية أو أثناء نقل وتداول وتخزين هذه المواد.

مخاطر بيولوجية :

وهى ما قد يصيب التلميذات والتلاميذ، والعاملين في المؤسسات التعليمية من أمراض نتيجة وجود جراثيم أو ميكروبات تفرزها البيئة المحيطة بهم بسبب عدم توافر المرافق الصحية المناسبة كماً وكيفاً والتي تشمل خزانات المياه، دورات المياه، المقصف، أو نتيجة لتراكم النفايات بالبيئة المدرسية. وكذا معاناة أي شخص في المؤسسات التعليمية من إصابات أو أمراض أو حتى حمل جراثيم معينة قد تكون معدية.

مخاطر شخصية (سلبية)

وهى ما يصيب التلميذات والتلاميذ، وكل العاملين في المؤسسات التعليمية من أضرار نتيجة عدم الاكتراث بتطبيق إجراءات السلامة والصحة المهنية أو عدم الوعي بها نتيجة غياب برامج التوعية.

ثانيا: أمراض ومشاكل صحية مرتبطة بمهنة التدريس

لا وجود لأرقام ولا لإحصائيات حول نسب الأمراض المهنية والمرضى في صفوف المدرسات والمدرسين، ولكن المُعاينة وتقارير الصحافة تكشف بالملموس إصابتهم بعدد من الأمراض الخطيرة، وتعكس تصاعد منحى هذه الإصابات. نذكر منها :

أمراض الكتف واليد، والتهاب أوتار اليد التي نكتب بها، وأمراض خشونة الرقبة والمفاصل

لطبيعة العمل دور كبير في الإصابة بالتهاب في المفاصل. الكل يعلم أن المدرس يقضي في الفصل الواحد ساعات وهو واقف، ناهيك عن تنقلاته بين الصفوف. ذلك الجهد الواقع على الأقدام له أثره البالغ على العظام والمفاصل، ما يتسبب في الإصابة بالتهاب مفاصل القدم مثلا، كنتيجة للإرهاق الزائد وتحميل الأقدام فوق طاقتها…

أمراض عضوية أو جسمانية :

– أمراض التهاب الحبال الصوتية، بحة الصوت وضعفه

رفع الصوت أمر لا مفر منه أثناء القيام بمهام التدريس، ما بتسبب في معاناة ومشكلات في الأوتار الصوتية، تصل حد فقدان الصوت تقريبا.

– أمراض اضطرابات الصوت

من المعروف أن المدرس يضطر إلى رفع صوته أثناء الشرح للتلاميذ، مما يحدث ضغطا على الصوت، وقد أظهرت الأبحاث أن ما يقرب من 47٪ من مدرسي أمريكا يعانون من مشكلات متعلقة بالصوت، وفى أسوأ الحالات تتسبب هذه المشكلة فى عجز المدرس عن الاستمرار في العمل.

– أمراض اضطراب الكلام واللغة

على الرغم من أن مرض اضطراب الكلام واللغة يبدو مشابهاً لمرض اضطرابات الصوت، فإن اضطراب الكلام واللغة (SLD) تعتبر مشكلة مختلفة تمامًا، حيث تشمل اضطرابات الصوت عدوى الجهاز التنفسى وسرطان الحنجرة، حيث تجعل المعلم غير قادر على تذكر الكلمة أو العبارة الصحيحة لوصف شيء ما.

– أمراض صداع الرأس (الشقيقة) المزمنة

تتطلب مهنة التدريس بذل مجهود من المدرس خلال اليوم الدراسى، مما ينتج عنه ارتفاع مستويات القلق والتوتر، والصداع والاكتئاب.

– أمراض التهاب الحنجرة والحلق، وأمراض فيروسية

يسبب التواجد لفترة طويلة من الوقت في غرفة مغلقة، في انتشار الأمراض الفيروسية، مثل نزلات البرد، والتهاب الأنف والحنجرة، والتهاب الشعب الهوائية…

– التراخوما والتصاق الأجفان

تعتبر المواد الكيماوية التي يحتويها الطباشير وأقلام الكتابة الذي نستخدمه للكتابة السبب المباشر في الإصابة بالتراخوما والتصاق الأجفان. فالغبار الناتج عنها خلال الكتابة ومسحها قد يتسبب في عدة أضرار للعيون.

– وهناك العديد من الامراض الأخرى التي يتقاسمها المدرسات والمدرسون مع باقي شغيلة القطاعات الأخرى، العام والخاص. نكتفي بذكرها دون تفصيل فيها:

أمراض الحساسية بمختلف أنواعها (التنفسية والجلدية)؛ أمراض الربو؛ أمراض السرطان؛ أمراض القولون العصبي؛ أمراض الغدة الدرقية؛ الشلل الجزئي والكلي؛ مرض السكري؛ مرض دوالي الساقين؛ أمراض الإجهاد العضلي؛ أمراض البصر : ضعف البصر، وحتى فقدانه كليّاً؛ أمراض ضعف السمع؛ أمراض الظهر (عرق النسا مثلا)؛ أمراض الكلي؛ أمراض القلب؛ أمراض الضغط الدموي…

الأمراض النفسية والعقلية :

تتدهور صحة المدرسين النفسية والعقلية سنة بعد أخرى، يتجلى ذلك في تزايد وتيرة الشواهد الطبية وخصوصا المتعلقة بالأمراض النفسية والعقلية، حيث عرفت السنوات الأخيرة تزايدا مستمرا لعدد الرخص المرضية المتوسطة أو الطويلة الأمد التي تمنح للمدرسين بسبب مرض من الأمراض المزمنة وخصوصا منها ما له علاقة بالأمراض النفسية والعقلية. ونشير إلى أن نسبة مهمة من رواد المستشفيات العقلية هم  مدرسون ومدرسات.

فظروف ممارسة مهنة التدريس على نقيض ما يتوهم أغلب الناس (حتى المدرسون منهم)، جد صعبة، وفي كثير من الأحيان مقلقة، وهذا ما يؤدي إلى ظهور الاضطرابات النفسية والعقلية أو تزايدها أثناء ممارسة المهنة. نذكر منها :

القلق والاضطراب؛ إحباط واكتئاب نفسي؛ توتر وإجهاد عصبي؛ الانهيار العصبي؛ التعب والإرهاق؛ الأرق والشخير أثناء النوم؛ الوسواس؛ الهذيان؛ السرحان والانطواء والنسيان؛ فقدان الذاكرة “الزهايمر”؛ الفوبيا وازدواج الشخصية؛ الجنون/الحمق..

ثالثا: العنف : خطر آخر متربص بالمدرس(ة) داخل المدارس وخارجها

العنف المتفشي في المؤسسات التعليمية، النفسي والجسدي واللفظي، وانتهاك حرمة المؤسسات التعليمية، واستباحتها، وعدم احترام العاملات والعاملين بها ينتج عنها علاقات متوترة بين الاولياء والمدرسين وحتى الإدارة. يعتبر هذا العنف أحد أهم أسباب الإصابات النفسية لدى المدرسات والمدرين.

فخلال السنوات الأخيرة عرفت ظاهرة تعنيف وتهديد العاملات والعاملين في المؤسسات التعليمية، من قبل التلاميذ وأوليائهم، منحى تصاعدي خطير، بدءاً من عصيان التوجيهات حتى السب والضرب، حيث تعرض آلاف منهم إلى اعتداءات على أيدي تلاميذ وأوليائهم.

تعنيف لم يعد مقتصرا على السلك الثانوي أو الإعدادي، بل شمل جميع أسلاك التعليم، ما يجعل الظاهرة تتعدى مرحلة الحالات الفردية المعزولة لتصبح ظاهرة اجتماعية خطيرة تتوفر فيها كل المؤشرات.

الشيء الذي يتطلب ليس فقط التصدي للظاهرة بالحزم المطلوب لردعها بدل جعلها تتواصل أمام اللامبالاة الذي تواجه به اليوم ، بل لا بد من معالجة الأسباب الحقيقية في مقاربة شاملة لمصادر العنف، وتمكين المدرسين من دورات تكوينية حول أصول التعامل السليم مع مثل هذه الوضعيات…

رابعا: بنية تحتية وظروف عمل بئيسة: تضاعف مشاق وصعوبات ومخاطر مهنة التدريس

أهم الأسباب التي تضاعف مشاق وصعوبات ومخاطر مهنة التدريس تتعلق بالبنية التحتية :  مؤسسات تعليمية متقادمة و/أو بلا صيانة، وقد عرفت العديد من المؤسسات حوادث من قبيل سقوط أسقف أو جدران القاعات، وعدم صلاحيّة الكثير منها هندسيا للتدريس. وتفتقر لأبسط وسائل العمل والتعلم : اكتظاظ، غياب ماء الشرب الصالح، تجهيزات مفقودة، نقص في العدد الكافي للمدرسين، نقص الطاولات ، نقص قاعات تدريس، ومخابر اختصاص، وقاعات مراجعة، ومكتبات، وساحات للأنشطة الرياضية، وقاعات أساتذة لائقة، وأجهزة لنسخ المطبوعات والوثائق التعليميّة، والإطار الكافي من القيّمين لتأطير التّلاميذ خارج حصص الدرس…

وفي المناطق النائية ظروف التدريس اكثر تعاسة، حيث يلاقي الكثير من المدرسات والمدرسين ظروفا معيشية وعملية غير مواتية، مثل العمل منعزلين في مناطق هي نفسها معزولة وبعيدة، وغياب السكن اللائق لفائدتهم، هذا دون نسيان المعاناة زمن موجات البرد الشديد والحر الشديد.

خامسا: بعض احتياطات السلامة وإجراءات الوقاية

لمن الأولوية؟ لاحتياطات السلامة وإجراءات الوقاية الفردية أَم الجماعية؟

لا تعتبر  احتياطات السلامة وإجراءات الوقاية الفردية بديلا لإزالة المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها المدرس أو للتقليل منها إلى أدنى حد ممكن، فهي لا تمنع وقوع الحادث، ولكنها قد تمنع، أو تقلل من الضرر والأذى الناجمين عنه . لذا  ينبغي عدم النظر إلى استخدامها كبديل عن تدابير التحكم الجماعية في الأخطار، كأساليب التحكم الهندسي، أو الإداري، أو تدابير التحكم المناسبة الأخرى، أو ممارسات العمل الجماعية المأمونة، بل ينبغي أن تعتبر كحل أخير والخيار الأقل تفضيلا. ولهذا ينبغي لنا المطالبة باتخاذ تدابير الحماية الجماعية وإعطائها الأولوية على تدابير الحماية الفردية. بمعنى أن تستخدم احتياطات السلامة وإجراءات الوقاية الفردية كخط دفاع أخير نلجأ إليه عندما تفشل أساليب الوقاية الجماعية، للحد من تعرضنا للمخاطر…

بعض احتياطات السلامة وإجراءات الوقاية:

– تحسيس نساء ورجال التعليم، وجعلهم يدركون خطورة الأمراض المهنية أو المخاطر التي قد يتعرضون لها ولها انعكاسات خطيرة على حياتهم وعلى وسطهم العائلي، وآثارها النفسية والصحية والاجتماعية، وسبل الاحتياط واتخاذ كافة الإجراءات الوقائية الممكنة.

-تنظيم ندوات وبرامج توعوية حول المخاطر والأمراض المهنية في القطاع، وسبل الوقاية منها.

– تدريب حول قواعد الوقاية من الأخطار، بما يشمل الاخلاء في حالات الطوارئ والتعامل الأمثل في المختبرات وجميع المرافق.

-سياسة تعليمية في هذا المجال تركز على الجانب الوقائي قبل العلاجي تدرس كل العناصر وخطورتها وطرق التعامل معها والاحتياطات الواجب التقيد بها من فضاءات وساعات العمل ووسائل العمل والمواد المستعملة…

-توفير بيئة عمل وتعلم آمنة وصحية حسب معايير الصحة والسلامة المهنية، بتوحيد إطار الصحة والسلامة في جميع المؤسسات التعليمية وفق أفضل الممارسات والمعايير العالمية.

سادساً: مطالب ومقترحات من أجل مصير آمن وحياة أفضل

من أجل مصير آمن، وظروف عمل وحياة أفضل، ينبغي العمل على صياغة مطالب تروم المعالجة الجذرية للمشاكل اليومية، ودمجها في المطالب العامة السابقة، وفيما يلي مقترحات لبعض هذه المطالب:

1- توفير الشروط الملائمة لكافة العاملين في القطاع وتحسين شروط العمل، من خلال توفير فضاءات تربوية ملائمة وتستجيب لمواصفات تربوية وصحية، وإعادة النظر في ساعات العمل…

2- إحداث هيئة لكشف الأمراض المهنية الجسدية والنفسية في قطاع التعليم، وإنجاز تحقيق وبائي في هذا القطاع، لتحديد الأمراض المهنية بشكل علمي دقيق المرتبطة والناجمة عن ظروف الشغل معتمدا على ما وصلت إليه الدراسات والأبحاث والمؤتمرات العالمية في هذا المجال.

3- إنشاء مراكز (أو مصالح) طب الشغل على الأقل مركز (أو مصلحة) طبية في كل أكاديمية لحصر الأمراض، والتكفل بالمتابعة الصحية للمدرسات والمدرسين في حالة ثبوت مرض مهني.

4-توفير شروط سكن لائق وحياة كريمة للموظفين العاملين بالمناطق النائية، وتوفير وتيسير الولوج إلى الخدمات الأساسية كالصحة والماء والكهرباء والنقل… وذلك لإنصاف وتحقيق العدالة الاجتماعية لهؤلاء الموظفين.

5- توفير بيئة تربوية تعليمية تعلمية تحفظ كرامة المدرسين والمتعلمين على السواء.

6- الإنهاء الفوري  للبنايات والحجرات الدراسية المفككة، لخطورته على صحة وسلامة التلاميذ والأطر، وتسببه من أمراض سرطانية، لاحتوائها على الحرير الصخري المسرطن، إضافة لسلبياته الكثيرة. ونشير هنا أنه على الرغم من توقف تشييد الحجرات الدراسية باستعمال البناء المفكك منذ سنة 1997، غير أنّ آلاف الحجرات الدراسية المبنية بهذا البناء مازالت قائمة.

سلامتنا، صحتنا، حياتنا أهم من أن نخسرها ونحن نسعى لكسبها؛ فلنرفض العمل في الأمكنة غير اللائقة، غير الآمنة…

 

بقلم: محمد امين الجباري

شارك المقالة

اقرأ أيضا