الحركات النسوية في باكستان: التحديات والنضالات

النساء2 مارس، 2024

أسماء عامر* تكتب عن المسار والممارسات الحالية للحركات النسوية الباكستانية وتحدياتها وسبل تطورها.

أود أن أتحدث عن باكستان، دولة غير علمانية، مثل تركيا وغيرها. والاسم الرسمي جمهورية باكستان الإسلامية، وتدار البلاد من قبل الحكومة الفيدرالية والحكومات الإقليمية، وفقا لدستور عام 1973. ينقسم النظام القضائي إلى محاكم مدنية ومحاكم جنائية ومحكمة شرعية تقوم بمراجعة قوانين البلاد وفقا للقانون والشريعة الإسلامية.

تتمتع محكمة الشريعة الاتحادية حصرا بالسلطة الدستورية لحظر ومنع سن القوانين من قبل البرلمان الباكستاني عندما تعتبر مخالفة للتعاليم الإسلامية. وتركز في المقام الأول على تحليل القوانين الجديدة أو القائمة في البلاد، وإذا كان القانون ينتهك القرآن أو السنة أو الأحاديث، فإن المحكمة الشرعية تمنع إصداره.

تكفل المادة 16 من دستور عام 1973 حرية التجمع؛ وفي المادة 17، حرية تكوين الجمعيات؛ وفي المادة 19، حرية التعبير. وكل هذا من شأنه أن يعزز ممارسة الحقوق الأساسية لكل مواطن، دون تمييز. فغياب هذه الحقوق أكبر عقبة أمام نمو المجتمع. وتشكل انتهاكات حقوق الإنسان المتزايدة تهديدا صريحا للديمقراطية ولعمل المدافعين عن حقوق الإنسان. يكفل الدستور هذه الحقوق، ولكنها لا تمارس في الحياة العملية. فالاغتصاب أساسا ضد حقوق المرأة. وعلى وجه التحديد، فإن حرية النساء والفتيات في التعبير والتجمع محدودة. ومن الضروري ضمان تمتعهن بحقوقهن في البلاد.

زاد التضخم، أثناء الوباء وبعده، من الفقر والتحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتعددة للنسيج الاجتماعي الباكستاني المتنوع. ويؤدي النمو السكاني السريع والآثار السلبية على الأقليات العرقية والدينية إلى تزايد التفاوت بين المناطق الحضرية والريفية وبين المدن الكبيرة والصغيرة. وتساهم كل هذه العوامل في التحول المستمر لسلوك الجماهير الاجتماعي. أدى سياق الوباء إلى تقلص القوى العاملة في جميع القطاعات الاقتصادية وتسبب في فقدان العديد من فرص الشغل. لقد عانت النساء العاملات، وخاصة نساء الطبقة العاملة، اللواتي يعملن في المصانع وفي المنزل، أكثر من غيرهن. كما جرى فصل المعلمين على الفور من وظائفهم. وازداد العنف ضد النساء والفتيات خلال الجائحة.

النسوية في التاريخ الباكستاني

في مواجهة كل هذه التحديات، ازداد، بمرور الوقت، انعدام الأمن لدى الأقليات في باكستان. في ثمانينيات القرن العشرين، إبان نظام ضياء الحق الديكتاتوري والمعادي للنساء، كان هناك تقلص في المساحات المدنية للنساء. وخلال هذه الفترة، استخدمت الدولة على نحو فعال القوى السياسية الدينية للوصول إلى السلطة. أسكتت الأحزاب السياسية، وقمعت الصحافة والأوساط الأكاديمية بواسطة الرقابة، وحظرت الحركات الطلابية والنقابية.

اكتسبت الحركة النسوية الأولى المتجسدة في منتدى العمل النسائي زخما في هذه اللحظة السياسية في ثمانينيات القرن العشرين. اجتمعت النساء وألغين مراسيم الحدود، التي سنت عام 1979، والتي تقيم تمييزا ضد النساء غير المسلمات فيما يتعلق بالشهادة في قضايا الاغتصاب والاغتصاب الجماعي. نظمت هذه الحركة العمل الاحتجاجي ضد قانون الإثبات (الذي أجبر المرأة المغتصبة على تقديم أربعة شهود لإثبات الجريمة)، وقوانين الحدود، وغيرها من القوانين التمييزية ضد النساء. جرى الاحتجاج في شارع المول في لاهور، مسقط رأسي. ورغم أنه كان عملا سلميا، إلا أن استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود واعتقال الناس كان شائعا. كان منتدى العمل النسائي – ولا يزال – صوتا ضد جميع أنواع الظلم، وخاصة ضد النساء والأقليات. ولاحقا، في عام 2006، جرى تحديث القوانين بحيث لم يعد مطلوبا إحضار أربعة شهود.

بدأت الحركة النسائية الشعبية الثانية في باكستان عام 2000 باسم التحالف ضد التحرش الجنسي (AASHA) وشعار إنهاء التحرش الجنسي في أماكن العمل. وقد أشركت الناشطة والخبيرة في قضايا النوع الاجتماعي فوزية سعيد، بالإضافة إلى ناشطات أخريات، مثل عضوة المسيرة العالمية للنساء بشرى خالق، في هذه الدينامية شخصيات مهمة، مثل النساء من الحركات الشعبية ووسائل الإعلام والبرلمانيات ونساء من الأحزاب السياسية. ونتيجة لهذه الجهود، كن محظوظات في عام 2010 في تمرير قانون حماية النساء من التحرش في أماكن العمل.

وقد تعززت الحركة الشعبية الحالية، المسماة مسيرة أورات [مسيرة النساء، بالعربية] قبل خمس سنوات، في عام 2018، تحت شعار إنهاء النظام البطريركي. إن مسيرة أورات هي حركة النسويات الشابات، ذات نهج أكثر شمولا ومتخطي للأجيال. وفي كل عام، تقام مسيرة أورات في 8 مارس، وعلى مدار العام يجري أيضا تنظيم أنشطة مثل البيانات الصحفية وتظاهرات صغيرة وأعمال فنية.

 التحديات المعاصرة

تواجه النسويات الشابات الموت والاغتصاب والتهديدات بالهجمات بالحمض أثناء ممارستهن حقهن الدستوري في التجمع وحقهن في حرية التعبير. إن رفع علم يزعج ويجيش العقلية البطريركية في باكستان.

إن الهيكل الاجتماعي وممارساته ونسيجة ضد حقوق النساء، وسلطة الحكومة ضعيفة في حماية النساء. تواجه النساء معارضة في المنزل وفي الشارع وفي العمل، لكننا نواصل المسيرات في الشوارع، في ارتباط باليوم العالمي لنضال النساء وجداول أعمال أخرى.

جلبت الهجمات عبر التعليقات والرسائل الخاصة على الإنترنت بالفعل انعدام الأمن للفتيات الصغيرات. ولهذا، اضطررن إلى التوقف عن نشر محتوى حول مشاركتهن في الأماكن العامة أو بدأن في تجاهل هذه التعليقات، وواجهن الخوف وانعدام الأمن بمفردهن. أدت وسائل الإعلام والتكتيكات الشائنة لمستخدمي اليوتيوب (المؤثرون) إلى تدهور قضية الفتيات والنساء دون التحقيق في المصدر. ونشرت وسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية ملصقات تم التلاعب بها تحمل صور فتيات ونساء شاركن في أعمال ومسيرات، بما في ذلك صورتي.

تؤثر الشبكات الاجتماعية، بما يروج فيها بمساعدة التكنولوجيا، على علم الاجتماع وعلم النفس. وتكشف الشعبوية المتنامية كيف أن المجتمع ليس مستعدا بعد لإعطاء وتوفير الحقوق على الجسد للفتيات والنساء. أصبح شعار “merajismmerimarzi” (“جسدي، خياري”) عبارة جريئة وشجاعة تستخدمها النسويات الشابات لإنكار السيطرة على أجساد النساء عبر الاغتصاب الزوجي وعدم التوفر على إمكانية اختيار إنجاب الأطفال من عدمه. ينبذ كثير من الناس هذا الشعار وقليل منهم يقرونه.

تتقلص بسرعة فضاءات التعبير عن الاختلاف في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وبالمثل، تفشل أيضا المساحات المدنية والحركات الشبابية النسوية في باكستان.

تزايدت التهديدات لحياة المتظاهرين. تواجه النساء التحرش على الإنترنت والتحرش الجنسي في الأماكن العامة والوصم بالعار من قبل الأصوليات والقطاعات اليمينية وبفعل غياب العلمانية. تنتصب كل هذه التحديات وتنتظر الكثير من الدولة والجماعات الأهلية من أجل إيجاد حلول، واعتبار النساء مواطنات متساويات في هذا البلد، وتبني سياسات لصالح النساء وضمان فضاءات مدنية للنساء والفتيات.

إن طريق تقدمنا هو تعبئة وتمكين مئات الشباب من بناء الحركة في باكستان، تحت راية المسيرة العالمية للنساء. وبالموازاة مع هذا النشاط اليومي، سنواصل النضال من أجل حقوق النساء وتغييرات هيكلية. لهذا السبب نقول “نحن نقاوم كي نعيش، ونسير لنغير”.

  • أسماء عامر عضو في المسيرة العالمية للنساء في باكستان وعضو مناوب في اللجنة العالمية للحركة، ممثلة منطقة آسيا. هذا المقال نسخة منقحة من خطابها في الاجتماع العالمي الثالث عشر للمسيرة العالمية للنساء، الذي عقد في أكتوبر 2023 في أنقرة، تركيا.

ترجمة جريدة المناضل-ة

المصدر: https://www.europe-solidaire.org/spip.php?article69865

شارك المقالة

اقرأ أيضا