تنظيمات الرجعية الدينية ونقاش تعديل مدونة الأسرة

النساء20 أبريل، 2024

سلمت اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة لرئيس الحكومة يوم30 مارس2024 تقريرا عن مقترحات تعديلاتها في انتظار موافقة الملك عليها لتحال على مسطرة التصديق التشريعي.

رافق بدء اللجنة المكلفة مهمتها سجال طفا أساسا على منصات التواصل الاجتماعي بين المدافعين على الابقاء على بنود مكرسة للميز القانوني إزاء النساء باسم الأحكام القطعية التي لا يمكن انتهاكها، وطرف ثان يأمل نيل مكاسب قانونية تحسن أوضاع جماهير النساء.

إن الخلاف حول قانون الأسرة يعكس صراعا بين تعبيرات سياسية قائمة على مصالح طبقية، ويكشف طبيعة المنظورات في تناولها للاضطهاد الجندري.

يعتبر النضال من أجل التحرر الشامل والعميق من جميع أشكال الاضطهاد والاستغلال هدف المناضلين-المناضلات الاشتراكيين-الاشتراكيات. وفي الوقت نفسه لا يغفلون أبدا دعم النضال لأجل فرض مكتسبات تحسن أوضاع المضطهدين-المضطهدات اعتمادا على أدواتهم-ن التنظيمية المستقلة في إطار الوعي بالتحرر من أصل الشرور الذي هونظام رأسمالي أبوي يرشح من كل مسامه الاستغلال والأزمات والعنصرية والحروب وتدمير البيئة .

تقدم جريدة المناضل-ة سلسلة مقالات تحليلية لتسليط الضوء على منظورها لقانون الأسرة، عبر عرض مواقف أهم التنظيمات السياسية والتيارات الأيديولوجية، وتعرض أخيرا مقترحاتها لمحاور رئيسية  لقانون أسرة بديل يجب النضال لأجله وما الشروط النضالية والتنظيمية الواجب توفرها لفرضه.

 المناضل-ة

المقال الثالث: تنظيمات الرجعية الدينية ونقاش تعديل مدونة الأسرة

تحتل الأسرة، وخاصة المرأة، مكانة مركزية في خطاب الرجعية الدينية، حيث تُعتبر النواة الأساسية لتثبيت المبادئ والقيم الدينية والأخلاقية السائدة والحفاظ على الركائز الطبقية للمجتمع الحالي.

لا تدخر تيارات الرجعية الدينية جهداً في كل نقاش يتعلق بالنساء، حيث تُستخدم كوسيلة لقصف جمهورها بقذائف التحذير من خطر التفكك الأخلاقي والاجتماعي الذي يهدد المجتمع بسبب المطالبة بالمساواة ومعارضة التمييز ضد النساء. وتصبح كل أزمات المجتمع الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وكل مصائب العالم- لدى أشد هذه التيارات رجعية- نتيجة لنُتفة الحقوق والحريات التي انتزعتها النساء.

تُظهر هذه التنظيمات الرجعية حساسية مفرطة تجاه أي حق للنساء، حتى لو كان بسيطًا أو جزئيًا، وتتخذ لنفسها الحق في إفتاء ما يجب على النساء الحصول عليه أو عدم الحصول عليه، وفقًا لمنظور رجعي يعتبر دونية النساء امرا سماويا التسليمُ به واجب مطلق ومنه يُستمد الحق الشرعي في السعى إلى التحكم في أجساد النساء وقراراتهن. إن العداء لتحرر النساء بوثقة توحد كل المعسكر اليميني الديني والخلافات في صفوفه تنحصر في التباين بوجه التطورات الواقعية التي جرفت النساء جراء تمدد الرأسمالية واتساع دائرة العمل المأجور والحاجة لتأهيلهن المهني فتحطم جدار الفصل بين الجنسين في تعارض مع ما تأمله الطوبى الرجعية الراسخة في أذهان أعداء تحرر النساء، هؤلاء ما أن يتملكوا القدرة لن يترددوا في تحطيم المكتسبات البسيطة التي حققتها النساء.

كانت ولاتزال قضايا النساء والنقاشات التي تثيرها فرصة ثمينة لتيارات الرجعية الدينية لإثارة جمهورها وإيقاد حماسته، وتنشيط حياتها الداخلية. ولن تجد هذه التيارات أفضل من النقاش الدائر حول تعديل مدونة الأسرة لإعادة نفث منظوراتها المعادية لحقوق النساء وحريتهن. كما أنها فرصة للتجييش الإعلامي في إطار صراعاتها ومزايداتها مع الطيف الليبرالي واليساري. كل هذا الضجيج في إطار المساحات التي سطرتها الملكية، دون الخروج عليها رغم اختلافها السياسي بين مندمج في الالية السياسية الرسمية للنظام وبين من يعارضها من خارجها.

  • جماعة العدل والإحسان:

تقدمت جماعة العدل والإحسان بوثيقتين حول تعديل مدونة الأسرة، خصصت الوثيقة الأولى لوضع الإطار العام ومنظور الجماعة لتعديل مدونة الأسرة، في حين تضمنت الوثيقة الثانية مقترحات.

اعتبرت الجماعة الأسرة، نواة المجتمع ومحضن التربية والقيم، وترى أن أي تعديل يجب أن يضمن استمرار قيم الأسرة المبنية على الفطرة، ويحفظ نسيجها الطبيعي ووظائفها التاريخية والإنسانية.

حددت جماعة العدل والإحسان منطلقات تعديل مدونة الأسرة في ثلاث منطلقات وهي:

المنطلق الأول: المرجعية الإسلامية تعد الثابت الذي تدور حوله كل المتغيرات؛

المنطلق الثاني: تحديد مفهوم الحداثة ورهاناتها؛

المنطلق الثالث: التكامل عوض المساواة؛

لم تخرج مقترحات الجماعة بخصوص تعديل مدونة الأسرة من جلباب الموروث الفقهي التقليدي الذي يكرس اللامساواة ودونية المرأة، فقد حافظت مقترحاتها على إباحة زواج القاصرات وحددت السن الأدنى في 16 سنة وأضافت لهذا مقترح منع الطعن في الحكم الصادر بالإذن، كما رفضت مطلب إلغاء التعدد بمبرر أن المنع المطلق “قد يفتح أبواب العلاقات غير الشرعية”، واعتبرت المطالبة بالمساواة في الإرث إلغاءً لأحكام قطعية نصت عليها أدلة شرعية. أما مقترحاتها بخصوص النَّسب فاعتمدت موقفين متباينين: “القول بقطع نسب ابن الزنى بإطلاق باستلحاقه بأبيه غير الشرعي بإطلاق قول غير منسجم مع قاعدة اليسر الشرعي لطفا بالعباد من إيقاعهم في العنت والحرج، وفي الآن ذاته غير منسجم مع واقع يجنح فيه المفسدون إلى تفتيت نواة الأسرة والقضاء على بيت الزوجية، وتعويضه بعلاقات خارج الزواج أو خارج الفطرة الإنسانية”، وتركت للقضاء أمر الحسم فيها دون اقتراح وسائل الإثبات التي يمكن اعتمادها.

حرصت العدل والاحسان في الوثيقتين على استعمال قاموس ومنطق تحليلي يرشح عداء لمطالب الحركة النسوية في القضاء على الميز والاضطهاد القانوني والاقتصادي بحجة الالتزام بالأمر الديني، واستعملت موقفها من نقاش تعديل مدونة الاسرة لتعديل ميزان منظورها الذي اختل في الوثيقة السياسية بحمولة ليبرالية اقتصادية واجتماعية فاقعة.

جماعة العدل والإحسان ترى دور المرأة في “الواجبات الأسرية” و”ربة البيت” (الوثيقة السياسية). أي إلقاء ثقل عملية الإنتاج الاجتماعي على كاهل المرأة حصرا. الرأسمال هو المستفيد أساسا من هذه العملية التي تتكفل بها المرأة داخل الأسرة دون أدنى اعتراف اجتماعي بهذا العمل: رعاية الأطفال (قوة العمل المستقبلية) والأزواج والشباب (قوة العمل الحالية) والاهتمام بالمسنين (قوة العمل المتقاعدة). وكل ما تقترحه الجماعة في وثيقتها السياسية هو “تثمين عمل المرأة داخل البيت” عبر “نظام مبتكر للحماية الاجتماعية”، وهو استعمال لنفس مفاهيم البنك الدولي وسياسة الدولة، فضلا عن إجراءات- تحت ضغط حاجة رأس المال إلى يد عاملة أنثوية- “مثل إعادة ضبط إيقاعات الحياة العملية لتحقيق التوازن بين دور المرأة في الواجبات الأسرية ومتطلبات الاشتغال خارج البيت، والسعي ما أمكن لإحداث تمييز إيجابي في عدد ساعات العمل”؛ أي في التحديد الأخير الحفاظ على المرأة كأَمَة العمل المنزلي وفي نفس الوقت كأَمَة لرأس المال خارج البيت.

  • حركة التوحيد والإصلاح

بدورها قدمت حركة التوحيد والإصلاح مذكرة حول تعديل مدونة الأسرة بمنهجية لا تختلف عن وثيقتي جماعة العدل والإحسان. تحديد الإطار العام ومرجعية الحركة التي تولي الأسرة مكانة مركزية لبناء الانسان والمجتمع، وتعتمد المرجعية الإسلامية التي لا ينبغي للقوانين والتشريعات أن تعارض ثوابتها وقطعيتها خصوصا في مجال الأسرة.

قدمت الحركة مقترحاتها بخصوص تعديل مدونة الأسرة، مقترحات غايتها تقويض النزر اليسير الذي تحقق من حقوق وحريات النساء، والإبقاء على وضعيتهن الدونية، عن طريق السماح بتزويج القاصرات واقتراح اعتماد 15 سنة كحد أدنى للإذن بالزواج، والدفاع عن التعدد باعتباره أمرا مباحا في الشريعة الإسلامية بنص قطعي، واعتباره يعالج مسائل عدة في المجتمع من بينها العنوسة عند النساء. أما بخصوص الإرث فتعتبره الحركة من المسائل التي تولى الله تبيانها في آيات كلية. وتؤكد أنه لا يجوز التطاول على أحكامه القطعية. وتقترح الحركة تضييق دائرة إعمال الخبرة في إمكانية إثبات النسب إلى أبعد الحدود، لاعتبارها النسب “لحمة شرعية بين الأب وابنه”.

مقترحات الجماعة والحركة تنبعان من نفس المشرب، وتعتمدان نفس المرجعية الدينية، لكنها تختلف من حيث اللغة والحدة التي قُدمت بها، ويرجع هذا لاستراتيجية حزب العدالة والتنمية في سعيه لاستعادة مصداقيته ومكانته التين فقدهما، وإحياء نشاطه الداخلي. يسعى هذا الحزب لاستعمال سياق نقاش تعديل المدونة للعودة إلى الساحة السياسية عن طريق التعبئة والتجييش الإعلامي، والمزايدات على الطيف الليبرالي. مزايدات لا تتخطى الهامش الذي سمح به النظام، الجدال الدائر بين القطبين الليبرالي والإسلامي هو جدال تحت سقف الحدود التي حددتها الملكية.

لا تكتم التنظيمات الرجعية الدينية وأذرعها الدعاوية باختلافها، عداءها الصريح لتحرر النساء ومناهضة شرسة لمطالبهن الجوهرية. ونجدها في كل فرصة تتاح لها مجندة لشن غاراتها على الحركة النسائية ومطالبها، فهي التي ترى في الحركة النسوية عدوا يسلبها أهم وسائل حربها الرجعية وأساس بقائها، وأهم معبئ لقاعدتها.

تهدد التنظيمات الرجعية الدينية بتعبئة جمهورها، تكرارا لما قامت به في سياق الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، علما أن حكومة العدالة والتنمية عادت ووقعت على البروتوكول الاختياري لاتفاقية سيداو. كل هذه المزايدات لدفع الحركة النسوية لخفض مطالبها والتسليم بما يقدمه النظام من نزر المكاسب التي لا تمس جوهر الاضهاد المسلط على النساء، لإدراكها أن مواجهة تعديل المدونة سيضعها في صدام، تتجنبه، مع الدولة ما يجعلها تقنع بمناوشات تحريضية جانبية بلا أثر نضالي ميداني.

توقيع: أ.م

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا