التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب

بقلم، أحمد أنور
يشهد الحراك التضامني مع فلسطين بالمغرب، المتواصل مند أكتوبر المنصرم، توسعا. شهدت شوارع 40 مدينة مغربية احتجاجات تضامنية مع الشعب الفلسطيني تنديدا بالمقتلة الرهيبة التي ترتكبها اسرائيل في قطاع غزة مند نصف سنة.
تأتي المحطة التضامنية الأخيرة تزامنا مع دكري يوم الأرض الفلسطيني*، الأرض التي تمثل جوهر الصراع ضد الاستعمار الاستيطاني الصهيوني القائم على اجلاء قسري للفلسطينيين من أرضهم إلى بلدان الجوار، وإحلال مستوطنين جيء بهم من بعيد بمبررات دينية رجعية.
يوجد على رأس التنظيميات الداعية للتحرك النضالي الجمعية المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع التي تلف تنظيمات سياسية ونقابية وجمعوية ومناضلين مستقلين. أصبحت هذه الجبهة على رأس النضالات التضامنية مع فلسطين الرافضة لسياسة تطبيع النظام المغربي رسميا مند 2020. وهناك تنسيقيات ومنظمات أخرى بينها الحملة المغربية لمقاطعة إسرائيل (BDS المغرب)، والشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب، والمبادرة المغربية للدعم والنصرة، ومجموعة العمل الوطنية من اجل فلسطين، والهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، والثانية أكثر نشاطا تابعة لجماعة العدل والاحسان.
جرائم الكيان الصهيوني الاخيرة والتضامن الشعبي
ظل التضامن مع الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال الاسرائيلي راسخا بالمغرب. وانفجرت نضالات شعبية دعت لها تنظيمات قائمة وأحيانا كاندفاعات من الأسفل، خصوصا في وسط الشبيبة الجامعية والثانويات. كانت القضية الفلسطينية بأبعادها الإقليمية والأممية أحد محاور التعبئة السياسية في الساحات الجامعية، وداخل الجمعيات الثقافية والأندية السينمائية.
شهد هذا الزخم التضامني فتورا بعد اتفاقية أسلو، شتنبر 1993، وتراجع حضور القضية الفلسطينية ببعدها التحرري مع هيمنة خيار التسوية التفاوضية بقيادة يمين منظمة التحرير الفلسطيني، وما نتج عنه من نسف ارث النضال الفلسطيني الجماهيري بشقيه المدني والمقاومة المسلحة. تمخض الاتفاق عن تنصيب سلطة فلسطينية مدبرة لجزء من الضفة الغربية، وقطاع غزة، بمثابة وكيل محلي للاستعمار الصهيوني، ونسخة عن الأنظمة الرجعية الحاكمة إلى نفور الأجيال الصاعدة لما رشح من مظاهر فسادها وقمعها للشعب الفلسطيني نفسه، وتفعيل التنسيق الأمني مع المحتل.
كما تراجع اليسار الفلسطيني بعد اتفاقية اوسلو توازيا مع صعود تنظيمات التوجه الإسلامي وأجنحتها العسكرية، ورفضها لمعاهدة اوسلو وما نتج عنها من سلطة فلسطينية، ورفض الانضمام لعضوية منظمة التحرير الخاضعة لسيطرة قيادة فتح اليمينية. ومواصلتها النضال المدني والمسلح ضد المحتل ما جعلها المهيمن الرئيسي على النضال الفلسطيني الراهن. أثر ذلك بشكل كبير على حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني بمنطقتنا.
ساهم استسلام المعارضة الليبرالية بالمغرب وتشكيلها لحكومة التناوب وتخليها عن مبدأ التضامن مع فلسطين، حيث تراجعت المنظمات النقابية والشبيبية والنسوية والاعلام وشبكة المثقفين، والأطر المتحلقة حول المعارضة الليبرالية عن القضية الفلسطينية التي لها تبعات سياسية في علاقاتها مع النظام السياسي المغربي.
أجل تضرر التضامن مع القضية الفلسطينية بسبب التحولات السالف ذكرها، لكنه بدأ في الانتعاش من جديد على ضوء شدة الجرائم الاسرائيلية المرتكبة خصوصا مع صعود قوة اليمين الفاشي الصهيوني الذي يسعى لنكبة جديدة، وطي نهائي لصفحة التسوية على أساس الدولتين.
فتوقيع اتفاقية تطبيع مع اسرائيل سنة 2020 دون ردة فعل شعبية واسعة دليل على ما لحق التضامن الشعبي مع فلسطين من وهن، مقارنة بسابقة تاريخية حين قرر الملك الراحل في خطاب مباشر منع التضامن مع فلسطين بسبب استقبال ياسر عرفات لجبهة البوليساريو في أشغال المجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد في العاصمة الجزائرية في أبريل عام 1987. حينها شهدت الساحة الجامعية نضالات كبيرة وتشبتا بالتضامن مع الشعب الفلسطيني بلغت دروتها في تخليد 20 يناير 1988 تضامنا مع الشعب الفلسطيني واجهها النظام بقمع نتج عنه اغتيال طالبين جامعيين بفاس.
طبعا، أعاد استمرار الجرائم الصهيونية للتضامن مع فلسطين دفئا جديدا، لكنه لم يبلغ بعد درجة انغراس كبير. بل ما زال في معظمه نضالا لتنظيمات قائمة أساسا وخصوصا الأحزاب والتنظيمات الدينية التي يمنحها التضامن مع فلسطين فرصة تحريك قاعدتها وكسب أنصار جدد في قضية عزيزة لأبعادها الدينية.
يقتصر جوهر التضامن مع فلسطين ورفض التطبيع على وقفات ومسيرات احتجاجية دون ربطه بشعارات ومطالب ملموسة ومبادرات ضغط ضد سياسة النظام. باستثناء محاولة احتجاج محدود أمام القنصلية الأمريكية، أو بعض الوقفات أمام متاجر كارفور تمنعها قوات القمع بقوة.
رغم ذلك، تبقي حركة التضامن الشعبي مع فلسطين في المغرب من البلدان القليلة التي بقيت صامدة وقابلة للتوسع أكثر. أما في معظم بلدان المنطقة حيت انعدام الحريات الديمقراطية، فيعتبر التضامن مع فلسطيني جريمة، وبسبب القمع العنيف الذي تعرضت له شعوب بلدان عديدة بعد انتفاضات السيرورة الثورية، فالتضامن ممنوع في بلدان محورية كمصر وسوريا والخليج والجزائر ويبقى اليمن حالة متفردة بفعل مميزات سياسية خاصة، ومثله تقريبا حالة الأردن.
لأجل توسيع التضامن الأممي
لا يشكل التضامن مع فلسطين، لحدود الساعة، إزعاجا كبيرا للنظام المغربي، بل يستعمله لجني مكاسب سياسية واقتصادية خارجيا، ما يفرض ضرورة جعله أكثر اتساعا وتجدرا، وبلورة مطالب تربط مناهضة التطبيع بالنضال ضد التبعية للمراكز الامبريالية الداعمة الرئيسية للكيان الصهيوني. وهذا يفرض وجوبا انخراطا واسعا للحركة النقابية، وبناء حاضنات شعبية لحملة التضامن مع فلسطين.
غني عن الذكر الأهمية القصوى لحملات التعريف بجذور القضية الفلسطينية، ولأجل منظور اشتراكي أممي لتحرير فلسطين من الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، وإعادة بناء حركة تحرر بقيادة يسار ثوري مستند على إرث جاري طمره تحت ثقل صعود قوي لتنظيمات يمينية تنظر لقضية فلسطين كصراع ديني، وهي منظورات بلا أفق مهما علا وهجها.
بغض النظر عما سيؤول إليه العدوان الصهيوني الحالي على غزة، فالأكيد أننا قريبا سنشهد استئنافا جديدا للعدوان الصهيوني العازم على سحق الشعب الفلسطيني. ولكون القضية الفلسطينية قضية تصفية استعمار استيطاني صهيوني غُرس بدعم امبريالي مستمر، ولأن تحرر الشعب الفلسطيني ونيل استقلاله يفرض تظافر النضال الفلسطيني في الداخل وببلدان اللجوء خصوصا بالأردن ولبنان وسوريا، وبناء حركة تضامن نشط لشعوب المنطقة بإدراج تحرير فلسطين في إطار منظور تحرر ديمقراطي لمجمل شعوب المنطقة من السيطرة الاستعمارية، والقطع مع التبعية والتخلف والديكتاتورية في تحالف مع حملات التضامن الأممية التي شهدت قفزة نوعية في البلدان الامبريالية.
*بدأ تخليده بمناسبة ذكرى احتجاجات فلسطينيي الجليل والنقب ضد مصادرة أراضيهم، ما أسفر عن اغتيال 6 فلسطينيين وجرح المئات في 30 مارس 1976.

شارك المقالة

اقرأ أيضا