حراك التعليم: قمع نساء التعليم بالتوقيف ومكانتهن في الحراك في مقابلة مع الرفيقة حسناء لكحل

 

من هي الأستاذة حسناء لكحل؟

في البداية أود أن أتقدم بالشكر الجزيل لجريدة المناضل-ة على جهودها في مواكبة الحراك التعليمي منذ بدايته، ومواكبة قضايا الشغيلة وعموم الكادحين بالمغرب. كما أشكر دعوتها لي من أجل إجراء هذا الحوار. وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة أحيي كافة النساء وخصوصا نساء الشغيلة التعليمية على صمودهن ونضاليتهن كما أحيي أمهات التلاميذ والتلميذات على دعمهن ودفاعهن عن المدرسة العمومية.

حسناء الكحل أستاذة مادة الفلسفة. مناضلة نقابية وحقوقية تعرضت للتوقيف عن العمل بسبب حراك شغيلة التعليم ضد مخططات تفكيك الوظيفة العمومية والخوصصة وأساسا ضد النظام الأساسي الجديد.

أنت واحدة من المدرسات والمدرسين الذين جرى توقيفهم/هن تعسفا لوقف إضرابات شغيلة التعليم. ما عدد المدرسات الموقوفات ضمن العدد الإجمالي للموقوفين، وكيف كان تأثير ذلك على الشغيلة بشكل عام وعلى المدرسات بشكل خاص؟

لا توجد إحصاءات دقيقة حول عدد الأستاذات الموقوفات حيث بلغ عدد الموقوفين والموقوفات. إجمالا أزيد من (540) أستاذا وأستاذة في المرحلة الأولى، وتشكل الأستاذات نسبة مهمة منهم تجاوزت الثلث، بل نجد أنهن يشكلن نصف عدد الموقوفين في بعض المديريات الإقليمية. ويبدو أن حجم التوقيفات كان كبيرا مقارنة مع حجم النضالات التي خاضتها الشغيلة التعليمية. إن هذه التوقيفات في حق نساء ورجال التعليم هي بمثابة ضريبة للنضال تؤديها الشغيلة من أجل تحقيق المطالب العادلة والمشروعة من أجل تعليم ديمقراطي شعبي يلبي الحاجيات الأساسية للجماهير الشعبية، ويضمن شروط عمل كريمة تليق بالشغيلة التعليمية، ومن جهة ثانية فالتوقيف هو إجراء قمعي للتخويف والترهيب لا يعكس رغبة المسؤولين في الحوار والاستجابة لمطالب الحراك. فحجم هذه العقوبات الإدارية في حق نساء التعليم كان مقصودا بالنظر لحجم المشاركة النوعية للأستاذات في الحراك التعليمي الأخير وتصدرهن للمظاهرات وتحملهن المسؤولية في التعبئة… بل شكلت النساء في بعض المظاهرات الاحتجاجية نسبة النصف أو أكثر من حجم المشاركين.

كيف كان تأثير هذا القمع الإداري (التوقيف) عليك وعلى أسرتك؟

إن التوقيف عن العمل المؤقت هو عقاب تعسفي ضد حق الإضراب المكفول في القوانين المحلية والدولية. يخلق إجراء التوقيف عن العمل لدى الأساتذة والأستاذات الموقوفين-ات إحساسا بعدم الأمان والاستقرار المهنيين. لأن الوظيفة العمومية في المغرب تضمن على الأقل حداً أدنى من الكرامة. أما داخل الأسرة فالكل يتساءل، خاصة الأبناء، عن مصير الأم، عندما تكون العقوبات أو المجالس التأديبية في انتظارها؟ وهو ما يؤثر سلبا على نفسيتهم وحتى على أقربائهم.

وعموما فإن هذه التوقيفات التعسفية ينتج عنها عدم الاستقرار النفسي والمادي للموقوف ولعائلته بحيث يبقى مصيره مجهولا، خاصة بسبب الالتزامات العائلية المادية. كما خلق هذا الإجراء العقابي نوعا من الارتباك خاصة في العلاقة مع المتعلمين.

إن غاية الوزارة من توقيف الشغيلة هو التأثير على جيش الشغيلة الآخرين من أجل وقف الإضراب ودفعهم-هن للتراجع. وبحكم تجربتي المتواضعة في العمل النقابي واطلاعي على بعض التجارب النضالية السابقة في المغرب سواء في قطاع التعليم أو غيره من القطاعات، خَبِرتُ ممارسات الوزارة خاصة من خلال تعاملها الأخير مع احتجاجات الأساتذة المفروض عليهم التقاعد، إذ كان من المتوقع أن تتعامل الوزارة بإجراءات عقابية في حق الشغيلة ضد حراك دام لأكثر من ثلاثة أشهر، والمتمثلة في الإجراء العقابي.

في آخر المطاف يشكل إجراء التوقيف عن العمل بالنسبة لي وباقي الموقوفين-ات وسام شرف بغض النظر عن تبعاته والأهداف التي سطرت له (محاولة إذلال الحراك، المس بحق الإضراب المكفول دستوريا، كيُّ الفرحة…). لكن يجب ألاّ ننسى الهدف الأساسي الذي فجر الأوضاع ونركز النقاش والعمل في موضوع التوقيفات؛ لأن الأهم هو تحويل هذه الإجراءات التعسفية إلى معركة. معركة من أجل العودة للأقسام واسترداد حقوق وكرامة رجال التعليم ونسائه. وعليه فواجبنا هو النضال من أجل سحب هذه التوقيفات؛ لأن الإضراب حق مشروع (الفصل 29 من دستور 2011)، فلم نُضرِب لأننا نهوى الإضراب، بل لأننا نرفض النظام الأساسي الجديد المجحف والذي يشمل تراجعات خطيرة على مستوى حقوق شغيلة التعليم، فهناك إجماع على أن الإضراب والخروج للاحتجاج في الشارع كان ضد الإجهاز على الوظيفة العمومية والسعي لتفكيكها، ومن أجل المدرسة العمومية بشكل عام نتيجة الانخراط في مسلسل الخوصصة، ورغبة الرأسمال في تحويل القطاعات الاجتماعية إلى قطاعات مربحة.

إن احتجاج الشغيلة التعليمية كان رد فعل على الإحساس بالظلم والقهر الذي طالهم من خلال النظام الأساسي الجديد. وخروجنا اليوم للإعتصام كموقوفات وموقوفين أمام الأكاديميات وأمام الوزارة هو نضال ضد التعسف الذي تعرضنا له.

 كيف كان انخراط الموقوفات في الخطوات النضالية التي يخوضها الموقوفون؟ وما هي الصعوبات التي تعترضهن للمشاركة فيها، أو حالت دون ذلك؟

لاحظ الجميع المشاركة الكبيرة لنساء التعليم في الاحتجاجات الأخيرة ضد النظام الأساسي، وهو ما تظهره نسب المشاركة في الإضرابات وحجم المظاهرات غير المسبوق، بل عرفت المظاهرات مشاركة متضامنين من خارج القطاع، كالعمال والموظفين وآباء وأمهات وأولياء أمور التلاميذ.

تفسَّر نسبة المشاركة النسائية الكبيرة بأن نسبة النساء المشتغلات بالتعليم تجاوزت 45% من مجموع الموظفين بالقطاع، ومن جهة ثانية لإحساسهن المضاعف بالقهر. فرغم ضعف انخراطهن في النقابات، فإن النساء أظهرن “علو كعبهن” من خلال مشاركتهن الكبيرة في التصويت والاجتماعات والنقاش والتعبئة بضرورة النضال والمشاركة في الحراك. فقد كان لهن دور كبير في احتجاجات الأساتذة والأستاذات. كما شكل صمود الأستاذات وعدم التحاقهن بالأقسام في المراحل الأخيرة من الإضراب تحديا للأساتذة الذكور، إذ كان هناك نوع من التنافسية المستفزة للعقلية الذكورية، فنادرا ما تجد أستاذة متخلفة عن الإضراب طيلة المدة التي قضاها الحراك، بل تجد في بعض المؤسسات تخلف أساتذة دون أن تجد منهم أستاذة واحدة.

صمدت الأستاذات حتى آخر المعركة، فكُنّ آخر من عاد للأقسام. وقد شكل خروجهنّ للاحتجاج برفقة زملائهن الذكور وعدا قطعنه على أنفسهن وكان من الضروري الوفاء بهذا الوعد. كُن أيضا أول من أعلن أنهن تعرضن للإجراءات العقابية وبأن هذه الإجراءات هي وسام شرف، وأعلنّ تحديهنّ للوزارة.

كان هناك إصرار على الضغط على الأستاذات من أجل التراجع وهو ما أظهرته الإجراءات العقابية الأولى في نونبر حيث طالت أستاذتين في مقابل أستاذ واحد.كانت غاية الدولة هي استهداف المرأة العاملة والموظفة وترهيبها لما تشكله من طاقة كبيرة في الاحتجاجات الشعبية التي شهدها البلد خلال السنوات الأخيرة.

ما درجة تمثيل النساء في هيئات التنسيقيات (المنسقين والمجلس الوطني)، وكيف يمكن تفسير نقص الأدوار القيادية للنساء؟

الغريب أن تمثيلية النساء الأستاذات في هياكل التنسيقيات الثلاثة كان ضعيفا ولا يعكس مشاركتهن وانخراطهن الكبير والواسع في نضالات الحراك. بل إنّ بروزهن في بعض محطات الحراك كان يسمح به أحيانا فقط من أجل تأثيث المشهد النضالي وهي إعادة ونسخ لممارسات العمل السياسي والنقابي التي يشهدها بلدنا. إن ما شهدته هياكل التنسيقيات والهيئات القائدة للحراك من سلوكيات من قبيل العقلية الذكورية المترسخة حتى لدى المرأة نفسها، يخفض من تمثيلية الأستاذات يضاف إلى ذلك تدني الوعي بالمطالب الخاصة بالشغيلة النساء.

لوحظت مشاركة نسائية كثيفة في حراك التعليم (سواء في الاضراب أو المسيرات، محلية ووطنية). من قبل لم تكن مشاركة النساء في الحياة النقابية بنفس المستوى. إلى ماذا يُعزى تدفق النساء إلى الحراك؟

إن طبيعة الإكراهات التي تعيشها الأستاذات كثيرة، فضغط العمل والعمل المنزلي وعدم تناسب توقيت العمل (صباح أو مساء) مع الالتزامات الأسرية، خاصة بالنسبة لعلاقتها مع أطفالها (سيادة الخوف وعدم الاطمئنان…)، وضغط ساعات العمل والاكتظاظ، والمقرر الدراسي الذي لا يتوافق مع زمن التعلمات و إكراهات العمل في المناطق النائية، وعدم توفر ظروف عمل مناسبة للنساء تراعي الجنس والنوع (الجندر)… أيضا يشكل النظام الأساسي مساًّ مباشرا باستقلالية الأساتذة-ات ما يجعلهم – هن تحت رحمة رؤسائهم – هن المباشرين. فقد قرر النظام الأساسي المغضوب عليه، بالإضافة إلى المهام السابقة أعباءً أخرى وساعات عمل إضافية، وصلاحيات جديدة للرؤساء المباشرين، تقوم على تسليط عقوبات وقوانين تجعل الأساتذة والأستاذات تحت سيطرة جديدة. هذه السلطة الجديدة الموكولة للرؤساء تفتح الباب أمام ممارسة أشكال مختلفة من العنف، كالتحرش الجنسي والابتزاز والإقصاء وإضافة مهام جديدة… وهو ما لوحظ في ممارسات متكررة، وتتعرض مربيات التعليم الأولي في أماكن العمل والأستاذات المفروض عليهن التعاقد لأعمال متزايدة من هذا النوع. فالزيادة في صلاحيات الرئيس المباشر التي تضمنها النظام الأساسي ستؤدي حتما إلى الزيادة في ممارسات أشكال الاضطهاد والعنف ضد النساء على وجه الخصوص. فعلى سبيل المثال، تشكل زيادة ساعات العمل وظروف العمل المرهقة في المدارس الثانويات الإعدادية والتأهيلية، زيادةً على معاناة الأستاذات بصفتهن إناثا، فهن معرضات لمخاطر مهنية إضافية   والإرهاق النفسي الكبير، والإصابة بأمراض المفاصل والأوردة والأعصاب واعتلال الحبال الصوتية والخلل الهرموني والسرطان… ما يحتم ضرورة إجراء إحصاءات حول هذه الأمراض. كما أن المهام الإضافية في النظام الأساسي الجديد ستشكل ضغطا وعبئا كبيرا على الأستاذات بصفة خاصة؛ لأنها تضاف إلى الأعمال التي تقوم بها أصلا في البيت بصفتها تتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية التربية والتنشئة، ناهيك عن وضعية المرأة في التركيبة الاجتماعية السائدة في بلدنا.

ما تفسير ضعف وجود النساء في النقابات، والضعف الأشد لدورهن في تسييرها وقيادتها؟ ويلاحظ أيضا غياب مطالب خاصة بالنساء، سواء لدى النقابات أو لدى التنسيقيات؟ لماذا هذا الغياب؟

تنتشر ظاهرة عدم انخراط شغيلة التعليم في النقابات بشكل كبير، لكن بوجه خاص في صفوف النساء. بحيث إن تواجد المرأة في الهياكل النقابية جد محتشم؛ بسبب ضعف الوعي النقابي والسياسي والعقلية الذكورية التي تتحكم في العمل السياسي والنقابي والتي تعتبر المرأة رقما يجب أن تستعمله في الإحصائيات وفقط (الكوطا)، وليست ذاتاً فاعلةً تقترح وتناضل إلى جانب الرجل.

اليوم هناك قفزة يشهدها وضع المرأة، بفعل تطور الوضع الاقتصادي وارتفاع نسبة التمدرس وخروجها إلى العمل… إذ أظهرت النساء المدرسات قدرة نضالية ليصبحن ذلك البعبع الذي تجرى حوله “الكَوْلسة” والتواطؤ على إقصائه، وهو ما يخفي عداءً نفسيا يضمر عقدة التفوق الذكوري، ويبرز ذلك بجلاء في الهياكل التنظيمية للنقابات. بل إن المطالب المتعلقة بالنساء تصبح تأثيثا للمشهد النقابي في أغلب الأحيان، ما دامت المعنيات بها مغيبات أو غير فاعلات بالشكل المطلوب من أجل فرض مطالبهن. وهنا يجب التساؤل: هل لدى الأستاذة النقابية الوعي أو القدرة على تشريح ظروف عيشها وموقعها الاجتماعي ورصدها وتحويلها إلى مطالب؟ ثم هل يمكن أن تتجذر في صفوف الشغيلة إذا ما توفر هذا الوعي وتساهم في رفع الوعي النسائي بالمطالب الحقيقية الخاصة بهن إلى جانب المطالب الأخرى؟ إنها الحلقة المفقودة التي يجب علينا كنساء الإجابة عنها.

هل كان للنساء ذوات تجربة نقابية سابقة دور في بناء التنسيقيات؟

طبعا، لقد كان لمجموعة من المناضلات اللواتي يمتلكن تجربة نقابية ويدركن حجم الهجوم على المدرسة والوظيفة العموميتين دور كبير في المساهمة من موقعهن بدعم أي إطار أو فعل هدفه صد هذا الهجوم وكذا الانخراط ضمن التنسيقيات، لكن في المقابل هناك بعض المناضلات النقابيات اللواتي لم يتخذن نفس الموقف بوعي أو غير وعي.

هل طرحت في النقاشات، على امتداد أيام الحراك أمور تخص النساء (المطالب والدور في تسيير الحراك…)؟

نعم، لقد طرحت بعض المطالب التي تخص نساء التعليم على صعيد الجموعات العامة، لكن بشكل محتشم، ودون أن تُضَمَّنَ داخل الملف المطلبي.

 

 

 

 

 

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا