الجزائر 8 مايو 1945: انتفاضة وقمع بسطيف.
في ماي 1945 بالتزامن مع الاحتفال بالانتصار على ألمانيا في فرنسا، قامت مظاهرات في الجزائر للتنديد بالاستعمار والمطالبة بالاستقلال. قمعت الحكومة الفرنسية لتلك الفترة الانتفاضة التي تفجرت. إنها حكومة الاتحاد الوطني التي يقودها “دوكول”، وتتضمن وزراء اشتراكيين ولأول مرة وزراء عن الحزب الشيوعي الفرنسي.
هزت الهزيمة العسكرية ل يونيو 1940 سلطة القوة الاستعمارية الفرنسية بين السكان الجزائريين وانتشرت فكرة نهاية الاستعمار على نطاق واسع.
ويشهد مدرس من “بوجي” (بجاية حاليا) أن جملته المكتوبة على السبورة:”أنا فرنسي، فرنسا هي بلدي”حولت بأيدي تلاميذه إلى :”أنا جزائري، الجزائر هي بلدي”. وباقتراب نهاية الحرب، تحدث قادة الولايات المتحدة وكذلك الفرنسيين عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، الشيء الذي شكل شقا في آمال عريضة في الاستقلال.
إن تركيز أحسن الأراضي في أيدي حفنة من المستوطنين الأثرياء أنتج “بروليتاريا زراعية عظيمة حيث شروط الحياة صعبة وهشة”. صرح وزير داخلية “دوكول”،”أدريان تيكسي”: “لقد أزم تصدير المحاصيل وضعية الأكثر فقرا وضربت المجاعة مناطق أخرى”.
بيان الشعب الجزائري:
في فبراير 1943، قام قائد وطني جزائري معتدل، فرحات عباس، بنشر بيان الشعب الجزائري، داعيا إلى “دولة جزائرية متحدة بفرنسا”. بعد سنة،أنشأ نفس الشخص حركة أصدقاء البيان والحرية (أ م ل)، حيث توسعت قاعدتها بشكل سريع بانضمام 500000 جزائري في بضعة أسابيع.
في الواقع استعملت (أ م ل) كغطاء من طرف حزب يدافع بوضوح عن الاستقلال، حزب الشعب الجزائري(ب ب أ)(ح ش ج) الممنوع والذي سجن قائده “مصالي الحاج” منذ 1937. ارتبط مصالي الحاج بالحزب الشيوعي ذي الأصل المناهض للاستعمار كما العديد من المناضلين الجزائريين الجذريين. بقي ح ش ج المنغرس في أوساط العمال الجزائريين بفرنسا، حزبا وطنيا. وعندما شارك الحزب الشيوعي الفرنسي في سياسة الجبهة الشعبية والدفاع عن الامبريالية الفرنسية،أنهى شوطه الاول.
يضم الحزب الشيوعي الجزائري مناضلين، حيث الأغلبية تكن شعورا عميقا نحو الشعب الجزائري. ولكن رفضه الحديث عن الاستقلال للجزائر ألحقه بذيل الدولة الاستعمارية الفرنسية وجعله يغيب تماما مشاعر فقراء الجزائر. خلال لقاء للحزب الشيوعي الجزائري بسطيف في أبريل 1945، أسابيع قبل مظاهرات 8 ماي، خلص المتكلم في خطابه بالدعوة إلى:”اتحاد الجميع ضد الفاشية والهتليرية”، دون أن يقول ولو كلمة عن الاستقلال.
في بداية سنة 1945، أصبحت حركة (ا م ل) ذات وزن مهم بتواز مع تحريض الحزب الشعبي الجزائري باستعمال مناشير تقرأ في لقاءات سرية. وزع منشور في البوادي غير موقع ومعنون ب “الاستعمار آفة-الموت للاستعمار” نقتبس منه :”دخل الاستعمار وبني على المجازر والدمار، وسيبقى بالظلم والقمع. لن يقول أحد العكس. المستوطن هو الوحيد الذي سينفي هذه الحقيقة، المستوطنون الذين يغتنون من نزع ملكية الجزائريين المسلمين ومن عمل الجزائريين هم الذين لن يقبلوا توزيع ثروة هذا البلد مع الجزائريين المسلمين(…) الاستعمار هو استغلال الإنسان للإنسان(…) يؤيد مستوطنو الجزائر العنصرية ويرفضون الأخوة، يؤيدون الامتيازات ويناهضون حقوق الإنسان. هذا الاستعمار ليس إلا نسخة جماعية عن العبودية الفردية للعصر الوسيط (…) إنه لا يصدر من أي عدالة، وعلى الرجال الأحرار مواصلة مناهضته.
مظاهرات فاتح و 8 مايو:
عندما رخصت الحكومة لمظاهرات فاتح مايو 1945 قرر الحزب الشعبي الجزائري المشاركة فيها مع تنظيم مسيرات حيث الإمكانيات متوفرة، منفصلا عن النقابة العامة للشغل والحزب الشيوعي الجزائري. ردد المناضلون وعشرات الملايين من الجزائريين في الكثير من المدن شعارات سياسية من قبيل: “أفرجوا عن مصالي””عاشت الجزائر حرة ومستقلة””عاشت الديمقراطية””يسقط الاستعمار””تسقط الامبريالية”.
في الجزائر العاصمة اشتبك المتظاهرون في نقطة تفتيش للشرطة التي أطلقت النار على الحشد، مخلفة قتيلين والعشرات من الجرحى. كما تمت العديد من الاعتقالات في مختلف ربوع البلد. قرر الحزب الشعبي الجزائري تكثيف التعبئة واستعمال المظاهرات لهذا الغرض من أجل التوقيع على الهدنة المتوقعة يوم 8 مايو. فشهدت القبايل والقسطنطينة أكثرها ضخامة.
في سطيف،يوم 8 مايو حيث يوم السوق وأعداد السكان مضاعفة. خطط الحزب الشعبي الجزائري للتظاهر صباحا في حين يتظاهر الأوربيون بعد الزوال. تجمع ما يقارب 10000 أو أكثر بقليل منذ السابعة والنصف. أعدت لافتات بنفس شعارات فاتح مايو. وحمل شاب من الكشفية الجزائرية، سال بوزيد، علم الحزب الشعبي الجزائري الذي سيصير علم الجزائر فيما بعد.
فجأة، وبعد تلقي الأوامر، قامت الشرطة بانتزاع اللافتات المنتشرة وعلم بوزيدي وأطلق أحد العناصر النار على الشاب فأرداه قتيلا. انفجر غضب المتظاهرين انتقاما من استفزازات الشرطة. وانتشر ملايين المتظاهرين في الشوارع، منتقمين ممن وقع بين أيديهم. حاول المتظاهرون التجمع مرة أخرى وفجأة تلقوا من جديد طلقات الدرك. تمكن في الأخير الدرك والشرطة والجيش من قمع المظاهرة، لكن في صباح اليوم الموالي، حاول ما يقارب 4000 إلى 5000 شخص التجمع للتظاهر من جديد فتفرقوا بعد إطلاق النار. في”كيلما” أوقف مساعد المحافظ “أشياري” المظاهرة بإطلاق النار في الهواء لكنه أمر رجال الشرطة باطلاق النار على المحتجين.
القمع الدموي:
في سطيف كما في كيلما، نظمت الإدارة القمع بتسليح الميليشيات الأوربية التي تطلق على كل الجزائريين الذين تصادفهم. كتب الصحافي الشيوعي “ميشيل روزي”، رئيس تحرير صحيفة، الجزائر- الجمهورية:”لقد تم إعلان الأحكام العرفية. تم توزيع الأسلحة على الأوربيين. وكل عربي لا يحمل شارة(موزعة من طرف السلطة)يقتل. ولخص صحافي أوربي أمريكي الوضع بالعبارة التالية:”لقد بدأ الموسم” ما يعني “بدأ موسم القنص”. في العديد من مدن القسطنطينة وباقي مناطق الجزائر قامت مظاهرات أخرى في 8 مايو بدون مواجهة.
وعند انتشار أخبار القمع وحجمه، اشتعلت انتفاضات في بوادي وقرى القسطنطينة. خلال ليلة 8 إلى 9 مايو، انتظم العديد من ملايين المزارعين الفقراء لمحاصرة ومهاجمة مدينة خراطة. وفي أماكن أخرى، تمت مهاجمة مزارع وثكنات وكذلك بنايات إدارية.
ثم عبأت الحكومة الفرنسية وسائل عسكرية كبيرة. فجرت البحرية والطيران قرى بكاملها، مخلفة عشرات ملايين الضحايا. ودامت انتهاكات الميليشيا والجيش ما يقارب الشهر. وتباهى أعضاء الفيالق بعرض أساور النساء على أسلحتهم، كشهادة على كل قتلاهم.
اعتقدت حكومة “دوكول” الفرنسية أنها ستبلل آمال الساكنة الجزائرية في الدم. وافق كل قادة الأحزاب المشاركة في الحكومة بدون أدنى تردد على كل الخطوات والإجراءات، من سياسيي اليمين إلى الحزب الشيوعي الفرنسي، مرورا بالاشتراكيين. أشارت لومانيتي إلى المجازر يوم 11 مايو مستنسخة ما جاء في بيان الحكومة دون تعليق تقول:”في سطيف،شاركت عناصر اضطرابات في اعتداءات فاشية من الهام هتلر يوم عيد الانتصار وقامت بعدوان مسلح ضد الشعب الذي احتفل باستسلام هتلر. واستطاعت الشرط بمساعدة من الجيش،الحفاظ على النظام.”
لكن القمع لن يقتل الحركة. فبعد تسع سنوات، في نونبر 1954 أعطت موجة من الهجمات إشارة انطلاق حرب التحرير.
بيير روايان.
تعريب المناضل-ة
اقرأ أيضا