لا حرية نقابية بالقطاع الخاص مع تهمة «عرقلة حرية العمل»:

نشر هذا النص ضمن مواد العدد 60 من جريدة المناضل-ة

بقلم: مصطفى البحري

من أجل إلغاء فوري للفصل 288 من القانون الجنائي، وكل ما يعرقل ممارسة الإضراب.
طيلة أكثر من نصف قرن، شكل الفصل 288 من القانون الجنائي أداة فتك رهيبة بيد دولة أرباب العمل للقضاء على النضال العمالي بالقطاع الخاص. ولا شك أن غياب معطيات مضبوطة عن عدد ضحايا الفصل 288، وما قضوا من عقود السجن، مؤشر على نقص – أو انعدام- اهتمام المنظمات النقابية بتدوين تاريخ اضطهاد طبقتنا وكفاحها. وعمليا يكاد كل نزاع شغل بدرجة من الحدة لا يخلو من استعمال الفصل 288 لإفشال الإضراب، بتحويل دفاع العمال عن مطالبهم إلى موضوع المعتقلين وتبعاته.
الأساس الذي قام عليه الفصل 288 هو حرية العمال غير المضربين في أن يواصلوا العمل، أي عدم إرغامهم على الإضراب. والحال أن فرط الاستغلال جعل إضرابات العمال، واعتصاماتهم، تكون بالإجماع ما عدا عناصر قليلة، من مرتزقة رب العمل، ما يُغني عن الحاجة إلى إرغام قسم من العمال على الالتزام بقرار الإضراب. هذا الذي جعل الحاجة إلى فرق حراسة الإضراب شبه منتفية في النضالات العمالية بالمغرب، كما أن حواجز الإضراب غالبا ما يقيمها العمال من أجل منع رب العمل من إخراج البضاعة، أو معدات الإنتاج، لا بقصد إجبار أقلية عمالية على الالتزام بقرار إضراب الأغلبية.
لا بل إن الوقائع التي تملأ بها محاضر الشرطة والدرك ضد العمال المتهمين بعرقلة حرية العمل تكون مفتعلة من طرف أرباب العمل، وبتواطؤ من السلطة التي تكون على علم بكل شيء. والسيناريو المعهود هو استقدام عمال جدد لكسر الإضراب، و تأليب عناصر مأجورة لافتعال المضاربة مع العمال ( حالة مناجم ايميني سنة 2004 : استقدام 120 شخصا على متن شاحنة). بل ثمة حالات كثيرة يستعمل فيها أرباب العمل والسلطة مرتزقة يستعملون اسم نقابة للدفاع عن حرية العمل المزعومة.
ينص الفصل 288 من القانون الجنائي على ما يلي:
“يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين وبغرامة من مائتين إلى خمسة آلاف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، من حمل على التوقف الجماعي عن العمل أو على الاستمرار فيه، أو حاول ذلك مستعملا الإيذاء أو العنف أو التهديد أو وسائل التدليس متى كان الغرض منه هو الإجبار على رفع الأجور أو خفضها أو الإضرار بحرية الصناعة أو العمل.
وإذا كان العنف أو الإيذاء أو التهديد أو التدليس قد ارتكب بناء على خطة متواطأ عليها، جاز الحكم على مرتكب الجريمة بالمنع من الإقامة من سنتين إلى خمس سنوات”.
وقد دأبت دولة البرجوازية، في «حوارها الاجتماعي» مع النقابات على تأكيد العمل بالفصل 288 عبر تكريسه في ما توقع من اتفاقات مع القيادات النقابية: هكذا نص التصريح المشترك الذي وقعته الكونفدرالية الديمقراطية للشغل [غشت 1996] على:»احترام حرية العمل للعاملين بالمؤسسة وفقا للقوانين الجاري بها العمل.» أي الفصل 288 من القانون الجنائي. ونص اتفاق 19 محرم 1421 [ 23 ابريل 2000]على « التزام الحكومة بضمان حرية العمل للعاملين بالمؤسسة. وفي غضون تلك السنوات كان المناضلون والمناضلات النقابيين، المدافعين عن قوت طبقتهم وحرياتها، ] يساقون إلى السجون بتهمة «عرقلة حرية العمل»
وتواصل ذلك الظلم حتى بعد التزام الدولة بمراجعة الفصل 288 في الاتفاق الذي جمعها مع النقابات سنة 2003 [اتفاق30 ابريل]. نص هذا الاتفاق على «مراجعة الفصل 288 من القانون الجنائي وذلك تفاديا لكل التأويلات التي يثيرها تطبيق هذا الفصل».
لم تنفذ الدولة هذا الوعد، مع أنها حصلت بالمقابل على نصر كبير، حيث نص الاتفاق المذكور على «دعوة الفرقاء السلطات المختصة إلى إقرار مشروع مدونة الشغل» ، وتم فعلا إقرار مدونة الشغل الذي كانت و تزال وبالا على الأجراء و الأجيرات.
وعوضا عن «مراجعة» الفصل 288، جاءت مدونة الشغل ذاتها بما يعززه و يكرس تجريم الإضراب العمالي .
تنص الفقرة الاولى من المادة 9 من المدونة على : «… يمنع كل مس بحرية العمل بالنسبة للمشغل وللاجراء المنتمين للمقاولة».
و الفقرة 3 من المادة 12: عند مخالفة الأجير لأحكام الفقرة الأولى من المادة 9 أعلاه، تتخذ في حقه عقوبة التوقيف لمدة 7 أيام،وفي حالة تكراره لنفس المخالفة خلال السنة، تتخذ في حقه عقوبة التوقيف لمدة 15 يوما.وفي حالة تكراره لنفس المخالفة للمرة الثالثة، يمكن فصله نهائيا عن الشغل
والمادة 39 : من الأخطاء الجسيمة المؤدية إلى الطرد استعمال أي نوع من أنواع العنف والاعتداء البدني ضد أجير أو مشغل أو من ينوب عنه لعرقلة سير المقاولة يقوم مفتش الشغل في هذه الحالة الأخيرة بمعاينة عرقلة سير المؤسسة وتحرير محضر بشأنها.

هكذا نرى انه رغم الفعالية القصوى التي دل عنها استعمال الفصل 288 من القانون الجنائي في تجريم النضال العمالي، لم تتمكن الحركة النقابية المغربية لحد الآن من إزالته نهائيا وتحقيق حرية نقابية فعلية. السبب جلي، انه تشتت الحركة النقابية إلى عدة منظمات، كل قيادة تقوم بتعبئة قواعدها ضد النقابات الأخرى، ومن جهة أخرى بسبب غياب تيارات كفاحية في القواعد من أجل توحيد الفعل النضالي وإضفاء الديمقراطية عليه.
كما أن مبادرات التحريك الفوقي المتحكم به من طرف القيادات غير قادرة على تحقيق مطلب إلغاء الفصل 288، فبعد أن ورد المطلب في المذكرة المشتركة التي رفعتها نقابات التنسيق الثلاثي [ك.د.ش، ف.د.ش ، إ.م.ش] إلى رئاسة الحكومة يوم 11 فبراير 2014، ونظمت النقابات مسيرة 6 أبريل 2014، يستمر سجن العمال بتهمة «عرقلة حرية العمل».
ومع الأسف لن يكون لما سماه الاتحاد المغربي للشغل «حملة» ضد الفصل 288 من القانون الجنائي أي مفعول، بسبب ضعف، وحتى انتفاء، أي مضمون تعبوي في أماكن العمل، وأي أشكال نضالية أخرى، وكذا بسبب عدم ربط إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي مع مطلب تطهير مدونة الشغل مما يسمى «عرقلة حرية العمل، ورفض أي مشروع قانون يمنع الإضراب بمبرر تنظيم ممارسته .
وبوجه الأصوات المنادية بالإلغاء، يصر وزير عدل حكومة الواجهة، على الإبقاء على الفصل 288 بمبرر توازن كاذب وخادع يغض النظر على ما يجري في الواقع، أي استقدام كاسري الإضراب وسجن المناضلين خدمة لأرباب الرساميل. ففي مقابلة بموقع اليوم 24 بانترنت قال الرميد: «لكن بقدر ما يجب حماية الحق في الإضراب، يجب أيضا حماية حرية العمل. فالفصل 288 من القانون الجنائي يحمي حرية العمل، ويحقق التوازن مع الحق في الإضراب المنصوص عليه دستوريا، وإذا كان هناك مقترح لتقديم تصور جديد يضمن حق الاضراب من جهة، وحق العمل من جهة ثانية، فمرحبا به».
وفعلا حافظ مشروع القانون الجنائي الجديد (بتاريخ 31 مارس 2015) على الفصل 288 كما كان، مع رفع الغرامة (من 120 درهم إلى 5000 درهم رُفعت إلى: من 2000 درهم إلى 20 ألف درهم).
نية دولة البرجوازيين أن يبقى الفصل 288 سيفا مرفوعا على رقاب النقابيين والنقابيات.
و حتى إن كانت نسبة من الأحكام بمقتضى الفصل 288 ق-ج تكون بالحبس موقوف التنفيذ، فهذا يكفي البرجوازية لأنه يكون قد حطم المقاومة العمالية، وشغل المناضلين بالمحاكمة صارفا الأنظار عن المطالب الأصلية، وأدى إلى طرد المدانين من العمل ( عرقلة حرية العمل خطا فادح حسب قانون الشغل، موجب للطرد بلا تعويض).
من يدّعون حماية «حرية العمل» هم من يحرم منها ملايين البشر بفرض مستويات بطالة كثيفة، لاستعماله للضغط على الأجراء العاملين لقبول أجور البؤس وشروط عمل العبيد. وغاية الفصل 288 من القانون الجنائي، وما حوت مدونة الشغل من مواد تتطرق لما يسمى «عرقلة حرية العمل»، وما يعج به مشروع قانون الإضراب، هو عرقلة المقاومة العمالية، وحبك المؤامرات ضد مناضلي طبقتنا، لتأبيد الاستغلال والقهر.
المطلوب، من كل حريص فعلي على تقدم كفاح العمال، تعبئة القوى العمالية لإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي، وتطهير مدونة الشغل مما يدعى «عرقلة حرية العمل»، والرفض القاطع لأي مساس بحق الإضراب، وتناول مسالة الحرية النقابية تناولا شموليا، برفع مطلب ممارستها الفعلية حيث يُستغل العمال: حق توزيع المناشير النقابية بأماكن العمل، و الاجتماع بها لتدارس مشاكل العمل، و السبورات النقابية، وما شابه من أشكال تفعيل الحرية حسب خصوصيات القطاعات.
ويندرج هذا ضمن النضال الإجمالي من أجل الحريات الديمقراطية، نضال تخوضه طبقة العمال بتعاون مع كل قوى النضال، من شباب جامعي ومعطلين، ونساء، وكادحي القرى و الأحياء الشعبية، وقوى اليسار السياسي المناضلة فعلا من أجل الديمقراطية.
على هذا النحو يجب أن نعطي، نحن اليساريون، مضمونا لعملنا في النقابات مغايرا لخط القيادات التي لا تقود سوى إلى المآزق و الانهزام و الاستسلام، وإلا فقدنا علة وجودنا.

شارك المقالة

اقرأ أيضا