جاك لندن، لا يزال راهنيا
بقلم هنري كليمان
تواصل بانتظام إصدارات Phébus نشر أعمال جاك لندن ويكشف كل مجلد جديد عن الجوانب المتعددة لهذا الكاتب الرائع. هذه المجموعة الجديدة لا تشد عن القاعدة، حيث تقدم لنا بعض النصوص الممتازة بشكل خاص قصة «المكسيكي». في هذه القصة القصيرة، يجمع لندن بين اثنين من موضوعاته المفضلة: الملاكمة والثورة. يكرس البطل الرئيس، صبي صغير رث الثياب، كل طاقته لقضية الثورة المكسيكية. وضع الكاتب كل فنه في خدمة النضال الاجتماعي، فالمشاهد منحوتة بإتقان والسيناريو لا تشوبه شائبة والتقارب بين البطل الشاب ولندن واضح، خاصة عندما يشرح الراوي مصدر نشاط الشاب وطاقته: «لأن وراءَه، محفزةً إيمانَه، كانت هناك قوى أعمق بكثير مما يمكن تخيله في تلك القاعة المكتظة».
هذه القصة القصيرة هي بمثابة قصة كفاح وأمل مدعومة أيضًا بإحساس، بالكراهية والرغبة في الانتقام، قوي جدًا. يوضح نص آخر من المجموعة أصل هذه المشاعر. بعنوان «تحت مظلات الجسر Sous les auvents du pont»، يلعب صبي صغير أيضًا دورًا بارزًا، وإن كان لفترة وجيزة. إنه ليس البطل، بل ضحية لعبة وحشية للغاية تعبر عن كل غطرسة البورجوازيين واحتقارهم. يكمن في هذا النص عنف يستحيل تجاهله.
غير أن هذا العنف لا يمنعه من معالجة الموضوع في سياق أكثر تراجيدي- كوميدي، كما في القصة القصيرة « قتل رجل Tuer un homme». يسطو رجل، عاطل عن العمل، على منزل، ليجد نفسه تحت رحمة امرأة شابة. يؤدي ذلك إلى نقاش حول دوافع اللص: «حين تكون الأوقات صعبة وتنعدم فرص العمل، ييأس الناس. لذلك يخاف أصحاب المال ويجعلون الفقراء المساكين يدفعون الثمن».
سيكون هذا أكثر من كافٍ لإثبات راهنية لندن. كل هذه النصوص مدفوعة بكراهية الاستغلال وحب الإنسانية والطبيعة في آن واحد. لا يطيق المؤلف معاناة الحيوانات أكثر مما يطيق معاناة البشر، ومن خلال إدانة مصارعة الثيران في قصة «ضرب من جنون جون هارنيد Le coup de folie de John Harned»، يسلط الضوء على هذا القلق. إن جميع نصوص هذه المجموعة مشبعة بنفس حب الإنسان والحياة، ما يجعلها نصوصًا منشطة للقراءة في هذه الأوقات العصيبة.
المصدر: https://lanticapitaliste.org/index.php/opinions/culture/jack-london-toujours-actuel
جاك لندن: ثوري مهزوم
مضى على هذا المقال أكثر من 8 سنوات.
توفي الروائي والصحفي والاشتراكي الأمريكي جاك لندن قبل 100 عام. يسلط ديف جيبسون Dave Gibson الضوء على نشاطه الحماسي من أجل حقوق العمال ورواياته السياسية، بالإضافة إلى التناقضات في أعماله.
حين توفي جاك لندن في 22 نونبر 1916، كان أحد أشهر الاشتراكيين الأمريكيين. بنى سمعته من واقعية رواياته وصحافته وخطاباته الاشتراكيتين.
حين انضم إلى حزب العمال الاشتراكي في أوكلاند Oaklandوهو في العشرين من عمره، كان بحاراً ومتشرداً وقرصان محار، وعمل في المصانع وسُجن لمدة 30 يوماً بتهمة التسكع. غمرت تجربة لندن في العمل لمدة 10 ساعات في مصنع تعليب، في سن الخامسة عشرة، قصته القصيرة «المرتد The Apostate»، التي تصف كيف أن استغلال الرأسمالية لعمالة الأطفال يدمر في نفس الآن الطفولة والأسرة. كانت قوية جدا لدرجة إعادة طبعها ككراس اشتراكي.
في عام 1901، انضم لندن إلى فرع الحزب الاشتراكي الجديد في أوكلاند Oakland، وكان مرشح الاشتراكيين مرتين لمنصب العمدة. قبل ذلك كان قد توجه إلى كلوندايك Klondikeفي رحلة البحث عن الذهب عام 1897، وهي التجربة التي حفزت الكثير من كتاباته، خاصةً رواية «نداء البرية».
ثم في عام 1902، أمضى ثلاثة أشهر في الطرف الشرقي من لندن في دراسة ما أصبح يُعرف باسم «أهالي قعر المجتمع le peuple de l’Abîme»، حيث وصف فيها «التدهور الاقتصادي للفقراء». في أحد الفصول، يصف لندن وهو يمشي مع سائق عربات ونجار، وهما رجلان محطمان جسديًا بسبب عقود من العمل الشاق. يراقبهما «يقشران… البرتقال وقشر التفاح… يحكيان فتات الخبز» الذي «يمضغانه ويبتلعان… في قلب أغنى وأقوى إمبراطورية شهدها العالم على الإطلاق». الكتاب مليء بمثل هذه التفاصيل الدامغة، مدعومًا بأدلة إحصائية مستفيضة عن عدم المساواة والظلم، تشرح كيف يخلق النظام الرأسمالي الفقراء والمعدمين.
خلال السنوات التالية، نما الحزب الاشتراكي حجما ونفوذا. في عام 1905، دعم لندن الثورة الروسية وساعد في إطلاق الجمعية الاشتراكية بين الجامعات، متجولا في البلاد لإلقاء محاضرات عن الاشتراكية على الطلاب. نجح في عام 1906 في إسقاط تهمة التآمر من أجل القتل عن بيغ بيل هايوود Big Bill Haywood واثنين آخرين من قادة الاتحاد الغربي لعمال المناجم. يتعمق مقاله «شيء ما فاسد في إيداهو Something Rotten in Idaho» في المؤامرة الحقيقية – التي ارتكبها أصحاب المناجم والآلة القانونية للولاية ضد هايوود ورفاقه.
نُشرت أكثر رواياته السياسية «العقب الحديدية» في عام 1908. إنها تصف كيف استدعت القلة من الرأسماليين الأمريكيين أصحاب العقب الحديدية لسحق المقاومة النقابية والاشتراكية بين عامي 1912 و1932. وكما يقول أحد الرأسماليين، «سنميتكم أيها الثوار تحت كعبنا… العالم لنا… وسيبقى لنا».
يدعي النص الرئيس أنه مخطوطة كتبها أحد الثوريين في أوائل القرن العشرين وعثر عليها بعد أربعة قرون من «الانتصار النهائي للديمقراطية الاشتراكية». وفي عام 1937، كتب تروتسكي عن الرواية ”لندن متفائل… نافذ ومستبصر“، لأن الهزيمة الرهيبة التي تصفها الرواية تقابلها مقاومة مستمرة وانتصار نهائي. تصور الرواية بشكل درامي الجدل الدائر بين الإصلاح والثورة وصعود الفاشية.
ينتقل البطل الرئيس، إرنست إيفرهارد Ernest Everhard، من الأمل في «انتصار سلمي في صناديق الاقتراع» إلى إدراك الحاجة إلى الإطاحة الثورية بالرأسمالية. ولا يتمكن من إقناع معظم القادة الاشتراكيين بهذا الطرح، وتسحق قوات العقب الحديدية الديمقراطية وقوى الاشتراكية.
كان تغير إيفرهارد Everhardيعكس ما حدث للندن. لقد تعلم من قمع الثورة الروسية عام 1905 قسوة الطبقة الحاكمة. وكتب لاحقًا: «يُظهر التاريخ أنه لا توجد طبقة سائدة مستعدة أبدًا أن تنعم بنفسها دون صراع» وستستخدم الحكومات والجيوش والميليشيات للحفاظ على السلطة. وعارض النزعات الإصلاحية المتنامية داخل الحزب الاشتراكي.
كانت هناك نقاط ضعف كبيرة في تفكيره وكتاباته. تشبث بأفكار تَفَوق العرق الأبيض طوال حياته، وغالبًا ما كان يجاهر بعنصريته سواء في رواياته أو في مقالاته. رغم ذلك، استطاع أن يقول في خطابه الذي ألقاه في عام 1905 بعنوان «الثورة»: «تتجاوز الرفقة الثورية الخطوط الجغرافية والتحيز العنصر».
تظهر تناقضات مماثلة في أماكن أخرى من تفكيره. رحّب في البداية بالثورة المكسيكية عام 1911 عندما كتب إلى «الرفاق الأعزاء النبلاء [المكسيكيين]» ،»نحن… معكم قلبًا وقالبًا في جهودكم للإطاحة بالعبودية والاستبداد“. تجسد قصته القصيرة «المكسيكي» روح التضامن هذه. لكن في عام 1914، دعم العدوان الأمريكي على المكسيك. وفي عام 1913، كتب لندن: «يسقط الجيش والبحرية. إننا لسنا بحاجة إلى أن نكون مؤسسات قاتلة».
عارض الحزب الاشتراكي الحرب العالمية الأولى باعتبارها «صراعاً دموياً لا معنى له» بفعل «التنافس الإمبريالي والتجاري»، وقد تأكد هذا الرأي في استطلاع للرأي في سبتمبر 1915. رغم ذلك ، كان لندن غاضبا من هذه الطريقة وأيد حرب الحلفاء ضد ألمانيا. استقال لاحقا، في مارس 1916، من الحزب الاشتراكي وتوفي بعد أشهر عن عمر يناهز 40 عامًا.
رغم العيوب العميقة في تفكيره، إلا أن أفضل ما كتبه – سواء في وصف شرور المجتمع الرأسمالي أو مقاومتها – لا يزال يستحق القراءة من قبل الاشتراكيين.
المصدر : https://socialistworker.co.uk/socialist-review-archive/jack-london-flawed-revolutionist/
اقرأ أيضا