أغنياء وأقوياء ضد فقراء وضعفاء؛ ترامب يعولم الصراع الطبقي!

بلا حدود2 مايو، 2025

بقلم: يورغوس ميترالياس   Yorgos Mitralias

كانت المائة يوم الأولى من رئاسة ترامب الثانية كافية لكي تقلب الترامبية رأساً على عقب، ليس فقط يقينيات النظام الدولي الذي أرساه من هم في الأعلى، بل أيضاً تصورات  من هم في الأسفل حول هذا النظام! وكانت نتيجة هذا الاضطراب الأولى، لكنها كبيرة، أن المشهد الدولي لمن هم في الأعلى أصبح فجأة أكثر وضوحًا أو حتى شفافًا ومفهومًا في عيون البشرية التي يشكلها من هم  في الأسفل. على سبيل المثال، كان بوتين لا يزال، قبل ستة أشهر فقط، يُعرض، بل ويُنظر إليه من قبل كثيرين ممن هم في الأسفل، على أنه ثقل مضاد للإمبريالية الأمريكية ، إن لم يكن ترياقاً ”تقدمياً“ لها. اليوم، انهارت هذه الخرافة ، ولم تعد سوى كومة أنقاض: ترامب وبوتين حلفاء بل وشركاء في نهب العالم وتقاسمه، وقبل كل شيء في محو كل ما استطاعت البشرية وعالم العمل اكتسابه من حقوق وحريات بنضالاتهم على مدى الـ 15 أو 23 عاماً الماضية!

نحن بعيدون كل البعد عن الفكرة الشائعة بأن كل هذا الاضطراب هو من صنع شخص واحد، ترامب وجنون العظمة الرجعي لديه. في الواقع، إنها تعكس موجة عالمية حقيقية هي ثمرة جهود متضافرة إلى حد ما من قبل عدد لا يحصى من الأشخاص والقوى اليمينية المتطرفة وشبه الفاشية أو حتى الفاشية الصريحة، التي تجري الرياح بما تشتهي سفنها. ولأن هذه الاضطرابات ليست من صنع شخص واحد، فإنها لها أسس مادية متينة، ولن تكون -للأسف- عابرة، ويتعين أخذها على محمل الجد.

بعد قول هذا، لا بد من الإقرار بأن (النيو)ليبراليين من جميع الأطياف، على غرار مؤسسة الحزب الديمقراطي الأمريكي، يترددون في مقاومة هذا اليمين المتطرف الزاحف، إن لم يدعموه ، ولو على طرف لسان، هو وتدابيره القمعية. باختصار، وبفعل جملة الأزمات الكارثية، بات المشهد الطبقي، الذي كان ملتبسا حتى الأمس، أكثر وضوحًا اليوم، ما يساعد الجميع، لاسيما من في الأسفل ، على التوجه بنحو أفضل في المتاهة الطبقية للعصر الحديث. على سبيل المثال، اعتقد العديد من دول البريكس (جنوب أفريقيا والبرازيل…) وأفريقيا السوداء أنها عثرت في روسيا بوتين على صديق وحام ضد جشع الإمبريالية الأمريكية، وعليها اليوم إعادة النظر في هذا الخيار الاستراتيجي، الذي أصبح عملياً غير قابل للدفاع عنه بعد أن اقترب بوتين كثيراً من ترامب وأبرم تحالفاً فعلياً معه، انضم إليه الآن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مرتكب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.

بيد أن هذا الواقع السياسي الجديد الذي دشنه الثنائي بوتين-ترامب يقلب المشهد السياسي ويوضح الأفكار، خاصة لدى الجماهير الشعبية والعمال والعمالات والمضطهدين/ت والمحرومين/ت على الأرض، وبالطبع لدى اليساريين. هذا أمر لا مفر منه تقريباً عندما يتآلف الأوليغارشيون بشكل واضح مع المليارديرات للتحالف مع الظلامية والعنصرية والفاشية الجديدة بقصد مهاجمة جميع الفقراء والمستغلين/ت وضحايا العنصرية في جميع أنحاء العالم! إنها هجمة حقيقية من الأغنياء على الفقراء، ومن الأقوياء على الضعفاء، سواء في الأطراف المهمشة أو في المركز المتطور لعالمنا. إنه عدوان ذو أبعاد تاريخية لم يسبق له مثيل، لأنه هذه المرة يهدد وجود البشرية وكوكبنا…

في هذا السياق الدولي الجديد، نرى بوادر المحاولات الأولى لتوحيد صفوف من هم في الأسفل -بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية السابقة- لكي يتصدوا لهجمات الأقوياء والفاشيين الجدد في ”الأممية الفاشية“ الناشئة. وليس من قبيل الصدفة أن تكون هذه المحاولات أكثر وضوحًا (ونجاحًا) في الوقت الحالي في الولايات المتحدة، قلب الوحش اللاإنساني والرجعي: تسير ”جولة مكافحة الأوليغارشية“ (Fighting Oligarchy Tour) التي يقودها بيرني ساندرز  الى تحطيم الأرقام القياسية التاريخية في المشاركة الشعبية في كل مكان تمر به، سواء في المدن الصناعية الكبرى أو في البلدات الريفية الصغيرة، سواء في الولايات الديمقراطية أو في معاقل الجمهوريين! وكل هذا مع بيرني ساندرز الذي ينتقد بشدة الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، باسم الطبقة العاملة الأمريكية وحركتها النقابية…

لكن هناك ما هو أكثر. إن الحركة الشعبية التي يقودها بيرني ساندرز ستصبح حتماً مرجعاً للمقاومة والنضال بالنسبة لمن هم في الأسفل في جميع أنحاء العالم، وستعوّدهم على التمييز بين أمريكتين، وهو تمييز لم يكونوا يفعلونه حتى الأمس: أمريكا الأعلى، أصدقاء ترامب المليارديرات والفاشيين الجدد، وأمريكا الأسفل، المواطنون الذين يقاومونهم، والذين سيكون من مصلحتهم أن يقيموا معهم علاقات تضامن فعالة من أجل جعل نضالهم المشترك أكثر فعالية.

والأهم من ذلك، أن هذا الإدراك والوعي بوحدة المآسي، ولكن أيضاً بالنضال المشترك، بدأ يظهر في فلسطين وأوكرانيا. وبـ”فضل” ترامب أيضا ومبادراته الجنائزية وليس “السلمية”، باتت محاولتا الإبادة الجماعية اللتان قام بهما صديقاه نتنياهو وبوتين تبدوان الآن على حقيقتهما، ’توأمتين‘، ما يؤكد تمامًا ما صرح به وزير خارجية بوتين سيرغي لافروف في يناير 2024، وسط لامبالاة عامة بقوله :”إسرائيل تسعى إلى أهداف مماثلة لأهداف روسيا» لأن «التدمير الكامل لحركة حماس» و«القضاء على كل أشكال التطرف في غزة» مماثلان لـ«نزع السلاح» و«إزالة النازية» اللذين تسعى موسكو إلى تحقيقهما في أوكرانيا!» [1]. نفس الجلادين الإمبرياليين والهمجيين، مدعومين من نفس التحالف الدولي للرجعيين والفاشيين الجدد، نفس تكتيكات الإبادة الجماعية، ونفس الاحتلال والاستعمار للأراضي المزعوم أنها ”بلا سكان“ باسم روسيا الكبرى وإسرائيل الكبرى وحق الأقوى!

استنتاجنا بديهي: في مواجهة التهديد المميت الذي تمثله هذه الجبهة الموحدة من المليارديرات والأوليغاركيين والظلاميين والعنصريين ومرتكبي الإبادة الجماعية والفاشيين الجدد، في مواجهة الأممية الفاشية لترامب-بوتين-نتنياهو، ليس فقط شعوب فلسطين وأوكرانيا هي التي يجب أن توحد قواها وتنسق مقاومتها. إن ابتكار أممية كفاحية وممارستها بات الآن بالنسبة لنا جميعًا مهمًا مثل الهواء الذي نتنفسه…

 [1] انظر سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي: “إسرائيل تسعى إلى أهداف مماثلة لأهداف روسيا”

https://europe-solidaire.org/spip.php?article70464

المصدر : https://andream94.wordpress.com/2025/05/01/trump-globalizza-la-lotta-di-classe/

شارك المقالة

اقرأ أيضا