معركة عمال شركة المناولة «طوب فوراج» (Top Forage) لدى الشركتين «تفنوت تيغانمين» (CTT) و»الشركة المنجمية ݣماسة» (CMG)، فرعي الأخطبوط «مناجم» (MANAGEM) – دروس معركة النفس الطويل، ومهام المستقبل…
بقلم : محمد أمين الجباري
تقديم: منذ منتصف شهر يوليوز 2024، وإلى نهاية شهر ديسمبر من العام نفسه، خاض 325 عاملا منجميَّا معركة عمالية مديدة، كان سبب انطلاقها المباشر: عدم صرف أجور كل عمال الشركة لشهر يونيو 2024، وغلق الحق في التغطية الصحية منذ فاتح يوليوز 2024، وحرمان أطفالهم من منحة عاشوراء، ومن التخييم.
العمال البالغ عددهم 325 عاملا (254 بمنجم بوازار بإقليم ورزازات، و71 بمنجمي الدرع الأصفر وكدية عيشة بعمالة مراكش) تابعون لشركة المناولة «طوب فوراج» (Top Forage) العاملة لفائدة فرعين تابعين لمجموعة «مناجم» (MANAGEM).
الأول: «شركة تفنوت تيغانمين» (CTT) كشركة أصلية مستغلة لمنجم بوازار، إقليم ورزازات، ويتواجد مقرها بهذا المنجم؛ وتستخرج منه الكوبالت أساسا، ومعادن أخرى، كالنحاس، والزرنيخ، والفضة، والذهب.
والثاني: «الشركة المنجمية ݣماسة» ((Cie minière des Guemassa)) أو (CMG) كشركة أصلية مستغلة لمنجمي الدرع الأصفر وكدية عيشة، عمالة مراكش، ويتواجد مقرها بمنجم الدرع الأصفر؛ وتستخرج منهما النحاس والرصاص والزنك الفضة، ومعادن أخرى بكمية أقل، كالكوبالت.
بعد نضال مرير طويل النفس، دام حوالي ستة أشهر، رغم قساوة الطبيعة، وقسوة الرأسمال، وضعف التضامن العمالي والشعبي، وما تعرض له العمال من ترهيب وضغط نفسي وتهديدات، تمكنوا من انتزاع أجورهم المتأخرة لشهر يونيو والنصف الأول من شهر يوليوز 2024، وأيضا انتزاع مبلغ 30 ألف درهم لكل عامل نهاية شهر ديسمبر 2024.
ومنذ بداية يناير 2025، سلك العمال، سواء ببوازار أو بالدرع الأصفر، مسطرة التقاضي ضد شركة المناولة من أجل صرف باقي المستحقات المادية المتأخرة، لا سيما مستحقات الأقدمية.
كما أنه بالنسبة لعمال الدرع الأصفر، البالغ عددهم 71 عاملا، فقد تم مرة أخرى تشغيل من يرغب في مواصلة العمل ولم يصل حد سن التقاعد مع شركة المناولة «هيدرومين»، والتي كانت تعمل لفائدة الشركة الأصلية بالمنجم.
ولا يزال إلى اليوم ينتظرهم جميعاً نضال من أجل التشغيل مع الشركتين الأصليتين.
سبق لنا متابعة المعركة ومواكبتها إعلاميا (أخبار المعركة، تقارير حول ظروف التشغيل، وخاصة بالنسبة للعمال التابعين لشركة «طوب فوراج»، ومدى توفر شروط الصحة والسلامة المهنية…).
نعود مرة أخرى إلى المعركة بالنقاش والتقييم بناء على مواكبتنا لها، وعلى ما تم الحصول عليه من معلومات ومعطيات عن طريق شهادات عدد من العمال بمنجم بوازار، وبمنجمي الدرع الأصفر وكدية عيشة، سواء لدى العمال المضربين خلال المعركة أو لدى عمال بأحد شركات المناولة الأخرى.
لصمود هؤلاء العمال، وللطبقة العاملة بالمغرب، نقدم بعض ما تعلمناه وإياهم من هذه المعركة التي امتلأت بتفاصيل ودروس نضالية رفيعة الطراز في الصمود والتماسك والتعاون…
أولا-بداية القصة: أسباب انطلاق المعركة ومطالبها
عندما حلت بداية شهر يوليوز 2024، لم يتوصل جميع عمال شركة المناولة «طوب فوراج» بأجورهم لشهر يونيو 2024؛ سواء العاملون بمنجم بوازار، إقليم ورزازات، وعددهم 254، أو بمنجي الدرع الأصفر وكدية عيشة، عمالة مراكش، وعددهم 71. وكان معتاداً صرف الأجور خلال نهاية كل شهر، أو خلال الأيام الخمسة الأولى للشهر الموالي كأقصى تأخير. إضافة إلى غلق حقهم في الاستفادة من التغطية الصحية منذ فاتح يوليوز 2024، وجرى قبل ذلك، حرمان أطفالهم من منحة عاشوراء (ألعاب وهدايا…)، ومن المخيم الصيفي (وقد كانت هذه المنحة والمخيم مكسبا لهم ولأطفالهم لعدة سنوات)، دون باقي العمال وأطفالهم بشركات المناولة الأخرى وبالشركة الأصلية بالمنجم. كما لا تُمتع الشركةُ العمالَ بحقوقهم المنصوص عليها في قوانين الشغل، كالأقدمية (عدم تسوية مستحقات منحة الأقدمية منذ التشغيل الأول إلى الآن)، وغيرها.
مع حلول منتصف شهر يوليوز 2024، وبعد استنفاذ المكتبين النقابيين المحليين المنضويين تحت لواء الجامعة الوطنية لأطر وعمال المناجم (الاتحاد المغربي للشغل) كل السبل لدى إدارة الشركتين بالمنجم (المناولة والأصلية) من أجل صرف الأجور المتأخرة، والنظر في باقي المطالب، دخل العمال في أولى خطواتهم النضالية.
بالنسبة لبوازار، انطلقت المعركة منذ يوم 15 يوليوز 2024، بسلسلة من إضرابات عن العمل مصحوب بوقفات ومسيرات احتجاجية يوميَّاً أمام مقر إدارة شركة «تفنوت تيغانمين» (CTT) بالمنجم، لكونها الشركة الأصلية المستغلة للمنجم، إذ أصدر المكتب النقابي المحلي لعمال الشركة بيانه الأول بتاريخ 15 يوليوز 2024، أعلن فيه عن خوض إضراب لمدة 48 ساعة، يومي 15 و16 يوليوز 2024 قابلة للتمديد، وبيانا ثانٍ بتاريخ 16 يوليوز 2024، أعلن فيه عن تمديد الإضراب لمدة 48 ساعة، يومي 17 و18 يوليوز 2024 لغياب أية استجابة للمطالب، أو تجاوب للمشغلين.
وفيما المكتب النقابي المحلي لعمال الشركة بصدد تعليق الاضراب، إذا به والعمال يُفاجؤون بإغلاق الأوراش، يوم 17 يوليوز 2024، من طرف الشركة الأصلية «تفنوت تيغانمين» (CTT)؛ ما اضطره إلى إصدار بيان ثالث بتاريخ 18 يوليوز 2024، أعلن فيه مرة أخرى عن تمديد الإضراب لمدة 96 ساعة؛ ليقرر العمال بعدها إعلان الدخول في إضراب مفتوح، بعدما استنفذ مكتبهم النقابي كل السبل والوسائل لفتح تفاوض مع المشغلين.
أما بالنسبة للدرع الأصفر وكدية عيشة، فقد بدأ أول توقف لهم عن العمل يوم 12 يوليوز 2024، كإضراب إنذاري لمدة 24 ساعة من أجل صرف فوري لأجور، لكن إدارة الشركة الأصلية بالمنجم تدخلت وطلبت من العمال استئناف العمل ووعدت بحلول للمشكل، ما جعل الاضراب يتم فقط لمدة 8 ساعات، من حوالي الساعة السادسة صباحا حتى الساعة الثانية بعد الظهر، حيث استأنف العمال عملهم.
أَضرَبوا مرة أخرى، يوم 14 يوليوز 2024، ومرة أخرى، وبنفس الطريقة جاءت إدارة الشركة الأصلية، لتؤكد ما سبق أن قالته يوم 12 يوليوز، أن أجور وأن حقوق العمال مضمونة لديها، طالبة من العمال استئناف العمل والاستمرار فيه.
ولكن لم يتوصل العمال رغم ذلك بأجورهم، فاقتنعوا أن إدارة الشركة الأصلية قد خذلتهم، وكذبت عليهم، ليدخلوا في إضراب مفتوح مصحوب باعتصام أمام إدارة الشركة الأصلية (CMG) بمنجم الدرع الأصفر خلال النهار طيلة أيام الأسبوع، عدا يوم الأحد، منذ يوم الأربعاء 17 يوليوز 2024.
وللإشارة فمقر الشركة الاصلية (CMG) يوجد داخل المنجم بشكل شبه معزول عن محيطه، لذا كان العمال ينفذون الاعتصام بالساحة المتواجدة أمام المدخل الرئيسي للمنجم.
أهم المطالب التي رفعها العمال خلال المعركة، كانت ستة مطالب أساسية، تلك التي كانت سببا مباشرا في انطلاقها، وهي:
– الصرف الفوري للأجور المتأخرة لشهر يونيو والنصف الأول لشهر يوليوز 2024، والأيام التي تلت، لأن العمال لم يختاروا التوقف عن العمل، بل المشغلون من دفعوهم قسرا إلى الاضراب والتوقف عن العمل؛
– إعادة فتح الحق في التغطية الصحية، الذي عُلِّقَ منذ فاتح يوليوز 2024، وذلك بأداء المشغلين للاشتراكات للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛
– تمتيع العمال وأطفالهم من منحتي عاشوراء (ألعاب وهدايا…) ومن التخييم الصيفي كما باقي العمال وأطفالهم بشركات المناولة الأخرى، وبالشركة الأصلية بكل منجم.
ثم انضاف إليها خلال الإضراب المطالبة بـ:
– تحسين ظروف العمل، وتوفير شروط الصحة والسلامة المهنية؛
– التشغيل الفوري لكافة العمال بإدماجهم بالشركة الأصلية إسوة بمن أُدمِجوا سابقا، وتمتيعهم على قدم المساواة بالحقوق والمكتسبات التي يتمتع بها عمال هذه الأخيرة، واحتساب أقدميتهم منذ التحاقهم بالعمل بالمنجم، وتمتيعهم بمستحقاتها التي لا يزالون محرومين منها لعقود، وذلك لوضع حد للهشاشة المهنية، وللإقصاء المتكرر من عمليات الإدماج، كحل كفيل بإنصافهم، ووضع حد لمعاناتهم ومعاناة أسرهم، وضرب الكرامة…
مطلب الادماج هذا، لم تَجر ِالطالبة به إلا بعد أسابيع من انطلاق المعركة، لقد كان دائمًا هذا المطلب وما يزال يبدو هدفًا صعبًا تحقيقه، ويمثل أمنية للعمال، ولكن خلال المعركة جرى طرحه وتجرأ العمال على المطالبة به من خلال بياناتهم ولافتاتهم خلال الاعتصامات وهذه نقطة بداية للسير نحو تحقيقه، وخلال إضرابات قادمة سيجري بكل تأكيد رفعه منذ البداية.
– صرف مستحقات منحة الأقدمية، وهذه المستحقات كان يطالب بها العمال لعقود لأنها لم تًرَف منذ تشغيلهم إلى الآن لكل العمال من طرف شركة «طوب فوراج»؛ وكانت عند كل تفاوض سنوي حول ملفهم المطلبي تعدهم بالنظر في هذه النقطة، إلى أن وعدتهم، كذبا، في آخر جلسة تفاوض أنه ستتم تسوية هذه النقطة نهاية سنة 2024.
بخصوص مشكلة الأقدمية، لابد من الإشارة إلى أنه يجري تشغيل العمال أول مرة بـ»عقود محددة المدة» (ثلاثة أشهر)، ولا يتم بعدها تجديدها، غير أن العمال يبقون مؤقتين طيلة عقود.
بدلا من ترسيم كل العمال «المؤقتين» حسب ما تنص على ذلك قوانين الشغل، ابتكرت الشركتين، المناولة والأصلية بكل منجم، حيلة للإبقاء على هؤلاء العمال مؤقتين وللتخلص منهم بسهولة متى أرادتا ذلك، إذ كان يتم كل ثلاثة أشهر تسجيلهم بالتناوب كعمال تابعين لشركتي المناولة «طوب فوراج» و»أكازومي» المملوكتين لنفس أرباب العمل: الأخوين أكازومي. مما يحرمهم من حقهم في الترسيم، ومن الحصول على منحة الأقدمية، وغير ذلك من الحقوق التي نص عليها قوانين الشغل.
للتذكير، «بلغ رقم معاملات مجموعة «مناجم» للتعدين 4,408 مليار درهم عند متم يونيو 2024، بارتفاع نسبته 5 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها قبل سنة، وذلك بسبب ارتفاع أسعار بعض المعادن مثل الذهب، الفضة، النحاس والزنك» (مأخوذ من الصفحة الرسمية لجريدة عبّر.كوم (aabbir.com) الإلكترونية، منشور بتاريخ: 06 غشت 2024).
وعند متم هذا الشهر نفسه لم يتوصل 325 عاملاً منجمياً لدى فرعين من فروعها (254 عاملا بمنجم بوازار و71 عاملا بمنجم الدرع الأصفر).
لأرباب العمل: أرباح بالملايير؛ للعمال: حرمان من الأجور، ومن الحق في الصحة، وطرد وتشريد بالمئات منهم…
ثانيا-تجارب نضال عمال المناجم ببوازار، إقليم ورزازات، وبالدرع الأصفر وكدية عيشة، عمالة مراكش: إطلالة سريعة…
لم يبدأ العمال معركتهم الأخيرة من الصفر، دون تجربة نضال سابقة. لعمال المناجم بمنجم بوازار والإقليم سجل حافل بصفحات نضالية ترجع إلى بدايات سنة 2000، وقبلها.
يعتبر إضراب سنوات 2011 و2012 أهم هذه الإضرابات، وقد استمد هذا الإضراب أهميته من استمراره لأكثر من عام، وتأسيس أول تنظيم نقابي عمالي بالمنجم في إطار النقابة الوطنية للطاقة والمعادن، المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديموقراطية للشغل (كدش)، مستقل عن الإدارة.
بداية سنة 2011، كان يشتغل بالمنجم حوالي 1300 عامل بالتعاقد مع شركتي المناولة «أكزومي» و»طوب فوراج»، جلهم بلا ترسيم ولسنوات عديدة. محرومون من حقهم في العطلة السنوية، من الضمان الاجتماعي، من عطلة عيد العمال (فاتح ماي)، ظروف عملهم تغيب فيها أدنى شروط الصحة والسلامة المهنية، معرضون بسبب ذلك للأمراض، والموت كل سنة. كما أنهم محرومون من حقهم في إنشاء نقابة وخوض إضرابات…
ومع اندلاع الربيع العربي، والحراك النضالي بالمغرب، تحفز العمال للنضال وزال عامل الخوف.
بتاريخ 23 أبريل 2011 قرر العمال خوض إضراب عفوي، مصحوب باعتصام، ضدا على تلاعب الشركة بتواطؤ مفضوح مع مكتب نقابي استغل اسم الاتحاد المغربي للشغل للمتاجرة بمطالب العمال وإسكات صوت العمال المنتفضين خدمة للباطرونا.
وفي 24 أبريل 2011، أسس عمال لدى شركتيّ المناولة «طوب فوراج» (Top Forage) و»أكزومي» (Agzoumi) مكتبين نقابيين في إطار كدش، أحدهما بتازناخت، والآخر بأكدز؛ ليبدؤوا معركتهم في إطار نقابتهم كدش يوم فاتح ماي 2011، ولأول مرة في تاريخ منجم بوازار سيشارك جزء من العمال في عيدهم العمالي بكل الحرية.
وتم إعداد مشروع ملف مطلبي، وصمم العمال على النضال من أجل:
– السبورة النقابية والمقر النقابي بالمنجم؛
– تعويض المطرودين لأسباب نقابية ماديا خلال 3 أشهر؛
– توفير التامين ضد الاخطار المهنية؛
– التعويض عن حوادث الشغل؛
– الترسيم والزيادة في الأجور؛
– الرفع من قيمة التعويضات؛
– الضمان الاجتماعي والتقاعد؛
– تعويضات الزوجة غير العاملة؛
– التعويض عن العطلة السنوية والأعياد؛
– الرفع من التعويض عن السكن، وأضحية العيد، والساعات الإضافية، وساعات التنقل.
هذا جزء من المطالب فقط، لأن اغلب حقوق العمال بالمنجم مهضومة.
كان رد الشركتين المناولتين والشركة الأصلية، وبتنسيق مع السلطات المحلية، قاسيا: تنقيل أعضاء المكتبين النقابيين والنقابيين الحركيين خارج إقليمي زاكورة ووارزازات، وعدم تسليم مكتب أكدز الوصل القانوني.
هذه الاجراءات التعسفية زادت العمال قناعة بالنضال، وكان أول شكل لتنظيم العمال، هو عقد جموعات عامة يومية بالمقرات النقابية للتحضير المادي والمعنوي للاستمرار في المعركة والتعبئة لها…
تم خوض إضرابات متصاعدة، مصحوبة بوقفات ومسيرات عمالية وشعبية للارتباط بالجماهير الشعبية، والتعريف بالملف المطلبي. لكن لم تتراجع الباطرونا ولا السلطة؛ بل زاد عدد التنقيلات، وتدخل مفتش الشغل لصالح الشركة. فنظم العمال إضرابات مصحوبة بمسيرة عمالية واعتصام أمام إدارة الشركة الأصلية ببوازار.
المعارك النضالية زادت العمال تماسكا، خصوصا مع الجموعات العامة اليومية، وإشراك العمال في القرار والتسيير؛ فالعمال هم من يقرر كل شيء، وفي بعض الأحيان بتدخل المكتب التنفيذي و/أو المكتب الوطني، ويحدث نقاش عميق بين العمال لاتخاذ القرار الجماعي.
وخلا ل شهر يوليوز 2011، بعد 12 يوما من الإضرابات المتفرقة والاعتصامات، لم تتراجع الباطرونا عن قراراتها التعسفية وضربها الحريات النقابية بالمنجم، ولم تعترف السلطة المحلية بفرع أكدز. فاستعد العمال لخوض معركة أكبر.
إعلاميا، خوض حملة إعلامية عبر الفايسبوك، حيث تم فضح الاستغلال المفرط والقمع أثناء الاعتصام ببوازار، ومراسلة عمال المناجم الأخرى بالمعرب في إطار النقابة الوطنية للطاقة والمعادن.
نضاليا، خوض معركة قابلة للتمديد دامت 9 أيام مصحوبة بشكل نضالي استثنائي، وهو الاعتصام بباطن الآبار المنجمية.
ورغم الإغماءات اليومية للعمال، والضغوطات التي عمدت لها الشركات المستغلة باستعمال العمال المحسوبين على نقابة «الاتحاد المغربي للشغل» بهدف خلق صدام بين العمال الآخرين، اضطر المشغلون، ومن ورائهم السلطة، أمام صمود العمال في الإضراب والاعتصام، إلى التراجع عن التنقيلات، وعقدت لقاء مع الاتحاد المحلي بوارزازات للتحضير لحوار حول الملف المطلبي.
وبفضل الدور الذي قامت به أجهزة كدش بإقليمي زاكورة وورزازت في الدعوة إلى تجسيد التضامن مع المعركة، تحولت قضية العمال إلى قضية جميع الجماهير الشعبية بأكدز وتازناخت. وخيضت في هذا الصدد إضرابات واعتصامات ومسيرات شارك فيها الجميع.
وبوارزازات تم تنظيم وقفة احتجاجية في إطار كدش أمام مفتشية الشغل شاركت فيها جميع القطاعات النقابية التابعة لكدش.
وبتنسيق مع المكتب الوطني للطاقة والمعادن المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل أصدرت النقابات المنجمية بتينغير وأقا وخنيفرة ومراكش ومكناس بيانات تضامنية ونظموا دعما ماديا لمعركة، وقرر المجلس الوطني للطاقة والمعادن برنامجا نضاليا تصاعديا نفذت فيه الخطوات الأولى. وتبنت حركة 20 فبراير ببعض المدن مطالب العمال المضربين، نذكر من بينها وارزازات ومراكش وأكادير وفاس.
وبعد حوالي ثلاثة أشهر، تمكن العمال من إحراز نصر عمالي أولي زادهم ثقة في أنفسهم. تم فرض إرجاع المطرودين النقابيين، وفاق عددهم 66 عاملا، وتم خلق شروط أخرى للتعامل مع العامل بالشركة، حيث بدأ يلمس العمال احترام الكرامة والحرية بالمنجم، كمكاسب مباشرة مع تحديد شهر شتنبر كتاريخ للحوار حول الملف المطلبي؛ وكمكاسب غير مباشرة، خرج العمال بمعنويات عالية بفضل نضالهم، وهم مستعدون للنضال من اجل حقوقهم التي ما زالت مهضومة؛ إنها حصيلة ايجابية عموما زادت العمال ثقة بالنفس والنضال، هذا أكبر مكسب حققه العمال، لأن الإيمان بالنضال يمكِّن من تحقيق كل شيء.
استمرَّ النضال بعدها لأكثر من عامٍ، وانتهى بحصول العمّال على مكاسب أخرى رغم هزالتها، وبعض التحسين في ظروف الاستغلال، كتوزيع أقنعةٍ واقيةٍ على العمال، والحصول على بطاقاتٍ مهنية…
لكن بالمقابل تم توقيف عدد من العمّال، أو تسريحهم، وزُج بثلاثةٍ منهم في السجن بتهمة «عرقلة حرية العمل»، ومتابعتهم بأحكام الفصل 288 من القانون الجنائيّ؛ كل ذلك بسبب انتمائهم النقابي، والنضالات التي خاضوها.
وهكذا تم اجتثاث النقابة الوطنية للطاقة والمعادن (كدش) من المنجم، فيما تم تشجيع تواجد نقابة الاتحاد المغربي للشغل من طرف الإدارة، ودفعت العمال للانخراط فيها لضمان عمل نقابي تابع للإدارة. ليس هذا الوضع في بوازار استثناءً، إذ قامت عدة فروع لمجموعة «مناجم» بنفس الشيء (اجتثاث «كدش»، وتشجيع تواجد «إ م ش») في عدة مناجم.
بقي أن نشير إلى أنه في عز المعركة، خانت عناصر نقابية العمال. تمكنت إدارة الشركة من مساومة مجموعة مكونة من 5 عمال: أمين المكتب (م-ب) ونائب الكاتب العام (و-ع) و3 منخرطين (ب-و، ح-م، ل-م) لكونهم قياديين ميدانيين بعد أن عزلتهم، ولمست عبر وكلائها وبيادقها سهولة الضغط عليهم، فتعمدت الاتصال بهم في لحظة بداية الإضراب الحاسم، معتقدة أنها بهذه المؤامرة ستعزل القياديين عن القاعدة، وبالتالي القضاء على المعركة. لقد حصل العكس، للعمال قيادات بديلة في الميدان. فاستمرت المعركة وتم استبدال الخونة بمناضلين آخرين في الجموعات العامة أثناء الاعتصام. وخلص العمال، إثر ذلك، إلى ضرورة الرقابة على الأجهزة، وتم تأسيس مجلس نقابي يجتمع مع المكتب النقابي لمتابعة عمل الفرع، والمصادقة على ماليته وقراراته، كما تم التأكيد على سلطة الجمع العام، وعدم الاعتماد على الأفراد.
دروس قاسية تعلمها العمال من هذه المعركة سنوات 2011 و2012 لم تذهب سدى، فعلى ضوئها سيخوضون معاركهم التي بعدها.
ثالثا-دروس معركة النفس الطويل: تأثير محدود، ومهام المستقبل…
سمات وظواهر إيجابية، وأخرى سلبية، شهدتها المعركة خلال أشهرها الست، ليس فقط بالمواظبة على الاحتجاج طيلة المعركة بمكان العمل أمام مقر الشركة الأصلية بكل منجم، ولكن أيضا بطريقة تسيير المعركة والاعتصام والتنظيم والتفاوض والإعلام… إلخ.
سمات من المهم قراءتها بعناية؛ فأحد أهم واجباتنا هو قراءة المعارك العمالية، وتحليل أدواتها وآلياتها، واستخلاص أهم دروسها، حتى نتمكن من تطوير أفضلها.
-إضراب مفروض على العمال؛ لكنهم جعلوه نشيطا بالاعتصام وتوجيه المعركة نحو المشغل الأصلي جنب الإضرابَ التآكل…
منذ انطلاق المعركة، منتصف شهر يوليوز 2024، اعتمدت في احتجاجها على سلاحي الإضراب والاعتصام في آن، يعني ذلك أن العمال استخدموا أهم سلاح للاحتجاج يمكن استخدامه خلال المعارك العمالية: سلاح الإضراب، لوقف الإنتاج، أو التأثير عليه، مع الاعتصام، أي مع بقائهم بمكان العمل خلال ساعات العمل.
كما أنهم وجهوا معركتهم منذ البداية نحو المشغل الأصلي، أي نحو «شركة تفنوت تيغانمين» (CTT) كشركة أصلية مستغلة لمنجم بوازار، إقليم ورزازات، و»الشركة المنجمية ݣماسة» (CMG) كشركة أصلية مستغلة لمنجمي الدرع الأصفر وكدية عيشة، عمالة مراكش.
هذه الطريقة في الاحتجاج كانت السمة الأبرز المميزة لهذه المعركة منذ انطلاقها. مما سمح بالضغط على المشغلين، خاصة المشغل الأصلي، وخوفه من توسع الإضراب ليشمل باقي العمال بالمنجم، وربما انتقاله إلى مواقع منجمية أخرى، خاصة القريبة، والمستغلة من طرف نفس الشركة الأم «مناجم».
لكن الملفت، بالنسبة لبوازار، أن استمرار توقف العمال عن العمل، تم من جانب المشغلين، لا من جانب العمال، إذ قبل انتهاء مدة الاضراب الثاني (إضراب لمدة 48 ساعة، يومي 17 و18 يوليوز 2024)، وفيما المكتب النقابي المحلي لعمال الشركة بصدد تعليق الاضراب، إذا به والعمال يُفاجؤون بإغلاق الأوراش، يوم 17 يوليوز 2024، من طرف الشركة الأصلية «تفنوت تيغانمين» (CTT)؛ ما اضطره إلى إصدار بيان ثالث بتاريخ 18 يوليوز 2024، أعلن فيه مرة أخرى عن تمديد الإضراب لمدة 96 ساعة؛ ليقرر العمال بعدها إعلان الدخول في إضراب مفتوح، بعدما استنفد مكتبهم النقابي كل السبل والوسائل لفتح تفاوض مع المشغلين.
هكذا أصبح الإضراب من يومها مفروضا على العمال مدفوعين له. لا يعني ذلك أنه جرى إبطال مفعول سلاح الإضراب، فقد كان هناك تأثير للإضراب ولكن محدود لم يصل لمستوى الضغط على المشغلين إلى درجة احتساب الخسارة والربح بين الإضراب وتحقيق المطالب.
قامت الشركة المستغلة لمنجم بوازار بغلق الآبار مخافة أن يعتصم العمال داخلها، كما في معارك سنوات 2011 و2012 بنفس المنجم. فمن نفس المعارك العمالية، تستخلص كل طبقة الدروس التي تخدم مصلحتها.
بقي بذلك الاعتصام أداتهم الأساس للضغط على أرباب العمل. ومع ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن الاعتصام كان طيلة المعركة ينفذ أساسا أمام إدارة الشركتين الأصليتين بكل منجم، ولم ترافقه أشكال نضال أخرى (وقفات، مسيرات، حملات إعلامية…) إلا نادرا، ما أبقاه شبه معزولٍ؛ وربما هذا ما حذا بالإدارتين والسلطة السماح بالاعتصام كل هذه المدة، مراهنتين على إنهاك العمال وتفكك المعركة.
-وحدة العمال وتضامنهم خلال المعركة أفشل محاولات إقبار المعركة
استلهاما لخبرة الحركة العمالية المعبر عنها بشعار: «بالوحدة والتضامن، لي ابغيناه ايكون ايكون»، تمسك العمال بوحدتهم وبمكتبهم النقابي، وبالمقابل ارتبط المكتب النقابي بالقاعدة العمالية، واتخذوا خطوات في التسيير والتقرير ضمنت صمودهم واستمرارهم رغم قساوة الظروف على كل الأصعدة، الطبيعية والاجتماعية… ورغم محاولات متكررة لتشتيت وحدة العمال واستنزاف طاقتهم.
حاول العمال منذ البداية الحرص على التعاون في تسيير المعركة وإدارة الاعتصام، فقاموا منذ البداية بإخضاع كل خطواتهم للنقاش أثناء الاعتصام، قبل اتخاذ القرارات؛ كما قاموا خلال الأسابيع الأولى بانتخاب عدد من العمال لينضافوا إلى جانب كل مكتب لتكوين لجنة لتسيير المعركة.
سمح تشكيل هذه اللجنة بتقوية وحدة العمال، وتخفيف العبء والضغط على أعضاء المكتب، وأعطى دفعة للتسيير الديموقراطي للمعركة، كما حصنها من كل المفاجآت غير السارة التي قد تحدث، كما في المعارك السابقة، في إطار الكونفدرالية الديمقراطية للشغل/ كدش.
تعلُّم العمال من تحاربهم السابقة القاسية جعلهم يتفاعلون ايجابيا مع الأشكال التنظيمية التي تسمح بتقوية معركتهم، وينخرطون فيها؛ ليعيدوا على طريقتهم اكتشاف تقاليد الحركة العمالية الأصيلة. المعارك السابقة لم تذهب سدى. كما أنهم خلال المعارك أكثر قابلية وقدرة على التطور، لاسيما إذا امتدت لهم يد الدعم والمساندة.
نقطة أخرى كشفتها هذه المعركة، بددت الاعتقاد أن إدارة الشركة تحكم قبضتها على النقابة الوحيدة بالمنجم الاتحاد المغربي للشغل (إ م ش) التي سمحت بإنشائها، بل قامت بإنشائها، و»شجعت»/»ضغطت» العمال على الانخراط فيها، بعد اجتثاث نقابة أخرى الكونفدرالية الديموقراطية للشغل (كدش) كانت خلال السنوات السابقة أداة العمال الرئيسية في خوض نضالات كفاحية بطولية.
ولضمان عدم عودة(كدش) مرة أخرى واستقرار الاستغلال بالمنجم، منحت العمال عبر مكاتب (إ. م. ش) عددا من الـ»مكتسبات»، منها: منحتي عاشوراء والتخييم، والسماح بحضور تظاهرات فاتح ماي مع توفير النقل…
وبالفعل شهد المنجم هدوءً نسبياً في التحركات العمالية خلال السنوات العشر الماضية. لكن رغم ذلك، في هذه المعركة، نجح العمال ومكتبهم النقابي في الانفلات من تحكم المشغلين والبيروقراطية النقابية على السواء. وهذا يطرح علينا إعادة النظر في مواقفنا إزاء مثل هذه المكاتب النقابية خلال فترات «السلم» وانعدام وجود «نزاع شغل»، فقد يبلغ تحكُّم البيروقراطية مداه، وقد يحني العمال رؤوسهم مرغمين لها، لكن عندما تندلع الصراعات الاجتماعية، يتمكن العمال، خلال المعارك، من استعادة أدواتهم النضالية (النقابة)، وتسييرها تسييرا ديموقراطيا من أسفل…
-معركة بروح كفاحية
القتالية والتحركات الكفاحية التي اتسم بها العمال خلال المعركة سمحت بالضغط على أرباب العمل وأجهزة الدولة وفرض التفاوض والوصول إلى انتزاع عدد من المطالب، وهو ما يؤكد أهمية النضال النقابي الكفاحي بدل وهم التعويل على «العصا السحرية» للقيادات النقابية وتدخلها لدى الشركة وأجهزة الدولة…
تجلت بوضوح تلك الكفاحية، في مواظبة العمال على الحضور إلى المعتصم أمام إدارة الشركة الأصلية بكل منجم، والتشبث بتنفيذ الخطوات النضالية رغم الترهيب والضغوطات التي تمارسها السلطات. بل عندما تدخلت السلطات بإقليمي ورزازات وزاكورة، ومنعت وسائل النقل من نقل العمال وأطفالهم من المدن والقرى حيث يسكنون إلى أمام المنجم ببوازار، لتنفيذ اعتصام لأربعة أيام، أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة 17 و18 و19 و20 شتنبر 2024، قرر العمال وأسرهم وأطفالهم السير على الأقدام نحو المنجم، وقد مجموعة من العمال وأطفالهم حوالي 50 كلم. وقد أعطى الاقدام على هذه الخطوة ضغطا على أرباب العمل وأجهزة الدولة، وفتحت مرة أخرى باب التفاوض وتم تحقيق بعض المطالب [لمزيد من التفاصيل حول هذه الخطوة النضالية أنظر التقرير حول المعركة].
فيما تمكن العمال المضربين بمنجمي الدرع الأصفر وكدية عيشة، عمالة مراكش، من تنفيذ اعتصامهم أمام المخل الرئيسي لمنجم الدرع الأصفر، حيث مقر الشركة الأصلية المستغلة للمنجمين.
-فوائد معركة النفس الطويل…
استمرار المعركة لأكثر من ستة أشهر، وهذ ليس طبعا بالأمر الـ»نادر» في نضالات عاملات والمغرب وعماله خلال السنوات الأخيرة.هناك عدة معارك عمالية واعتصامات دامت لأسابيع وشهور، نذكر منها، على سبيل المثال، لا الحصر: معركة عاملات سيكوميك، اعتصام عاملات التصبير بشركة الضحى…
وإذا كان قِصر فترة الاحتجاج العمالي وانتهاء أو إنهاء الاحتجاجات خلال 24 ساعة إلى أسبوع قبل انتشاره، بمناورة من المشغل و/أو بتدخل أمني عنيف، يمثل قطعا لتطور المعركة، وعيا وتنظيما، ويحول دون امتداده إلى المواقع التي لها مطالب مشابهة أو ظروف مثيلة، ويمنع بروز و/أو بلورة مواقف تضامنية…
فإن استمرار المعركة لعدة أسابيع يفتح أفقا واسعا لتطورها من تلقاء نفسها على عدة أصعدة. فمن ناحية، يفرض طول مدة الإضراب، والذي يصاحبه عادة اعتصام داخل مكان العمل، آليات لتنظيم التغذية اليومية والمبيت والنقاش وحماية المعدات، حتى لا يُتهم العمال بالتخريب، والتناوب على الاعتصام لإطالة أمد زخم المعركة، ليصبح هذا اختبارا حقيقيا لاستعداد العمال للتنظيم، ومدى تطور وعيهم.
فصمود هذه المعركة واستمرارها لنصف عام، دون أن تشهد أي واقعة تخريب أو عنف أو صراعات داخلية بين العمال أو أزمات حادة في تنظيم الاعتصام والنقاش والتغذية… يشير إلى خبرة تنظيمية متوفرة، نجحت في إدارة الأمور كل هذه الفترة، رغم ضعف التضامن العمالي والشعبي مع المعركة.
إن تنظيم العمال لأنفسكم خلال الإضراب، دون أزمات كبيرة، ليس بالأمر الصعب عليهم، فهم ينظمون أنفسهم خلال عملية الإنتاج/الاستغلال، وهو الأصعب.
يسمح طول أمد المعركة ببلورة مواقف وخطوات تضامنية، إذ تعطي فرصة لمن يعنيهم الأمر لاتخاذ مواقف تضامنية مع الإضراب، وهو ما ظهر بالفعل خلال هذه المعركة (سنتوقف عنده بتفصيل في النقط الموالية)؛ كما يعطي الفرصة لتغطية إعلامية، تتناول المعركة وتنقل حقيقة ما يحدث، ومطالب العمال…
فائدة أخرى لمعركة النفس الطويل، هو زيادة تأثيرها وامتدادها، فاستمرار العمال في الإضراب لأيام متتالية ورفعهم للمطالب، يحفز بالتأكيد مطالبا شبيهة، أو حتى مختلفة، لدى قطاعات أخرى من العمال.
لكن، مع الأسف، هذا لم يحدث، لم يقدِم عمال نفس المنجم على خوض إضراب، ولا رفعوا صوتهم للمطالبة بحقوقهم، ولا أقدم على ذلك عمال منجم البليدة، ولا منجم إميني القريبين من مكان المعركة، والمستغلين من طرف نفس الأخطبوط «مناجم» (MANAGEM)، رغم ظروف عملهم بالغة السوء، ورغم تواجدهم بنفس المنظمة النقابية (إ م ش).
ما تفسير ذلك؟ أحد أهم الأسباب، أسلوب العمل النقابي المتبع من طرف أجهزة هذه النقابة وتعاونها مع إدارة الشركات المستغلة للمناجم حال دون إقدام العمال على خطوات نضالية…
بكل تأكيد ليس هذا السبب الوحيد، بل هناك أسباب أخرى، مثلا، قد يكون ثقل الهزائم التي مني بها العمال في معاركهم بمنجم إيميني ما يزال حاضراً، خوف العمال من التوقيف عن العمل و/أو وقف العمل بالمنجم بسبب الإضراب والمطالبة بالزيادة في الأجور ومستحقات الأقدمية…، لا سيما مع استشراء العمل بالمناولة، وتدهور ظروف العمل في المناجم، تمتع عمال الشركة الأصلية بالترسيم وبأجور وامتيازات ومنافع ومزايا اجتماعية أعلى من التي لعمال شركات المناولة ويحظون بظرف عمل أفضل، مما قد لا يدفعهم إلى الإضراب والاحتجاج…
-سلبيات معركة النفس الطويل
بقدر ما تمنح معركة النفس الطويل للعمال الفرصة للتعلم، وللمتضامنين وقتا كافيا لاتخاذ قرارات ومبادرات تضامنية، فإنها تمنح أيضا أرباب العمل وقتا كافيا لإيجاد سبل عزلها وإنهاكها، وفرض ما في مصلحتهم على العمال؛ كما تؤدي إلى فتور حماس العمال واندفاعهم الأول ما قد يؤدي بالإضراب والمعتصم إلى التفكك التدريجي وتخلي العمال عن مواصلة النضال، وقبول المكتب النقابي بما يطرحه أرباب العمل من حلول.
-التضامن بالمنجم، حيث تجري المعركة
بالنسبة لبوازار، وجود مؤشرات وخطوات تضامن ملموسة من طرف عمال الشركة الأصلية بالمنجم، وعمال باقي شركات المناولة لديها، وقد تجسد ذلك فعليا في خوض عمال الشركة الأصلية إضرابات تضامن في بداية المعركة، وإن كانت رمزية، ووضعوا تحت تصرفهم مبلغا ماليا مهما، كان برصيد جمعية الأعمال الاجتماعية للعمال بالمنجم؛ إضافة إلى مساهمات مالية، ومساعدة العمال المعتصمين في الحصول على ما يحتاجونه خلال الاعتصام من ماء وكهرباء وغاز…
وهو ما حذا بالإدارة خلال الأسابيع الأولى إلى عدم الاقدام على اتخاذ إجراءات إدارية للتضييق على العمال المعتصمين، بل قامت الإدارة بإظهار مرونة وإبداء «تعاطف» كاذب مع العمال وكأن الإضراب غير موجه ضدها ولا مشكلة لها معه، بقدر ما هو إضراب ضد الشركة المناوِلة «طوب فوراج» تفاديا لتوسع التضامن وامتداد الاحتجاج والاضراب. تُدرك الشركة جيدًا معنى أن ينجح الإضراب في تشجيع عمال باقي المنجم أو بمناجم أخرى على المطالبة بحقوقهم، خصوصا مع إعلانها عزمها المضي قدما في توسيع أنشطتها، لم يكن أمامها أي تصرف آخر إلا أن تراهن على إبقائه معزولا لغاية إنهاك العمال وتفكك المعركة.
ولا ينفي ذلك وجود عوامل أخرى حالت دون استخدام إجراءات القمع والتضييق المباشرة ضد العمال المضربين، مثل القلق من التشهير، خاصة مع تطور وسائل الإعلام، وعدم القدرة على إخفاء الأحداث.
– رايات التضامن من خارج المنجم
رغم عدم اتساع نطاق التضامن مع العمال المضربين إلى المستوى المطلوب الكفيل بإجبار الشركة على الاستجابة الفورية لمطالب العمال البسيطة التي تنص عليها مقتضيات قوانين الشغل، وذلك نتيجة سنوات تسيير القيادات النقابية للمعارك العمالية حيث يجري الإبقاء على المعارك معزولة، وإيهام العمال أن التفاوض بين المكاتب النقابية وإدارة الشركة سيحقق المطالب، إضافة إلى الترهيب والتهديد بالقمع والحصار من طرف السلطة.
نجح العمال جزئيا في كسب التضامن وكسر الحصار المفروض عليهم، حيث رُفعت رايات التضامن من طرف عدة إطارات، وقامت بزيارات تضامنية للمنجم، والحضور مع العمال المعتصمين أمام إدارة الشركة الأصلية بالمنجم، وتنظيم فعاليات تضامنية عديدة (أطاك، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان مثلا).
أهم خطوة تضامن، كانت تلك التي قام بها عمال منجم إميضر المنظمين في فرع النقابة الوطنية للطاقة والمعادن المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحادين المحليين بتنغير وورزازات المنضوون تحت لواء الكدش، حيث قاموا بتنظيم زيارة-قافلة إلى منجم بوازار، وتقديم مساهمة مالية مهمة للعمال المضربين. وهو ما يؤكد أهمية وجود نقابة منغرسة في صفوف العمال ولها تجربة وحد أدنى لنضال نقابي ديموقراطي كفاحي، ولها تجربة في التضامن… كانت مثالاً فريداً في القيام بالدور الحقيقي للنقابة في التضامن مع معركة عمالية.
خطوة تضامن أخرى لها أهميتها أيضا، هي تنظيم أطاك المغرب لحملة تضامن دولية، وتنظيمها لقاء عن بعد، عبر تقنية «التناظر المرئي»، بين المكتبين النقابيين للعمال المضربين ببوازار والدرع الأصفر وعدد من الإطارات النقابية والجمعوية بأروبا.
كما أن عدداً من المناضلين والإطارات جاؤوا من مدن عديدة لزيارة العمال المضربين، سواء ببوازار (ورزازات) أو بالدرع الأصفر (مراكش)، ولتقديم الدعم والمساندة، ونفذوا إلى جانب العمال المعتصمين وقفات احتجاجية، منهم نقابيون من قطاعات أخرى، ومناضلون من جمعيات حقوقية، ومن جمعية أطاك المغرب، ومن النادي العمالي للتوعية والتضامن، ومن جريدة المناضل-ة [أنصار الأممية الرابعة] …
كما أصدرت عدة نقابات وجمعيات وأحزاب، على الصعيدين الوطني والمحلي، بيانات تضامن ومساندة، وساهمت طيلة المعركة في تغطية المعركة والإعلام بها…
فيما كانت أهم سمة على ضعف التضامن الشعبي، هو عدم المشاركة الواسعة والدائمة للأسر خلال المعركة؛ رغم أنه هناك تجارب معارك عمالية سابقة شاركت فيها الأسر بقوة، كما الحال بمعركة مناجم عوام سنة 2006.
-دور أجهزة الاتحاد المغربي للشغل وتعاملها مع المعركة
الملاحظ عدم قيام التنظيم النقابي للعمال، وخاصة الجامعة الوطنية لأطر وعمال المناجم، المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل بحشد تضامن حقيقي مع المعركة على الصعيد الوطني، رغم إعلانها عن تنفيذ خطوات نضالية تضامنية في بيان صادر عن مكتبها الوطني بتاريخ 24 غشت 2024، عقب عقده اجتماعا عن بعد، خصصه لمشكل عمال «طوب فوراج».
كما لم يقم لا الاتحاد المحلي بورزازات، ولا الاتحاد الجهوي بمراكش بالتعبئة لفائدة المعركة وحشد التضامن معها، مما أضعف قدرة العمال على الضغط على المشغلين والمفاوضة، فعوض أن يقوما بوضع متابعة المعركة ودعمها كأولى النقط وأهمها في جدول أعمالهما والتنسيق فيما بينهما، قاما فقط بمبادرات تضامن باهتة غرضهارفع الحرجو»تحياد اللومة» من عدم القيام بواجب التضامن المطلوب؛ وفي نفس الوقت كانت تلك المبادرات مرفقة بسعي دائم إلى التحكم في المعركة. بل أكثر من ذلك، وَجهت انتقادات شديدة للمعركة، وللإطارات التي تضامنت مع العمال، كما اتهمت المعركة بأنها مدفوعة من جهات ما.
عدم وقوف أجهزة المنظمة النقابية للعمال إلى جانب إضرابهم ومطالبهم ليس استثناءً، فقد لعبت أجهزة عدة منظماتنقابية بالمغرب أدوارا مخزية، وصلت حد منع إضرابات أو فضها، والتخلي عن معارك عمالية؛ بل وصلت إلى التواطؤ المباشر مع إدارات الشركات ضد العمال المضربين. حدث هذا في إضرابات سابقة مرات عديدة. والأمثلة على وقوفها ضد مصالح العمال أكثر من أن يتسع لها حيز هنا.
وكأمثلة على الأدوار المشينة التي تلعبها بيروقراطية النقابات في كبح النضالات وإعاقة نمو وعي العمال، وكبح تبلور أي تضامن عمالي شعبي حقيقي، نذكر حالة معركة عاملات وعمال سيكوميك بمكناس، والتي ما تزال جارية؛ معركة عمال منجم إيميني سنة 2004؛ معركة عمال الطرق السيارة سنوات 2016 وما بعدها….
ولم يصدر أي تضامن عن منجم البليدة ولا عن منجم إميني القريبين من مكان المعركة، رغم وجود مكاتب نقابية بهما في إطار نفس النقابة (إ م ش)، ورغم نداءات التضامن من العمال المضربين. وربما يكون ذلك تحت تأثير أجهزة الاتحاد المغربي للشغل بالإقليم؛ أو نتيجة تنقص تقاليد التضامن بين عمال القطاع الواحد، وبين القطاعات العمالية.
هذه الطريقة في تسيير النضالات من طرف أجهزة النقابة تعرقل أي شكل لتنظيم العمال لأنفسهم وتسيير معاركم، وهو ما يطرح على العمال خلال المعارك القادمة ابتكار أشكالٍ لكيفية مواجهة هذا المعطى-المعضلة الذي يقف حجر عثرة أمام سير المعارك نحو تحقيق مطالبها، والتغلب عليه.
– المفاوضات: سلبية تأثير العمل النقابي السائد
مما لا شك فيه أنه رغم الصمود والبطولة التي واجه بهما العمال ومكتبهم النقابي مناورات المشغلين، ومن ورائهم أجهزة الدولة، إذ استطاعوا أن يضغطوا على إدارة الشركة الاصلية بكل منجم عن طريق الاعتصام أمام مقرها بالمنجم. لكن الملاحظ هو ثقة المكتب المفاوض ومن ورائه العمال المضربين في وعود المشغلين أثناء المفاوضات، لذا لم يُقدموا على خطوات قانونية في آجالها، من أجل نيل مستحقاتهم المادية، بعد إعسار المشغل بالمناولة.
وجعلهم يوقفون استمرار الاعتصام بين الفينة والأخرى، بعد كل تفاوض في إطار لجنة صلح محلية أو إقليمية، وتوقيع محضر اتفاق لا يرقى في أغلب الحالات إلى تلبية مطالب العمال، ما جعل هذه المفاوضات والمحاضر أداة لفض الإضراب بيد إدارتي الشركتين، لولا يقظة العمال ووحدتهم…
كما يعلقون الآمال/ الأوهام على تدخل الأجهزة النقابية، وخاصة الكتابة التنفيذية/ الأمين العام الميلودي مخاريق، وعلى تدخل السلطات إلى جانب العمال، وخاصة التعويل على تدخل العمالة/عامل إقليم ورزازات…
كان هذا تأثرا واضحا بأسلوب العمل النقابي السائد، والذي يروج لأوهام كون التعاون بين النقابة والشركة وتدخُّل السلطات سيحل المشاكل…
-إعادة اكتشاف أهمية «صناديق الإضراب»
تفاجأ العمال منذ الأسابيع الأولى لانطلاق المعركة بالحاجة إلى تغطية مصاريف أسرهم ومصاريفهم خلال الاعتصام، إذ وجدوا أنفسهم بدون دخل، ولا يمكنهم العمل في مكان آخر، وعدم وجود احتياط مالي لمثل هذه المحطات، إضافة إلى المصاريف التي يحتاجها العمال خلال المعارك العمالية: تغذية المضربين بالمعتصم، طبع البيانات والتقارير والمراسلات ووثائق أخرى ونسخها وبعثها إلى الإطارات والاعلام، لافتات، ملصقات، اتصال، تنقل، مكبرات صوت، مستلزمات تنفيذ اعتصام…
من هنا تنبع أهمية العودة لتأسيس «صناديق الإضراب» وإحياء تقاليد الحركة النقابية الأصيلة بالأشكال المتناسبة مع ظروف العمال وأوضاعهم لدعم قدرة العمال على الصمود في مثل هذه المعارك…
مكنت المساهمة المالية لجمعية العمل الاجتماعي بمنجم بوازار، وكذا مساهمة عمال منجم إيميضر المنظمين في فرع النقابة الوطنية للطاقة والمعادن بمنجم إميضر، المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، فضلا عن باقي مساهمات الإطارات المتضامنة وعدد من المناضلين من التغلب جزئيا على هذا المشكل.
بلا شك أن هذه المعركة أثبتت عمليًا للعمال المنخرطين فيها، أن حلفاءهم الرئيسيين، هم العمال من نفس الطبقة والنقابات المناضلة، والتواجد في الشارع، وليس عبر التعويل على القيادات النقابية وحدها، أو أوهام فائدة تدخل السلطة ومفاوضاتها، وأن التضامن العمالي والشعبي هو السند الحقيقي والوحيد للمعركة من أجل نيل مطالبها…
أن العمال خلال فترة «الاستقرار» و»السلم» في حاجة إلى إنشاء صندوق قار تكون اشتراكاته منفصلة عن اشتراك العمال في نقابة أو جمعية، ليكون العمود الصلب للعمال في إضراباتهم، ووقت اعتقالهم، وفصلهم، أو نقلهم تعسفيا…
-التنسيق بين عمال منجم بوازار بورزازات وعمال منجمي الدرع الأصفر وكدية عيشة بمراكش
ظاهريا بدت المعركة كمعركتين عماليتين مختلفتين شكلاً، الأولى: معركةُ عمال شركة المناولة «طوب فوراج» (Top Forage) لدى الشركة الأصلية «تفنوت تيغانمين» (CTT) بمنجم بوازار فرع مجموعة «مناجم» (MANAGEM)؛ والثانية: معركة عمال منجمي «الدرع الأصفر» بجماعة سعادة و»كدية عائشة» بجماعة أولاد دليم، عمالة مراكش، التابعون لنفس شركة المناولة «طوب فوراج» (Top Forage) لدى «الشركة المنجمية ݣماسة» (CMG)، فرع نفس الأخطبوط «مناجم» (MANAGEM).
والحقيقة أنهما انطلقتا لنفس الأسباب ونفس المطالب، وضد نفس المشغلين… أي أنهما معركة واحدة، مطلوب توحيدهما فعليا.
لكن رغم ذلك نسجل عدم وضع آليات تنسيق مشتركة، ولا اتخاذ خطوات موحدة ولا إصدار بيانات واحدة…؛ باستثناء ما جرى من اتصال وتواصل مستمر بين المكتبين النقابيين وتبادل مستجدات المعركة وسيرها…
– الإعلام العمالي وعلاقته بالتعبئة للمعركة
– التوفر على مجموعة واتساب تضم كل العمال، لحسن الحظ يتوفر أغلب العمال على هواتف تمكنهم من تشغيل هذا التطبيق، مما مكنهم من التواصل الدائم ومتابعة المستجدات والمناقشة…
– عدم التوفر على صفحة على الفايس وعدم الإقدام على إنشائها والاكتفاء باستعمال صفحات فردية لبعض العمال…
– عدم الإقدام على إنشاء مدونة «بلوك» (Blog)، رغم أن هناك تجربة ملموسة لمثل هذه الخطوة لعمال منجم جبل عوام خلال معركتهم سنة 2006، واطلع عدد من أعضاء المكتب على ما كتب عن هذه التجربة، وفائدتها في فك الحصار عن المعركة وجلب التضامن معها…
– عدم القيام بتصوير شريط فيديو به شهادات ومقابلات مع العمال المضربين والنساء والأطفال للتواصل أكثر والتعبئة للمعركة وكذا تسجيل أوديوهات لنفس الغرض… هكذا وسائط تكون أسهل انتشارا ما يتيح التعريف بالمعركة وجلب التضامن…
أعاق كل هذا عدم التوفر على إعلام خاص بالمعركة تقوم به لجة للإعلام والتواصل، ما كان سيسمح أكثر بالتعريف بالمعركة وقد يحشد لها تضامنا ودعما أكثر من الذي حصل فعلا…
أما إعلام أجهزة النقابة التي ينضوي تحت لوائها العمال كان شبه منعدم.
وأخيرا…
قد يعتقد البعض، أن معركة عمال شركة المناولة «طوب فوراج» بمنجمي بوازار والدرع الأصفرالبطولية، وصمودهم على مدار ستة أشهر صعبة من الإضراب والاعتصام، قد ذهبت أدراج الرياح، ولكننا نعتقد أن معركة عاملات المغرب وعماله نحو بناء أدوات نضال كفاحية وديمقراطية، تمر عبر سلسلة من الانتصارات المحدودة؛ بل وحتى عبر سلسلة من الهزائم. لن تسقط علينا، من تلقاء نفسها، أدوات نضال كفاحية وديمقراطية كفيلة بصد هجمات أرباب العمل ودولتهم، وتحصين المكتسبات، وانتزاع مطالب أكثر لتحسين وضع الاستغلال، والسير في طريق بناء مجتمع لا استغلال فيه ولا اضطهاد…
قد تكون معركة عمال شركة المناولة «طوب فوراج» انتهت، دون تحقيق مطالبها الرئيسية، ولم ترق إلى نصف ما كان العمال يطالبون به، ولكنها تعني الكثير من زاوية أنها أجبرت إدارتي الشركتين الأصليتين وأجهزة الدولة من ورائهما على الرضوخ لمطلب صرف الأجور المـتأخرة (رغم ما اعترى العملية من نقائص وثغرات)، وصرف مبلغ 30 ألف درهم لكل عامل (رغم الطريقة الملتوية في صرفها)، إلى جانب وعود بتشغيلالعاملين ببوازار، وعودة عمال الدرع الأصفر وكدية عيشة للعمل، والاحتفاظ بحق متابعة شركة المناولة «طوب فوراج» من أجل باقي الحقوق…
كما أن استمرار العمال في الدفاع عن حقوقهم لنصف سنة أعادت الاعتبار، جزئيا، لما حاولت سنوات من التراجع والتسيير النقابي الفوقي للمعارك طمسه ونسيانه، أعادت الاعتبار لدور القيم والتقاليد الأصيلة في تسيير المعارك العمالية وبناء القرارات وتنفيذها من أسفل بالنقاش الديموقراطي…
إننا نُحيِّي عمال شركة المناولة «طوب فوراج» بمنجم بوازار وبمنجمي الدرع الأصفر وكدية عيشة، وصمودهم الملهم والمعلِّم، وندعو إلى مواصلة دعمهم والتضامن معهم من أجل نيل باقي حقوقهم، وأهمها مستحقات الأقدمية، وعودة العمال إلى العمل، وتطبيق ما تم الاتفاق عليه والوعد به…
كما نساند مطالب العمال بتشغيلهم كعمال مرسمين في الشركتين الأصليتين فرعي الشركة الأم مجموعة «مناجم» مع احتساب أقدميتهم بالمنجم.
ونشدد كذلك الدعوة على تطوير نضالهم النقابي بالاستفادة من تجارب المعارك السابقة وخبراتها النضالية، وعلى ضرورة الانطلاق من أشكال التضامن التي ظهرت خلال فترة المعركة من طرف عمال المواقع المنجمية الأخرى لتشكيل أوسع تعاون ممكن للنضال من أجل مطالب عمال المناجم وصد الهجوم الكاسح والمتواصل لأرباب العمل وأجهزة الدولة على المكتسبات، وعلى رأسها المكتسبات بنظام مستخدمي المناجم.
إحالات
ـ منجم بووازار: يقع على بعد حوالي 34 كلم عن مدينة تازناخت بإقليم ورزازات، ويستخرج منه أساسا الكوبالت إضافة إلى معادن أخرى كالنحاس والزرنيح…
المقاولة المستغلة حاليا للمنجم هي شركة «تيفنوت تيغانمين» (CTT)، فرع مجموعة «مناجم» (MANAGEM).
بدأت أشغال استغلال منجم بوازار منذ سنة 1930، ومنح استغلاله حينها لمجموعة أومنيوم شمال إفريقيا «آونا» (ONA). توقفت به الأشغال سنة 1983 واستأنفت سنة 1987 بعد التخلص من كافة العمال الرسميين وتعويضهم بعمال «مؤقتين»، وتكلفت شركة «تفنوت تغانمين» (CTT) فرع مجموعة «مناجم» باستغلال المنجم والاستعانة بمقاولات بالمناولة، مثل «أكزومي» ثم «طوب فوراج».
– منجمي الدرع الأصفروكدية عيشة: يقعان على بعد حوالي 20 كلم شمال غرب مراكش، الأول بجماعة سعادة، مباشرة على الضفة الشمالية لوادي تانسيفت، ويقع الآخر (قرب تامنصورت) بمحاذاة الأول بجماعة أولاد دليم، مباشرة على الضفة الجنوبية لنفس الوادي؛ وهما منجمان متعددا المعادن (رصاص، زنك، نحاس…)، تربط بينهما طريق متعرجة (لا تحمل اسما) طولها حوالي 7 كلم.
ويعود تاريخ منجم الدرع الأصفر إلى عام 1949. ففي هذا العام بدأت به أشغال التنقيب الأولى، حيث عهدت هيئة المسح الجيولوجي المغربية إلى «شركة شمال إفريقيا للتنقيب الجيوفيزيائي» (CPGNA) بدراسة جيوفيزيائية أرضية لمنطقة سيدي مبارك التي تضم منطقة الدرع الأصفر.
وفي عام 1953 قامت شركة «SMZ» (Société des Mines des Zenaga) بتشغيلها، وأنتجت 5000 طن من خام الحديد على شكل الهيماتيت مع 51٪ حديد.
وتوالت عدة أعمال للتنقيب عن الكبريت والحديد وتم اكتشاف المعادن الأساسية عام 1962. وفي عام 1984، أبرمت «BRPM» (Bureau de recherches et de participations minières) اتفاقية بحث مع شركتي «SOMIFER» و»REMINEX»، شركتين تابعتين لمجموعة «مناجم» (Managem)، وتوجت الأعمال المنجزة في هذا السياق باكتشاف المكمن بمنطقة الجبيلات شمال مراكش، والتي تضم العديد من الرواسب والمحافل أهمها: مستودعات الدرع الأصفر وكدية عيشة. إذ يحتوي منجم الدرع الاصفر على احتياطي كبير من الخام متعدد المعادن مع تركيزات من الزنك والنحاس والرصاص، ويمتد على عمق 1.5 كلم وامتداد 1.6 كلم في الشمال والجنوب. ولا يُستبعد اكتشاف مدخرات معدنية أخرى نظراً لمجال المنطقة الجيولوجي المشجع جدّاً.
المنجمان (الدرع الأصفر وكدية عيشة) تستغلهما حاليا «الشركة المنجمية كماسة» (CMG)، التابعة لمجموعة «مناجم» (MANAGEM)، ويوجد مقرها بمنجم الدرع الأصفر بجماعة سعادة، عمالة مراكش.
بدأ الإنتاج بمجم الدرع الأصفر سنة 2004، فيما انطلق الاستغلال بمنجم كدية عيشة سنة 2006، لكنه توقف ثلاث سنوات من بدايته، ليستأنف مرة أخرى. وينتج من رواسب هذين المنجمين خاما متعدد المعادن بتركيزات من الزنك والرصاص والنحاس.
ومع وصول الاستغلال بمنجم الدرع الأصفر إلى عمق 1200 متر (أي أن عمق العمل به تحت باطن الأرض يبلغ 1200 متر)، فإنه يظل المنجم الأعمق في شمال إفريقيا، وأحد أعمق المناجم في إفريقيا.
وللإشارة شركة «مناجم» (MANAGEM) مملوكة بدورها من طرف شركة المدى القابضة.
…………………… انتهى ……………………………..
اقرأ أيضا