نقاش. ”الفوضى المبرمجة التي تغرق ترامب“

بقلم كلاوديو كاتز *  Claudio Katz

سيرا بأسلوبه المتهور في المراهنة، بذر ترامب الفوضى في الأسواق العالمية. فقد أدخل قائمة رسوم جمركية ثم سحبها وأعاد صياغتها، ما أدى إلى اندلاع فوضى كبيرة. وأثار استفزازُه أسوأ كوابيس العقود الأخيرة المالية.

لقد وضع هذا الملياردير سيناريو غير مسبوق لأزمة عالمية متعمدة. يرى بعض المحللين أنه يميل إلى التراجع أمام النتائج السلبية لإجراءاته، لكن آخرين يعتبرون أنه يواصل تخويف محاوريه لإجبارهم على الاستسلام.

كما يسود انطباع سطحي بأن ترامب مجنون وأن الولايات المتحدة سقطت، في ظل تراجعها، تحت حكم شخصية غريبة الأطوار. الملياردير يكذب ويشتم ويهاجم، ويبدو أنه يدير القوة العظمى الأولى في العالم كما لو كانت صندوق استثمار. لكنه في الواقع يتبع استراتيجية معتمدة من قبل مجموعات سلطة قوية، ولا ينبغي الاستهانة به (2025Torres López,)

أهدافه ثلاثة على الصعيد الاقتصادي: استعادة هيمنة الدولار، وخفض العجز التجاري، وأخيراً تشجيع إعادة توطين الشركات الكبرى. ويمثل تراتب هذه الأهداف وترابطها سؤال اللحظة الكبير.

مركزية النقد

تشدد بعض المقاربات، عن حق، على أولوية الأهداف المالية والنقدية على تلك التجارية أو الإنتاجية. وتؤكد أن ترامب يعتزم إرساء دولار رخيص لتسهيل الصادرات، وجعله عملة احتياطية قوية. يعتزم تشجيع الصادرات الأمريكية مع ضمان المكانة المتميزة للعملة الأمريكية كعملة عالمية (Varoufakis, 2025).

وأكد كبار مستشاري الرئيس، ستيفن ميران وسكوت بيسنت، هذه النية، معترفين بأن الضغوط التجارية أداة لخدمة المتطلبات النقدية [انظر مقال ستيفن ميران، نوفمبر 2024، في Hudson Bay Capital: «A User’s Guide to restructuring the Global Trading system, november 2024» – المحرر]

يقتضي بلوغ خفض قيمة الدولار والحفاظ عليه كعملة احتياطية، أن يعزز ترامب خضوع البنوك المركزية في أوروبا واليابان. لا بد من هذا الإخضاع للحفاظ على دور سندات الدين الأمريكية (سندات الخزانة) كملاذ رئيسي لرأس المال.

تحدد هذه الضمانة تدفق الأموال النقدية الفائضة في العالم إلى وول ستريت. يجب على طوكيو وبروكسل مواصلة شراء سندات الخزانة هذه من أجل تثبيت سعر الدولار الذي حددته واشنطن، متفادية بذلك التوترات النقدية التي قد تؤدي إلى انهيار المشروع برمته.

يطالب ترامب بالحفاظ على هيمنة الدولار وعلى  قدرة الولايات المتحدة على تمويل نفسها على حساب العالم بأسره. تتيح إمبريالية الدولار لأكبر قوة عالمية الاقتراض بلا حدود ووضع جميع اقتصادات العالم تحت سيطرتها.

لمواجهة الاعتراضات الجادة التي يواجهها هذا الامتياز حالياً، يعتزم ترامب إعادة إحياء اتفاقات بلازا التي فرضتها الولايات المتحدة على ألمانيا واليابان في سبتمبر 1985. كان البلدان التابعان آنذاك قد قبلا دعم انخفاض قيمة الدولار والحفاظ على تعادل يضمن له الهيمنة العالمية.

يكيف ترامب هذا المطلب مع الظروف الحالية، ويشجع إنشاء عملات رقمية جديدة مرتبطة بالقوة السياسية للدولار. أنشأ الزعيم صندوقًا للعملات المشفرة مدعومًا بشخصه ويشجع هذا السوق (العملات المستقرة) كركيزة إضافية للدولار. وقد وضع هذه الأدوات بالفعل ضمن أكبر 10 حاملي سندات الخزانة (Litvinoff, 2025).

يحلم رئيس الولايات المتحدة بإعادة الدولار إلى عرشه الأصلي لبريتون وودز [1944]. وتتمثل خطته البديلة في إعادة استخدام هذا النفوذ لبلوغ مستوى الهيمنة الذي حققه نيكسون وريغان. في الحالة الأولى، تم تحرير الدولار من قابلية التحويل إلى الذهب [15 أغسطس 1971]، وبدأ دورة طويلة من الهيمنة دون مقابل معدني موضوعي. في الحالة الثانية [1985]، تم تعزيز الدولار من خلال ارتفاع أسعار الفائدة وظهور النيوليبرالية والأمولة تحت قيادة الاحتياطي الفيدرالي. كان هذان الرئيسان يشتركان مع ترامب في نفس سمات الشخصية ضعيفة القوى العقلية، لكنهما أدخلا تغييرات مهمة على مكانة الدولار العالمية.

ويتطلب تكرار هذا الإنجاز من ترامب كبح اتجاه التخلص من الدولار الذي يهدد هيمنة العملة الخضراء. ويغذي هذا التآكل دول البريكس، التي بدأت في تصميم أدوات بديلة للعملة الأمريكية، من خلال عمليات الدفع والمعاملات التجارية وآليات التعويض المالي (Sapir, 2024).

بل إن ثمة بالفعل مشروع إحداث عملة خاصة بالبريكس قد تفضي، على مسار مختلف عن مسار اليورو، إلى نتيجة مماثلة. ويقضي هذا المشروع بإنشاء بنك إصدار تدريجي، مزود بأموال احتياطية وأجندات مفصلة بشأن الوتيرات والأسعار والتشريعات (Gang 2025).

يدرك ترامب هذه التهديدات، ولذلك عجل بإثارة الفوضى لشن معركة ضد معارضي العملة الأمريكية. وهو يشجع هذا الهلع كي يفرض انضباطا على جميع حلفائه تحت سيطرته. ويأمل، من خلال هذه المركزية، إنعاش الدولار وإعادة ضبط النظام الاقتصادي العالمي لصالح الولايات المتحدة.

لكن على ترامب أن يحد من نطاق الأزمة التي يخلق، لأن هذه الاضطرابات إذا أعادت سيناريو الوباء أو سياق الانهيار المصرفي لعام 2008، سينتهي الزلزال إلى التأثير على مهندسه نفسه (Marco del Pont, 2025a)

ويتمثل المقياس الفوري لهذا الامتحان في سلوك سندات الخزانة. اليابان هي أكبر حامل لهذه السندات منذ أن بدأت الصين التخلي عنها [في عام 2013، كانت تمتلك 1277.7 مليار دولار من سندات الخزانة، وفي عام 2024، 772.5 مليار دولار – المحرر]. كما تمتلك البنوك الأوروبية وبنوك دول آسيوية أخرى مخزونًا كبيرًا من هذه الأوراق المالية. ستفشل خطة ترامب سريعًا إذا ما باع حاملو الديون الأمريكية هذه الأصول، كما أبانت ذلك الاضطرابات الأخيرة.

ولكن السؤال الكبير، بعيدًا عن هذا الحساب الفوري، هو قدرة الولايات المتحدة بشكل عام على إنعاش عملتها. هناك عدة اختلافات جوهرية مع عهد نيكسون وريغان. فقد كان تراجع القوة الأولى أكبر بكثير، وتآكلت شبكة الهيمنة الإمبريالية، وبات انهيار الاتحاد السوفييتي وبداية العولمة خلفنا، كما أن ازدهار الصين مذهل.

كما أن استراتيجية ترامب النقدية تخضع لضغوط شديدة من البنوك، في حين تراقب وول ستريت بريبة توجها يهدد بتقليص الأرباح الهائلة المحققة في الآونة الأخيرة.

بومرانغ الرسوم الجمركية

هدف ترامب الثاني تجاري يروم تقليص العجز الخارجي الامريكي الهائل. إنه هدف متوسط الأمد، وليست له نفس حدة التحول النقدي ويتوقف إلى حد كبير على إعادة هيكلة الدولار. يطبق ترامب التعريفات الجمركية ويعدلها يومياً وفقاً للدور التكميلي لهذه الأدوات في المفاوضات مع كل بلد.

في الواقع، يعمل ساكن البيت الأبيض على ترجيح كفة الحمائية التي بدأت مع الأزمة المالية لعام 2008 وتراجع العولمة التجارية. منذ ذلك التاريخ، تم فرض 59000 تدبير تقييدي على التجارة الدولية وبلغت الرسوم الجمركية أعلى مستوى لها منذ 130 عاماً (Roberts, 2025a). وتندرج حرب ترامب التجارية بحزمة رسومه الجمركية المذهلة في هذا السياق.

لجأ ترامب إلى صيغة عبثية لمعاقبة مختلف البلدان. فقد اخترع معيارًا تعسفيًا للمعاملة بالمثل لتحديد النسبة المئوية لكل عقوبة، مع تقديرات خيالية للعجز التجاري الأمريكي لم تأخذ في الحسبان فائض الولايات المتحدة في الخدمات. كما أغفل أن الاختلالات التجارية لم تكن بسبب البلدان التي فرضت عليها العقوبات، بل بسبب الشركات الأمريكية نفسها، التي نقلت استثماراتها إلى الخارج من أجل زيادة أرباحها.

فرص نجاح خطة ترامب ضئيلة جدا، لأن الواردات والصادرات الأمريكية لم تعد تشكل قوة مهيمنة في التجارة العالمية. فقد انخفضت من 14% في عام 1990 إلى 10.35% اليوم، في حين ارتفعت حصة دول البريكس في نفس الفترة من 1.8% إلى 17.5%. وليس الحرب الجمركية قوة ردع في حد ذاتها، والمبيعات التي تسجلها القوة العالمية الأولى في قطاع الخدمات غير كافية لتغيير الميزان (Roberts, 2025b) . بل تشير بعض التقديرات إلى أنه إذا علقت الولايات المتحدة جميع وارداتها، سيتمكن 100 من شركائها من إعادة مبيعاتهم إلى أسواق أخرى في غضون خمس سنوات فقط (Nuñez, 2025).

أكبر مشكلات الحرب التجارية احتمال تصعيدها بشكل لا سيطرة عليه. في الفترة 1929-1934، تسبب الانحدار في التجارة الدولية الذي أعقب حزمة الإجراءات الحمائية) loi Smoot-Hawley du 17 juin 1930) في انخفاض التجارة بنسبة 66٪، وأثر هذا الانهيار على جميع المنافسين المعنيين. يعتقد ترامب أنه سيتجنب هذه السلسلة من الأحداث من خلال مفاوضات ثنائية يفرضها من مكتبه.

لكن التاريخ يوحي بنتيجة مغايرة عندما تتصاعد النزاعات دون تحكم فيها. إن التأثير الركودي للحمائية على الاقتصاد العالمي معروف جيدًا مثل العلاقة بين الكساد الكبير وتراجع التجارة. على الرغم من أن التفسيرات الأكثر شيوعًا تربط بشكل سطحي بين هذين العمليتين – متجاهلة الجذور الرأسمالية لما حدث في الثلاثينيات –لا شك في أن الحمائية قد أطلقت أو عززت أو عجلت الانهيار في تلك الفترة.

والأهم في تكرار محتمل لهذا السابقة هو تأثيرها على الاقتصاد الأمريكي، الذي بات اليوم أكثر عرضة للتقلبات العالمية. وهذا التأثير أكبر بقدر ما أن وزن التجارة الخارجية ارتفع من 6% (1929) إلى 15% (2024) من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي.

يعيد ترامب الحمائية في وقت غير مناسب تاريخياً. كانت الرسوم الجمركية أداة فعالة للولايات المتحدة في الماضي، لكنها لم تعد تؤدي نفس الوظيفة اليوم. فقد سهلت ازدهار القوى الصاعدة في مواجهة منافسين مؤيدين للتجارة الحرة، بقصد الحفاظ على هيمنتها على السوق العالمية. جرى استخدام الحمائية بشكل مفيد للغاية في القرن التاسع عشر من قبل ألمانيا، كما استخدمتها اليابان وكوريا الجنوبية في القرن الماضي. لكن هذه الأداة نفسها لم تتح لبريطانيا احتواء تراجعها، وطال انعدام الفعالية هذا الولايات المتحدة اليوم. يدعو ترامب إلى حمائية غير ملائمة، لأنه بدلاً من تشجيع الصناعة الناشئة، يسعى إلى إنقاذ هيكل عفا عليه الزمن. إنه ببساطة يتجاهل حقيقة أن الولايات المتحدة لم تعد ما كانت.

حلم عودة الصناعة

هدف ترامب الثالث هدف إنتاجي. فهو يشجع الشركات على العودة إلى أراضيها الأصلية ويعتبر أن إعادة التوطين هي السبيل الوحيد لاستعادة الهيمنة الأمريكية. ولهذا السبب ربط بداية حملته (يوم التحرير في 2 أبريل) بإعادة تصنيع البلد.

ترامب أول زعيم يعترف صراحة بالصعوبات الناجمة عن ترحيل المصانع. و يلجأ إلى تدابير صارمة لقلب هذا الميل، لأنه يدرك أن العولمة قد أثرت في نهاية المطاف على القوة التي روجت لهذه التدويل. وهو يلاحظ أن تفوق الولايات المتحدة في قطاعات الخدمات والمالية والرقمية لا يعوض تراجع الصناعة وما ترتب عليه من تآكل دعامة كل اقتصاد.

لكن خطته لإعادة توطين الصناعات أكثر استحالة من مشروعه النقدي أو الجمركي. لا وجود لخيمياء نقدية أو جمركية قادرة على جذب الشركات التي حققت أرباحاً عالية في الخارج للعودة. ومهما كانت حوافز ترامب مقنعة، يظل الإنتاج في الولايات المتحدة أكثر كلفة. ستتطلب إعادة إرساء الصناعة استثمارات ضخمة لا ترغب الشركات في القيام بها نظراً لضعف الربحية الحالية في السوق المحلية.

ويروم الانعطاف الحمائي تقليص هذه الفجوة، لكنه يواجه صعوبة إغلاق الاقتصاد في ظل سلاسل توريد معولمة. فالمنتوج النهائي للعديد من السلع يتضمن مدخلات من مصانع موجودة في العديد من البلدان.

يصعب تصور كيف يمكن للولايات المتحدة أن تستعيد قدرتها التنافسية من خلال إعادة إنشاء نماذج التصنيع الوطنية القديمة. كم يجب زيادة الرسوم الجمركية حتى يصبح من الأرخص إعادة التصنيع في بلد المنشأ؟

يكفي النظر إلى حالة شركة Nike، التي تمتلك 155 مصنعًا في فيتنام وتوظف عددًا كبيرًا من الأشخاص في هذا البلد لتزويد الولايات المتحدة بثلث وارداتها من الأحذية. الفرق في تكاليف الإنتاج كبير للغاية لدرجة أن العودة إلى الولايات المتحدة تبدو مستحيلة. (Tooze, 2025) سيكون لفصل عملية التصنيع في الصين تأثير مماثل على شركات مثل آبل.

يؤكد خبراء الاقتصاد في إدارة ترامب أيضاً أن مشروعه سيكون قابلاً للتحقيق إذا تمت استعادة هيمنة الدولار وتقليص العجز التجاري. وهم يعتقدون أن هذه العملية ستصحح الاختلالات العالمية في الاستهلاك والادخار والاستثمار التي تؤثر على القوة العظمى الأولى في العالم. على النقيض من ذلك، يذكر النقاد النيوكلاسيكيون والكينزيون أن ترامب لم ينجح في بدء هذا التحول إبان ولايته الأولى.

يدور الجدل بين الموقفين حول التأثير الإيجابي أو السلبي للحمائية على الإنفاق والدخل والادخار والاستهلاك. لكنه يغفل أن تراجع الولايات المتحدة ليس في هذه المجالات. إنه ناتج عن ضعف إنتاجية الاقتصاد الغربي الرئيسي في مواجهة منافسه الشرقي (الصين) الذي يشهد صعوداً متزايداً. ومؤشرات هذا الفارق عديدة بقدر الأدلة على اتساعه المستمر.

يكفي النظر إلى ميل الشركات الأمريكية المعمم نحو تفضيل الاستثمارات المالية أو العمل كصراف آلي لـ”وول ستريت“ لندرك تراجع قدرتها التنافسية. فهي تميل إلى إنفاق المزيد على إعادة شراء الأسهم وتوزيع الأرباح أكثر من الاستثمار على المدى الطويل.

وقد عمدت غالبية هذه الشركات إلى عولمة عملياتها التصنيعية من أجل تعويض ارتفاع تكاليف الإنتاج المحلية. لكن هذا التحول جعلها تعتمد بشكل كبير على واردات السلع الاستهلاكية الرخيصة من القارة الآسيوية من أجل إبقاء الأجور المحلية في مستويات منخفضة.

وقد تأكدت درجة التبعية إزاء الإمدادات الصينية من خلال قرار ترامب نفسه بإعفاء جميع الرقائق والمكونات الإلكترونية من الرسوم الجمركية المفروضة على منافسه الآسيوي. ويمتد نفس المشكل إلى سلع التجهيز والسلع الوسيطة، التي تمثل حوالي 43٪ من إجمالي واردات الصين (Mercatante, 2025).

لا يعود التراجع الأمريكي إلى أخطاء تجارية، ولا يمكن عكسه بفرض شروط حمائية. هناك بالتأكيد تغيير في النموذج الحالي يضعف قسمة العمل العالمية للعمل التي تشكلت على مدى عقود من تدويل الإنتاج. لكن هذا التراجع لا يمهد الطريق للسيرورة المعاكسة، سيرورة التصنيع الوطني التي يتصورها ترامب، لأن قدرة الولايات المتحدة على القيام بهذا التغيير تضاءلت بشكل كبير.

التراجع أمام الصين

جلي أن الصينَ بؤرةُ حرب ترامب الاقتصادية. كانت هدفا رئيسيا للرسوم الجمركية التي أشعلت التصعيد المذهل بين البلدين. بعد أن فرضت واشنطن رسوماً جمركية بنسبة 34٪، ردت بكين بنفس النسبة، وسرعان ما ارتفعت المواجهة إلى 84٪-104٪، ثم إلى 145٪-125٪. عند هذه المستويات، تميل التجارة بين البلدين إلى الانتفاء.

وتأكدت مكانة الصين المركزية في هجوم ترامب بقراره الإبقاء على العقوبات ضدها، بعد أن علقها بشأن بقية العالم [لمدة 90 يوماً]. وتندرج الرسوم الجمركية المرتفعة للغاية المفروضة على فيتنام وكمبوديا ولاوس في نفس السياق، لأن الصين تسيطر على سلاسل التوريد في هذه البلدان المجاورة وتعيد تصدير بضائعها من هناك [وهذا الوضع يفسر زيارة شي جين بينغ الأخيرة إلى هذه البلدان، بما في ذلك ماليزيا – المحرر].

ردت بكين بصرامة بفرض فوري لرسوم جمركية مقابلة، وأوضحت أنها لن تقبل ابتزاز الولايات المتحدة. لقد أعدت هذا الرد منذ فترة طويلة ناوية خوض المعركة على أرض الإنتاجية، وساعية إلى عدم خفض قيمة اليوان إلا بشكل هامشي. وباتت تجهد لإيجاد زبائن تعويض وتضع حججًا خاصة لأوروبا وآسيا.

وتخشى المؤسسة الغربية إلى حد كبير النتيجة النهائية لهذه المواجهة. وتتوقع تقديرات عديدة نجاح الصين في نهاية المطاف إذا استمر ترامب يضر بنفسه.

ويوما بعد يوم، تؤكد بيانات جديدة تفوق آسيا في مجالات لا حصر لها. وبات العملاق الشرقي، على الصعيد العالمي، يكون 65٪ من خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. ويحافظ على معدل نمو يبلغ ضعف نظيره. وتمثل 35٪ من الصناعة التحويلية العالمية ومن المتوقع أن تصل إلى 45٪ في عام 2030. حتى عام 2001، كان 80٪ من البلدان تتاجر مع الولايات المتحدة أكثر من الصين، واليوم، عكس ثلثا هذا المجموع هذه العلاقة (Ríos, 2025).

أطلقت الصين، في الشهر الأول من رئاسة ترامب، 30 مشروعًا جديدًا للطاقة ”النظيفة“ في أفريقيا، وبدأت في بناء أكبر سد في العالم في التبت، وقدمت جيلًا جديدًا من القطارات فائقة السرعة. حقق مفاعلها النووي رقمًا قياسيًا في إنتاج البلازما بسرعة تجعله قريبًا من إنتاج طاقة ”نظيفة“ غير محدودة. وأطلقت أحواض بناء السفن التابعة لها أكبر سفينة هجومية برمائية في العالم، وتنبؤ اختبارات شبكات الهاتف المحمول 6G إلى فوزها في هذا السباق (MIU, 2025).

كل سياسة ترامب ما هي إلا محاولة يائسة لوقف تقدم الصين. كان هذا التوسع في بدايته فقط لما كفت القوة الأولى عن تلقي تحويلات مالية لصالحها من شريكها الآسيوي. وهنا بدأ تبادل غير مواتٍ وصل اليوم ذروة يصعب عكسها.

ينوي ترامب تغيير هذا السيناريو غير المواتي له باتخاذ تدابير جذرية. بيد أن الفجوة بين القوتين لا تقتصر على اختلافات في السياسة النقدية أو التجارية أو الإنتاجية. إنها تكمن في البنية الاجتماعية وإدارة الدولة. في الصين، تضارب طبقات رأسمالية كبيرة على ثرواتها وتستغل العمال. لكن هذه المجموعات لا تسيطر على سلطة الدولة، ما يفسر قدرة القيادة السياسية واستقلاليتها في توجيه الاقتصاد وفق نماذج فعالة.

لا يملك ترامب صيغة لمواجهة هذا الأذى، الذي يتجاوز كل نواياه ومشاريعه. والأسوأ من ذلك، أنه ينفذ تدابير تفاقم ي الرأسمالية المعاصرة الكبيرين: التفاوتات الاجتماعية وتغير المناخ. لقد ارتمى في معركة مؤجلة للحفاظ على قيادة الولايات المتحدة لنظام يمر بأزمة، لكنه يزيد من أفول الولايات المتحدة التدابير التي يتخذها ويعدلها ويعيد تطبيقها.

قاموس إمبريالي مُحِنٌّ للماضي

يحاول ترامب إعادة إرساء المركزية الإمبريالية الأمريكية. إنها الطريقة الوحيدة لتعظيم رأسماليي بلده على حساب سائر العالم. إن جملة العقوبات والرسوم الجمركية والابتزاز التي فرضها تتطلب إحياء الإمبراطورية.

يحاول ترامب استعادة هذه السيادة بمواقفه العدوانية. يتباهى بأنه نجح في إجبار 75 دولة على التفاوض بشأن الرسوم الجمركية، بعد الذعر الذي أثارته قائمة الرسوم الجمركية التي فرضها. لكنه يزوق الحقيقة بتبخترات تحجب سير المفاوضات الحقيقي.

ويفاقم ترامب نزاعا مع الاتحاد الأوروبي بدأ بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% ثم تعليقها. يطمح ترامب إلى فرض تبعية أوروبية تسمح له بإعادة تصنيع بلده ب تفكيك الصناعة لدى شريكه في الجهة الأخرى من المحيط الأطلسي.

وتتمثل الخطوة الأولى في هذه العملية في إعادة تسليح القارة العجوز، من خلال الإنفاق على الطاقة والتكنولوجيا الرقمية والمعدات التي توفرها الولايات المتحدة. وقد بث هذا الزعيم الرهيب الذعر في أوساط النخب الأوروبية التي اندفعت، في موجة من الرهاب من روسيا، إلى نزعة حربية عمياء. وهي تخفض الإنفاق الاجتماعي وباتت تستعيض عن الانتقال الأخضر الذي طالما تم الترويج له بانتقال رمادي، عسكري بحت.

لكن هذا الانعطاف لا يخلو من الصراعات، والاتفاق السريع الذي كان ترامب يأمل في إبرامه مع بوتين (للاستيلاء على ثروات أوكرانيا) لم يتعثر مع روسيا وحدها. بل أدى إلى اندلاع صراع غير مسبوق بين واشنطن ولندن حول من سيحصل على غنائم المعادن النادرة (Marco del Pont, 2025b)

لكن المحدد أكثر هو المفاوضات مع الشركاء التابعين في آسيا. استجابت اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان والفلبين دوما بانضباط تام لراعيتها الأمريكية. لكن الجديد في السنوات الأخيرة هو تعزيز العلاقات الاقتصادية بين هذه البلدان وبكين. وقد أثار حجم هذه التجارة شكوكاً جدية داخل الكتلة المعادية للصين التي يدفع بها البيت الأبيض.

يبعث ترامب رسائل إمبريالية صريحة لتأكيد متطلباته، مستعملا لغة مباشرة لدرجة أن بداية ولايته الثانية أثارت العديد من التعليقات الصحفية حول هذا الموضوع. وقد تبدد تردد وسائل الإعلام الكبرى التقليدي في استخدام مصطلح ”الإمبريالية“ المثير للغضب بفضل صراحة الملياردير (انظر The New York Times في 21 يناير 2025، وThe Washington Post في 24 يناير 2025).

وقد أحاطت نفس المظاهر الإمبريالية بإعلان قائمة الرسوم الجمركية، حيث أدرج ترامب بشكل متباهٍ جميع دول العالم في هذه القائمة لتأكيد أن لا أحد سيفلت من نير واشنطن. ولم يتردد في إدراج دول لا تتاجر مع الولايات المتحدة، أو إضافة جزر لا يسكنها سوى طيور البطريق. بيد أن التصريحات الإمبريالية لرجل نيويورك الثري تحتوي على مكونات من حنين أكثر مما من فعالية.  يأسف ترامب لأفعال قادة بعيدين، جمعوا بين الحمائية والتوسع الإمبريالي في فترة مجد الرأسمالية الأمريكية.

ويشيد بوجه خاص بالرئيس ماكينلي (1897-1901)، الذي برز  كـ«نابليون الحمائية». فقد فرض زيادة كبيرة في الرسوم الجمركية من 38 إلى 50٪ (1890)، وأمر بالتوسع نحو المحيط الهادئ (هاواي والفلبين وغوام) وغزو منطقة البحر الكاريبي (بورتوريكو والطموحات في كوبا). يعشق ترامب دفاعه الشرس عن الصناعة بقدر ما يعشق توسيع النطاق الإقليمي للولايات المتحدة بالسلاح (Borón ، 2025).

لكن هذا الاستحضار يصطدم بواقع القرن الحادي والعشرين. لا يستطيع ترامب تطبيق الحمائية العدوانية لمثاله الأعلى، فاختار الجمع بين الضغط الجمركي والحذر العسكري. وبعيدًا عن استئناف تدخلات البنتاغون في جميع أنحاء العالم، فإنه يخفف الزخم التوسعي من أجل احتواء تدهور القدرة التنافسية الاقتصادية الأمريكية.

في اندفاع واقعي، أخذ ترامب في الاعتبار فشل بوش العسكري وانتكاسة بايدن الاقتصادية. لهذا السبب، يحاول سلك طريق ثالث، طريق الاعتدال العسكري وإعادة صياغة السياسات النقدية والتجارية. فهو يدرك أن القدرة الهجومية الأمريكية قد تقلصت بشكل كبير بسبب اقتصاد يمثل 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (بعد أن كان 50% في عام 1945)، في مواجهة الصين التي تمثل 18%.

يشدد ترامب الخطاب التدخلي في مواجهة خصومه الخارجيين. وعليه، على غرار أسلافه المعاصرين، أن يتصدى للتدهور الاقتصادي باستعراض القوة الجيوسياسية والعسكرية التي تحمي بلاده. لكنه يدرك أن تعويض الضعف الاقتصادي بالجهد العسكري يفاقم التوتر بين القطاعات العسكرية والإنتاجية في المؤسسة. ويميل دعاة الحرب إلى تفضيل حملات مدمرة بأي ثمن، والتي تؤثر على ميزانية الدولة وتدهور القدرة التنافسية للشركات.

يتنقل ترامب بين هذين القطاعين، داعمًا الانتعاش الاقتصادي بتدابير حمائية. فهو يشجع الإنفاق العسكري، لكنه يحد من الحروب ويسعى إلى الحد من التأثير السلبي للضخامة العسكرية على الإنتاجية. إن التضخم العسكري الذي يفرضه البنتاغون هو مرض عضال يعاني منه الاقتصاد الأمريكي منذ فترة طويلة ولا يستطيع ترامب تخفيفه.

التوترات المحلية

تكتسي التناقضات الداخلية التي تؤثر على المشروع الحمائي نفس أهمية التوترات الخارجية. وتشمل هذه التناقضات تأثيراً تضخمياً باعتباره التهديد الأكثر إلحاحاً. ستؤدي الرسوم الجمركية إلى ارتفاع أسعار السلع بمجرد فرض كلفة إضافية على المنتجات المستوردة.

وسيكون هذا التأثير كبيراً، سواء فيما يخص المواد الغذائية الأساسية أو المنتجات الصناعية. على سبيل المثال، توفر المكسيك أكثر من 60% من المواد الغذائية الطازجة، ويُقدَّر أن فرض تعريفة جمركية بنسبة 25% على السيارات المصنوعة في هذا البلد (أو في كندا) سيؤدي إلى زيادة السعر النهائي لكل وحدة بمقدار 3000 دولار. مؤخراً، أشاد ترامب بقرار شركة هوندا نقل تصنيع سيارتها الجديدة سيفيك من غواناخواتو (المكسيك) إلى إنديانا. لكن هذا النقل سيؤدي إلى زيادة الكلفة المتوسطة لكل سيارة من 3000 إلى 10000 دولار(Cason; Brooks, 2025).

صحيح أن التضخم قد يسهم أيضًا في خفض قيمة الديون الحقيقية، لكن تأثيره السلبي على الاقتصاد ككل سيكون أكبر بكثير من هذا الانخفاض في الأصول.

يُجمع المحللون على التأكيد على التأثير الركودي للانعطاف الحمائي، الذي قد يؤدي إلى انكماش بنسبة 1.5 إلى 2 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي. أصبح تباطؤ النشاط، الذي لم يكن مرتقبا في التوقعات الاقتصادية، احتمالًا قويًا في المستقبل القريب.

يوتر هذا المنظور علاقات ترامب مع الاحتياطي الفيدرالي (FED)، الذي يعارض خفض أسعار الفائدة. يشجع ترامب هذا الخفض لمواجهة الانخفاض المحتمل في الإنتاج والاستهلاك والتشغيل. وقد أدى انهيار الأسواق الذي تسبب فيه إعلان برنامجه الحمائي إلى تفاقم هذا السيناريو القاتم، فضلاً عن الخلافات التي أعقبت ذلك بين الرئيس ومجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي (Jerome Powell).

كما يواصل ترامب معركته ضد القطاعات العولمية التي تدافع عن مصالح الشركات والبنوك الأكثر انفتاحاً على الصعيد الدولي. لقد فقدت نخبة دافوس مصداقيتها بسبب إخفاقاتها، لكنها تنتظر الفرصة المناسبة لاستئناف هجومها. إذا كانت نتائج التحول الحمائي سلبية، سيكون هذا الانتكاس قوياً وسيضع الديمقراطيين في صدارة السباق نحو انتخابات منتصف الولاية في عام 2026.

أحاط رئيس البيت الأبيض نفسه برجال أعمال صاعدين يتنافسون مع نظرائهم من الطيف التقليدي. أعطت المؤسسة الضوء الأخضر لمشروعه، لكنها كانت يتوقع رسوماً جمركية معتدلة وسلوكاً أقرب إلى الحذر الذي اتسمت به ولاية ترامب الأولى [يناير 2017-يناير 2021]. تدفعها الاضطرابات الحالية إلى المطالبة بوضع حد للاندفاع الرئاسي. يشعر المليارديرات بالغضب الشديد بسبب انخفاض ثرواتهم الحاد بسبب انهيار الأسواق.

وتمتد التوترات إلى محيط الرئيس نفسه، حيث يتعين عليه التوفيق بين المتطرفين الحمائيين (بيتر نافارو، مستشار الرئيس، في مجال التجارة من بين أمور أخرى) والمسؤولين الذين لديهم استثمارات في الخارج (إيلون ماسك). كما أن خطة مراقبة الرسوم الجمركية تؤدي إلى إدخال مجموعة معقدة من اللوائح التنظيمية، مما يتعارض مع خفض البيروقراطية الذي وعدت به الإدارة الجديدة (Malacalza, 2025). إن ما يواجهه ترامب من صراعات يفوق بكثير تلك التي بوسعه حلها.

البونابارتية الإمبريالية

الصراعات الخارجية، وغياب نتائج فورية، والمعارضة الشديدة من قبل أنصار العولمة، والتماسك الداخلي الهش، كلها عناصر تحدو بترامب إلى تعزيز استبداد إدارته. ولهذا السبب، سيحاول مرة أخرى السير على الطريق البونابرتي الذي سلكه دون جدوى خلال ولايته الأولى. كما أنه بحاجة إلى تعزيز سلطة البيت الأبيض لمواجهة تراجع استثمارات الرأسماليين الأمريكيين.

ترامب قادم من عالم الأعمال القاسي، معتادا على التفاوض بضرب الطاولة بقبضته للحصول على تنازلات من خصومه. هذا السلوك يميزه عن نظرائه في النظام السياسي، الذين شكلتهم المفاوضات والمساومات والنفاق اللفظي.

ولتوطيد دوره المركزي، انطلق في نشاط محموم متميزا بتوقيعه يومياً على عدد لا يحصى من المراسيم. ويسعى إلى مركزة السلطة لزعزعة استقرار معارضيه ويفضل الولاء على أي صفة أخرى في مساعديه.

وهو يجرب جانبه البونابارتي في تقاليد الزعيم الكاريزمي الأمريكية. يحاول أن يضطلع بدور معبر عن الأمة، بوصم المهاجرين وتشويه صورة النزعة التقدمية. إنه يسعى، من خلال هذا الشخصنة المتطرفة، إلى تعزيز صورة رجل مقدر له تحقيق الحلم الأمريكي. لكن هذا التوجه يزيد التوترات مع المؤسسة العولمية، التي تسيطر على وسائل الإعلام الأكثر نفوذاً(Wisniewski, 2025).

يملأ ترامب الفراغ الذي خلفه فقدان السياسيين التقليديين للمصداقية. ويستغل المناخ الذي أوجده رفض المكائد البرلمانية المشبوهة ويستخدم صلاحيات الرئاسة لتعزيز صورته(Riley, 2018).

يتبنى خطابًا قريبًا من التيار المحافظ، ما يؤجج الخلاف الثقافي بين الولايات المتحدة وسائر العالم. وعلى عكس التقليد الاندماجي، يرفض ترامب الهجرة من أمريكا اللاتينية ويمجد اللغة الإنجليزية. كما يمجد المثل العليا الأنجلو-بروتستانتية المتمثلة في الفردية وأخلاقيات العمل، ويحتقر التقاليد الإسبانية التي يربطها بالكسل وانعدام الطموح.

يستلهم خطاب ترامب التراث الحمائي (ألكسندر هاملتون، ”أبو الدولار“) والوطني (توماس جيفرسون، رئيس من 1801 إلى 1809) الذي يفضل الازدهار الداخلي (أندرو جاكسون، رئيس من 1829 إلى 1837). ويتحدى الليبرالية الكوزموبوليتية (توماس ويلسون، رئيس من 1913 إلى 1921) التي تربط هذا الرفاه بالانفتاح على الخارج (Anzelini, 2025).

يجدد ترامب بهذه الرؤية مبادئ السياديين، التي فضلت دائما العنصرية ومناهضة الشيوعية في تحديد التحالفات الخارجية. تضمن تعاطف هذه النزعة الأمريكية مع النازية في الماضي تقاربًا مع كو كلوكس كلان والفصل العنصري في جنوب إفريقيا. ويستأنف إيلون ماسك حاليًا هذا الإرث، وفي هذا السياق، تضاعف الترامبية حملاتها ضد طابع الحزب الديمقراطي متعدد الأعراق والثقافات.

يعبر التيار الذي يقوده الملياردير عن نسخة عنصرية من الإمبريالية الأمريكية، بعيدة كل البعد عن النزعة المحافظة الجمهورية الجديدة، وعن الكوزموبوليتانية الديمقراطية. يبرز هذا التيار الجوانب الهوياتية للأيديولوجية الأمريكية ويمجد الوطنية الرجعية كعنصر أساسي في عقيدته. لكن مع هذا الالتزام الأيديولوجي، فإنه ينتمي إلى نفس الكتلة الإمبريالية التي ينتمي إليها التياران الآخران.

يشكل بوش وبايدن وترامب ثلاثة أشكال من نفس الإمبريالية التي تحافظ على الرأسمالية الأمريكية. تشكل الكيفيات المختلفة لهذه الهيمنة أشكالاكيفياتً داخلية لنفس الكتلة. الإمبريالية ضرورة نظامية للرأسمالية التي تشتغل بمصادرة موارد الأطراف، وإقصاء المنافسين، وقمع الثورات الشعبية. يحكم ترامب وفقاً لهذه المعايير، وتكشف وحشيته بوضوح هذا الانتماء.

المسارات والطموحات والمقاومات

من الصحيح وصف ترامب بأنه رأسمالي رث، بالمعنى الذي أطلقه ماركس على المضاربين الماليين من الطبقة العليا المتورطين في العديد من عمليات الاحتيال. يجمع مسار هذا الملياردير جميع مكونات هذا النموذج من خلال عدد عمليات الاحتيال والتهرب الضريبي والإفلاس الاحتيالي والمعاملات مع المافيا وغسل الأموال التي ميزت مسيرته في عالم الأعمال. وقد أحاط نفسه بشخصيات من نفس الطينة، لها سجلات جنائية حافلة في عالم المال(Farber, 2018).

لكن مسيرته الشخصية لم تكن سمة مميزة لولايته الأولى، ولا تحدد ولايته الحالية. يعمل ترامب كممثل لقطاعات رأسمالية مهمة للغاية، ويقود إدارة قائمة على تحالف من مجموعات الشركات الأمريكية، بما في ذلك شركات رقمية ابتعدت عن نزعة العولمة. وهو يعتمد على قطاع الصلب، والمجمع الصناعي العسكري، والجزء المحافظ من السلطة المالية، والشركات التي تركز على السوق الداخلية، والتي تضررت من المنافسة الصينية (Merino; Morgenfeld; Aparicio, 2023: 21-78).

حصل ترامب على ولايته الحالية بفضل دعم سلطة أثرياء الاقتصاد الرقمي، التي وضعت جانباً تفضيلاتها للديمقراطيين. تشكل شركات التكنولوجيا الخمس الكبرى حالياً القطاع المهيمن في الرأسمالية الأمريكية، التي تحتاج إلى عدوانية ترامب لمحاربة منافسيها الآسيويين.

والأمر الأكثر إثارة للجدل هو دلالة السلطة السياسية الجديدة التي يكتسبها المليارديرات الرقميون بفضل ترامب. لقد نجحوا بالفعل في ربط الجمهور بشبكاتهم والحفاظ على عملائهم مرتبطين بمجموعة معقدة من الخوارزميات. تتيح لهم هذه التبعية توسيع وساطتهم المربحة في مجال الإشهار التجاري والمبيعات. وباتوا يحاولون الآن بسط هذه السلطة على نطاق أوسع، بالسيطرة المباشرة على عدة مجالات من الحكومة.

تشكل هذه المجموعات احتكارات قوية يصفها البعض بالافتراس والاستيلاء على الريع. ولهذا السبب يستخدمون مصطلح ”التكنوقراطيين الاقطاعيين“ لتوصيف نشاطهم (Cédric Durand, 2025).

تعترض مقاربات أخرى على هذا التسمية، التي تضعف المعنى الرأسمالي لشركات مندمجة بوضوح في دوائر التراكم. تتيح لها ريادتها التكنولوجية الاستفادة من فائض القيمة الاستثنائية التي تمتصها من بقية النظام. هي لا تتطور في مجال الريوع الطبيعية ولا تستمد أرباحها من الإكراه خارج الاقتصاد (Morozov, 2023).

لكن كلا الرؤيتين تتفقان على التأكيد على الإدارة غير المسبوقة للحياة الاجتماعية التي سمحت لقطاع بالارتماء لغزو أجزاء كبيرة من السلطة السياسية. تسعى هذه الشركات قبل كل شيء، تحت حماية ترامب،  إلى تحييد أي محاولة لتنظيم الشبكات من قبل الدولة.

ارتمت سلطة أثرياء الاقتصاد الرقمي في إدارة أدوات الدولة بشكل مباشر من أجل تكييف النشاط السياسي لخدمة مصالحها. يستخدم بعض المؤلفين مفهوم ”الرأسمالية السياسية“ لتمييز هذا الاستيلاء. وهم يلاحظون ظهور نظام تراكم قائم على اعتماد الشركات الجديد على سلطة سياسية تحدد المستفيدين بهامش مناورة ضريبية أكبر من الماضي. قد تكون الترامبية صانع هذه التحولات التي تحدث في قمة الرأسمالية (Riley; Brenner, 2023).

لكن انحرافه الاستبدادي أثار بالفعل مقاومة في الشوارع. تحت شعار موحد ومحفز [«Hands Off!»، في 5 أبريل، تلاه آخر في 20 أبريل]، نظمت 150 منظمة مظاهرة ضخمة وناجحة في ألف مدينة. وبدأت هذه المنظمات في استئناف الرد الذي جاء من القاعدة الشعبية التي واجهها ترامب إبان ولايته الأولى، والذي نجح في تهدئته عند عودته. وأظهرت المظاهرات الكبيرة التي تلت ذلك رفض الشعب للطاغية والأوليغارشية المحيطة به [انظر نجاح اجتماعات بيرني ساندرز تحت شعار «Fight Oligarchy» – المحرر].

تؤطر المسيرات السخط بوجه تقليص الحقوق الديمقراطية الذي يقوده ساكن البيت الأبيض. إذا ترافق تآكل شرعية ترامب الداخلية مع المقاومة التي يثيرها في العالم، فسيكون الطريق مفتوحاً أمام معركة كبيرة ضد حكومته. ومن هذا التلاقي قد يظهر بديل يبدأ في الاستعاضة عن القمع الإمبريالي بالأخوة بين الشعوب.

المصدر:

ترجمة جريدة المناضل-ة

  • كلاوديو كاتز، عضو في منظمة الاقتصاديين اليساريين (EDI)، باحث في CONICET، أستاذ في جامعة بوينس آيرس.

إحالات

-Torres López, Juan (2025). ¿Y si lo de Trump no es una simple locura personal?, 4-4, https://juantorreslopez.com/y-si-lo-de-trump-no-es-una-simple-locura-personal/

-Varoufakis, Yanis (2025). El plan maestro económico de Donald Trump, 19-2 https://www.sinpermiso.info/textos/el-plan-maestro-de-donald-trump-para-la-economia

-Litvinoff, Nicolás (2025). Tump, stablecoins y poder: el plan para sostener la hegemonía financiera de EE.UU. 1-4 https://www.lanacion.com.ar/economia/trump-stablecoins-y-poder-el-plan-para-sostener-la-hegemonia-financiera-de-eeuu-nid01042025/

-Sapir, Jacques (2024) Los BRICS desafían el orden occidental, 4-11 https://observatoriodetrabajadores.wordpress.com/2024/11/04/los-brics-desafian-el-orden-occidental-el-fin-de-la-hegemonia-del-dolar-esta-a-la-vista-jaques-sapir/

-Gang Gong (2025). https://www.brasildefato.com.br/2025/04/14/can-the-global-south-get-out-of-the-us-dominated-financial-system/

-Marcó del Pont, Alejandro (2025a). La nueva estrategia económica de EE.UU (II): la explosión controlada 07/04 https://rebelion.org/la-nueva-estrategia-economica-de-ee-uu-ii-la-explosion-controlada/

-Roberts, Michael (2025a). Aranceles de Trump: algunos datos y consecuencias (de varias fuentes) 4-4 https://www.laizquierdadiario.com/Aranceles-de-Trump-algunos-datos-y-consecuencias-de-varias-fuentes

-Roberts, Michael (2025b). Guerra arancelaria: ¿El Día de la Liberación? 02/04 https://sinpermiso.info/textos/guerra-arancelaria-el-dia-de-la-liberacion

-Nuñez, Rodrigo (2025). La suba de aranceles causará déficit de la balanza comercial y provincias en rojo, 3-4 destapeweb.com/economia/comercio/deficit-de-la-balanza-comercial-y-provincias-con-perdidas-millonarias-los-escenarios-que-se-manejan-ante-la-suba-de-aranceles-impuesta-por-trump-2025431221

-Tooze, Adam (2025) «Sólo he cometido el error de creer en vosotros, los americanos». 06/04 https://www.sinpermiso.info/textos/solo-he-cometido-el-error-de-creer-en-vosotros-los-americanos-el-dia-despues-del-dia-de-la

-Mercatante Esteban (2025) Trump, ingeniero del caos, 6-4, https://www.laizquierdadiario.com/Trump-ingeniero-del-caos

-Ríos, Xulio (2025). Ocho ideas sobre el trumpismo y la relación con China, 14-03 https://politica-china.org/areas/politica-exterior/ocho-ideas-sobre-el-trumpismo-y-la-relacion-con-china

-MIU (2025). Cosas que ha hecho China en los 30 días que Trump ha sido presidente https://miu.do/cosas-que-ha-hecho-china-en-los-30-dias-que-trump-ha-sido-presidente/

-Marcó del Pont, Alejandro (2025b). La guerra silenciosa: Reino Unido vs. EE.UU 10/04 https://www.elextremosur.com/nota/53595-la-guerra-silenciosa-reino-unido-vs-ee-uu-por-el-control-de-ucrania/

-Boron, Atilio (2025). Trump y su lejano precursor, 9-2https://atilioboron.com.ar/trump-y-su-lejano-precursor/

-Cason, Jim; Brooks, David (2025). Trump confirma aranceles; ya no hay espacio, 4-3 https://www.jornada.com.mx/2025/03/04/economia/003n1eco

-Malacalza, Bernabé (2025). El “poder oscuro” de Trump en América Latina 9-2 https://www.eldiplo.org/notas-web/trump-contra-america-latina-entre-sus-deseos-y-sus-limites/

-Wisniewski, Maciek (2025). Estados Unidos. Trump y el neobonapartismo https://www.resumenlatinoamericano.org/2025/02/28/estados-unidos-trump-y-el-neobonapartismo/

-Riley, Dylan (2018). Theses on Fascism and Trumpism, chrome-extension://efaidnbmnnnibpcajpcglclefindmkaj/https://sase.org/wp-content/uploads/2018/05/2-Riley-final.pdf

-Anzelini, Luciano (2025). Etnocentrista, jacksoniano y soberanista, 9-3 https://www.elcohetealaluna.com/etnocentrista-jacksoniano-y-soberanista/

-Farber, Samuel (2018). Donald Trump, un lumpencapitalista, Sin permiso, 4/11 https://www.sinpermiso.info/textos/donald-trump-un-lumpencapitalista

-Merino, Gabriel; Morgenfeld, Leandro; Aparicio, Mariana (2023). Las estrategias de inserción internacional de América Latina frente a la crisis de la hegemonía estadounidense y del multilateralismo globalista. Nuevos mapas. Crisis y desafíos en un mundo multipolar, Buenos Aires

-Durand, Cédric (2025) Desborde reaccionario del capitalismo: la hipó tesis tecnofeudal Entrevista https://nuso.org/articulo/315-desborde-reaccionario-del-capitalismo-la-hipotesis-tecnofeudal/

-Morozov, Evgeny (2023). No, no es tecnofeudalismo, sigue siendo capitalismo https://jacobinlat.com/2023/04/esto-sigue-siendo-capitalismo2/

-Riley, Dylan; Brenner, Robert (2023). Siete tesis sobre la política estadounidense”, NewLeftReview139,efaidnbmnnnibpcajpcglclefindmkaj/https://newleftreview.es/issues/138/articles/seven-theses-on-american-politics-translation.pdf

شارك المقالة

اقرأ أيضا