جيل ”Z“ يثور ضد الفساد في مدغشقر

تبنى جيل ’Z‘ الملغاشي علم القراصنة من المانغا ”One Piece“، كما هو الحال في إندونيسيا ونيبال.

 بقلم روبن غاشينارد-فيكو Robin Gachignard-Véquaud

تشهد مدغشقر، منذ ثلاثة أيام،  مظاهرات غير مسبوقة. استجابة لدعوة جماعة الشباب ”الجيل Z مدغشقر“ على مواقع التواصل الاجتماعي، وبرغم منع التظاهر الذي فرضته محافظية أنتاناناريفو يوم الخميس، خرج آلاف الملغاشيين إلى شوارع العاصمة للتنديد بـانقطاع الكهرباء المستمر ونقص المياه الصالحة للشرب“. تعتبر الحركة، المكون معظمها من شباب وطلاب، نفسها ”سلمية ومدنية  . تعرضت الاحتجاجات، طيلة اليوم، لقمع شديد، بالغاز المسيل للدموع والعنف الجسدي والاعتقالات العنيفة والرصاص المطاطي. تشير التقديرات الأولية إلى وقوع عشرات الجرحى وعدة قتلى، بينما تخشى المنظمات غير الحكومية من أن يكون العدد أكبر من ذلك. تندد هذه الحركة، الت يبدو انها بعيدة عن الأحزاب السياسية،، والجارية في بلد يعيش 75٪ من سكانه تحت عتبة الفقر، بنظام يعتبر فاسداً. وتلت ذلك مظاهرات جديدة يومي الجمعة والسبت في المدن الكبرى في المقاطعات – ماجونغا وتاماتاف وتوليار. و خرجت ،في دييغو سواريز، حشود حاملة جثة طالب قتلته قوات الأمن. هل تتجه مدغشقر نحو أزمتها السياسية الأشد خطورة منذ إقامة الجمهورية الرابعة في عام 2009؟

تقع مدغشقر في المحيط الهندي، قبالة سواحل جنوب إفريقيا، وهي خامس أكبر جزيرة في العالم. إلا أنها تعاني، برغم ثراء مواردها الطبيعية وتنوعها البيولوجي الفريد،  من صعوبة تحويل هذه المزايا إلى تنمية. يبلغ عدد سكان البلاد أكثر من 30 مليون نسمة، ولا تزال تعاني من فقر مدقع: 75٪ من سكان مدغشقر يعيشون تحت عتبة الفقر .  يعاني أكثر من مليون شخص،في جنوب البلد، منذ عدة سنوات من حالة من انعدام أمن غذائي حاد.

وبرغم النمو الاقتصادي المستقر نسبياً – 4.2٪ في عام 2024 – تحول إخفاقات النظام الاجتماعي والسياسي الهيكلية دون أي تحسن مستدام في مستوى المعيشة. يرتكز الاقتصاد، المعتمد على الأسواق الخارجية والمكبوح بغياب البنى التحتية الموثوقة،  على السياحة والاتصالات  بشكل أساسي. والتحديات الاجتماعية هائلة. يؤدي النمو السكاني القوي (+2.4٪ سنوياً) إلى إغراق سوق عمل مشبعة، يهيمن عليها القطاع غير الرسمي إلى حد كبير. مع متوسط أجر يبلغ حوالي 22 يورو شهرياً (108000 أرياري)، ويعيش أكثر من نصف السكان بأقل من يورو واحد في اليوم.

مظاهرات  شباب غير مسبوقة

”ذهبت إلى هناك لأنه لم يعد لدينا، في ظل الظروف التي نعيشها حالياً، أي آفاق مستقبلية“، تقول آينا (اسم مستعار)، شابة ناشطة تبلغ من العمر 25 عاماً وطالبة سابقة. ””كان هدف مظاهرتنا هو الاحتجاج على انقطاع المياه والكهرباء.  يجب ، في بلد يعاني فيه جزء كبير من السكان من الفقر، أن ندافع عن حقوقنا الأساسية“.

وإلى جانب أصدقائها، ترفع لافتة كتب عليها: ”لو كانت المياه والكهرباء أولوية، لكانت المشكلة قد حُلت قبل بناء الملاعب أو التلفريك “ . إنها رسالة تندد بترتيب أولويات مشاريع البنية التحتية التي تدافع عنها السلطات العامة.

أينا وأصدقاؤها خلال المظاهرة الأولى، يوم الخميس 25 سبتمبر في أنتاناريفو. الترجمة: ”لو كانت المياه والكهرباء أولوية، لكان المشكل قد حُل قبل بناء الملاعب أو التلفريك“.

تسود حالة غليان المجتمع الملغاشي: خرج عدة آلاف من المتظاهرين إلى شوارع العاصمة، متحدين المنع الذي فرضته المحافظة. في الأشهر الأخيرة، أثرت القيود المتزايدة على الكهرباء، بسبب نقص البنية التحتية وانخفاض مستوى السدود الكهرومائية في موسم الجفاف، بشكل كبير على الحياة اليومية لسكان أنتاناناريفو. ”تستمر الانقطاعات أحيانًا لأكثر من ثماني ساعات في اليوم“، كما يشهد أحد المتظاهرين الموجودين في المكان.

الحركة، التي أطلقتها قبل أسبوعين مجموعة ”Gen Z Madagascar“، التي تنشر دعواتها للتعبئة على شبكات التواصل الاجتماعي، تصف نفسها بأنها ”سلمية ومدنية وغير حزبية“. بدأ كل شيء في 18 سبتمبر، عندما تم وضع اثنين من أعضاء البلدية من المعارضة – ألبان راكوتاريسوا وكليمانس راهارينيرينا – تحت المراقبة القضائية بعد أن تقدموا بطلب للحصول على إذن لتنظيم تجمع للتنديد بالنقص، ثم مثلوا أمام مجلس الشيوخ. ورداً على ذلك، تم تداول رسائل لعدة أيام داعية إلى حشد كبير في أنتاناناريفو، كان مقرراً في الساعة 11 صباحاً في ”ساحة الديمقراطية“ الرمزية، في حديقة أمبوهياتوفو. في الصباح الباكر، تشكلت مسيرات للانضمام إلى الموقع، سرعان ما أغلقته قوات الأمن بأعداد كبيرة.

رد السلطات الدامي

يحكي لانتو ما حدث بعد ذلك، وهو ما يعرفه العديد من المتظاهرين:”أردنا ، مع مجموعة صغيرة من الأصدقاء والزملاء، دخول ساحة الديمقراطية عبر نفق أمبانيديا. تم صدنا بقنابل مسيلة للدموع قبل أن نصل إلى النفق.

وقد تم توثيق المشهد بشكل واسع بالعديد من مقاطع الفيديو التي انتشرت بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي. ويؤكد كريستيان، وهو شاب منخرط في منظمة غير حكومية للدفاع عن الحريات العامة: “خلال هذه المظاهرات، كان هناك عدد كبير من أعمال العنف من قبل الشرطة، سواء تجاه المتظاهرين أو بعض الصحفيين. أنا نفسي تعرضت لإطلاق النار من مسافة قريبة بواسطة قاذفة قنابل من قبل أحد أفراد فرقة الدرك الوطني المسماة GSIS فرقة الأمن والتدخل الخاص . هذه الوحدة، المعروفة بعنفها ويمكن التعرف عليها من خلال الأقنعة التي يرتديها أفرادها، شوهدت بسرعة وهي تقوم بدوريات في شوارع تاناناناريفو.

إصابات متظاهرين شباب عقب المظاهرة الأولى التي جرت يوم الخميس 25 سبتمبر في أنتاناريفو.

كانت أنجا في الصفوف الأمامية للمظاهرة يوم الخميس. تروي: “كنا نسير ونحن نغني، ونرفع لافتاتنا وراياتنا. لم يتسبب أحد في أي حادث. ولكن عندما وصلنا إلى مكان وجود رجال الشرطة، بدأوا في إطلاق الغاز المسيل للدموع.

وتقول إن ما حدث بعد ذلك كان أشبه بمطاردة: “تمكنا من اللجوء إلى منزل مجاور، لكننا واصلنا الاحتجاج من الشرفة، حاملين لافتاتنا ومرددين هتافاتنا. كانت الشرطة تتقدم في الشارع، وأرادوا اقتحام البوابة لاعتقالنا، وضغطوا على المالك ليفتحها، وشتموه وهددوه. كان عددهم حوالي عشرة. تمكنا لحسن الحظ من إقناع المالك بعدم الاستسلام. منذ ذلك الحين، بقينا محبوسين في المنزل، شهوداً على الأعمال الوحشية التي كانوا يرتكبونها.

تُظهر مقاطع فيديو عديدة اعتقالات عنيفة واستخداما مكثفا للغاز المسيل للدموع. كما تعرض المتظاهرون لإطلاق الرصاص المطاطي. وتشير آخر حصيلة للخسائر البشرية في عطلة نهاية الأسبوع إلى ما لا يقل عن 5 قتلى وعشرات الجرحى. وهي حصيلة مؤقتة ومن المرجح أن ترتفع وفقاً للمنظمات العاملة في الميدان.

اتسمت الليلة الأولى بمشاهد نهب وإشعال عدة حرائق في العاصمة. تعرضت منازل نواب البرلمان للهجوم، كما استُهدفت محطات التلفريك. في اليوم التالي، الجمعة، استؤنفت التعبئة في عواصم المقاطعات، لا سيما في ماجونغا وتاماتاف وتوليار. في دييغو سواريز، كوانت الاشتباكات في أقصى شمال البلاد، بين قوات الأمن والمتظاهرين عنيفة بشكل خاص. في مواجهة التصعيد، ”شجبت الحكومة الأفراد الذين يستغلون الوضع“ وأعلنت فرض حظر التجول في عدة مدن كبرى.

وقد ”أدانت جماعة “جيل Z مدغشقر” بشدة أعمال النهب وتدمير الممتلكات“ ونشرت على شبكات التواصل الاجتماعي شعارات خلال التظاهرات التي تلت ذلك: ”إذا تدهورت الأوضاع غدًا، فإننا نعطي تعليمات واضحة: على جميع الشباب العودة إلى منازلهم.“ حرصًا على تأكيد رغبتهم في السلمية والرد على الاتهامات، دعا المنظمون أيضًا نشطاءهم إلى تنظيف الشوارع في اليوم التالي للمظاهرات.

متظاهرون يجمعون بقايا الرصاص المطاطي أطلقته قوات الأمن في أنتاناريفو.

موازاة لذلك، هيأت الحركة استمارة تعداد وسخرت أموالاً تضامنية لدعم المتاجر المتضررة من أعمال النهب. هذه المتاجر الصغيرة، التي غالباً ما تكون غير مؤمنة وتعود ملكيتها لتجار يعتبرونها مصدر دخلهم الوحيد، لا تملك سوى وسائل محدودة لحماية نفسها. رداً على ذلك، نظم السكان أنفسهم في ”مجموعات دفاع عن النفس“ في عدة أحياء من العاصمة – ألاسورا، أندوهارانوفوتسي، أمباندرانا وغيرها – من أجل وقف العنف الحضري. ويندد الكثيرون بغياب قوات الأمن، التي يعتبرونها ”اختفت بشكل عجيب“.

أعلن رئيس الجمهورية أندري راجولينا في خطاب  إقالة وزير الطاقة والهيدروكربونات بعد أن ”لاحظ أنه لا يقوم بعمله“. وفي مواجهة هذه التعبئة، أعرب أيضًا عن استعداده للحوار وتقديم جدول زمني للإجراءات لحل مشاكل الكهرباء والمياه يوم السبت 27 سبتمبر. وأخيرًا، أعلن عن بث برنامج خاص لتفصيل المشاريع الجارية، مع الاعتراف بالتأخير في مشاريع الطاقة الكبرى، مثل Sahofika (مشروع بناء أكبر سد كهرومائي في البلد)، وVolobe  (مشروع سد آخر أعيد إطلاقه بعد دخول EDF في رأس المال) أو محطة Ambohimanambola الحرارية. إعلانات غير كافية على الإطلاق لتهدئة غضب المتظاهرين الشباب في أنتاناناريفو.

”فساد منهجي في المؤسسات“

كان المتظاهرون الشباب يرفعون علم القراصنة Vogue Merry، المستوحى من المانغا One Piece، كرمز للإلهام الدولي للحركة. وقد كان هذا العلم بارزًا للغاية في الأشهر الأخيرة في بلدان الجنوب — في الفلبين ونيبال ومؤخرًا في إندونيسيا، حيث حظرته السلطات —، وكان وجوده في مدغشقر دليلًا على تقارب الشباب الملغاشي مع الحركات المناهضة للفساد في جميع أنحاء العالم. وفي فرنسا، شوهد هذا العلم نفسه خلال المظاهرات التي اندلعت في 10 و18 سبتمبر.

هذه السلسلة من المانغا، المشهورة عالمياً – طُبعت منها أكثر من 500 مليون نسخة منذ عام 1997 وعُرضت في آلاف الحلقات – تصور عصابة القراصنة بقيادة البطل مونكي دي لوفي، الذي يواجه طوال رحلته فساد كبار القادة. وهكذا خرج الرمز من عالم الخيال ليصبح جزءًا من واقع المطالبات. في نيبال، أدت حركة الاحتجاج، التي تُعرف أيضًا باسم GenZ، إلى إطاحة الحكومة القائمة. حاولت السلطات، في محاولة لوقف الاحتجاجات، قطع الإنترنت عن الشباب. وانتشرت صور الاشتباكات وأعمال الشغب والحرائق في جميع أنحاء العالم. تم تعيين رئيسة وزراء جديدة في نهاية المطاف بعد مشاورات واسعة النطاق ، حيث اجتمع على Discord: اجتمع أكثر من 100000 مستخدم افتراضياً لتقرير من سيشغل هذا المنصب، وتم التوصل إلى حل وسط مع سوشيلة كاركي، سياسية تبلغ من العمر 73 عاماً ورئيسة سابقة للمحكمة العليا.

تتجلى هذه التطلعات ”الداعية إلى رحيل الحكام“ في المظاهرات الملغاشية. سرعان ما تجاوزت المطالب مشكلة الكهرباء وحدها. ”نحن لا نطالب بالكهرباء فقط. نريد إنهاء الاحتكارات الاقتصادية التي فرضها النظام، ونشجب سوء إدارة شؤون الدولة. ونريد رحيل الحكام الفاسدين“، يشرح كريستيان.

يتم التنديد بطريقة عمل JIRAMA، الشركة الوطنية للمياه والكهرباء في مدغشقر المسؤولة عن توزيعها على السكان. بعد أن أصبحت شركة مساهمة عامة منذ يونيو 2025، أصبحت JIRAMA في مرمى البنك الدولي الذي طالب، مقابل مساعدته المالية، بتطوير طريقة عمل الهيكل وزيادة الشفافية. يعتبر المتظاهرون الشركة مسؤولة ويتهمون قادتها بالاستيلاء على أموال العقود العامة.

كما هو الحال في نيبال أو إندونيسيا، تظهر حركة ”جيل Z“ الملغاشية اليوم في شكل أفقي وغير شخصي. في تقرير نُشر على Instagram، يقدم ”جيل Z مدغشقر“ روايته للأحداث ويذكر بطريقة عمله :”  لا يزال قادة Gen Z Madagascar مجهولين.“ و في رسالة أخرى، على نفس الشبكة، ترفض الحركة أي شكل من أشكال الشخصنة: ”وجود قائد واحد يمنح السلطة لشخص ما، وهنا تظهر الأنانية والفساد. الحل ليس في البحث عن اسم في القمة. الحل هو تغيير العقلية.

وفقًا لمؤشر الفساد السنوي لمنظمة الشفافية الدولية Transparancy، حصلت مدغشقر في عام 2024 على درجة 26/100 (حيث تمثل 0 أعلى مستوى للفساد)، مما يضع البلد بين أكثر البلدان فسادًا في القارة الأفريقية، في المرتبة 140 من أصل 180 دولة. هذه المشكلة، التي تم تحديدها منذ عقود، لم يتم حلها أبدًا، على الرغم من الوعود المتكررة من الحكومات المتعاقبة. إن عدم الاستقرار السياسي في البلد هو حقيقة معروفة. قام سولوفو راندريانجا، أستاذ التاريخ في جامعة تاماتاف (تواماسينا) والمتخصص في الحياة السياسية المعاصرة، بتحليل هذا عدم الاستقرار في أعمدة صحيفة Le Monde خلال الأزمات الانتخابية الأخيرة في عام 2023: “مدغشقر مصابة بالفصام مثل العديد من البلدان الأفريقية. لم تنجح الثقافة السياسية المحلية في دمج عناصر الحوكمة المستوردة مع الاستعمار ثم من خلال الدساتير – أربعة في المجموع – التي تم تبنيها منذ الاستقلال، من أجل مصلحة جميع السكان.

إن هذا  الاستياء العام، وانعدام الثقة في الوعود الجديدة، هو ما يدفع الشباب اليوم إلى النزول إلى الشوارع. جرى تسجيل مخالفات جسيمة إبان الانتخابات الرئاسية التي جرت في نوفمبر 2023، والتي شهدت إعادة انتخاب الرئيس المنتهية ولايته، أندري راجولينا، منذ الجولة الأولى، : توزيع كميات كبيرة من الأرز، ودفع أموال، ووعود بمناقصات عامة، وتمويل حملات انتخابية غير شفاف. وتم قمع المظاهرات الاحتجاجية، ودعا عشرة من الثلاثة عشر مرشحًا المعلنين إلى مقاطعة الانتخابات. منذ ذلك الحين، عزز الحزب الرئاسي سلطته في الانتخابات التشريعية التي أعقبت ذلك، وحصل على الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية. ولم يشارك أكثر من نصف السكان المسجلين في الانتخابات.

شوهدت العديد من الحرائق وأعمال النهب على هامش المظاهرات في ليلة الخميس إلى الجمعة.

ويبدو أن المعارضين السياسيين التقليديين للحكومة، ومنهم الرئيس السابق مارك رافالومانانا، يتابعون الأحداث عن كثب. وفي بيان صدر في نهاية الأسبوع، انتقد الرئيس السابق (2002-2009)، الذي أُجبر على ترك السلطة بعد أزمة سياسية كبيرة، سوء إدارة أموال JIRAMA وغموضها، مطالباً بإجراء تدقيقات مستقلة.

ولكن على غرار حركات الشباب المناهضة للفساد في جنوب آسيا، يشك المتظاهرون الملغاشيون بشدة في أي استغلال سياسي. في الأيام الأخيرة، بعد كل مظاهرة تلتها تصريحات من ممثلي السياسة، نشرت الحركة رسائل توضيحية: “إلى جميع المنافقين والسياسيين الذين يعيدون نشر ما يصدر عنا: نحن لا نريدكم ولا نريد دعمكم. نحن نعلم أنكم وأهاليكم تتعاونون مع الفاسدين في الدولة، ونعرف كل الأشياء الفظيعة التي تفعلونها أنتم وأهاليكم“.

هذه التحركات ضد الفساد، التي تستهدف بشكل مباشر النخبة الاقتصادية والسياسية – حيث ينتقد العديد من المتظاهرين نمط الحياة الفاخر لعائلة الرئيس – تبعتها تجمعات دعم من المهاجرين الملغاشيين في العواصم الأوروبية. دليل آخر على وجود صلة دولية. في فرنسا، تجمع عدة مئات من الأشخاص أمام سفارة مدغشقر في باريس، منددين بالفساد و”المحسوبية“ في قمة الدولة. على بعد عدة آلاف من الكيلومترات من الأحداث، هتفت الحشود دعماً للمتظاهرين الملغاشيين بشعارات مثل ”مجرمون، قتلة!“ أو ”استقيلوا!“، مستهدفة بشكل مباشر السلطات.

وكان بين الحشد العديد من الشباب، غالبًا من المغتربين أو حاملي الجنسية المزدوجة، الذين أعربوا عن تضامنهم مع مواطنيهم. وفي تانا، أوضحت طالبة رغبت في عدم الكشف عن هويتها: “كثير من الشباب لا يرون مستقبلًا لهم في مدغشقر ويفضلون السفر إلى الخارج. لكن معظمهم لا يملكون المال اللازم للقيام بذلك. لهذا السبب ينزلون إلى الشارع. نريد مستقبلاً أفضل.

”لقد اعتقدوا لفترة طويلة أننا سلبيون“

هل ثمة ثورة شعبية بادئة في مدغشقر؟ على أي حال، تعيد التوترات الحالية إحياء ذكريات الماضي: من يناير إلى يوليو 2002، هزت مدغشقر أزمة سياسية كبيرة، تميزت بمظاهرات جماهيرية واشتباكات عنيفة في أعقاب الانتخابات الرئاسية لعام 2001، التي جمعت بين معسكرين متنافسين. في عام 2009، أجبرت جملة جديدة من أعمال الشغب والمظاهرات الرئيس السابق مارك رافالومانانا على الاستقالة، مما أدى إلى إنهاء الجمهورية الثالثة فعليًا. ثم أعلن عمدة العاصمة أندري راجولينا نفسه رئيسًا مؤقتًا. أدان المجتمع الدولي هذا الاستيلاء على السلطة، ووصفه بأنه ”غير دستوري وغير ديمقراطي“ وتحدث في ذلك الوقت عن انقلاب. وأدت عملية تسوية النزاع في النهاية إلى اعتماد دستور جديد، تمت الموافقة عليه رسميًا في 11 ديسمبر 2010.

بدوره، يبدو أن الجيل المولود في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين يريد طي صفحة الآمال المخذولة. «ستة عشر عاماً من الازدراء. ستة عشر عاماً من الفساد. ستة عشر عاماً من مشاهدة الحكومات المتعاقبة وهي تثري نفسها على حساب بؤسنا. ستة عشر عاماً من الإذلال. ستة عشر عاماً من الصمود»، كما جاء في بيان صادر عن الحركة بتاريخ 26 سبتمبر. بالنسبة إلى آينا، قد تكون المظاهرات التي شهدتها الأيام الأخيرة مجرد بداية لوعي جماعي: “نأمل أن تكون حركة الأمس، والتوافد الجماهيري، قد فتحت أعين القادة. لطالما اعتقدوا أننا سلبيون. المهم اليوم هو أننا أظهرنا أننا موجودون. ”

جرت مظاهرات سلمية جديدة يوم السبت 27 سبتمبر في شوارع العاصمة والمحافظات.

هل هذا هو أول إستيقاظ مبشر بمزيد من التعبئة؟ يلاحظ كريستيان علامات مشجعة: “هذه هي المرة الأولى التي ينظم فيها جيلنا نفسه، بوسائله الخاصة، ضد سوء الحكم وبفضل شبكات التواصل الاجتماعي. » لكنه يظل مدركًا لهشاشة الحركة: “تنتابنا الشكوك أيضًا عندما نرى مستوى القمع الوحشي والحرب الإعلامية التي تشنها السلطات علينا.

انتشرت، في الساعات الأخيرة، على شبكات التواصل الاجتماعي، رسائل تدعو إلى حركات احتجاجية جديدة. وتأمل الحركة، المقتصرة حالياً على المدن الكبرى، أن توصل صوتها إلى جميع أنحاء البلد. بعد عطلة نهاية أسبوع حافلة بالأحداث، من المقرر أن تنظم حركة احتجاجية عامة للطلاب في حرم أنكاتسو الجامعي يوم الاثنين 29 سبتمبر. وأعلن المنظمون مهلة 48 ساعة للحصول على ردود ملموسة من السلطات. أعلنت جامعة أنتاناناريفو العامة، مثل العديد من مؤسسات التعليم الثانوي، عن استمرار تعليق الأنشطة الأكاديمية حتى إشعار آخر. حتى الآن، لم تعلن السلطات العامة عن أي خطة ملموسة لمعالجة مشاكل الحصول على المياه والكهرباء. ستكشف الأيام المقبلة ما إذا كانت مدغشقر ستنضم إلى الحركة العالمية التي يقودها شباب متعطش للديمقراطية.

المصدر : هنا

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا