إلغاء الديون العمومية: الطريق للتحرر من الإمبريالية وتحقيق السيادة الشعبية

سياسة17 نوفمبر، 2025

بقلم، مروان

يعيش المغرب اليوم مرحلة صعبة والشباب يشعر بهذا بشكل مباشر: ارتفاع أسعار المعيشة، والبطالة، وتراجع الخدمات الأساسية وفقر متزايد في المدن والقرى. ليس هذا الواقع سوى إحدى نتائج سياسات التقشف التي يطبقها الحاكمون لضمان أولوية سداد الديون لإخفاء الحقيقة، يحاولون تصوير الديون كقضية اقتصادية عادية، يتناولها الخبراء والمختصون بينما الشعب الذي يتحمل أعباءها يبقى بعيدا عن فهم تأثيرها على حياته ليست الديون مجرد أرقام في الميزانية أو أموال يجب استردادها امن قبل الدائنين، بل هي أداة للسيطرة الامبريالية ووسيلة لفرض التبعية على بلادنا.

الديون إرث الاستعمار

منذ استقلال المغرب لم تتحرر البلاد فعليا من التبعية الاقتصادية. عند توقيعه على وثيقة الاستعمار الجديد سنة 1956 التزم النظام بسداد الديون الاستعمارية الكريهة التي استخدمت الاستعباد شعبنا طوال خمسين سنة. وبذلك ألقي على كاهل الأجيال الجديدة هذا الحمل الثقيل، هكذا ورث المغرب ديونا كانت فرنسا قد أقرضتها سابقا لتطوير استعمارها وترحيل ثروات البلد وتعميق تخلفه الاقتصادي.

دخل المغرب منذ بداية الستينات في دوامة القروض التي بدت في ظاهرها وسيلة للتنمية، لكنها في الحقيقة كانت حبلاً يلتف حول عنق البلد. كانت شروط هذه القروض وطريقة سدادها تخدم مصالح الرأسماليين في الدول الإمبريالية. بينما استغلها النظام لبناء طبقة بورجوازية ومقربة منه في الوقت الذي كان يعزز فيه قبضته الاستبدادية على المجتمع.

الديون لتثبيت الاستعمار الجديد والاستبداد

بدأ البنك العالمي (سنة 1962) يتدخل بشكل مباشر. ليساعد على تثبيت “أدوات الاستعمار” الجديد من خلال الديون. مع نهاية السبعينات تراكمت هذه القروض إلى حد الانفجار، فدخل صندوق النقد الدولي على الخط ببرنامج التقويم الهيكلي الذي لم يجلب سوى الماسي غلاء وبطالة وفقر وتضييق للحريات… وهي السياسات التي فجرت ثلاث انتفاضات شعبية كبرى في 1981. 1984, 1990 واجهها النظام بالقمع الشرس.

توسعت ديون المغرب العمومية لتشمل إلى جانب القروض متعددة الأطراف مع البنك العالمي وصندوق النقد الدولي اللذين يملكان الحصة الكبرى. قروضا خاصة من بنوك غربية كبرى. ثم قروضا ثنائية من دول إمبريالية كفرنسا وألمانيا، وأيضا من بعض ممالك الخليج مثل السعودية. هذه الديون لم تأت بلا مقابل بل تسدد بمعدلات فائدة مرتفعة وتفرض معها سياسات قاسية من زاوية شعبية.

الديون العمومية: نظام استغلال للشعب وافقاره

تنتج عن الديون تكاليف باهضة تعرف باسم خدمة الدين، وتسدد على حساب ميزانيات الصحة والتعليم والدعم الاجتماعي ما ينفقه المغرب على خدمة الدين. على سبيل المثال، يفوق بأكثر من تسع مرات ميزانية الصحة العمومية. كما تنتج عنها سياسات تقدم تحت اسم “إصلاحات هيكلية” يشرف عليها أساسا البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ويمكن تلخيص عناصرها الرئيسية فيما يلي:

  • تقليص ميزانيات الصحة والتعليم والدعم الاجتماعي. وتسلم للشركات الخاصة تحت غطاء “التدبير المفوض” أو الشراكة بين القطاعين العام والخاص. فصارت الخدمات العمومية تضعف سنة بعد أخرى. وارتفعت اسعارها.
  • إلغاء آلاف مناصب الشغل في الوظيفة العمومية، وفرض نظام “العقدة” بدل الوظيفة القارة، مع تجميد الأجور وتراجع التقاعد وتقليص دعم المواد الأساسية فارتفعت أسعارها بشكل متواصل.
  • بيع الشركات والمؤسسات العمومية المريحة للرأسمال الكبير سواء المحلي أو الأجنبي.
  • نهب الثروات البحرية والمناجم والمياه وغيرها. باسم الاستثمار.
  • توجيه الاقتصاد للتصدير ما دمر الفلاحة الصغيرة، وربط غذاءنا بالمضاربات العالمية.
  • فُتحت الحدود أمام السلع الأجنبية الرخيصة. وتضرر صغر المنتجين المحليين.
  • فرض قوانين تحمي براءات اختراع الشركات متعددة الجنسيات، فتمنع البذور المحلية، وترتفع أسعار الأدوية.

ليست الديون العمومية إذن مجرد أرقام على الورق بل نظام استغلال كامل للتحكم في حياة الناس.

الديون آلية لترسيخ الاستبداد

تنفذ هذه السياسات من قبل نظام تُستغل فيه مؤسسات الدولة بشكل منهجي لخدمة مصالح فئة محدودة من خلال منحها الامتيازات والإعانات والقروض الميسرة وتسهيلات كثيرة. بينما يتم التغاضي عن ممارساتها من تهرب ضريبي وتهريب الأموال كما يتم تسهيل الفساد الإداري والفضائي لضمان استمرار المحسوبية والاحتكار.

تمتد هذه الاستفادة للاستحواذ على الممتلكات العامة الأساسية كالأراضي والغابات والمياه إلخ. كما يتم تحويل الاستثمار العمومي في المخططات القطاعية ومشاريع المؤسسات العمومية إلى ركيزة لتحقيق الأرباح الخاصة.

 لضمان شرعية هذا النظام فتح دستور يكرس هيمنة الاستبداد وحكومة واجهة وبرلمان لا يعبر عن طموحات الشعب في المقابل، تُوجه القوات الأمنية لقمع أي احتجاج أو نضال شعبي  أو عمالي أو طلابي، بينما يفرض تضييق شديد على حرية التعبير وتضرب الحقوق الأساسية كالإضراب وتأسيس الجمعيات.

 يكتمل هذا البناء باستغلال القضاء كأداة لتصفية الحسابات مع أي صوت معارض، حيث يتم تلفيق التهم وتجريم نشطاء/ات الحركات الاحتجاجية والصحفيين/ات والمدونين/ات. كما حدث في الحراك الشبابي الأخير لجيل زيد.

النتيجة واضحة: مجموعة صغيرة من الأثرياء متحالفة مع شركات عالمية كبيرة تسيطر على الثروة والسلطة في ظل نظام استبدادي يضمن مصالح هذه الأقلية، ويعتمد أساسا على الديون ويخدم مصالح القوى الإمبريالية اقتصاديا وسياسيا، بينما الغالبية الشعبية تعاني من البطالة والفقر وارتفاع تكاليف الحياة.

الحراك الشبابي وجيل زيد: مواجهة أثار الدين

الحراك الشعبي الذي قام به شباب جيل زيد، لم يكن مجرد احتجاجات على تدهور خدمات الصحة والتعليم أو تنامي البطالة والفساد الحكومي، بل كان رد فعل مباشر على نظام اقتصادي وسياسي قائم على الديون والتبعية. فالشعار الشهير الذي حمله جيل زيد، “ما بغيناش كأس العالم، الأولوية للصحة والتعليم ” يعبر بكل وضوح عن رفض الشباب لتركيز موارد الدولة على تنظيم كأس العالم 2030، خاصة وأن ذلك يستلزم ديونا عمومية ضخمة تصرف على مشاريع فاخرة بدل تحسين الخدمات الأساسية.

تحالف شعبي من أجل القاء الديون.

إن المطالبة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية ترتبط بالمطالبة بوقف سياسات تعتمد على الديون وتنمية ليبرالية لا تخدم الشعب. أظهر الحراك الشباب أن الديون العمومية ليس قضية بعيدة بل تؤثر مباشرة على فرصهم وحياتهم اليومية. سرعان ما سيبلغون الوعي بالتحرر منها وفرض سياسات مستقلة كجزء من نضالهم من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية.

تتمثل الخطوة الأولى في اتجاه هذا الوعي في معرفة حقيقة هذه الديون: من أبرم اتفاقاتها وشروطها؟ أين وكيف صرفت؟ ماذا استفاد منها الشعب وماذا خسر؟ بمعنى نحتاج إلى تدقيق شعبي وشامل لمجمل الديون العمومية حتى تتبين للشعب ضرورة رفضه المطلق لهذه القروض التي لم يصادق عليها، والمضرة بحقوقه الأساسية.

هنا تأتي الخطوة التالية بالعمل على تشكيل تحالف شعبي واسع يضم جميع منظمات النضال والتنسيقيات وجميع أشكال تعبير الفئات الشعبية المتضررة كيفما كان نوعها للمطالبة بإلغاء الديون العمومية وارساء السيادة الشعبية والتحرر من السيطرة الامبريالية.

شارك المقالة

اقرأ أيضا