الانتقال غير المستقر في سوريا
بقلم؛ سانتياغو مونتاغ Santiago Montag
يحظى رئيس سوريا المؤقت، أحمد الشرع، بإشادة على نطاق واسع باعتباره إسلامياً جذريا تحول إلى معتدل. لا تعبر هذه الإشادة عن القوة الحقيقية للديمقراطية السورية، بل عن اقتناع الأطراف الدولية بقدرته على الحفاظ على النظام.
قد يُعتقد أن سوريا دخلت عهداً جديداً. في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر — وهو أول رئيس دولة سوري يفعل ذلك منذ ستة عقود — حظي الرئيس المؤقت أحمد الشرع بترحيب واسع باعتباره زعيماً جديداً يعالج مشكلات البلد الهيكلية. لكن الصورة اكثر تناقضا على الصعيد الداخلي. شهد البلد في 5 أكتوبر أول انتخابات بعد عقود من الدكتاتورية وأربعة عشر عاماً من الحرب. ومع ذلك، ظلت العملية تحت سيطرة السلطات الجديدة، حيث تم حظر المنظمات السياسية، ولم يُسمح إلا للأفراد بالمشاركة. ولم يشارك السكان أيضاً؛ حيث لم يسجل سوى بضعة آلاف للتصويت، في حين أن حوالي ستة عشر مليون سوري (بالإضافة إلى ستة ملايين يعيشون كلاجئين في الخارج) لم يكونوا على دراية بما يحدث بالفعل.
سلطة معترف بها
كان ذلك كله تعبيرا عن الهدف الأساسي للحكومة الجديدة: السيطرة على كامل الأراضي السورية، مع مركزة السلطة في يد زعيمها.
وحتى لبلوغ هذا الهدف الداخلي، ركزت إدارة الشرع على كسب الدعم الدولي، حيث حظيت بدعم تركيا الكامل منذ البداية. وكان إنهاء العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية واليابانية وسيلة أساسية لإثارة تطلعات الشعب إزاء الحكومة الجديدة. وعلى نفس المنوال، تم توقيع عدة مذكرات تفاهم تمثل استثمارات بمليارات الدولارات مع شركات أمريكية وصينية وقطرية وإماراتية وتركية لتطوير الموانئ والطاقة. وكان سحب تنظيم ”هيأة تحرير الشام“ بقيادة الشرع من قوائم الدول الغربية للمنظمات الإرهابية خطوة مهمة نحو الاعتراف الدولي بحكومته.
بيد أن الحرية الجديدة المتباهى بها في سوريا اتخذت أيضاً أشكالاً مقلقة. ومن أبرزها الاشتباكات التي اندلعت في يوليو الماضي في محافظة السويداء بين القبائل البدوية والقوات الحكومية والفصائل الدرزية. كما اندلعت صراعات في المحافظات الساحلية، التي شهدت تمرداً علوياً في مارس، وفي الشمال الشرقي الذي يهيمن عليه الأكراد.
ومع ذلك، فإن بدء المحادثات مع إسرائيل في باكو (أذربيجان) في يوليو حول الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان السورية، وكذلك تدخل حكومة الشرع في السويداء، يظهران نوع التحديات الجيوسياسية التي تواجهها سوريا وتداعياتها الداخلية الكبيرة. وحتى لو لم تكن سوريا في وضع يتيح لها بمواجهة إسرائيل عسكرياً في هضبة الجولان، فإن احتمال التنازل عن هذه الأراضي يواجه معارضة شديدة داخلياً. وفي السويداء أيضاً، يتسبب تدخل إسرائيل لدعم الميليشيات الدرزية، مثل تلك التي يقودها حكمت الهجري، الذي أعاد تموضعه سياسياً بعد سقوط بشار الأسد، في خلق انقسامات دائمة.
ومع ذلك، فقد فسرت الإدارة السورية شرعيتها الخارجية على أنها ضوء أخضر لبسط سيطرتها على مؤسسات الدولة. وقد فعلت ذلك باستخدام القوة والتشكيك في صلابة الحقوق الديمقراطية المتعلقة بالطوائف الدينية والنساء والمجموعات العرقية.
الإسلاموية الجذرية؟
كما أكد العديد من الرعاة الغربيين، كانت الحكومة الجديدة، على الرغم من قيادتها من قبل قدامى المحاربين في هيئة تحرير الشام،”براغماتية“ في تعزيز هيمنتها على المجتمع السوري – متحدية التوقعات بأنها قد تنشئ حكومة إسلامية متطرفة. بعبارة أخرى، على الرغم من ماضيها المرتبط بمنظمات مثل جبهة النصرة، فقد عدل قادتها استراتيجيتهم لتأخذ في الاعتبار الصورة الدولية والتنوع الاجتماعي والعرقي والديني في البلد.
ومع ذلك، لا تزال الحكومة، حتى بعد توليها السلطة في ديسمبر الماضي، تواجه معركة من أجل فرض سيطرتها في كل مكان.
بعد سقوط ديكتاتورية الأسد تحت ضغط هجوم بقيادة هيئة تحرير الشام، انهارت العديد من المؤسسات الأمنية في البلد بشكل مفاجئ، بعد أن تم تقويضها بالفعل بسبب أربعة عشر عامًا من الحرب والعقوبات وموروث أطول بكثير من الديكتاتورية والفساد.
أدى الفراغ الناتج عن ذلك إلى ظهور ميليشيات من مختلف الأنواع، في البداية بسبب التخلي عن ترسانات الأسلحة. بعض هذه الميليشيات متحدر من حركات متطرفة مثل داعش أو منشقي هيئة تحرير الشام، سعت إلى إعادة تنظيم نفسها وتحدي الحكومة المؤقتة الجديدة. وتحافظ ميليشيات أخرى على هدف الدفاع عن مجتمعاتها المحلية، غالباً بالتنسيق مع وزارة الدفاع الجديدة ولكن دون أن تخضع لقيادتها الكاملة. هذا هو حال الدروز في السويداء – حتى صراع يوليو – أو التحالف الكردي العربي في الشمال الشرقي، الذي كان يسيطر بالفعل على أراضيه.
بعد مرور عام تقريباً على وصول الشرع إلى دمشق، لا يزال السكان في حالة من عدم اليقين. ينتظر السوريون ظروفًا معيشية أفضل، حيث يعيش 90 في المائة منهم في فقر و70 في المائة في حاجة إلى مساعدات إنسانية. وتزداد هذه الظروف الاقتصادية غير المستقرة سوءًا بسبب العنف والتوترات الطائفية التي اشتعلت بدرجات متفاوتة حتى بعد انتهاء الحرب رسميًا.
كل هذا يظهر توترًا بين سوريين اثنتين. من ناحية، سوريا الملايين الذين خضعوا للاستبداد والضغط النفسي والقمع الاقتصادي في عهد الأسد والذين يريدون الآن حرية حقيقية. من ناحية أخرى، تسعى الحكومة الجديدة إلى إعادة بناء الدولة وفق معايير جديدة من خلال تعزيز سلطتها بوسائل مختلفة — من الدمج السياسي والاجتماعي إلى العنف الصريح.
الطائفية: أداة سيطرة
على الرغم من تعهد الشرع بحماية الأقليات العرقية والدينية في سوريا، لا يزال العديد من أفراد الطائفة العلوية والدروزية والمسيحية وغيرها من الطوائف غير مقتنعين. ولإجبار المقاومين، يلجأ إلى استخدام القوة. تعاني مناطق حماة وحمص والسويداء ودمشق من مستويات متفاوتة من العنف الطائفي الذي يقوض آمال العديد من السوريين في المستقبل.
غرقت محافظة السويداء الجنوبية منذ يوليو في الفوضى، ما شكل الأزمة الثالثة الكبرى في سوريا في ظل الحكومة الانتقالية الجديدة. هذه المحافظة تتميز بجبال منخفضة ومناظر طبيعية خضراء متأثرة بنهر اليرموك، الذي يغذي الجنوب بأكمله بأراضٍ خصبة مثالية للزراعة.
أدى اندلاع اشتباكات عنيفة بين القبائل البدوية المسلحة والميليشيات الدرزية المحلية، التي بدأت في محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، إلى عودة مشاهد الحرب التي عانى منها الشعب السوري بأسره. لا تزال الفصائل الدرزية المسلحة موجودة هناك، والتي، على الرغم من خلافاتها، تبقي مسافة بينها وبين الحكومة الجديدة أو تعارضها بشكل مباشر.
في يوليو، أدى اختطاف تاجر درزي من قبل فصائل بدوية (متحالفة مع الحكومة الجديدة) إلى قتال عنيف فتح الباب أمام تدخل القوات الحكومية بمساعدة الفصائل الدرزية المحلية. كانت النتيجة كارثة زادت من تدخل إسرائيل في جنوب سوريا بشن غارات جوية ضد الجيش السوري. تبع ذلك تعبئة جماعية للقبائل البدوية، ما أدى إلى مذابح ارتكبها كلا الجانبين تم توثيقها في عشرات مقاطع الفيديو المروعة التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي. والآن، ربما أصبحت المفاوضات لدمج محافظة السويداء تحت سيطرة الحكومة الجديدة أبعد عن المتناول من أي وقت مضى.
وفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان، قُتل أكثر من 814 مدنياً أو مقاتلاً غير مسلح وجُرح أكثر من 903 آخرين. ويقدر العاملون في المجال الإنساني أن هناك أكثر من مائة ألف نازح داخلياً يلتجئون إلى مراكز مؤقتة في درعا ودمشق. وأخيراً، تسود هدنة هشة في المنطقة الجنوبية، حيث تم منع وصول الصحافة، والمساعدات الإنسانية نادرة، والمياه والغذاء شحيحان منذ عدة أسابيع. والآن يسود هدوء هش ووقف مؤقت لإطلاق النار في المنطقة الجنوبية.
هذه الأزمة استمرار لحالة تطورت عندما أثار تمرد فلول النظام القديم في منطقة الساحل في اللاذقية وطرطوس، الموجه ضد المدنيين وقوات الأمن، رداً قمعياً من الحكومة. لكن هذا الرد أدى إلى مذابح أوسع نطاقاً للمدنيين وإعدامات خارج نطاق القضاء. لم تترك وحشية القوات الحكومية مجالاً للتمييز، حيث وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل أكثر من 1500 شخص. على الرغم من أن الحكومة في دمشق وصفت الفظائع بأنها ”أعمال فردية“ ووعدت بالتحقيق فيها، إلا أنه لا يوجد بعد عدة أشهر دليل على اعتقال المسؤولين عنها.
تبدو الرواية الرسمية وكأنها حجة في بلد غالباً ما يسبق فيه الانتقام العدالة. بموازاة ذلك، خلص تحقيق أجرته وكالة رويترز إلى أن سلسلة قيادة مرتكبي الجرائم تمتد إلى العاصمة دمشق، حيث تُبذل محاولات لإلقاء المسؤولية عن جرائم عائلة الأسد على المجتمع العلوي بأسره.
وقد حلت هذه المصيبة بالطائفة الدرزية في أبريل، خلال أربعة أيام من الحرب الأهلية في ضواحي دمشق، ومرة أخرى في هجوم على الأقلية المسيحية في 22 يونيو، أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 25 شخصاً وإصابة 65 آخرين. وبعد أن نسبت الحكومة الهجوم إلى تنظيم الدولة الإسلامية، أعلنت منظمة غير معروفة تدعى ”سرايا أنصار السنة“ مسؤوليتها عن الهجوم، وكشفت عجز الحكومة عن حماية جميع الطوائف.
لكن عوض الاقتصار على محاربة هذه القوى المدمرة، تستعل الإدارة الجديدة الطائفية لتعزيز قبضتها على السلطة. وهذا يخدم غرضاً مزدوجاً: فمن ناحية، يقدم المجتمع السني على أنه الضحية الوحيدة لقمع نظام الأسد، بينما في الوقت نفسه يستميل قطاعات من السكان السنة الذين يمكن أن يصبحوا متمردين – غالباً بدافع الولاء القبلي أكثر من الأيديولوجيات القومية – كما يتضح من التعبئة الأخيرة للقبائل البدوية. من ناحية أخرى، تجعل الحكومة مجموعات عرقية أو دينية معينة كبش فداء، وتصورها على أنها تهديد للأمن أو مسؤولة عن مشكلات البلد. وهذا يصرف انتباه الرأي العام عن التحديات الاقتصادية والسياسية الأعمق في سوريا.
مركزة هشة
توجد في قلب الاضطرابات العنيفة الأخيرة في سوريا مشكلة هيكلية أعمق: فالرئيس الشرع لا يسيطر بشكل كامل على الفصائل المختلفة داخل هيئة تحرير الشام ولا يحكم كل الأراضي السورية. وينبع عجزه عن فرض اتفاقات سياسية واسعة النطاق من غياب جيش موحد، واستمرار تنافس أمراء الحرب المحليين، وخطاب استراتيجي لا يزال يتمسك بـ ”القضاء على بقايا نظام الأسد“. ومع ابتعاد السلطة عن دمشق، تتعرض السلطة المركزية للتقويض بشكل متزايد.
ومع ذلك، حتى في الوقت الذي يحدد فيه التفتت مشهد القوى المسلحة في سوريا، تتقدم المركزة السياسية من الأعلى إلى الأسفل. الدستور المؤقت الصادر في مارس – على الرغم من أنه يضمن اسمياً حرية المعتقد والتعبير والمساواة القانونية – عزز سلطات واسعة في يد الشرع. فقد بات يتحكم الآن على التعيينات في المحكمة الدستورية، وثلث السلطة التشريعية، ويمكنه إعلان حالة الطوارئ متى شاء. وتمت إزالة الرقابات المؤسسية بشكل منهجي تحت ستار الوحدة الوطنية.
على الصعيد الدولي، تتخذ سوريا خطوات مهمة. إن إعلان إدارة ترامب رفع العقوبات الأمريكية (بما في ذلك قانون قيصر الذي فرضته رئاسته الأولى في عام 2019)، إلى جانب إعادة دمج سوريا في نظام SWIFT المصرفي، يبشران بمسار نحو الانتعاش الاقتصادي، على الرغم من أن تنفيذه سيستغرق شهوراً. في الآن ذاته، تجري مفاوضات مع إسرائيل في باكو حول هضبة الجولان، حيث تقع سوريا ضحية لتوسع آخر للاحتلال الصهيوني. تشير كل هذه النقاط إلى تحول دبلوماسي قوي يبعد هيئة تحرير الشام أكثر عن العقيدة الجهادية المتشددة التي نشأت في جبهة النصرة السابقة.
ومع ذلك، ربما تكون المخاوف من ظهور استبداد ناشئ أو دولة إسلامية مبالغًا فيها. تحاول إدارة الشرع تطبيق نموذج حكم هجين: مركزية استبدادية مقترنة بلامركزية تكتيكية، تنطوي على تحالفات مع زعماء القبائل ورجال النفوذ المحليين.
وفي هذا الصدد، أدى التركيز على الهوية العرقية أو الدينية بالتأكيد إلى تقويض أي احتمال لتطور سياسة قائمة على الطبقات الاجتماعية. فقد تم قمع المجتمع المدني – الذي كان نابضاً بالحياة في الأيام الأولى للانتفاضة – بواسطة عنف الدولة، في حين تم حل الأحزاب السياسية والنقابات العمالية باسم الانتقال الوطني. واختفت الاحتجاجات التي نظمها موظفو الدولة في الأشهر الأولى ضد التسريح من العمل ومن أجل تحسين الأجور بعد المذابح التي وقعت في اللاذقية وطرطوس.
وفي عدة مناسبات، قُتل عمال في طريقهم إلى منازلهم ليلاً. وخلصت تحقيقات مختلفة إلى أن هذه الحوادث لم تكن مرتبطة بالعصابات، بل كانت هجمات طائفية مخططة. وفي حين أن الأجور الحقيقية تقل عن 150 دولاراً في الشهر، قلة هم الذين يجرؤون على الاحتجاج بعد أن قام مهاجمون مجهولون بترهيب المتظاهرين في عدة مناسبات. وقد شهدت حلب ودير الزور مؤخراً مظاهرات للمعلمين للمطالبة برواتب أفضل، لكن هذا بعيد كل البعد عن بلوغ مستوى تسييس جماهيري للمطالب الاقتصادية.
في الوقت الحالي، تظل مسألة القوة المسلحة حاسمة، مع الجهود المبذولة لتوحيد الجيش السوري الذي يهدف إلى وضع جميع الفصائل المسلحة تحت قيادة مركزية. إذا كان قادة هيئة تحرير الشام تمارس سيطرة صارمة على العديد من الميليشيات السنية في إدلب، فإن عليها الآن التفاوض مع المجتمعات غير السنية، مثل الدروز والأكراد، التي لا تزال فصائلها المسلحة تسيطر على أجزاء من جنوب وشرق سوريا. لكن جهود التكامل هذه تصل إلى حدودها. لا يزال اتخاذ القرارات على أعلى المستويات مركّزًا في دائرة صغيرة من المقربين، في حين تقاوم الفصائل المتنافسة على الأرض الانضباط للسلطات الجديدة.
والأشد ضررًا من ذلك كله هو الإفلات من العقاب الذي يستمر في ظل العنف. فهذا يقوض مصداقية خطاب الشرع المُمَركِز ويكشف حقيقة أعمق: يبدو أن الاستراتيجية الحالية للغرب تدعم هذا النظام الجديد باعتباره ضامنًا للاستقرار العسكري. لكنها بذلك تخاطر بتكرار أخطاء الماضي — بدعم رجل قوي آخر في منطقة تغوص أكثر فأكثر في الفوضى.
سانتياغو مونتاغ صحفي ومصور أرجنتيني. نُشرت أعماله في وسائل إعلام ناطقة بالإسبانية مثل La Izquierda Diario وLa Tinta وJacobin Latin America وNueva Sociedad وCTXT وEl Salto.
اقرأ أيضا


