المساعدات الإنسانية في غزة: الأداة الاستعمارية الجديدة
بقلم؛ سارالاسكا Saralaska
يتناول هذا المقال أحداث وتداعيات الإجراءات المتخذة من قبل الهياكل (اللا) إنسانية الخاصة التي أُنشئت مؤخراً في غزة. وكيف أن الديناميات الأمنية بعد عام 2001، وتدمير القطاع العام للعمل الإنساني، وفترات تنفيذ وتطبيق هذه المساعدة، تجعل منها أداة استعمارية مقنعة تحت راية مؤسسة غزة الإنسانية [م.غ.إن] (GHF). إن ما يبدو أنه حل مادي ومؤقت لعواقب الإمبريالية–أي المساعدة الإنسانية–ما هو إلا إكمال لها.
يُعرّف لينين(1) الإمبريالية بأنها «الطور الاحتكاري في الرأسمالية» أو «رأسمالية طفيلية». يتجدد الطابع الطفيلي المميز للإمبريالية وفقًا للتشكلات التاريخية، ويتميز بشكل مختلف وفقًا للأطر المكانية والزمانية التي يعمل فيها. فيما يتعلق بفلسطين، يتجلى التطفل الإمبريالي بالتأكيد في استغلال الأراضي من قبل «الدول الريعية» التقليدية والمستقرة، ولكنه يبلغ حد إعادة استحواذ هذه الدول على «الحلول الإنسانية». وتتشكل هذه «الحلول» من خلال الخصخصة التي لم تعد قادرة على التخفيف من الظروف الضارة الناجمة عن النهب الرأسمالي الذي يحول العمل الإنساني إلى استراتيجيات لاإنسانية. لم تعد الإمبريالية العدوانية الممارسة في فلسطين مجرد مجموع المستوطنات الاستعمارية، وسياسة الأرض المحروقة، والتعذيب بالجوع، وترحيل الفلسطينيين خارج أراضيهم، بل أصبح يشمل الآن هذا العنصر الجديد الخبيث الذي يضمن غطاءً إنسانيًا.
يصطدم تحالف الولايات المتحدة وإسرائيل بالحدود المحتملة لتعاونهما الإمبريالي المشترك، أي آراء شعبيهما، ولكن أيضًا نظرة المجتمع الدولي إلى الوضع الراهن. لم يعد ممكنا تبرير العمليات العسكرية القائمة بالاستناد إلى مبررات أيديولوجية حول «الديمقراطية في الشرق الأوسط»، أو احترام الحريات الأساسية. لم يعد التوثيق المباشر للإبادة الاستعمارية كافياً لإشباع الجشع للتوسع في الأراضي داخل الشرق الأوسط، بل أصبح من الضروري تجنب اللوم وإخفاء الوحش. تجسد المساعدة الإنسانية هذا التجميل المفضوح، ويصل استغلالها إلى ذروته عندما تصبح المساعدة الإنسانية، بالنسبة للتحالف الإمبريالي المذكور أعلاه، أداة رأسمالية بالضرورة بالنسبة لأحدهما وحيوية استعمارية بالنسبة للآخر، تتجسد في إنشاء مؤسسة غزة الإنسانية (م.غ.إن). النتيجة النهائية أن المشروع الإمبريالي المشترك وراء الخصخصة والعسكرة يظل ملتبسا. هل هو مشروع ”إسرائيل الكبرى“ للكيان الصهيوني أم خطة ”غزة-ريفييرا“ لدونالد ترامب؟ لم يحن الوقت بعد لمناقشة توزيع هذه المنطقة من الأراضي بين الدول الاحتكارية، بل يجب أولاً تسريع الاستعمار مع تحقيق الأرباح.
جعل خصخصة المساعدات الإنسانية ممكنة لتجاوز هياكلها المؤسسية ومبادئها الأساسية
نشأت، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، موجة من التعاون الدولي. تجسد هذا التضامن العابر للأوطان تحت نير الأمم المتحدة تحت شعار ”لن يتكرر ذلك أبداً“. يسعى منطق الأمم المتحدة إلى إقرار ”سلام المنتصرين“ عبر وضع خمس قوى استعمارية على رأس هيكلها التقريري. وبعد أن منح نفسه حق النقض، أصبح بإمكان هذا التعاون الإمبريالي أن يقرر–وبكل شرعية–توزيع سيطرته ووكلائه ومكافآته الرمزية التي تضعه في موقع القوى المنقذة. بديهي أن هيكل القرار هذا المحتفظ به هو اليوم عامل يسهم في استحالة، بل وحتى في إبطال، القانون الدولي عندما تتخذ القرارات وفقاً لرغبة إدارة ترامب. وفي الآن ذاته، تتجسد الرغبة في القطيعة النهائية مع فظائع الهولوكوست في تطوير برامج مساعدات إنسانية تهدف بشكل متقطع ومحدد إلى مساعدة الدول التي يعاني سكانها من الجوع والاضطهاد والتعذيب. في هذا السياق، نشأت الأونروا(2) على الرغم من أن ظهورها لا يعود إلى تطلعات إنسانية من جانب الولايات المتحدة، بل إلى رغبة في استغلالها، لا سيما في سياق الحرب الباردة، إلا أن الأونروا أصبحت مستقلة تدريجياً، لا سيما من خلال خيبة أمل الكونغرس الأمريكي الذي لم يعد يرى فيها أي مصلحة(3). وعززت الأونروا عملها الإنساني، وأصبحت بعد ذلك دعامة أساسية لمساعدة سكان غزة، مع الحفاظ على ”الكسالة التامة لجمهور مجبر على العيش في ظروف غير عادية“.
وفي الآن ذاته، انتقل نموذج المساعدة الإنسانية الأول في التسعينيات إلى نموذج جديد للمساعدة الممركزة من قبل المنظمات غير الحكومية (4). ومع ذلك، أدت أزمة دولة الرعاية، وبشكل أعم الأزمات المالية في الغرب، إلى ظهور ”سوق التضامن“(5) حيث يسود الآن منطق اندماج المنظمات غير الحكومية أو خصخصتها. تدخل المنظمات الإنسانية، بغية الحصول على أموال من المانحين العامين أو الخاصين، دينامية تنافسية بهدف الوصول إلى موقع احتكاري في هذا القطاع. وتؤدي آليات المناقصات (طلب العروض) الأمريكية، وبالتالي اختيار المنظمات–المربحة–من قبل المانحين، إلى تكثيف التداخل بين القطاعين العام والخاص في ”صناعة المساعدة“(6) حيث يصبح المستفيدون المفترضون «حصصًا محتملة في السوق «(7). يتميز إضفاء طابع السلعة على المساعدة الإنسانية هذا في فرنسا بين عامي 1990 و 2007 بتضاعف تمويل الشركات عشر مرات باسم التنمية وليس باسم الهيئات الداخلية في البلدان المعنية.
إماتة الأونروا
على جانبي المحيط الهادئ، قامت أطراف التحالف الأمريكي-الإسرائيلي بتفكيك النسيج الإنساني الذي جسدته الأونروا، إما بالتخفيضات في الميزانية الأمريكية منذ عام 2018 (بدفع من نيكي هالي)، أو بحظر وجود الوكالة الأممية على ”الأراضي الإسرائيلية“ بحجة وجود صلات مفترضة بين موظفيها وحركة حماس. يجب تحليل هذه القرارات–التي انتقدها العديد من الفاعلين والمنظمات غير الحكومية على الصعيد الدولي–من منظور خاص بفلسطين، لاسيما في الوقت الذي تطمح فيه حكومة إسرائيل إلى استراتيجية لخصخصة المساعدات الإنسانية واحتكارها. تتعلق إحدى الحجج الرئيسية التي ساقتها إدارة ترامب الثانية، لتبرير وقف تمويل الأونروا ، بمشاركة اثني عشر موظفًا من الهيئة في هجوم 7 أكتوبر 2023. وقد نشرت هذه المعلومات في يناير 2024 على موقع إخباري إسرائيلي مقره في القدس، زاعمًا أنه يستند إلى «مصادر داخلية في الحكومة الإسرائيلية «(8) على الرغم من إعلان فيليب لازاريني(9)، مدير الأونروا، عن إجراء تحقيق، يصعب الوصول إلى مصادر موثوقة أو حتى موجودة بشأن هذا «التحقيق»، وبالتالي بشأن نتائجه. ومع ذلك، سواء كان هذا التورط حقيقيًا أو زائفا، فقد أعلنت إدارة ترامب الأولى عن إلغاء منحها اعتبارًا من عام 2018. يدعو الإعلان الأول إلى التساؤل عن الطبيعة المحفزة أو الأدواتية لحجة ترامب الثاني بشأن علاقات الوكلاء الأمميين بحركة حماس. كانت الأسباب متعددة بالفعل وتدخل في إطار استراتيجية العزل الأحادية— المعروفة أيضًا بالجاكسونية(10) — لدونالد ترامب، وهي تعزيز المصالح الداخلية للولايات المتحدة بتوسيع نفوذها في الخارج بشكل أحادي الجانب. وبعيدًا عن المصالح الأمريكية، تعتبر إدارة ترامب أن الأمم المتحدة سياسية للغاية وتتسم بـ”تحيز ضد إسرائيل»(11). حتى قبل اتهامات العلاقة مع حركة حماس بوقت طويل، كان مصير الأونروا وتمويلها قد حُسما بالفعل من قبل ترامب الأول، ولم يقم ترامب الثاني سوى بتحفيزه. إنه من المهم، في عصر الرأسمالية المعولمة، الاهتمام بالديناميات النيوليبرالية للتحول من الهياكل العامة مثل الأونروا إلى نماذج خاصة للمساعدة الإنسانية على غرار مؤسسة غزة الإنسانية.
أكمل القانون الذي يجرم ويحظر الأونروا داخل الكيان الإسرائيلي، المصوت عليه عليه في أكتوبر 2024، سقوط هذه الوكالة، بينما أدى إلى ظهور منافسة مصحوبة بتسويق خارجي من قبل العديد من الشركات الخاصة، على غرار إحدى المجموعات الأولى التي اتخذت موقفًا لجذب الحكومة الإسرائيلية، شركة Global Delivery Company (GDC) : « When crisis hits, GDC is there for you [، «. إنه تنافس لاحتكار قطاع المساعدات الإنسانية : اللاعقلانية أو النقيض المثالي لتجسيد طفيليّة الإمبريالية المعاصرة. في هذا التنافس بين الشركات الخاصة الجشعة، التي لن تولي أي اعتبار للشعوب المضطهدة، يبدو أن مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)، التي ينبغي أن يثير تاريخ إنشائها الحديث التساؤلات أكثر مما يثير الارتياح، تجسد طموحات التحالف الأمريكي-الإسرائيلي. أنشئت في فبراير 2025، وحصلت هذه المنظمة ”غير الربحية“ على احتكار الوضع منذ الربيع التالي. إن غموض تنظيمها المالي، وعدم وضوح وضعها القانوني، وموقعها الخاضع لسيطرة شركتين عسكريتين خاصتين (UG Solutions و Safe reach Solutions) تخضعان بدورهما لسيطرة شركة أمريكية لإدارة الأصول (Two Ocean Trust LLC)، تنذر بوجود منظمة راسخة في الإمبريالية الأمريكية القائمة والغامضة. وقد استقال جيك وود، المدير التنفيذي السابق للمنظمة، في نهاية مايو، مسلطاً الضوء على غياب المبادئ التأسيسية للقانون الدولي الإنساني، ومبدأ الحياد والاستقلالية(12). وسيحل محله–في إطار العشائرية الترامبية المستمرة–مستشار دونالد ترامب والمقرب من الحكومة الإسرائيلية: جوني مور.
نزع الطابع الإنساني عن المساعدات الإنسانية
يتميز القطاع الإنساني، عمليا وقانونيا، بمبادئ الاستقلالية والإنسانية والحياد والنزاهة(13)، ويتميز سياسيا بعمله والنية الكامنة وراء هذا العمل(14)
قدم روني باومان، الرئيس السابق لمنظمة أطباء بلا حدود وأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس، تعريفًا توافقيًا وغير مثير للجدل للعمل الإنساني»: العمل الإنساني عمل يهدف، بشكل سلمي ودون تمييز، إلى الحفاظ على الحياة مع احترام الكرامة، وإعادة الإنسان إلى قدراته على الاختيار“، ثم يضيف»: النية من وراء الفعل، التي يجب أن توجهها رعاية الآخر، وليس الدفاع عن المصالح». باختصار، لا يمكن للمصالح الخاصة أن تصاحب العمل الإنساني، وبالتالي لا يمكن خصخصة هذا العمل دون خيانة جوهره، بل ودون أن يكون جزءاً من الهندسة الإمبريالية.
الشعب الفلسطيني هو الميدان المباشر لاختبار انتقال نماذج المساعدة إلى استراتيجيات ذات أهداف ربحية واستعمارية، وبالتالي فإنه يعاني من تكثيف المذابح تحت غطاء المساعدة الإنسانية. وقد أدى التدمير التدريجي لوكالة الأونروا إلى ترك أرض خصبة ومناسبة لهيكل المساعدة الإنسانية الأمريكية الخاصة: مؤسسة غزة الإنسانية، هذا التمثيل المنسق تمامًا للانتقال من القطاع العام إلى القطاع الخاص يسمح بمواصلة تقديم ”مساعدة“ أساسية وحيوية لا بد من سدها عندما لا تكون المساعدة العامة موجودة–عن قصد.
يمكن اعتبار انسحاب الدولة الأمريكية من التمويل بمثابة إعادة انتشار لها. فهي تتخلى عن امتيازاتها الإنسانية في فلسطين من خلال إلغاء المنح المقدمة إلى الأونروا، ولكنها ليست في وضع انسحاب، لأن مؤسساتها الخاصة — المرتبطة بالدولة — تضمن استمرارية الخدمات الإنسانية المزعومة. باختصار، فإن الخصخصة كأداة لإعادة نشر الدولة — من خلال حكومة بديلة — تسمح في نهاية المطاف لهذه الأخيرة بإعادة تطوير نفسها بالاعتماد على جهات فاعلة خاصة مؤسسة غزة الانسانية (GHF) للوصول إلى مزيد من السيطرة من خلال سيادة داخلية وخارجية مدعومة)(15) بتشويش الحدود بين المجالين العام والخاص. إنها شكل جديد من أشكال الحكم الراسخ في المنطق النيوليبرالي الذي يؤكد النظريات ما بعد الفيبيرية (نسبة الى ماكس فيبير) حول إعفاء الدولة مما يسمح، بنحو مفارق، بإعادة تأكيدها من خلال القطاع الخاص. يتيح الوجود الأمريكي في قطاع غزة ضمان استمرار الهياكل العسكرية في المنطقة، ما يجعل الشرق الأوسط وكيلاً للإمبريالية الأمريكية. كما أنه يتيح لهاالوقوف في صفوف استراتيجية ترامب الرمزية والمنقذة في الشرق الأوسط. من الواضح أنه إلى جانب المكاسب السياسية والرمزية، والعلاقات بين إدارة ترامب وهذه المنظمة الإنسانية، فإن مؤسسة غزة الانسانية تدر أيضًا أرباحًا للجهات الفاعلة في الهيكل الاقتصادي الذي يسمح لها بالاستمرار. يصعب الوصول إلى المعلومات المتعلقة بمصادر التمويل المختلفة بسبب الغموض الذي يكتنفها، على الرغم من أن بعض المقالات تسلط الضوء على مصدر جزء من التمويل، أي الحكومة الإسرائيلية.
يترافق هذا التدخل الأمريكي عبر القطاع الخاص في الشرق الأوسط مع زيادة عسكرة المساعدات الإنسانية. فقد تطورت شركات المساعدة الإنسانية الخاصة، التي تسعى إلى تحقيق الربحية أكثر من الالتزام الأخلاقي بالممارسة، لصالح الأمن والدفاع الإسرائيليين. ولا يتمتع موظفو مؤسسة غزة الانسانية بأي تدريب في مجال المساعدة الإنسانية أو التنمية، بل هم في الغالب موظفو أمن أمريكيون سابقون مسلحون. هذه الهياكل الخاصة هي في الواقع طريقة جديدة للتحايل على الهياكل الإنسانية التقليدية، ولكنها قبل كل شيء تعمل على عسكرة عمليات التوزيع.
عسكرة هياكل المساعدة الإنسانية
على غرار سامي مكي (16)، يسلط بعض الباحثين الضوء منذ عام 2010 على التحول الأمني للدول الغربية–بدفع من الولايات المتحدة وديناميات ما بعد 2001–التي ”تستعيد زمام المبادرة في العمل الإنساني [لدمجها] في مكونات العمل الدبلوماسي والعسكري“.
لا تتدخل عسكرة المساعدات الإنسانية هذه في صراع متماثل ولا خلال حرب أهلية، بل تتدخل خلال إبادة جماعية استعمارية حيث تُستخدم جميع الاستراتيجيات لتحقيق الهدف النهائي. ونتيجة لذلك، تسببت عسكرة المساعدات الإنسانية في العديد من عمليات القتل في قطاع غزة. سجلت قناة الجزيرة منذ 27 مايو زهاء عشرة قتلى و62 جريحاً بسبب هجوم الدبابات الإسرائيلية أثناء توزيع المساعدات، وهو ما رد عليه الجيش الإسرائيلي بإطلاق ”طلقات تحذيرية“ لإبعاد السكان الذين كانوا يحاولون الوصول إلى نقطة التوزيع. أصبحت هذه المذابح أمراً روتينياً في نقاط التوزيع، مثل تلك التي وقعت في ويتكوف في 1 يونيو 2025، ثم تكررت في 8 و9 و10 و11 و12 و14 و15 يونيو، إلخ. لا تتيح التدريبات العسكرية التي يتلقاها العاملون الجدد في المجال الإنساني أي خبرة ملموسة ومناسبة وملائمة للواقع فيما يتعلق بهذه الجرائم المختلفة. هذه ”المسالخ البشرية“، على حد تعبير وزارة الصحة في غزة، مصحوبة بمعدات خوارزمية لمراقبة السكان تتيح هامشًا جديدًا من التعسف في تفسير الإجراءات التي تصفها الحكومة الإسرائيلية بأنها مشروعة. تتيح هذه الآليات مرة أخرى تبرير الحرمان من الحرية والقتل الجماعي تحت ستار مكافحة الإرهاب. ومع ذلك، عندما أدى ما يسمى بمكافحة الإرهاب إلى اغتيال النساء والأطفال في القطاع بنسبة 70 بالمائة منذ بداية الإبادة الجماعية(17)، لا يزال من الصعب تبرير بأي وسيلة ما يسمى بمحاربة حركة حماس. علاوة على ذلك، وجدت التفسيرات الإسرائيلية لأهدافها استمرارية في نقاط التجمع هذه التي تسمح بتجميع السكان من أجل ”إدارة“ أفضل بمعنى الكلمة الخاص بالإبادة.
وبالمثل، تتيح خريطة مركز أبحاث بي بي سي(18)، التي تم إعدادها في 31 مايو 2025، تحليل الانتشار الجغرافي لنقاط التوزيع هذه من أجل تحليل الخيارات السياسية والإمبريالية لموقعها. تقع ثلاثة من أصل أربعة نقاط في أقصى جنوب قطاع غزة، على الحدود المصرية، بينما تقع النقطة الأخيرة في شمال القطاع. تطابق هذه المناطق الجغرافية آخر تصريحات الحكومة الإسرائيلية بشأن مشاريع ترحيل السكان الفلسطينيين. وقد نددت أكثر من مائتي منظمة غير حكومية بالقتل الجماعي الذي كان يحدث في هذه المناطق المكتظة بالسكان والمُعسكَرة، بحجة أنه في غضون أربعة أسابيع «قُتل أكثر من 500 فلسطيني وجُرح ما يقرب من 4000 آخرين لمجرد أنهم كانوا يحاولون الحصول على الطعام «(19).
التكنو-استعمار كأداة إمبريالية
من ناحية أخرى، تعد التكنو-إمبريالية أداة مفضلة للتحالف الأمريكي-الإسرائيلي من خلال نشر أدوات القياس الحيوي وتكنولوجيا التعرف على الوجه، بحجة البحث عن أي شخص له صلة بحركة حماس لتعميم المراقبة في القطاع. إبان الحصار، كان الاستعمار التكنولوجي الإسرائيلي قد بدأ بالفعل في إخضاع الشعب الفلسطيني للتكنولوجيات الإسرائيلية. وقد تحول إلى أداة استعمارية حقيقية، بطريقة أكثر مباشرة، وبالتالي أسرع. في يناير 2025، سلطت أبورفا بي جي الضوء على الطريقة التي يعتمد بها الفصل العنصري الإسرائيلي على شركات التكنولوجيا الكبرى لمراقبة وقمع ومراقبة السكان الفلسطينيين الذين هم في الواقع في طليعة ضحايا الاستعمار الرقمي(20).يتمثل الجانب الآخر لهذه التقنيات الاستعمارية في إنشاء مراكز للبحث والتطوير من قبل الصناعات التكنولوجية في إسرائيل، التي أدركت المساهمة الأساسية التي يمكن أن يقدمها الاستعمار لخبراتها. تسلط الإحصاءات التي أعدتها حملة «أوقفوا الجدار» الفلسطينية الضوء على تطور قطاع البحث والتطوير (R&D) من قبل التحالف الإمبريالي.
أنشأت، في العقود الأخيرة، أكثر من 300 شركة تكنولوجية متعددة الجنسيات رائدة في هذا القطاع مراكز R&D في إسرائيل، وهو ما يمثل حوالي 50٪ من نفقات الشركات في مجال R&D. استحوذت هذه الشركات متعددة الجنسيات على ما مجموعه 100 شركة إسرائيلية. وقد استحوذ عدد منها […] مثل Intel و Microsoft و Broadcom و Cisco و IBM و EMC […] على أكثر من 10 شركات محلية خلال فترة عملها في إسرائيل. ويوجد أكثر من 30 شركة تكنولوجية […] ناشئة تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار […] في إسرائيل. وهذا يمثل حوالي 10٪ من ”الشركات الناشئة“ في العالم.(21)
تنظيم المجاعة بفضل المساعدات الإنسانية
في وقت كتابة هذا المقال، لا تزال مؤسسة غزة الإنسانية تعمل في القطاع، على الرغم من تراكم المقالات الصحفية التي تدين ممارساتها. مؤخرًا، كشفت تحقيقات أجرتها هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) ونشرتها — جزئيًا — مجلة كورييه إنترناسيونال (Courrier International) عن وجود نادي إنفيديلز موتورسايكل كلوب (Infidels Motorcycle Club) في القطاع، الذي من المفترض أن «يضمن» توزيع المواد الغذائية. هذه الجماعة السياسية الصغيرة من الدراجين الأمريكيين، التي تبدي نزعة وطنية أمريكية شديدة ورفضًا قويًا للإسلام، اتخذت رمزًا لها صليب الصليبيين، الفرسان المسيحيين الذين شاركوا في الحروب الصليبية لاستعادة القدس والأراضي المقدسة من المسلمين خلال العصور الوسطى. يندرج انتشار نادي Infidels MC في سياق استمرار انتهاك القانون الدولي الإنساني ومبادئه، ولكنه يندرج بشكل أساسي في منطق الاستعمار القائم على الكراهية وإنكار وجود شعب على أراضٍ معينة. قام أحد المسؤولين عن أحد مواقع التوزيع التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية مؤخرًا بنشر صورة تظهر لافتة كُتب عليها ”Make Gaza Great Again“ (اجعل غزة عظيمة مرة أخرى). وهو عمل يتيح تحقيق سيطرة استراتيجية ترامب داخل غزة، ولكنه يتيح بشكل أساسي إفلات التحالف الأمريكي-الإسرائيلي من العقاب على جرائمه التي غالبًا ما يتم تجاهلها في العقوبات الدولية.
باختصار، تم تجديد النموذج الإنساني في مرحلة متقدمة من الرأسمالية، وهو يستجيب–في حالتنا–لمنطق أمني أكثر منه إنساني. كان التدمير التدريجي لوكالة الأونروا ضروريًا للتحالف الأمريكي-الإسرائيلي من أجل خلق فراغ مصطنع يجب ملؤه من خلال القطاع الخاص. يستجيب ظهور مؤسسة غزة الإنسانية لهذا النداء من القطاع الخاص من خلال تدمير القطاع العام، ولكنه لا يماثل انسحاب الدولة. ترى دولة دونالد ترامب الأمريكية أن طابعها القرارى قد تعزز بفضل الروابط المتعددة بين الإدارة ومؤسسة غزة الإنسانية، التي أصبحت هيكلًا تتعارض أهدافه تمامًا مع مبادئ العمل الإنساني. تتيح الخصخصة، عبر التحايل على الهياكل المؤسسية والمبادئ الأساسية للمساعدة الإنسانية، تسليح هذه المساعدة نفسها لتتناسب مع الجانب الآخر من التحالفأي الحكومة الإسرائيلية. تتم هذه العسكرة في سياق عام من زيادة الديناميات الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة تحت ستار مكافحة الإرهاب.
المصدر: مجلة L’Anticapitaliste رقم 170 (أكتوبر 2025)
إحالات:
أنظر الإحالات هنا: https://lanticapitaliste.org/actualite/international/laide-humanitaire-gaza-le-nouvel-outil-colonial
وستكون متوفرة حين نشر المقال على موقع المناضل-ة
اقرأ أيضا

