البطالة: رئة للبورجوازية ومستنقع للطبقة العاملة

سياسة17 يناير، 2015

تقديم: لا شك أن إحدى المعضلات التي أنتجتها الرأسمالية، هي البطالة، حيث أن الاقتصاد منظم بطريقة تسمح بوجود ملايين العاطلين عن العمل وبالتالي محرمون من شروط عيش لائقة. هذا الجيش الصناعي الاحتياطي، كما سماه ماركس، يعرف تقلبا عدديا دائما، ارتفاعا وانخفاضا حسب دورات الازدهار أو الانكماش التي يعرفها الاقتصاد الرأسمالي. لكن هذا الاقتصاد حتى في فترة الإزدهار يحافظ على نسبة من قوة العمل عاطلة بشكل دائم؛ و نسبة لها عمل جزئي (ساعات عمل أسبوعية أقل وعقود محددة المدة) إلى جانب النسبة الثالثة التي تشتغل بدوام كامل (عقود غير محددة المدة).
السبب هو أن وجود يد عاملة خارج الانتاج يساعد البورجوازية على الحفاظ على أجور منخفضة بالنسبة للذين يشتغلون وكذا ظروف عمل (خفض تكلفة حماية سلامة وصحة الأجراء) أقل كلفة بالنسبة للرأسمالي. فقوة العمل كأي سلعة كلما ارتفع عرضها في السوق ينخفض سعرها أي كلما كثر العاطلين عن العمل كلما انخفضت الأجور.

مواجهة البطالة مشكلة من؟

في مختلف وسائل الاعلام وعند مختلف أحزاب البورجوازية ومثقفيها، وعند كل المؤمنين بمجتمع الاستغلال الرأسمالي قدرا محتوما، يتم التباكي على وجود العاطلين وخاصة الشباب، ويحاول الجميع أن يجد «الحلول» لهذه «الآفة» مستعملين كل الأبخرة التي من شأنها أن تحجب الحقيقة. حقيقة أن هناك طبقة بورجوازية تستفيد من تواجد يد عاملة وافرة. أرباب العمل يحبذون أن يكون سعر قوة العمل أقل ما يمكن لكي يتمكنوا من نيل معدلات أرباح مرتفعة، هكذا نجدهم يهاجمون الحد الأدنى للأجور ويطالبون بإزالته. وكخطوة أولى تعويضه بحد أدنى جهوي مثلا، كما تهاجم الباطرونا عقود العمل غير المحددة المدة وتقول أنها هي المسؤولة عن البطالة وتتحدث عن كون اليد العاملة غير مؤهلة وتذهب بعيدا وتعتبرها كسولة. ولا تستحيي حتى من طلب العمل المجاني للأجراء تحت غطاء التدريب سواء بعد نهاية الدراسة أو أثناءها. كما تطالب بتعميم عقد الادماج المهني (CIP) على ألا تُلزم بدمج المتدربين من خلال عقود عمل غير محددة المدة (CDI) (1).
إذن البطالة الواسعة هي فرصة للرأسماليين للضغط على أجور المشتغلين نحو الانخفاض وكذا تكثيف وثائر العمل تحث طائلة الطرد من العمل، فكل رب عمل يتفاخر بوجود آلاف العاطلين يتمنون العمل في مقاولته بأجور أقل. لا تشكل البطالة مشكلة للدولة البورجوازية إلا إذا نمت حركة منظمة وجماهيرية للعاطلين في تلاحم مع الحركة النقابية، أي في الحالة التي ينمو الاحتجاج ضد نظام الاستغلال البورجوازي.
إذن البطالة هي مشكلة الطبقة العاملة في كليتها، فهي تدفعها للعيش في شروط نفسية ومادية مدمرة فالمشتغلون يخافون فقدان مصدر دخلهم في حين العاطلين معرضون لإهدار كرامتهم الانسانية نظرا لحرمانهم من موارد تمكنهم من مواجهة متطلبات العيش من مأكل وملبس ومسكن وصحة وتعليم لأبنائهم.. هذا معناه أن مواجهة البطالة يتطلب ضرورة التنظيم والنضال، أولا تنظيم العاطلين وثانيا التعاون مع النقابات العمالية، وحدة النضال بين المشتغلين وغير المشتغلين، هذا يقتضي صياغة ورفع مطالب توحد فعلهم ومصلحتهم، تخص مستويين متكاملين:
الأول، يخص خفض ساعات العمل الأسبوعية، نعمل أقل لكي نعمل جميعا، فكيف يستساغ وجود قطاعات يشتغل عمالها 12 ساعة يوميا، بينما هناك أناس عاطلون عن العمل؟ فحسب جريدة ليكونوميست (عدد 4235 ليوم 18 مارس 2014)، فمعدل ساعات العمل الأسبوعية في القطاع الخاص تصل إلى 47.5 ساعة بدل 44 ساعة المحددة من طرف قانون الشغل. علما أن إنتاجية العاملين ترتفع باستمرار ولا يستفيد منها إلا البورجوازيين. وجود البطالة الهيكلية يؤدي إلى كارثتين؛ فمن جهة، هناك تدمير للعاملين من خلال الانهاك والأمراض المهنية والنفسية المرتبطة بطول يوم العمل وكثافة وثائره، وكذا حرمان العامل والعاملة من الحياة الأسرية والاهتمام بالأبناء (2) والحياة الثقافية والترفيهية. ومن جهة أخرى، تسهم البطالة في تدمير العاطلين من خلال دفع أجزاء متزايدة منهم نحو الاقتصاد الاجرامي؛ كتجارة المخدرات والدعارة واللصوصية. أو الموت غرقا في عرض البحر أثناء محاولات الهجرة خارج البلد. فماذا سننتظر من شباب متروك في غياهيب البؤس والحرمان وهو يتفرج دون انقطاع على بورجوازيين يستعرضون بذخهم وثراءهم الفاحش على شاشات التلفزة وفي المنتجعات وعلى الطرقات وفي الأجواء؟
الثاني، توجيه قدرات الاقتصاد الانتاجية لقطاعات تلبي حاجيات الشعب في التغذية والسكن والتعليم والتطبيب والثقافة والفنون، من قبيل الفلاحة والصيد البحري… وتشييد البنية التحتية العلمية والإستشفائية والصناعية التي تخدم ذلك. فكيف يمكن تبرير بناء المركبات السياحية الضخمة والموانئ الترفيهية والقصور والاقامات الفاخرة (تستعمل أموال المتقاعدين في تمويلها) التي تنعم بها البورجوازية في بلاد كالمغرب يعاني سكانها من نظام تعليمي وصحي وثقافي متخلف ولا يلبي حاجيات المواطنين والمواطنات في العيش الكريم؟ يشهد على ذلك مؤشر التنمية البشرية للبلد.
هذا لن يتحقق طبعا بمبادرة من البورجوازية و عطفا منها، فمنطق البحث عن الربح هو الذي يحرك الاستثمار البورجوازي ويحدد القطاعات الاقتصادية التي يمكن الاستثمار فيها. فوحدها حكومة عمالية مستندة على تعبئة شعبية يمكنها أن تضع إمكانات البلاد المتنوعة ضمن خطة محكمة لتطوير الاقتصاد بكافة قطاعاته وتحترم البيئة الطبيعية وجعله يلبي الحاجات الملحة للمواطنين، بشكل تشاركي يقرر المنتجون/المستهلكون في كل أولوياته.
من أجل بناء حركة نضال ضد البطالة
لا شك أن النضال ضد البطالة يتطلب مجهودا مضاعفا، فمن جهة هناك صعوبة لتنظيم العاطلين لمدة طويلة لأن البحث عن العمل يحرم هذه الحركة من كوادرها التي تكسبها خلال النضالات، وكذا صعوبة إيجاد مقرات التنظيم والإجتماع، ومن جهة أخرى النقابات لا تنظم العاطلين عن العمل ولا تفتح لهم المقرات ولا تقبلهم كأعضاء يناضلون من أجل الحق في العمل أو الحق في دخل يحميهم من البؤس والفقر المدقع، بل الامر من ذلك؛ أنها لا تقبل كأعضاء من طرد من العمل ولو كان سابقا من بين أعضائها.
إن تنامي العمل الهش والعمل دون عقدة ودون حماية اجتماعية (3) يجعل المشتغلين الجدد من الشباب يعانون الأمرين نفسيا من خلال الارهاب الذي يمارسه احتمال فقدان العمل وبالتالي الدخل المالي وما يوفره من فرص سكن وتغذية.
إن النضال ضد البطالة عرف عدة تطورات في بلادنا مع ظهور الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب التي أطرت الشبيبة الجامعية المطالبة بالحق في الشغل، خاصة في الوظيفة العمومية، لأن شروط العمل والأجور والمكاسب بها أفضل من القطاع الخاص، وما تبعها من تشكل لمجموعات الشباب الجامعي الذي يعتصم بالرباط بالإضافة إلى مجموعات أخرى هنا وهناك للمجازين و كذا الشباب بهضبة الفوسفاط.
وحيث أن عدد الشباب ذي التكوين العالي يشكل الأقلية بين باقي العاملين، فنسبة 63 % من المشتغلين لا يتوفرون على تكوين عالي (4)، وحيث أن القطاع الخاص هو المشغل الأساسي للشباب ذوي التكوين المهني والثانوي فإن طرق النضال يجب أن تراعي تطورات الوضع الجديد. خاصة مع احتداد الأزمة الرأسمالية العالمية، وتأثيرها المباشر على اقتصاد البلد. وما تنوي الدولة القيام به فيما يتعلق بوضع الوكالة الوطنية لانعاش التشغيل والكفاءات عبر توسيع تدخلها ليشمل كافة الباحثين عن عمل بمن فيهم من لا شواهد لهم. [حسب تصريح لوزير التشغيل لجريدة ليكونوميست عدد 4235 ليوم 18 مارس 2014].
هذا المعطى الجديد قد يسهل دمج نضالات الشباب المتعلم وغير المتعلم من أجل الحصول على مناصب عمل بعقود تحترم على الأقل الحد الأدنى القانوني من ساعات العمل الأسبوعية وحماية اجتماعية وتغطية صحية. هذا يقتضي تحويل وكلات التشغيل إلى فضاء للنقاش بين مختلف شرائح المعطلين والمعطلات من أجل التشهير بالبطالة وشروط العمل الهش الذي ينخر الشباب والشابات يوميا وكذا التداول في المطالب وسبل النضال والتنظيم لتحقيقها. وكذا خوض مسيرات وطنية موحدة على غرار مسيرة 6 أكتوبر 2013 بالرباط، و لما لا على المستوى الجهوي وفي المراكز الحضرية الكبرى. خاصة مع الانكماش الذي تعرفه نضالية مجموعات الأطر المعتصمة بالرباط وكذا نضالات الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، بعد العجز عن الاستفادة من السياق الناتج عن السيرورات الثورية بالمنطقة العربية وحركة 20 فبراير، من خلال جعل الشباب المعطل في قلب المعركة المندلعة. وقد فاقم هذا الوضع الهجمة القمعية والاعلامية التي تستهدف المناضلين من اجل الحق في العمل والتنظيم. علما أن استعداد المعطلين والمعطلات بمختلف فآتهم للنضال ربيع سنة 2011 كان كبيرا وغير مسبوق.
لقد كشفت المعركة الوطنية خلال يونيو 2014 على ضعف حركة المعطلين الشديد والغير المسبوق، لا من خلال حضور الفروع ولا اعداد المعطلين، هذا ما يجب أن يدفعنا جميعا لإخضاع تجربة نضال مدتها فاقت عشرون سنة للتقييم لفتح أفاق برنامجية وتنظيمية جديدة، تجيب على التحديات التي تجابه الشباب المعطل اليوم بمختلف مكوناتهم.
إن نضالات الشباب المتعلم المنظم في الجمعية والمجموعات المرابطة بالعاصمة، رغم أهميته في كشف زيف الشعارات البراقة التي ترفعها حكومات الاستبداد، إلا أنه لا يمثل إلا أقلية من الشباب والشابات، في حين لا زالت الغالبية تخدعها دعاية الاستبداد حول المشاريع الكبرى التي ستجعل مناصب الشغل تدق أبواب المعطلين.
من شأن هكذا تلاقي أن يقدم حركة النضال ضد البطالة خطوة جبارة نحو الأمام، وخاصة إذا ساهم المناضلون النقابيون العماليون في تسهيل التلاقي وفتح أبواب النقابة في وجه المطرودين من العاملات والعمال والعاطلين.

أ.د
—-
25 يونيو 2014
(1) حسب وثيقة وجهتها نقابة الباطرونا CGEM لوزارة التشغيل، كما ورد في جريدة ليكونوميست عدد 3987 بتاريخ 13 مارس 2013
(2) حسب دراسة المنظمة العالمية للصحة أوردتها جريدة ليكونمويست في عددها 4245 لفاتح أبريل 2014 فإن نسبة 14% من المراهقين المغاربة المتراوحة أعمارهم ما بين 13 و 15 سنة قد حاولوا الانتحار.
(3) حسب إحصائيات المندوبة السامية للتخطيط أوردتها جريدة لكونومويست في عدد 4235 ليوم 18 مارس 2014 فإن 64,4 % من الأجراء لا يتوفرون على عقد عمل. و 26,3% يتوفرون على عقد عمل غير محددة المدة بينما العقد المحددة المدة تشكل نسبة 5,7% و يشكل الشباب أقل من 25 سنة أكبر ضحايا هشاشة الشغل حيث يتوفر 11,1% فقط على عقد عمل.
(4) انظر المرجع أعلاه.

شارك المقالة

اقرأ أيضا