الاتحاد المغاربي: أمال الشعوب المجهضة

سياسة18 فبراير، 2016

أخضعت المنطقة المغاربية لسيطرة استعمارية لثلاث قوى إمبريالية، أولها فرنسا ثم إسبانيا وأخيرا إيطاليا، مع بقاء مدينة «طنجة» منطقة دولية مفتوحة. واجهت شعوب المنطقة الواقع الاستعماري بإطلاق حركة تحرير جذرية تتوافق وخصوصيات كل بلد، حسب اختلاف المستعمر وأساليب الكفاح المتبعة، وتغير ميدان المعارك وتطور المطالب وتنوع طبيعة القيادة في كل طور من أطوار المواجهة. لكن القاسم المشترك هو الوعي الجنيني لوحدة الكفاح ضد المستعمر.

كانت ثورة الريف بقيادة «محمد بن عبد الكريم الخطابي» ملحمة الكفاح الوطني ضد السيطرة الامبريالية، بما تكبدته من خسائر جسيمة في معركة “أنوال” التاريخية بسقوط 17000 قتيل وتدمير كلي للجيوش الاسبانية المشاركة جندا وعتادا . هذه الهزيمة التي كانت لها تداعيات ايجابية على مجمل حركة التحرر الوطني عالميا من الفيتنام شرقا إلى كوبا غربا.
لم يتم إخضاع ثورة الريف إلا بتحالف عسكري فرنسي اسباني مشترك، وبتدخل سلاح الطيران واستعمال إجرامي للسلاح الكيماوي.
تشكلت في باريس لجان التضامن ضد المذابح الامبريالية، و على أنقاض هزيمة ثورة الريف تحت جبروت المجازر الامبريالية سنة 1926. في نفس العام تأسست «نجمة شمال أفريقا» بزعامة «مصالي الحاج» لتنظيم العمال المغاربيين في إطار نضال مشترك وفق برنامج تحرير المستعمرات المغاربية، وهو برنامج من وحي ملحمة عبد الكريم و شعاراتها التوحيدية .
«لو كانت هناك، في تونس، والجزائر، وفي الوقت نفسه الريف، مقاومة مشابهة، لتمت كتابة التاريخ بشكل مختلف» ذاك هو الدرس المستخلص من معارك الريف ضد الاستعمار الامبريالي، فطريق التحرر الوطني يمر عبر توحيد كفاح المغاربيين في خندق واحد.

بعد 20 سنة من مغادرته السجن والاستقرار بالقاهرة، أشرف «محمد بن عبد الكريم» على المكتب المغاربي لمناهضة الاستعمار وتنظيم الكفاح المسلح بالمنطقة المغاربية. وبداية انطلاق الموجة الثانية للكفاح المسلح مع مطلع الخمسينيات بعموم الأقطار المغاربية. ناورت القوى الاستعمارية بعقد اتفاقيات وتقديم تنازلات هناك، مع الحرص على الحفاظ على مصالحها الامبريالية، والإبقاء على الجزائر كأرض فرنسا وراء البحار، على شاكلة «كوادالوب» و «المارتينيك» وهو مخطط أسقطته الثورة الجزائرية بكلفة عالية من الشهداء، في مقارعة من شعب شجاع ينشد حريته أمام نظام امبريالي تساقطت مستعمراته تباعا، ومصر على إبقاء الجزائر جوهرة في تاجه الإمبراطوري للذكرى عن ماض استعماري هزمته نهضة الشعوب.
اتخذت قيادات من ثوار الجزائر كل من تونس والمغرب مقرا لها، و كانت باقي الأقطار المغاربية حاضنة للثوار الجزائريين بالدعم المالي وخطوط إمداد بالسلاح و ممرات لتهريب المطلوبين و مراكز لعلاج الجرحي.
كما كان الرد على اتفاقية اكس – ليبان التي وقعتها الملكية وممثلين عن كبار الملاكين وقادة من الحركة الوطنية البرجوازية، التي بموجبها تحددت ترتيبات الإنسحاب الفرنسي الشكلي من البلد. بخوض جيش التحرير المغربي آخر معاركه ضد تحالف جيوش اسبانيا وفرنسا وبدعم الملكية، هذا الجيش ضم مقاتلين مغاربة وموريتانيين وصحراويين.
مثلت جريمة اغتيال القائد النقابي في تونس «فرحات حشاد» سنة 1952 دليلا على الروابط القوية بين عموم شعوب المنطقة، فقد فجرت الجريمة موجة غضب عارمة بالمغرب حيث دعت المنظمة النقابية إلى إضراب عام تنديدا بالجريمة ووقوع صدامات دامية مع قوات القمع الفرنسية انتهت بمجزرة رهيبة أسفرت عن سقوط عشرات القتلى من بروليتاريا المغرب ورافقته حملة قمع وتعذيب، وزج بنقابين آخرين في السجون.
تبلورت فكرة الاتحاد المغاربي قبل استقلال بلدان المنطقة. فعقد أول مؤتمر للأحزاب المغاربية بمدينة «طنجة» بتاريخ 28- 30 أبريل 1958 بحضور: جبهة التحرير الوطني من الجزائر، وحزب الدستور التونسي وحزب الاستقلال من المغرب.

كما تم توقيع اتفاقية الرباط عام 1963 التي نصت على تحقيق التطابق في سياسة البلدان الثلاث (المغرب- تونس- الجزائر) اتجاه السوق الأوربية المشتركة وتنسيق مخططات التنمية. وتوالت اللقاءات لاحقا حيث تقرر إنشاء أجهزة التعاون ممثلة في اللجنة الاستشارية للمغرب العربي عام 1964 لتنشيط الروابط الاقتصادية.

وتلتها سلسلة اتفاقيات ثنائية رسمية لإيجاد آليات التعاون الثنائي بعد تعذر التقدم في بناء موحد للمنطقة المغاربية.
مرت الدول المغاربية خلال حقبة الثمانينيات بظروف اقتصادية/ سياسية بالغة الصعوبة. فمؤشرات النمو الاقتصادي سلبية والمديونية الخارجية عرفت ارتفاعا مهولا، فضلا عن عجز الميزانية المتصاعد، مما أدى إلى فرض سياسة تقشفية في المجالات الاجتماعية، وتدهورا في القدرة الشرائية وتقليصا لفرص الشغل وارتفاع معدلات البطالة. مما أدى إلى حدوث انتفاضات شعبية متثالية شملت عموم بلدان المنطقة. وكان لتقليص بلدان السوق الأوربية المشتركة من حجم وارداتها من البلدان المغاربية بسبب انضمام كل من دولتي اسبانيا والبرتغال كأعضاء بالسوق الأوربية سنة 1986 ومنحهما الأولوية في ولوج منتجاتهما الفلاحية لهذا السوق وما تتوفر عليه من يد عاملة غير مشغلة واستقبالها لأهم الاستثمارات الأوربية.

جملة محفزات دفعت الأنظمة المغاربية إلى إطلاق محاولات أخرى لبناء الاتحاد المغاربي بدءا بعقد اجتماع «زرالدة» بالجزائر بتاريخ 10 يونيو 1988. ليعقد بعد أقل من عام مؤتمر تأسيس «اتحاد المغرب العربي» بمراكش المغربية بتاريخ 17 فبراير 1989. فتمت المصادقة على معاهدة التأسيس التي وضعت هياكل للإتحاد تشمل أمانة عامة، ولجان موازية مختصة ولجنة للمالية والاقتصاد، ولجنة الأمن الغدائي، ولجنة الموارد البشرية، فضلا عن لجنتي البنيات التحتية والهيئات القضائية. وتنص المادة الخامسة من المعاهدة على عقد مجلس للرئاسة في دورة عادية سنوية وكلما دعت الضرورة.

منذ تأسيسه لم تعقد إلا ست قمم رئاسية، كان أخرها سنة 1994 بتونس. خلاف الأنظمة الحاكمة المستمر حول قضايا كثيرة (قضية الصحراء- رفض «القذافي» لموقف باقي الدول حول قضية لوكربي- الخلاف حول الموقف من غزو صدام للكويت…) أبقى الاتحاد المعلن في غيبوبة تامة لا هو بالميت ليدفن ولا هو بالحي ليتطور.

كانت آمال الشعوب أن يمثل إعلان التأسيس ذلك، انطلاقة حقيقة لتجسيد طموح الرعيل الأول من المناضلين من أجل الاستقلال الوطني. لكن بعد أخر مؤتمر تبين أن القوس، الذي فتحته التحولات العالمية بانتهاء الصراع بين المعسكر الامبريالي ومعسكر وارسو وتداعياته بالمنطقة وتأثيرات الوضع الداخلي للجزائر بعد انتفاضة 1988، وضغوط الأزمة الداخلية في كل قطر من الأقطار المؤسسة، قد أغلق.
المغرب الكبير: المكانة الجيو- استراتيجية للمنطقة

 

يشغل المغرب الكبير مكانة إستراتيجية عالمية هامة، فهو يطل على الساحل الجنوبي الغربي للبحر الأبيض المتوسط من الشمال، ويشكل بوابة رئيسية على أفريقيا جنوب الصحراء من الجنوب، ويمثل امتدادا لمنطقة الشرق الأوسط (الدين- اللغة)، ويمتد على حيّز من المحيط الأطلسي في الغرب، ويطل على أكبر ممرات التجارة البحرية العالمية. هذا الموقع الجغرافي الهام يجعل المنطقة في قلب الإستراتيجية الامبريالية العالمية، من حيث أنه يمثل عمقا حيويا للاتحاد الأوربي، والمنفذ الهام اتجاه القارة الإفريقية. كما تحوز المنطقة على كامل المقومات والإمكانات الكفيلة بتأمين نجاح اتحادها، نظرا للقواسم المشتركة التي تجمع بين شعوبها على غرار الموقع الجغرافي والموارد الطبيعية والمناخ ونفس الأعداء من استبداد وتخلف وتبعية.
تصل المساحة الكلية للمنطقة المغاربية إلى حوالي 5.782.140 كلم مربع أي ما نسبته %42 من مساحة مجموع الدول أعضاء الجامعة العربية، ومساحة الجزائر منه تقارب %41 . والشريط البحري للاتحاد يبلغ 6505 كلم أي %28 من سواحل دول الأعضاء بالجامعة العربية. يبلغ عدد السكان 80 مليون نسمة وفق إحصائيات سنة 2000، ووصل إلى 100 مليون نسمة 2010 أي أزيد من 27% من مجموع ساكنة بلدان الجامعة العربية، ويقطن 78% من هؤلاء في الجزائر والمغرب. المساحة الصالحة للزراعة في بلدان المنطقة تمثل 3.7% يقع 43% منها بالمغرب. أما الناتج المحلي الإجمالي فيبلغ 386.8 مليار دولار للجزائر منه 43% .

المغرب الكبير: إمكانات اقتصادية وبشرية تهدر

 

تتوفر البلدان المغاربية على إمكانيات طبيعية غنية ومتنوعة. فالجزائر وليبيا عضوي منظمة «أوبيك» يحوزان على احتياطات طاقية ضخمة. تملك الجزائر اليوم خامس احتياط عالمي في مجال الغاز وتحتل الرتبة 13 من الاحتياطات البترولية عالميا، وتبلغ حصتها في «منظمة الأوبك» 1.2 مليون برميل يوميا من البترول. تنتج ليبيا 1.6 مليون برميل يوميا وتحتل المركز 17 بين أكبر منتجي النفط عالميا، كما تحتل المرتبة الثالثة كأكبر منتج في إفريقيا، وتحوز على أكبر احتياطات النفط الخام في إفريقيا.
وتتوفر موريتانيا على احتياطات ضخمة من الحديد. وصل إنتاجها في بعض السنوات إلى حوالي 12 مليون طن من الحديد الخام.
كشفت الدارسات الأولية أن القدرات الإنتاجية «لغار جبيلات» جنوب الجزائر تقدر ب 600 مليون طن من الحديد. كما أن القدرة الإنتاجية لمنجم «مشري عبد العزيز» قدرت بحوالي مليار و600 مليون طن من الحديد، وكشف الوزير الأول الجزائري «عبد المالك سلال» أن كلفة استغلال المشروع تتطلب 15 مليار دولار. ولا شك أن مردودية المشروع ستكون أفضل بكثير إن توفر له منفذ للتصدير على المحيط الأطلسي نظرا لبعد مكان الاستغلال عن موانئ التصدير على الساحل المتوسطي.

 

يتوفر المغرب على ما يكفي من إمدادات الفوسفات لثلاثين سنة على الأقل. وهناك تنبؤات تخلص إلى كون المغرب ستكون له السيطرة على السوق العالمية بحصة %85 من احتياط الفوسفات العالمي. إذا أضفنا إنتاج تونس من نفس المادة البالغ 8 مليون طن سنويا ويمثل %9 من إجمالي عائدات الصادرات التونسية. مما يرفع نسب احتكار البلدان المغاربية لاحتياطات الفوسفاط لمستويات عالية. علما أن للفوسفاط دور حيوي أساسي في إنتاج الغذاء، فانعدامه ستنتج عنه مجاعة عالمية لا يمكن احتمالها. زيادة على ما يتم استخلاصه من معادن أخرى بالأخص معدن الأورانيوم المطلوب في الصناعات النووية.

تذهب التقارير المختصة في الإستراتيجية الطاقية إلى دخول العالم ما يسمى «بعصر الغاز الذهبي» مع انطلاق ما يسمى «بثورة الغاز الصخري» في الولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما يثير أسئلة حول استقرار أسواق الغاز العالمي وما يرتبط بها من عوامل العرض والطلب والتكلفة والسعر والمكانة المستقبلية للدول المنتجة الحالية وإستراتيجية الشركات المتعددة الجنسيات المستثمرة في قطاع الطاقة وما سيترتب عن ذلك من تداعيات سياسية عالميا، فوفق دراسة أعدتها مؤخرا إدارة معلومات الطاقة الأمريكية وغطت 41 بلدا حول العالم، تبين أن الاحتياطات العالمية المستكشفة من الغاز الصخري توجد في كل من:

الصين 1100 تريليون متر مكعب
الأرجنتين 802 تريليون متر مكعب
الجزائر 707 تريليون متر مكعب
الولايات المتحدة 665 تريليون متر مكعب
كندا 573 تريليون متر مكعب

 

وتجدر الإشارة إلى أن نسب استكشاف باطن الأرض وفي المياه البحرية بالبلدان المغاربية ضعيفة جدا، بسبب ضعف الأموال المرصودة لذلك أو التأخر التقني والعلمي، مما جعل الدول تعهد بهذه المهمة للشركات الكبرى عالميا؛ بشروط مجحفة مما سيرهن الثروات الوطنية للاستغلال الامبريالي وإستراتيجية شركاته الاستغلالية، عوض أن تكون من ركائز التنمية الوطنية.
كما تزخر المنطقة المغاربية بالقدرات البشرية الهائلة. تضم 100 مليون مستهلك حسب إحصائيات 2010، وهي سوق ضخم وبهرم سكاني بغلبة شبابية. كما عرفت الطبقة العاملة تحولات جوهرية منذ خروج الاستعمار المباشر، تجلى في تزايد أعداد العمال بفعل توسع العلاقات الاقتصادية الرأسمالية وجرفها للقرى التي كانت في الفترة الاستعمارية تحافظ على علاقات اقتصادية بسيطة قبل- رأسمالية وبمحدودية انتشار العمل المأجور. كما تعززت طبقة الأجراء كذلك بالمهارات والمعارف الفنية بسبب انتشار التعليم الثانوي والجامعي ومعاهد التكوين المهني؛ وما راكمته من تطور في المستوي الثقافي ودرجات التنظيم. وهي عوامل أساسية ضرورية لإمكانية تحويل القدرات الطبيعة إلى قاعدة لبناء اقتصاد متقدم ومتحرر من هيمنة التبعية الموروثة عن الاحتلال الرأسمالي.

 

معيقات انطلاق الاتحاد المغاربي

 

تمثل الأنظمة السياسية القائمة العقبة الرئيسية التي تعيق قيام اتحاد مغاربي. فكونها تشترك في صفات الديكتاتورية الشديدة القمع، وغارقة في فساد أسطوري، فقد سعت إلى تأمين إجماع داخلي ضد عدو خارجي يستهدف الوطن. وتمثل هذا العدو دوما في البلد الجار.

 

كان من الممكن أن يكون للسيرورة الثورية التي حصدت رأس نظامين مغاربيين أن يفتح آفاقا جديدة للوحدة المغاربية، إلا أن النتائج السياسية الراهنة لهذه السيرورة الجارية متباينة داخل البلدان المقصودة، فهي أسقطت ديكتاتورية «القدافي» الشديدة الجبروت وأرغمت رأس الديكتاتورية البوليسية بتونس على الفرار، فيما أدت بملكية المغرب إلى تقديم تنازلات سياسية واقتصادية ومناورة سياسية؛ دون أن تفضي إلى تغييرات جذرية تمس صلب السيطرة الملكية. أما نظام الجزائر فلم يرى في تلك السيرورة الثورية إلا عملا تخريبيا نسجته «أيادي مخابرات عدوة» تتربص بالسيادة الوطنية. فأغدق بأموال ضخمة للحصول على سلم مؤقت من زيادات في الأجور وتثبيت العمال المؤقتين وزيادة دعم المواد ذات الاستهلاك الشعبي (مواد غذائية- كهرباء- غاز- البنزين …). كما و عد الرئيس «عبد العزيز بوتفليقة» بإجراء تعديل دستوري عميق وقد أخلف الوعد بعد أن تبين انحصار الموجة الثورية مؤقتا، الناتج في جزء منه عن المخاوف المنتشرة شعبيا، والتي تزرعها الأنظمة المستبدة، من تكرار مآسي الحرب الأهلية كما يقع في سوريا ومن قبل ذلك في ليبيا. مما كان له وقع الكابح لما غذاه من مخاوف تكرار أهوال العشرية الدموية بالجزائر.

 

لا يمكن تحقيق اندماج مغاربي ديمقراطي وتعددي ومستقل عن التبعية للامبريالية في ظل أنظمة مستبدة تكرس كل صنوف الشوفينية؛ وترسخ القطرية البغيضة تحت شعارات وطنية زائفة. أنظر كيف يتسابق النظامين المغربي والجزائري بحماسة منقطعة النظير في الخضوع المذل لمختلف الامبرياليات مقابل تصريح أو بيان رسمي يلمح إلى تطابق وجهات النظر حول القضايا الإقليمية، لتنطلق أقلام الارتزاق الموكول لها دور التهليل بالفتح الدبلوماسي الكبير وترتفع عقيرة النواح في العاصمة الأخرى بالإهانة التي ألحقت بها. المعارك الإعلامية لا تكاد تهدأ لتستعر، استغلال أحداث بسيطة وخلق أخرى لنشر الأحقاد بين الشعبين وتغذية كل صنوف الكراهية الساذجة.

أليس مخزيا أن يتنافس النظامين بمن سيحظى بشرف استقبال كل رئيس جديد لفرنسا مقابل صفقات اقتصادية مربحة للشركاتالفرنسية؟

الجزائر/ المغرب: شعبين أخويين تعزلهما الديكتاتورية بعضهم عن البعض

 

لم يسلم الماضي المشرق من كفاح الشعبين ضد الاستعمار الامبريالي من إعادة التأويلات الدنيئة، حيث قاتل مناضلون مغاربة بأرض الجزائر، وقاتل شهداء جزائريون على تراب المغرب، كما هو الحال مع باقي بلدان المنطقة المغاربية، لم يسلم، من إعادة قراءة مخزية ويختزل في خلاصات تبسيطية تدعم دوام الأحقاد بين شعبين، فدخول الاستعمار الفرنسي إلى المغرب سببه تورط المغرب في دعم المقاتلين الجزائريين، وفي نظر الحقود من الضفة الأخرى فقد خان المغاربة الأمير عبد القادر كما خانوا الثورة الجزائرية بتوقيعهم اتفاقية «اكس ليبان» وأتاحوا لفرنسا أن تنفرد بالثورة الجزائرية.
أقسام متخلفة سياسيا من الشعبين تعرضت لغسل دماغ حقير وأضحت كل مآسيها مصدرها الجار المتربص. الأمر ليس عفويا بل نتيجة آلة جهنمية تشتغل بنجاعة بغاية خلق إجماع داخلي وإخفاء المتسبب الحقيقي في دوام التخلف المقرون بالاستغلال والاستبداد أي مسؤولية الأنظمة القائمة.

إن ضعف الانغراس الشعبي للقوى السياسية المعبرة عن مصالح الأقسام الكادحة في البلدين التي تفصل بطريقة صارمة رايتها عن الأنظمة القائمة وتوابعها وتكافح بلا هوادة عن مصالح شعبها وتفضح بشكل دائم وقوي نظامها بالذات وتكشف ديماغوجيته المسمومة وخلفية مراميه من استعداء شعب شقيق، رافعة شعار شعب المغرب وشعب الجزائر إخوة وعدوهما المشترك نظامي الاستبداد والاستغلال الجاثمين على صدريهما، إن ذلك يجعل الغوغائيات الديماغوجية تلقى صدى لها في تربة أشاعت فيها الأنظمة كل صنوف التخلف السياسي واجتثاث التنظيمات الجماهيرية بغارات قمعية متواصلة وبتصحر ثقافي فضيع وكل ذلك يبرز جسامة المهمة التي تنتظر المنظمات التقدمية الواعية بمستقبل آخر للمنطقة المغاربية.

 

لا يمكن أن تكون هناك قائمة لاتحاد مغاربي بدون أحد اكبر بلديه اقتصاديا وبشريا (الجزائر والمغرب). ويعتبر الصراع بين النظام المغربي والجزائري عقبة تحول تماما دون أي تحقيق للحلم المغاربي.

فبماذا يمكن تفسير أسباب الصراع بين النظاميين؟ ولماذا يفندان على الدوام ما يعبران عنه من رغبة في بناء الاتحاد المغاربي؟
ترجع أسباب الخلاف إلى الشروط التاريخية لتشكل دول ما بعد الاستعمار المباشر وإلى الوضع الاقتصادي الراهن في كل بلدعلى حدة.

فالدولة الجزائرية سليلة ثورة شعبية جذرية واجهت استعمارا فرنسيا شرسا مصمما على الاحتفاظ بالجزائر ملحقة فرنسية بإفريقيا، واتبع لذلك استعمارا استيطانيا خطيرا، وكانت الجزائر أول بلد يحتل وأخر مستعمرة فرنسية بشمال إفريقيا.
كلف دحر الاستعمار الفرنسي مليون ونصف مليون شهيد إضافة إلى مآسي لازالت عالقة بأذهان المقاتلين الذين تسلموا مهمة بناء الدولة. وانخرطت الجزائر رغم التحولات التي صاحبت مخاض بناء الدولة الوطنية، انخرطت بقوة في منظمة «عدم الانحياز» وكانت أقرب إلى المعسكر الذي كان بزعامة الاتحاد السوفيتي، وساندت بقوة دول لازالت تحت السيطرة الاستعمارية.

 

النظام السياسي الحاكم بالجزائر: مركزية الجنرالات بواجهة مدنية

 

يشكل الجيش مصدر السلطة السياسية، وهو الذي يعين الرؤساء ويتحكم في الحياة السياسية عبر جهاز الأمن العسكري التابع لوزارة الدفاع وما من رئيس للجزائر دون تزكية من الجيش. أزاح الجيش أول رئيس في عهد الاستقلال السيد «أحمد بن بلا» ونصب «الهواري بومدين» الذي كان يشغل وزيرا للدفاع، وتدخل الجيش بقوة لوقف انتخابات البلدية 1991 كأول انتخابات تعددية في الجزائر حازت الرجعية الدينية على أغلبيتها، وانتهى مصير «محمد بوضياف» القادم من المنفى إلى الاغتيال. ويرجع الدور المحوري الذي يضطلع به الجيش اليوم إلى السياق التاريخي لتشكل الدولة الجزائرية الحديثة، فالجيش الوطني تشكلت نواته إبان حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، واستمد من الثورة الجزائرية مشروعية تاريخية بالرغم من أن مياه كثيرة جرت في الخمسة عقود بعد الاستقلال الوطني غيرت من طبيعة العقيدة القتالية للجيش الوطني الجزائري من نواة مقاومة وطنية إلى جهاز دولة في خدمة بيروقراطية مدنية وعسكرية وبرجوازية طفيلية، يجمعها تأمين نهب عائد المحروقات كل حسب حصته وكل وفق طريقته.

كانت دولة الجزائر تدار بقوة الجيش وحزب جبهة التحرير الوطني، إلا أن تفجر انتفاضة 1988 فرضت تقنين التعددية الحزبية التي مورست عمليا قبل إقراراها قانونيا، وشهد البلد حراك سياسي وثقافي مفعم بالحيوية سرعان ما أجهض تحت ضربات الجرائم الدموية للإرهاب الظلامي، والقتل الجماعي، كعقاب جماعي مارسته قوات خاصة من الجيش. فخيم جو الرعب والخوف على طول البلد وعرضها. لم يسلم من القتل والحرق والتخريب طيلة العشرية الدامية إلا أبار وأنابيب المحروقات. فقد طلت تؤدي دورها دون أن يطالها أي تهديد بالخطر.

الرئيس الحالي «عبد العزيز بوتفليقة» في أعين الجزائريين استعاد الأمن وحد من دوامة القتل الهمجي الذي ضرب الجزائر بدءا من يناير 1992 جراء وقف العملية الانتخابية في عام 1991. ومن خلال قانون «المصالحة الوطنية» المصادق عليه عبر استفتاء شعبي في 14 غشت 2005 سمح للعديد من المسلحين الذين صعدوا إلى الجبال للعودة وتسليم أسلحتهم مقابل استفادتهم من عدم المتابعة القضائية كما تم الإفراج عن معتقلين في السجون في محتشدات الصحراء للمئات من أنصار التنظيمات السلفية. وهذا ما شجع «عبد العزيز بوتفليقة» في ولايته الأخيرة على تعزيز مكانة الرئاسة وتقليص النفوذ المطلق للجيش في توجيه شبه مباشر لكل الحياة السياسية وهذا ما يفسر الارتباك الشديد الحاصل حول المخاوف من الحالة الصحية للرئيس الحالي وغياب شخصية بديلة من نفس الوزن يحظى بموافقة كل أقسام مراكز القوة وله القدرة على تأمين المصالح القائمة ومعزز بدعم شعبي. وهو يدل كذلك على بداية استناد الرئاسة على تشكل نواة برجوازية صاعدة، مصلحتها في تحرر أكبر للحياة السياسية والاقتصادية من سطوة بيروقراطية الجيش والمخابرات الأمنية. لكن قياس ذلك رهين بالطريقة التي سيتم بها إجراء الانتخابات الرئاسية القادمة ومن سيكون بديلا للرئيس الحالي.

يستند قادة الجيش على مصالح جمة. ففي ميزانية 2013 أنفقت الجزائر على الجيش 10.29 مليار دولار بارتفاع نفقات التسلح بنسبة %14. أما في ميزانية 2014 فتبلغ النفقات المخصصة للجيش والداخلية حوالي 20 مليار دولار أي ما نسبته %15 من الميزانية العامة للدول. فبالإضافة إلى الشركات التابعة للجيش الوطني والأجور العالية للقادة و العديد من الامتيازات. وما يتحصلون عليه مقابل ما يصادقون عليه من صفقات تموينية وعقود التسليح مع دول وشركات إنتاج العتاد… وباقي المزايا وتزايد مصالحهم في عالم الأعمال والتجارة . كلها تبين ضخامة وتشابك المصالح القائمة وحرص قادة الجيش على المراقبة اللصيقة للحياة السياسية بالبلد وضمان أن يكون من يعتلي الرئاسة حافظا للمصالح الموروثة.

في النظام السياسي الجزائري ركز الدستور كل الصلاحيات في يد الرئيس. مما أفرغ باقي مؤسسات الدولة الأخرى كالحكومة والهيئة التشريعية والقضائية من أي دور فعال تلعبه وجعلها هيئات بدون محتوى.

فقد فاز حزب «جبهة التحرير الوطني» على أغلبية مقاعد البرلمان الأخيرة، لكن تم تعيين وزير أول خارج الحزب الفائز. كما أن السلطة التشريعية مجرد ديكور سياسي؛ ولا تمارس لا تشريع حقيقي ولا رقابة على السلطة التنفيذية. وصلاحيات هذه الأخيرة المحددة في حوالي 27 مادة دستورية؛ تعد في مجملها صلاحيات لرئيس الجمهورية وليس هناك سوى مهام شكلية للوزير الأول الذي اقتصرت مسؤوليته في تنسيق وحسن تدبير الإدارة.

الجيش يتحكم وراء الستار ورئيس مدني في المسؤولية وحكومة وبرلمان وقضاء لتأثيث الواجهة أي نظام حكم بواجهة ديمقراطية وفي العمق عسكر وراء المقود.

لن يزعزع الاستبداد القائم على بحر الفساد الهائل هذا؛ إلا نهوض من أعماق الشعب ونضال جماهيري بأفق تغيير جذري يعيد النظر في النموذج الاقتصادي المفلس المطبق؛ وصيغته السياسية، بإقامة ديمقراطية حقيقة حيث الشعب يحكم مباشرة بمنظماته الحقيقية لا ممتهني السياسة من صنائع النظام، وفي ذلك وصل بروح ثورة التحرر الوطني ووفاء لملايين الشهداء في إقامة وطن مستقل وحر وشعبه يعيش بكرامة.

 

المغرب: حكم ملكي مستبد

 

أنجزت فرنسا الاستعمارية ما عجزت عن تحقيقه كل الدول السابقة التي مرت على حكم المغرب، إخضاع البلد كله للسلطة المركزية.
بالمقابل فقد خرجت فرنسا من المغرب عبر مفاوضات حافظت لها على مصالحها الاقتصادية وبنفوذها السياسي، وتسلمت الملكية جهاز الدولة الحديث أداة لفرض حكمها الجديد وقمع المعارضين.
ولكونها سليلة إمبراطوريات قديمة بسطت سيطرتها من عمق إفريقيا جنوب الصحراء إلى اسبانيا، ورثت الملكية كل أوجه السيكولوجية اللصيقة بنزعة توسع التيجان الملكية عبر التاريخ.
في سياستها تخندقت الملكية بوضوح في صف خادم الامبريالية الرأسمالية إبان فترة الحرب الباردة، فقد شيدت علاقات قوية مع أنظمة عميلة لفرنسا الامبريالية وساندت بعضها عسكريا أمام أخطار تهددها (دعم موبوتو سيسيكو ضد ثوار الكونغو مثلا…)، وأبقت على علاقات سرية مع الكيان الصهيوني دون قطيعة مع القيادة الفلسطينية. كما انقلبت بسرعة على حكومة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ذات النزعة الوطنية على صعيد منظورها للاقتصاد المغربي وسعيها لإقامة ملكية برلمانية سياسيا، ووجهت ضربات قمعية شديدة العنف للأقسام الأكثر جذرية من التنظيمات السياسية اليسارية وكذا للأجنحة النقابية الكفاحية.
استندت الملكية إلى حدود السبعينات على تحالف يضم كبار الملاكين العقاريين وبرجوازيين كبار يدعمون الملكية مقابل استفادة مشاريعهم من صفقات عمومية والتغاضي عن تجاوزاتهم في حق العمال أو تنفيذ الصفقات والتهرب الضريبي وتهريب العملة الخ. وكانت وزارة الداخلية عبر جهاز البوليس وباقي الفيالق القمعية العلنية والسرية من الركائز الأساسية للملكية.. حينها كان وزراء الداخلية الرؤساء التنفيذيين لجهاز الدولة بدءا بالمجرم «محمد أفقير» وانتهاء بالجلاد «إدريس البصري».

بعد أن توسعت قاعدة البرجوازية الكبيرة، واكتسبت خبرة أكبر في تدبير شؤونها الاقتصادية وبعد أن بلغت رشدها المتأتي لها من استنادها المديد على جهاز الدولة، عبر تحويل ثروات طائلة من المال العام لصالحها، بدء بما سمي «بالمغربة» إلى التغاضي عن جرائم كبرى في نهب صناديق مالية ونهب شركات استثمار وإنتاج عامة وسرقت أبناك بشتى الطرق واستفادتها من إعفاءاتجبائية متنوعة، وأساليب الاحتيال في أداء الجمرك استيرادا وتصديرا… و انتهاء بتمليكها جزء من أراضي الدولة ومؤسسات عامة في إطار مسلسل الخوصصة.

تستند الملكية اليوم على برجوازية كبرى راكمت ثروة هائلة جعلت أقساما منها تقيم تحالفات مع شركات أوربية لاقتحام أسواق خارجية خصوصا في إفريقيا جنوب الصحراء. وأضحت هذه البرجوازية الكبيرة تملك وعيا شديد القوة بمصالحها وإدراكا لخطورة أعدائها، وقد قبلت التنازل للملكية عن جوهر السلطة السياسية، مقابل صيانة الأخيرة لمصالحها الآنية والتاريخية في وجه خطرين اثنين، ثورة شعبية من الأسفل وخطر منافسين من رساميل أجنبية أشد قوة.

تصادم الخصوصيات التاريخية للنظاميين في سياق صراع معسكرين عالميين أشعل تنافسا شرسا بينهما حول من ستكون له الهيمنة بالمنطقة، فتفجرت خلافات الحدود مباشرة بعد استقلال الجزائر بشن النظام المغربي حربا غادرة على الجزائر الفتية التي سميت حرب الرمال، أدانها بدون تحفظ حزب «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية» باعتبارها حربا رجعية ضد الثورة الجزائرية.
كانت الملكية المغربية في أعين قادة الدولة الجزائرية الوليدة نظاما رجعيا عميلا للإمبريالية، لكن الأهم منافسا إقليميا وجب دحره. فاحتضنت الدولة الجزائر مجموعات عديدة من المعارضين المغاربة الساعين إلى إسقاط نظام «الحسن الثاني»، وتعاطفت مع كل الهزات التي هددت حكمه من انتفاضات شعبية ومحاولات انقلابية عسكرية. وإذا كانت الدولة الجزائرية في بدايتها مدفوعة بقناعة مستوحاة من روح حركة التحرير الثورية المنسجمة مع عداء عميق للامبريالية والاضطهاد، فقد تحول الأمر لاحقا مع التغيرات التي جرت في صلب النظام الجزائري إلى مجرد تنافس بين الدولتين حول من سيحتل موقع الصدارة إقليميا والذي يفرض وفق الرؤية تلك إضعافا دائما للمنافس.

 

قضية الصحراء الغربية

 

تمثل قضية الصحراء العقبة التي ستتكسر عليها كل محاولات تقارب البلدان المغاربية، والمعضلة الشائكة التي تفجرت فيها كل صنوف الصراع الشرس بين النظاميين، المغربي والجزائري. فالصراع الذي اندلع عشية استقلال الجزائر وتوج بصدام مسلح في ما سمي بـ «حرب الرمال» سنة 1963 سرعان ما اتخذ شكل حرب إعلامية وسياسية وحبك للمؤامرات والانخراط في تحالفات عالمية متعارضة. إلا انه ومنذ توقيع «الاتفاق الثلاثي» (نسبة إلى الأطراف الموقعة عليها: اسبانيا كبلد مستعمر والمغرب وموريتانيا. بموجبها انسحبت اسبانيا من إقليم الصحراء الغربية لصالح المغرب على منطقة الساقية الحمراء ولموريتانيا على إقليم «واد الذهب» مع تعهدهما بالحفاظ على مصالح اسبانيا الاستعمارية) وإعلان «الحسن الثاني» «لمسيرة خضراء» إلى الصحراء الغربية، حينها ارتمى النظام الجزائري في قضية الصحراء بكل قواه، محتضنا «جبهة البوليساريو» الحديثة النشأة موفرا أماكن الاستقرار للفارين خوفا من جموع القادمين إلى أعماق صحراء يجهلون طبيعتها وتضاريسها ونمط عيش ساكنيها تتقدمهم قوات عسكرية مدججة بالسلاح لتهيئة الطريق «لحاملي الأعلام المسالمين». منذ ذلك الحين غرق النظام الجزائري في أتون قضية الصحراء الغربية. موفرا الدعم العسكري واللوجستيكي «للجيش الشعبي الوطني» وضخ الأموال في دواليب «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية» مجندا رصيد دبلوماسيته في حشد الاعتراف والمساندة الدولية لـ «قضية الشعب الصحراوي في تقرير المصير ونيل استقلاله الوطني».

وكان من الثمار المرة لاندلاع أزمة الصحراء الغربية سنة 1975 الطرد المتبادل لمواطني البلدين حيث تعرض عشرات الألوف للاحتجاز والتعذيب وضاعت ممتلكات ومزقت أسر. فقد وصلت أعداد المغاربة المطرودين من الجزائر حوالي 350 ألف. طالبت جمعيات بإعادة فتح تحقيق حول التجاوزات والتعويض عن الممتلكات الضائعة. كما تعرض حوالي 14 ألف جزائري لمصادرة ممتلكاتهم في إطار قانون ما سمي ب”المغربة “.

 

اعتبر النظام الجزائري قضية «الصحراء الغربية» قضيته، ومسمار في حذاء النظام المغربي تدميه، ورهان على معركة يجب ربحها. فهل يتعلق الأمر بمناصرة قضية شعب يرزح تحث الاحتلال ووفاء لروح ثورة نوفمبر العظيمة؟
إن علاقة النظام الجزائري بقضية الصحراء الغربية هي علاقة الساعي للحصول عوائد من رهان، فان هزمت الملكية المغربية وأقيمت دولة بالصحراء الغربية فثمة مكسبان؛ تقزيم خصم منافس وتطويقه بدولة حديثة النشأة على عاتقها دين رد الجميل لتسدده. وإن تم التوصل إلى حل سياسي فعليه أن يضمن مكاسب سياسية ولما لا إستراتيجية على حساب نظام المغرب. أو أن تظل القضية عالقة تستنزف النظام المغربي اقتصاديا وسياسيا.

وفق التحليل أعلاه وبغض النظر عن طبيعة قضية الصحراء الغربية ومآلاتها، فان موقعها من علاقة نظامي الجزائر والمغرب هي بمثابة حلبة تنافس شرس قديم حول زعامة إقليمية وآلية تستعمل لخلق إجماع داخلي خلف السلطة السياسية القائمة.

 

يجب على الثوريين الدفاع عن الحق المطلق للصحراويين في تقرير مصيرهم والتعبير عن إرادتهم الحرة في مستقبلهم السياسي، وعدم رهن ذلك بمصالح وحسابات أنظمة المنطقة. لا يمكن أن تمنح أو تنادي أنظمة الاستبداد القائمة بتحقيق مطالب الشعب الصحراوي ولا لحل باقي القضايا الديمقراطية العالقة بعموم المنطقة. فتلك مهام منقوشة على راية الأحزاب الديمقراطية الحقة لا في جدول أعمال أنظمة تسحق شعوبها بالذات. وإلى ذلك الحين سيكون جوابنا: الديمقراطية الكاملة.

 

لندع أعداء الديمقراطية يحبكون مناوراتهم، ولنطرح ما نراه من مهام النضال التي على كل ديمقراطي؛ فردا أو تنظيما الدفاع عنها بدون تردد، قضية الصحراء الغربية مسألة سياسية وبغض النظر عن الموقف السياسي الذي يتبناه الفرد كحل نهائي، فان الدفاع عن حق الصحراويين في تقرير أي خيار مستقبلي يشاءون مسألة لا تقبل التجزيء، ودون ذلك مصادرة لحق بديهي من الحقوق الديمقراطية الأصيلة.

إن حرية التعبير والتظاهر والتنظيم والعقيدة، حقوق لا يجب أن تخضع لمشيئة أصحاب النياشين مهما كانت المبررات، لأجل ذلك يجب رفع العسكرة عن مدن الصحراء الغربية وعن مخيمات اللاجئين، وتمكين أنصار بناء الدولة المستقلة بالصحراء الغربية من نشر أرائهم بحرية وتمكين أنصار الدولة المغربية الواحدة من حق التنظيم والتعبير عن مواقفهم بمخيمات اللاجئين.

 

يجب كشف الحقيقة عن الانتهاكات الجسيمة للصحراويين بالصحراء الغربية ومخيمات اللاجئين وتقديم الجلادين للمحاكمة.
يجب تمكين اللاجئين الصحراويين من حقوق العيش الكريم وصيانة حقهم في التنقل بكل حرية بدول الاستقبال وحقهم في التعليم والشغل بتلك الدول.

يجب تسهيل عملية تنقل اللاجئين من وإلى المدن الصحراء الغربية وباقي دول الجوار ولا يتم الحد من ذلك إلا بمبررات “قانونية” واضحة.
الامبرياليات تستغل التنافس الجنوني للنظامين المغربي والجزائري للفوز بصفقات أسلحة ضخمة، وابتلاع المؤسسات العمومية باسم الخوصصة؛ كرشاوى لتأمين الاستقواء بها في مواجهة الخصم.

 

على الديمقراطيين في البلدين رفض هذا العبث، والدفاع عن وحدة بلدان المغرب الكبير الديمقراطي يكون في خدمة شعوبه، “ففيه ستجد قضية الصحراء الغربية حلها الديمقراطي بعيدا عن تكالب الامبرياليات وعملائها المحليين.”( المناضل عدد 41 أبناي حسن) .

 

خلاف النظامين: خلف السياسية هنالك الاقتصاد

 

قرر المغرب فرض التأشيرة على الجزائريين الراغبين في السفر إلى المغرب، كإجراء اعتبر احترازيا بعد اتهام «المخابرات الجزائرية» بالضلوع في عملية تفجير فندق «أسني» بمدينة مراكش في سنة 1994، الذي نفذه شباب فرنسيين من أصول جزائرية. واعتبرته الجزائر اتهاما ظالما يندرج في إطار الحملة الدولية والحصار الذي تتعرض له آنذاك إبان العشرية الدموية. فتم إغلاق الحدود بين الجانبين، والتي لم تفتح إلا مرة واحدة يتيمة في 20 فبراير 2009 للسماح لقافلة مساعدات متجهة إلى قطاع غزة بفلسطين في إطار القافلة العالمية لكسر الحصار الصهيوني.

 

قام المغرب من جانب واحد بإلغاء فرض الـتأشيرة في سنة 2004، وكذلك فعلت الجزائر في سنة 2005 مع إبقاء الحدود مغلقة من طرف الدولة الجزائرية.
بعد الثورات التي هزة المنطقة أواخر عام 2011، كان الإعتقاد العام يميل إلى توقع حدوث تحول عميق في العلاقات بين البلدين كنتيجة مأمولة لتحولات داخلية جارية في البلدين سيكون لها انعكاس على السياسة الخارجية، لكن واقع الحال على عكس ذلك.
يبدي النظام المغربي رغبة معلنة ومستمرة في التطبيع الكامل للعلاقات السياسية والاقتصادية مع الجزائر على قاعدة التعاون؛ على المتفق عليه، وترك نقاط الاختلاف جانبا، القصد أن يتم ترك قضية الصحراء الغربية في إطار المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة.
تكاد لا تخلو كل الخطب الرسمية لملك المغرب الموجهة إلى الرأي العام دون التشديد على هذا المسعى. و ضمنت الملكية تصدير دستورها الأخير ما يعطي لذلك سندا قانونيا حيث ورد فيه: “…. وتأسيسا على هذه القيم والمبادئ الثابتة، وعلى إرادتها القوية في ترسيخ روابط الإخاء والصداقة والتعاون والتضامن والشراكة البناءة، وتحقيق التقدم المشترك، فإن المملكة المغربية، الدولة الموحدة، ذات السيادة الكاملة، المنتمية إلى المغرب الكبير، تؤكد وتلتزم بما يلي:
– العمل على بناء الإتحاد المغاربي كخيار استراتيجي… “.
بعد تنصيب الحكومة برئاسة «حزب العدالة والتنمية» كانت الوجهة الأولى لزيارة وزير الخارجية والتعاون لبلد أجنبي هي العاصمة الجزائرية والتي اعتبرها بمثابة دليل على رغبة الرباط في «إعطاء دفعة جديدة للعلاقات الثنائية الأخوية».
أما المواقف المعلنة للدولة الجزائرية حول العلاقات البينية مع المغرب فتؤكد على الرغبة المتبادلة لعلاقة طبيعية بين البلدين، لكن يتم إرفاقها بلائحة شروط تتغير حسب الظروف، لكن الشروط المركزية تتمثل في: – وقف تهريب الحشيش المغربي إلى الجزائر – وقف الحملات الإعلامية ضد الجزائر – أخيرا قضية الصحراء الغربية. والشرط الأخير يختلف التفسير المقصود به حسب الظروف، فثارة يكون القصد بأن يكف النظام المغربي عن اعتبار الجزائر طرف مباشر في النزاع حول القضية الصحراوية مادام أن الطرفين المعنيين بالقضية هما المغرب وجبهة البوليساريو، وفي أحيان أخرى يكون القصد مطالبة المغرب بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة دون تدقيق القصد بتلك القرارات وهي عديدة على كل حال.
بديهي آن الشروط التي يعلنها المسئولون الجزائريون في وجه دعوات النظام المغربي لتطبيع كامل للعلاقات بينهما، ليست مبررا بأي حال للوضعية الحالية. فتهريب الحشيش وغيرها من المخاطر المحدقة بالبلدين لا يمكن الحد من مخاطرها إلا بتعاون كبير بينهما وأن التبادل بين الضفتين سيحرم مافيا التهريب من أجراء ليس أمامهم من خيار إلا المغامرة في أعمال بدرجة خطورة عالية. أما ما يسمى بالحملات الإعلامية فأي متتبع لإعلام البلدين الرسمي منه وغالبية ما يوصف «بالمستقل»، سيكتشف أنه في غالبيته انحط إلى درك سحيق من الإسفاف والتجني على البلد الأخر.
إن مواقف النظامين المتضاربة من مسألة فتح الحدود يجد تفسيره في المصالح الاقتصادية المتوقع إحرازها من طرف كل منهما.
بالنسبة للاقتصاد المغربي ففتح الحدود يؤدي إلى انتعاشة حقيقة لجهته الشرقية، وسيكون للبنية التحتية المشيدة بالمنطقة مردودية مالية جيدة كالطريق السيار فاس- وجدة « والمحطة السياحية «السعيدية» وباقي المحطات بالجهة الشمالية الشرقية، فانتعاش السياحة المغربية رهين باستقطاب أعداد من السياح الجزائريين الذين يقضون عطلهم بالخارج. وصل العدد الذي زار تونس إلى 900 ألف سائح. كما سيشهد الوضع الاقتصادي بالجهة جراء المبادلات التجارية بين الضفتين انتعاشا كبيرا .
كما ستجد المنتجات الفلاحية المغربية طريقها إلى السوق الجزائرية لتصريف الفائض جراء المنافسة على السوق الأوربية. كما سيتيح ذلك للعمال المغاربة المؤهلين وغير المؤهلين الولوج إلى سوق العمل الجزائري في المهن التي تشهد خصاصا.
كما يسيل لعاب المقاولات المغربية ذات الإمكانيات المالية واللوجستيكية والتجربة الغنية، اتجاه الفرص التي تضيع في جزائر خيرها «تشطفه شركات أجنبية».

 

النظام الجزائري يعتبر أنه لن يستفيد شيئا من فتح الحدود، فقد سددت الجزائر ديونها الخارجية التي تراجعت إلى أقل من 4 مليار دولار بل أصبحت تقرض صندوق النقد الدولي. وتحوز على احتياطي مالي يقارب 191.86 مليار دولار وحوالي173 طن من الذهب. كما تبلغ ميزانية صندوق ضبط الميزانية 80 مليار دولار. (أنشأ عام 2000 انطلاقا من الفارق بين الجباية البترولية الخاضعة للميزانية والتي تحدد على أساس 37 دولار لسعر البرميل والجباية الحقيقة المسجلة لمبيعات البترول وفق أسعار السوق الدولية).
وقد سطرت الدولة الجزائرية ميزانية استثمارية ضخمة بلغت 500 مليار دولار ما بين 2009 و2013. وكان يفترض أن يسمح هذا الإنفاق الكبير إلى تحقيق معدلات نمو عالية تتجاوز %10 غير أن النتائج المحققة لا تتجاوز معدل %3. أي أن البلد يعيش آنيا في بحبوحة من الفوائض المالية.

 

بالرغم من ضخامة الأموال المتأتية من عائدات المحروقات إلا أن البلد يعيش في ظل فساد بالغ، وتهريب خطير للعملة، واقتصاد قائم على استيراد كل ما يستهلك (اقتصاد الحاويات) وانكماش خطير في الاقتصاد المنتج.
تجاوز العجز الإجمالي للخزينة %25 مقارنة مع الناتج الداخلي الخام بسبب تطبيق الأنظمة التعويضية الأساسية وتوسيع الإنفاق العمومي. كما ستتراجع موارد «صندوق ضبط الموارد» خلال العام الجاري نتيجة انخفاض معدل أسعار النفط في السوق العالمية وتراجع الكميات المصدرة.
كما سيعرف فائض الميزان التجاري للجزائر تراجعا حاد والمسجل خلال 10 أشهر الأولى من السنة الجارية. وحسب مديرية الجمارك فقد سجلت فاتورة الواردات ارتفاعا بما يتجاوز 55 مليار دولار، وهو رقم قياسي غير مسبوق مقارنة بالسنوات الماضية وهو الأعلى في العشر سنوات الأخيرة، وإذا أضيفت إلى ذلك فاتورة استيراد الخدمات المقدرة بـ11 مليار دولار ستسجل الجزائر إحدى أكبر الفاتورات استيراد في تاريخها بحوالي 66 مليار دولار مقابل عائدات مالية تقدر بـ 70 مليار دولار، أي أن الفائض التجاري سيتقلص بصورة كبيرة إلى حدود 4 مليارات دولار فقط، مقابل أكثر من 27 مليار دولار كفائض عام 2012 و 26.2 مليار دولار كفائض سنة2011 (الخبر 16-12- 2013).

 

إدارة الجمارك تؤكد أن الفائض التجاري المسجل إلى غاية شهر نونبر 2013 قد تقلص ب 10 مليار دولار حيث انتقلت قيمته من 20.42 مليار دولار نونبر 2012 إلى 10.22 مليار دولار لنفس الفترة من سنة 2013 مما تسبب في تقليص معدل تغطية نفقات الواردات عن طريق الصادرات إلى 121% بعد أن كانت تصل إلى 145%. بحسب نفس الأرقام تكون الجزائر قد استهلكت من خلال وارداتها 90% من مداخيلها المتأتية أساسا من عائدات البترول والنفط حيث أنفقت الحكومة 49.66 مليار دولار خلال 11 شهر من السنة الجارية مقابل مداخيل بلغت 59.88 مليار دولار. (الخبر 24-12-2013).
ومن خلال النظر في خصوصيات اقتصاد البلدين يبرز سبب عدم حماس أركان نظام الجزائر للتفاعل مع حرقة نظام المغرب لفتح الحدود، فخارج استيراد مغربي مفترض للمحروقات، ستتزود الجزائر بحاجياتها الفلاحية والبحرية والعمالة المؤهلة والشركات الخاصة المتعطشة إلى بلد يعج بأوراش عامة ستدر مئات المليارات الدولارات، وسيتم جدب الآلاف السياح الجزائريين.
إذن وفق المنطق أعلاه، بفتح الحدود سيتم نقل أموال طائلة إلى المغرب إما عبر التجارة أو العمالة أو السياحة إضافة إلى التهريب غير القانوني للوقود والسلع المدعمة. وسيجني النظام المغربي الثمار السياسية لذلك بإخراجه من أزمة اقتصادية ومالية عميقة.

 

بين إلحاح هذا وتمنع ذاك. خيارنا ليس مع هذا ولا مع ذاك

على الديمقراطيين في كلا الطرفين وهم يناضلون من أجل بدائل للأنظمة القائمة، النضال من أجل رفع القيود في وجه العلاقات بين البلدين بدون أي عراقيل ولا إخضاعها للذهنية البوليسية القمعية ولا لذهنية التاجر الضيقة الأفق. العلاقة أعمق من صفقة هنا أو تسجيل نقط هناك، الأمر يرتبط بتقرير مصير شعوب المنطقة في وجه كماشة التبعية للامبريالية ودكاكة الاستبداد والفساد، والنصر في هذه المعارك يفترض إسقاط كل قيود التي ستحد من وحدة الشعوب في ربح معركة تحررها.
يجب أن تكون كل القضايا التي تبعث على مضار اقتصادية أو سياسية أو أمن المواطنين موضع بحث مباشر؛ وأن تقدم الحلول بما يخدم مصلحة الشعبين، لا أن تكون شماعة لأي نظام ليكبح مطامحهما. عوض التسابق والتباهي الساذج للفوز بما يسمي الشريك الاستراتيجي أو المحور الرئيسي مع هذه العاصمة الامبريالية أو تلك، يجب السعي إلى بلورة إستراتيجية خلاقة لبناء مغرب كبير ديمقراطي، مفتوح و ملهم لكل شعوب القارة، بنموذجه الاقتصادي والسياسي الملبي للحقوق الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لمواطنيه.
حان الأوان ليتوقف غباء الاستبداد الأعمى، وحان وقت الشعوب لتبني أواصر التلاقي من الأسفل. على الثورين والديمقراطيين نسج التعاون والتضامن. ويجب فضح حملات القمع هنا وهناك، وفك العزلة عن النضال الجماهيري. و يفتح في ذلك باب الإبداع، حينها سترتد حيل الطغاة عليهم .
فاتورة غياب الاتحاد المغاربي

غياب الاتحاد المغاربي حسب بعض الدراسات يكلف كل دولة مغاربية ما نسبته %2 من ناتجها الداخلي وضياع ما لا يقل عن 20.000 فرصة عمل سنويا.
ولكون اقتصاديات المنطقة مرتبطة من موقع التابع للاتحاد الأوربي فان توسع الأخير بالتحاق بلدان شرق أوربية سيفاقم المآزق الموجودة والمرتبطة أصلا، حيث ستتقلص الاستثمارات الأوربية المباشرة، وستخفض طلباتها من المحروقات الواردة من البلدان المغاربية كلما هزتها الأزمات المستوطنة للاقتصاد الأوربي حاليا. كما ستغلق الحدود أمام العمال القادمين من منطقتنا مما سيقلص حجم التحويلات المالية التي يضخها عمالنا بأوربا في اقتصاديات المنطقة. ناهيك عن أن أوروبا باعتبارها أكبر زبون للمواد المصدرة من البلدان المغاربية سيكون سوقها ميدان منافسة شرسة مع البضائع القادمة من عمالقة شرق أسيا.
إن بناء المغرب الكبير ضرورة حاسمة لبناء اقتصاد بديل يقطع مع سنين من كون المنطقة مجرد حديقة خلفية لاقتصاد امبرياليات أوربا، يزودها بالمواد الأولية الرخيصة (طبيعية و غذائية) والسواعد العاملة الصبورة والأجور المتدنية، وزبون لخردتها و لآلياتها الصناعية ولقروضها المشروطة.
إن تطور قوى الإنتاج وتوسعها وتحررها رهين بتحطيم قيود التجزيء القطري التي كرستها أنظمة الاستبداد القائمة التي لها مصلحة إستراتيجية في أن تبقى قوى الإنتاج ضعيفة عددا ونوعا، وتظل سمة التبعية والتخلف لصيقة باقتصاديات المنطقة، لكي تقدم نفسها حارسة المصالح الامبريالية في وجه مشاريع بديلة تسعى لبناء اقتصاد متحرر من التبعية للامبريالية ووكلائها المستبدين. وهنا جوهر الطبيعة الرجعية للأنظمة القائمة كمعادية لأهداف التحرر وتوحيد السوق التي كانت من مهام البرجوازية التقليدية سابقا.
أن الشعارات الثورية لملايين الحناجر التي صرخت في شوارع المنطقة من أجل كرامتها المداسة والعدالة الاجتماعية المفقودة وحريتها التي صادرتها الديكتاتوريات هي ما يمثل جوهر الاتحاد المغاربي المنشود.

 

الإمبريالية: ما الغاية من دعواتها لبناء الاتحاد المغاربي؟

تكاثرت الدعوات والتقارير الصادرة عن عواصم ومؤسسات الامبريالية للوحدة المغاربية. فلا يخلو تقرير للبنك الدولي وصندوق النقد عن أوضاع شمال إفريقيا إلا و يكرر التأكيد على ضرورة بناء السوق المغاربية. فبماذا يفسر هذا الإلحاح؟ وما مصالح الامبريالية في ذلك؟
الاقتصاد المغربي والتونسي لهما باع قديم في التبعية للمراكز الإمبريالية، وهما من النجباء في تنفيذ التوجهات الرأسمالية النيوليبرالية، ومن الدول الموقعة على اتفاقية الشراكة مع الإتحاد الأوربي. وبسقوط نظام الجماهيرية العظمى وفتح الجزائر للمفاوضات من أجل الالتحاق بمنظمة التجارة العالمية والقبول بالخضوع لإملاءاتها (تحرير السوق أمام الرأسمال العالمي، إلغاء قاعدة 49/51 في قانون المناجم..)، تكون المنطقة قد طوت صفحة التباينات في شكل اقتصادياتها وبات اندماجها مطلبا امبرياليا. فالجدوى الاقتصادية للاستثمار الإمبريالي في المنطقة سيكون ناجعا بإسقاط القيود على حرية تنقل الرأسمال والبضائع و إصلاح الجمارك والضرائب على الرأسمال.
تطالب الامبريالية بالوحدة المغاربية بغاية تكبير اللقمة التي ستلتهمها، بعد أن أخضعت كل بلد على حدة، تسعى الآن لتوفير شروط عقد اتفاقيات وإصلاحات اقتصادية تديم سيطرتها عليها وهي مجتمعة.
كما أن للدوافع السياسية والأمنية دورا دافعا للإلحاح المتكرر لوجوب وحدة أنظمة المنطقة. فمخاطر الهجرة الواسعة للهاربين من الجحيم الإفريقي يضع الامبريالية بين مطرقة أن تقبل اجتياحا هائلا من الحالمين بالعيش في أوربا أو أن تجحد ما تدعيه من حقوق إنسانية. فوجدت الحل في إيلاء تنفيذ المهمة القذرة لأنظمة المنطقة.
ولكون المنطقة طريق عالمي لعبور المخدرات القادمة من أمريكا اللاتينية، ناهيك عن المنتج محليا، وتنامي جماعات الإرهاب الديني في بلدان الساحل والصحراء، كلها مخاوف تستوجب جدارا قويا ومتعاونا في حماية القلاع الامبريالية من أخطار تراها محدقة، وقد يحد من جدوى المهمة انقسام وتنافس بين دول المنطقة.
الامبريالية تجهد لتأمين مصالحها في نهب ثروات المنطقة، وتهيئ أنظمة المنطقة للعب دور حراس الحدود وتوزع الأدوار في إطار إستراتيجيتها العالمية .لا علاقة للأمر بوحدة قائمة على الديمقراطية والتحرر من التخلف والتبعية.

بناء المغرب الكبير الديمقراطي مهمة من؟

إن قيام السوق المغاربية سيمثل تطورا مهما لنمو قوى الإنتاج، وهو نتيجة طبيعية لنمو الرأسمال المتحرر من القيود القطرية، وهي من مهام البرجوازية الكلاسيكية، لكن الطبيعة الاستبدادية لأنظمة الحكم جعلت برجوازيات المنطقة تفوض سلطاتها السياسية لمستبدين يحفظون مصالح الطبقة البرجوازية التاريخية ويشكلون سدا منيعا أمام شعوب بئيسة تسحقها البطالة الجماهيرية، وتتكدس في ضواحي المدن بعد فرارها من بوادي مقفرة، استحوذ كبار الملاكين على الأرض الغنية والمياه المتوفرة.
في مارس 2012، بعد انتخابه رئيسا مؤقتا للجمهورية التونسية، بعد أن أرغمت الثورة التونسية الديكتاتور “زين العابدين بن على” الفرار إلى الرياض، قام بزيارات لكل العواصم المغاربية من أجل انطلاقة سريعة للاتحاد المغاربي على أرضية تحقيق الحريات الخمس: 1- الحدود المفتوحة – 2- حرية تنقل الأشخاص – 3- حرية تنقل السلع- 4- حرية الإقامة – 5 – حرية العمل. كان المرزوقي المحمول لتوه إلى قصر قرطاج، ما زالت أنفاس وآمال الملايين في شوارع تونس تتهيأ له ولم تبدده برودة البرتوكولات الرئاسية، فانخرط بحماسة لتحقيق انجاز يبدو منطقيا وفي المتناول، لكن بعد مرور الوقت استوعب حجم العقبات التي تقف في وجه انطلاق مركب الاتحاد المغاربي وأكبر العقبات طبيعة الأنظمة القائمة.
إن قيام الاتحاد المغاربي هو هدف للنضال وقنطرة الوصول إليه تمر عبر الإسقاط الثوري الجماهيري لأنظمة الاستبداد والتجزئة. اتحاد مغاربي مبني على تأمين الثروات الوطنية والأبناك وشركات التأمين الكبرى، وخلق شركات عامة وطنية لانجاز مشاريع البنية التحتية الكبرى، و تطوير الخدمات العمومية الجيدة والمجانية (صحة- تعليم..) وأن تضطلع الدول بمسؤولية التشغيل وضمان التعويض عن البطالة.
يجب أن يكون حق تأسيس الأحزاب والجمعيات والمنظمات النقابية والنشر الصحفي حرا ويقطع مع عقود الحظر والحجر. حق التظاهر والإضراب مصونة.
إن الاتحاد المغاربي لا يمكن إلا أن يكون تعدديا و يقر سياسة تمييز ايجابي اتجاه كل الروافد الثقافية والحضارية المهددة بالاندثار.
لا مستقبل لإتحاد مغاربي ديمقراطي في خدمة الشعوب دون وجود قوى طبقية منظمة؛ وتعبيرات سياسية منغرسة تخوض معركة سياسية وثقافية ضد الأفكار الرجعية المتنوعة الذائعة الانتشار في مجتمعاتنا، المسبقات الموروثة ضد المرأة، وهدر حقوق المواطنة والعنصرية المقيتة ضد السود من أبنائنا، والمواقف الشبه فاشية ضد المواطنين اليهود، والإقصاء المديد للغة والثقافة والحضارة الأمازيغية.
ودون حل ديمقراطي لقضية الصحراء وعلاج الاختلال المجالي في منطقة الريف بالمغرب ومنطقة القبائل والجنوب الجزائري والحوض المنجمي بتونس وأقاليم ليبيا الثلاث وما يطال العنصر الإفريقي في شرق وجنوب موريتانيا.
إن مواجهة مخاطر التمزيق بتضخيم الخصوصيات لا يمكن أن تتم إلا في إطار أوسع ديمقراطية ومشاركة الشعب المباشر في تقرير مصيره.
لا يمكن أن تكون القرارات موكولة لبضعة أشخاص في مؤتمرات قمة، يجب خلق مؤسسات تقريرية رقابية منتخبة انتخابا حرا من الشعب لها صلاحيات واسعة على كل الأجهزة التنفيذية.
يجب أن يكون للاتحاد المغاربي دور أساسي في مساعدة شعوب الساحل والصحراء في مواجهة الفقر والحد من الحروب الأهلية التي تسحقها، ومساعدتها على مواجهة تحديات الجفاف والتصحر وتشجعها على تملك ثرواتها الطبيعية وعدم التدخل الاستعماري المتنوع في نهبها. على الاتحاد المغاربي لعب دور محوري في بناء الإتحاد الإفريقي وتشجيع علاقات اقتصادية وسياسية حرة بين شعوب القارة، ويجب رفض التعاون مع أنظمة انقلابية دموية تقتل شعوبها.
القوة الوحيدة التي من مصلحتها انجاز وحدة مغاربية بعمق ديمقراطي جذري بأفق أممي، هي طبقة الشغيلة المستندة على جماهير الشعب الكادحة.
فلا ضعفها التنظيمي ولا تخلفها السياسي ولا بساطة إرثها بالمنطقة، ولا ضعف أعدادها ولا صعود شتى تلاوين الأحزاب البرجوازية (دينية – قومية – ليبرالية-)، سيسقط كونها الوحيدة القادرة على انجاز تلك المهمة التاريخية .

بقلم: حسن أبناي
فبراير 2014

—————–

مراجع

موسوعة ويكيبيديا
موقع الالكتروني لاتحاد المغرب العربي.
يومية الخبر
يومية الشروق اون لاين
موقع الجزيرة نت
جريدة المناضل-ة
دستور المملكة المغربية
دستور الجمهورية الجزائرية
كتاب البير عياش، الحركة النقابية بالمغرب الجزء الثالث : نحو الاستقلال(1949-1956 )الصفحات 147الى 156

شارك المقالة

اقرأ أيضا