تعاونية كوباك: نجاح في مراكمة الأرباح ومصادرة حقوق العمال

المقال التالي نشر بجريدة المناضل-ة العدد 65 قبل توصل العمال إلى تسوية لملفهم، وفي ما يلي المستجدات التي قادت لفض اعتصام العمال أمام التعاونية: 

أعلن المكتب النقابي، في بيان للرأي العام، أنه: “تم يوم الخميس 20 أوكتوبر 2016، بمفتشية الشغل عقد الصلح بين المكتب النقابي والتعاونية باستلام مستحقاتنا المالية حسب الاتفاق و بهدا تم فض الاعتصام القائم امام التعاونية.” وأضاف البيان نفسه: ” كما لا يفوت المكتب النقابي كوباك شكر كافة اعضاء محلية تارودانت للاتحاد المغربي للشغل والاخوان المستخدمين والهيئات الحقوقية والفروع النقابية المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل (التعليم . الصحة. الفلاحة .الماء و الكهرباء .) وكافة المساندين والصحافيين…” 

================== 

تعاونية كوباك: نجاح في مراكمة الأرباح ومصادرة حقوق العمال

بقلم: شلبي سيف

أقدمت تعاونية كوباك(الجودة) على طرد تعسفي لتسعة (09)عمال بسبب  تأسيسهم لنقابة مهنية  لتوحيد أجراء التعاونية والدفاع عن مطالبهم في خرق سافر لليسير من المكاسب التي يتضمنها قانون الشغل المغربي نفسه، بأسلوب ينزع القناع التعاوني والتضامني الذي يخفي حقيقة التعاونية الرأسمالية  بما هي الحريص عن تأمين أرباح كبار المالكين على ظهر العمال.

1- شغيلة كوباك بين محاولات التنظيم النقابي وشراسة رد الإدارة.

بادر مجموعة من الأجراء بالمعمل الرئيسي لتعاونية  كوباك ايت عزة بضاحية مدينة تارودانت بتأسيس مكتب نقابي ينظم العمال، فأودعوا الملف القانوني  التأسيسي لمكتبهم لدى ممثل وزارة الداخلية بالمنطقة- الباشا- يوم 29 يوليوز2016 حيث رفض الأخير تسلمه بمبرر  أنه مغادر لمنصبه في انتظار التحاق الباشا الجديد، وطلب تسليمه لائحة بأعضاء المكتب النقابي.  وصباح يوم 30 يوليوز 2016 أقدمت إدارة كوباك على طرد أربعة (04) من الأعضاء. وبتاريخ 31 يوليوز 2016 استكملت لائحة المطرودين بإضافة خمسة (05) والهدف إجهاض محاولتهم في المهد بفصلهم عن رفاقهم وبث جو الترهيب والشك بنشر الإشاعة عبر زبانية التعاونية ومتزلفيها المندسين في صفوف الشغيلة .(1)

  ندد العمال التسعة المطرودون بما أقدم عليه باشا المنطقة وبالقرارات التعسفية لتعاونية كوباك وطالبوا بتمكينهم من حقهم القانوني في التنظيم النقابي والتراجع الفوري عن الطرد وإرجاعهم إلى عملهم. نظم العمال المطرودون وقفة احتجاجية أمام المعمل وأخرى أمام الباشوية وأجرت النقابة جلسات تفاوض مع رئيس التعاونية ولاحقا مع مدير الموارد البشرية

ومازال العمال ينتظرون رد فعل إدارة التعاونية التي تماطل وتقدم اقتراحات سرعان ما تتراجع عنها. لكنهم مستعدون لخوض الأشكال النضالية الضرورية للدفاع عن الحق في عودتهم إلى العمل واحترام العمل النقابي. ويحتاج حزمهم إلى حزم النقابة التي يبدو أنها أيضا تثق بوعود رئيس التعاونية دون أي ضمانات وتسير في اتجاه قبول ما سيفرضه من شروط لعودة العمال إلى العمل، لكن بوظائف أخرى وبتوزيعهم في مناطق متفرقة مما سيتيح له الانفراد بهم بعد ذلك لطردهم كل واحد على حدة. كما ستحتاج المعركة إلى تعبئة كبيرة من قبل جميع أنصار القضية العمالية بالمنطقة لتشكيل قوة ضاغطة على الشركة العملاقة التي تقف بجانبها السلطة المحلية ومندوبية الشغل، وأيضا لحشد ثقة وتعاطف العمال داخل المعمل تجاه رفاقهم المطرودين كي يهبوا لنصرتهم، والتقليل من تأثير حملة الإدارة المسعورة ضد النقابة واستفزازاتها ضد كل من يبدي أي تعاطف مع النقابيين.

ليست المرة الأولى هذه التي تدوس فيها تعاونية (كوباك) بشراسة محاولات العمال لممارسة حقهم في التنظيم النقابي، فقد واجهت بأسلوب قروسطي سنة 2012 محاولة مماثلة بدأها عمال بمختلف مراكز التوزيع وطنيا ،فشنت إدارة التعاونية حربا مدروسة باتباع خطة متدرجة قضت بطرد فوري للنواة الأكثر نشاطا وإقداما وإجبار فئة ثانية علي تغيير مواقع عملها لمنع أي رد فعل يحفزه تأثيرهم، ولاحقا فصلهم كذلك عن العمل، و أخيرا حملة وعود كاذبة وتهديدات مبطنة وغرس الأتباع وناقلي الأخبار وكاسري وحدة الصف العمالي…

اعتبر مسؤولو التعاونية أن عسفهم ومصادرتهم لحق عمالي بسيط من قبيل حق تأسيس النقابة أقبر الى الأبد، لكنهم تفاجأوا لما أتت المحاولة الأخيرة من قلب التعاونية ذاتها –اي المعمل- الذي اعتقدوا أنه بعيد عن الإصابة بتلك اللوثة، وكأن العاملين هناك ليسوا جزء من الآلاف الذين راكمت «كوباك» الأموال الطائلة  على ظهورهم وتتنكر بسخافة وصلافة لهم.

ان ما يدفع عمال (كوباك) إلى المحاولة تلو الأخرى لتأسيس تنظيمهم النقابي ،بالرغم من إدراكهم أنهم معرضون لوابل من القرارات الظالمة التي قد ترمي بهم إلى فقدان الشغل ، يكمن في ظروف العمل وتدهور شروط العمال، فما على تعاونية (كوباك) إلا الكف عن أوهام الاعتقاد أنها تحسن إلى العمال، فهؤلاء مصرون على نيل حقوقهم ولن تتوقف المحاولات حتي تحقيق مبتغاهم اسوة بإخوتهم من عمال قطاعات عديدة سلكت نفس الطريق بتضحيات كبيرة لكنها نالت حقها في ممارسة الحريات النقابية.

2- أوضاع شغيلة كوباك :كثافة الاستغلال واوضاع مهنية صعبة

تعتبر تعاونية كوباك من المؤسسات الإنتاجية التي تشغل يدا عاملة كبيرة في مختلف فروعها الإنتاجية بعد صعود لمكانتها التجارية بالسوق المغربية يوازيه ازدياد في أعداد السواعد العاملة الضرورية لتلبية حاجيات السوق.

تشغل التعاونية  حوالي 23 ألف منصب شغل  مباشر في وحداتها الإنتاجية والتحويلية والتوزيع  بالإضافة ألي 30 الف منصب شغل غير مباشر في قطاع الحوامض والخضر والألبان في ضيعات المنتجين المنخرطين بها.

تشغل تعاونية كوباك (الجودة) في كل وكالاتها قسما مهما من العمال الي جانب الاداريين والمراقبين بعقود غير محدودة المدة ،كما تشغل أجراء آخرين  بعقود  عمل محددة المدة تدوم سنتين (عمال مؤقتون عبر أنابيك) براتب شهري لا يتجاوز 2600 درهم، وبدون تغطية صحية خصوصا بالنسبة للمستخدمين في توزيع السلع، الذين  تحدد مدة عملهم  بانتهاء دورة التوزيع أي 06  أيام في الأسبوع ،وعمال  شحن السلع الذين يزاولون عملا ليليا ويشتغلون لساعات غير محددة ودون توقف إلا باكتمال العمل، ولا يستفيدون من التعويض عن ساعات العمل الاضافية.

في كل وكالات التعاونية لا توجد مصلحة طبية ولا طبيب بمقر العمل، لا يصرح المشغل بجميع العمال لدى الضمان الاجتماعي باستثناء الذين يمتلكون عقودا غير محددة المدة. يعاني اغلب العمال الذين يشتغلون في التوزيع من ضغوطات نفسية ومشاكل في المفاصل والعمود الفقري (ناتجة عن ظروف العمل)

تتبع ادارة كوباك(الجودة) أسلوبا ملتويا في تكثيف استغلال الاجراء، فتبقي على الأجرة الأساسية متدنية وتشجع مكملات الأجرة، كمردودية العمل بناء علي معايير محددة غايتها جعل العامل يلهث بأقصى جهده لتحقيق رقم المعاملات الضرورية ليتمكن من تحسين دخله، طبعا هي لعبة تستهوي العامل الشاب الحديث العهد بالعمل لكن مع مرور السنين وتراكم الانهاك الجسدي والنفسي، يتحول الأمر الى جحيم لا يطاق وتنهار أوهام البداية أمام الحقيقة المؤلمة، عندما يتضح أن المستفيد من لعبة الغميضة الجهنمية تلك، هو من يجني في ختام كل سنة مالية الأموال الطائلة، أي أصحاب الشركة، اما العامل فوضعه المادي لا يتزحزح قط. اما جسده فمثخنون بأمراض متنوعة (أمراض السياتيك- أمراض المفاصل- الامراض الصدرية نتيجة ضربات البرد المتواصلة..)

لا يتردد مسؤولو تعاونية كوباك في التبجح بأنهم من المؤسسات التي تحترم قانون العمل وأنها نالت علامات كشاهد على احترامها للمسؤولية الاجتماعية. ما يتجاهله هؤلاء أنه بالمقابل فالأرباح الهائلة للتعاونية ومكانتها الصاعدة قائمة على جهود الآلاف من العمال في أماكن الانتاج والتحويل والتوزيع، ومن الغباء الركون الى الفتات البئيس الذي يرمى به اليهم. إن حقهم في تعزيز مكاسبهم المادية والاجتماعية مشروع تماما، بل إن حقوقا عديدة «يضمنها» قانون الشغل المغربي نفسه، محرمة على عمال كوباك، وعلى رأس تلك الحقوق التنظيم النقابي.

ان تمكين الإداريين والمراقبين من أجور وتعويضات ضخمة مقابل ابتكار أساليب تتيح عصر العمال وامتصاص دمهم لمراكمة ثروة كبار الملاكين المساهمين، وتشديد الخناق على العمال بأسلوب بوليسي للحد من محاولة تنظيمهم الجماعي لن يفيد بورجوازيي التعاونية في شيء.

3- تغيير أوضاع القهر تضمنه وحدة الشغيلة.

ستتواصل جهود عمال تعاونية كوباك، سواء في نقاط الانتاج أو التصنيع او التوزيع، لنيل حقهم الطبيعي في ممارسة الحريات النقابية. إن الدافع الرئيسي لذلك هو أوضاعهم المهنية. ان أوهام إدارة كوباك بأن يظل العمال عزلا من سلاح وحدتهم وتضامنهم، لن تدوم، ولن يفيد في شيء تواطؤ أجهزة الدولة، ولا سيف التهديد والعسف، بالتضيق تارة والطرد تارة اخري، لن ينعم قلة من كبار المالكين والإداريين بأرباح هائلة و أن يقبل العمال بأوضاع البؤس. سيتعلم العمال كيف يجدون السبيل لفرض إرادتهم وانتزاع حقهم في الانتماء النقابي وبناء وحدتهم كسبيل لتحسين أوضاعهم وفرض حقوقهم.

مطالبنا عودة النقابيين المطرودين إلي عملهم فورا، ووقف كل أشكال التضييق عليهم، وتوفير الظروف الملائمة لممارسة الحريات النقابية بما في ذلك تحديد أماكن الاجتماع ومكان السبورة النقابية وفتح باب المفاوضات المهنية، والكف عن النهج القمعي المتأصل في محاربة الحريات النقابية بالسماح لعمال التعاونية بممارسة حقهم في التنظيم النقابي وطنيا.

4- تعاونية كوباك مسيرة نجاح وأرباح متدفقة

 بدأت التعاونية  الفلاحية بالبروز في  نهاية الثمانينيات، حيث أدى تفكيك مكتب التسويق والتصدير و نهج سياسة تحرير الصادرات الفلاحية تنفيذا لتوجيهات المؤسسات المالية الدولية، والفساد الهائل الذي نخر هذه المؤسسة العمومية.. أدت كل هذه العوامل الى اتخاذ المالية العمومية عكازا لتطوير قطاع التعاونيات، وذلك بالإعفاءات الضريبية والدعم المالي والتقني والعمومي بهدف خلق أقطاب اقتصادية رائدة تخدم رأسماليين كبارا يدمجون شبكة ممتدة من صغار الفلاحين ،تعاونيات عديدة وباختصاصات متنوعة انتهى أغلبها الي ردهات المحاكم جراء عمليات نهب ضخمة وسرقة مستحقات صغار الفلاحين وتشريد المئات من الأجراء.

حسب احصائيات 2013 يضم القطاع التعاوني ما يناهز12022 تعاونية تلف 440.372 منخرطا. غالبية التعاونيات فلاحية وصناعة تقليدية وسكنية. ويساهم القطاع ب1.5 بالمئة من الناتج الداخلي الخام،  كما أن مناصب الشغل المؤدى عنه يظل منخفضا بل أنه في غالبيته يخلق عمالا بلا أجور، وفي أوضاع مهنية حيث يحرمون من التأمين والتغطية الاجتماعية، وهم عرضة لأوجه استغلال ولصوصية من مسيري التعاونيات أو من قبل كبار محتكري ومسوقي الإنتاج( انتاج الصناعة التقليدية –الاركان- الأعشاب الطبية- مربى النحل-…) .

التعاونيات الناشطة في قطاع الحليب سواء في جمع المادة أو في التصنيع تحقق أرباحا ورقم معاملات يفوق 15 مليار درهم وتشغل أكثر من 15000 مستخدم، وتوفر عشرات الآلاف من مناصب الشغل المؤقتة وغير المباشرة وينطبق نفس الأمر على التعاونيات المختصة في الخضر والحبوب وتلك المختصة في الحوامض والبواكر، وهي مجالات اشتغال كوباك بالإضافة إلى تربية وتسمين الأبقار.(2)

تقدم تعاونية كوباك مثالا عن نجاح فريد في مجال يعج بتجارب الفشل بسبب فضائح الفساد المالي الضخمة التي يتورط فيها مسيرو التعاونيات وكبار المنخرطين (التعاونية الفلاحية واد زم/تعاونية الحليب الجيد مراكش/حليب سوس/ تعاونيات تخزين وتسويق الحبوب…). توسعت أنشطة «كوباك» من تصدير الخضر والفواكه إلي تربية وتسمين الأبقار، ولاحقا إلى تجميع وتصنيع الحليب، وتمددت من التموين الجهوي إلى أحد كبار محتكري السوق الوطنية حيث أنها في مجال مشتقات الحليب تتصدر كوباك (الجودة) سوق المبيعات باعتبارها رقما تجاريا  يتصدر السوق  ب 95 منتوج استهلاكي       référence   يتم توزيعها عبر 15 وكالة تجارية تزود 52000 نقطة بيع بمختلف جهات المناطق  المغربية.(3)

بلا شك فالنجاح التجاري لتعاونية كوباك يدر أرباحا طائلة لكن السؤال من يستفيد من قصة النجاح تلك؟ ما حصة صغار الفلاحين من الأرباح المحققة؟ ما حقيقة ما يجنيه كبار المنخرطين بشكل مباشر أو بطرق غير مباشرة؟ ماذا يستفيد عمال كوباك؟ هل تحسنت أوضاعهم المهنية وأجورهم بالتوازي مع ازدياد رقم معاملات وأرباح التعاونية؟ الأكيد أن كوباك تعاونية رأسمالية في خدمة كبار المالكين و المدراء أما المنخرطون الصغار والعمال فمهمتهم بذل كل ما في طاقتهم لتبقي كوباك رائدة اقتصاديا لضخ الثروة في ارصدة الكبار.

الهامش:

1- انظر بيان دائرة الإعلام والاتصال لنقابة ا م ش بتاريخ 01 غشت 2016.

2- تقرير

3- انظر موقع تعاونية كوباك على الأنترنيت.

شارك المقالة

اقرأ أيضا