مذكرة جمعية أطاك حول مقاطعة المواطنات والمواطنين لمواد استهلاك تسوقها مجموعات رأسمالية كبرى

 

 

من أجل توسيع الحملة ضد الحكرة ومن أجل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية

 

أبان النجاح الواسع للمقاطعة الجارية لثلاث مواد (حليب سنطرال والماء المعدني سيدي علي ووقود افريقيا غاز) تسوقها مجموعات رأسمالية خاصة كبرى (شركة سنطرال دانون تابعة للشركة متعددة الجنسيات الفرنسية دانون مختصة بالحليب ومنتجاته، وشركة المياه المعدنية بأولماس التابعة لمجموعة هولماركوم لعائلة بنصالح، وشركة توزيع المحروقات أفريقيا التابعة لمجموعة أكوا لعائلة أخنوش) عن إبداع الشعب المغربي لمقاومة أخطبوط الرأسمال الكبير المحلي والأجنبي الذي ينهب ثروات البلاد وجيوب العباد.

سيرورة اغتناء أقلية رأسمالية من السياسات الليبرالية الجديدة التي طبقت منذ بداية الثمانينات

تكشف هذه المجموعات الثلاث عن سيرورة اغتناء أقلية رأسمالية استفادت من السياسات الليبرالية الجديدة التي انطلقت منذ نهاية السبعينات وأوائل الثمانينات. بدأت الإصلاحات الليبرالية الجديدة الكبرى مع برنامج التقويم الهيكلي الذي دفع بسيرورة انسحاب تدريجي للدولة من القطاعات العمومية وتعميم إجراءات نزع التقنين لصالح المقاولة الخاصة، وأدى الى تدهور بالغ للمستوى المعيشي للأجراء وصغار المنتجين وفئات شعبية أخرى. واندلعت سلسلة واسعة من الإضرابات العمالية طيلة فترة 1978-81، وثلاث انتفاضات شعبية في 20 يونيو 1981، ويناير 1984، ودجنبر 1990 كانت أساسا ضد ارتفاع أثمان مواد الاستهلاك والخدمات الرئيسية. وتشكلت القاعدة العريضة لهذه الانتفاضات الشعبية من الشباب الذين يعانون البطالة والفقر في الأحياء الهامشية للمدن الكبرى، والتي تنامت أساسا من جراء الهجرة القروية الناتجة عن سيرورة افقار صغار الفلاحين وتردي أوضاع السكان القرويين.

 

وتجسدت عمليات خصخصة المؤسسات والمقاولات العمومية والخدمات العمومية في عمليات منح مباشر وفق ميكانيزمات معقدة إلى مجموعات رأسمالية مهيمنة محلية وأجنبية. وأدى تحرير التجارة الخارجية الذي تسارع مع انضمام المغرب إلى منظمة التجارة العالمية عام 1995، إلى ابرام عديد من اتفاقات التبادل الحر استفاد منها كبار المستوردين والمصدرين على حساب تعميق عجز الميزان التجاري وتبعية بلادنا البنيوية على المستويات الاقتصادية والمالية والتكنولوجية والغذائية. وخصصت الدولة جزءا كبيرا من موارد الميزانية لتوفير البنية التحتية اللازمة لضمان مردودية رأس المال الخاص، سواء من خلال المخططات القطاعية التي أطلقتها أوائل سنوات 2000 في قطاعات استراتيجية (الفلاحة، والصناعة، والصيد البحري، والسياحة، والطاقة، إلخ)، أو من خلال أوراش البنية التحتية الكبرى (الموانئ، والمطارات، والطرق السيارة، والسكك الحديدية، والمجمعات الصناعية والفلاحية، إلخ). هذه الاستثمارات المشكوك في مردوديتها وفائدتها زادت من تضخم المديونية العمومية التي ستتحمل أعباءها الفئات الشعبية من خلال سياسات التقشف. لكن هدفها الحقيقي تمثل في فتح المجال لتنمية ثروات بضع مئات من العائلات البورجوازية المعروفة تاريخيا في مجال الأعمال بالمغرب، وهي التي تتحكم في دواليب الدولة ومواردها وتستغلها للاستحواذ على جميع المجالات المربحة بالبلد ونهب ثرواته. وتشترك في ذلك مع قسم من الرأسمال الأجنبي، الذي يقتسم معها الغنيمة ويرحل أرباحا ناتجة أساسا عن مضاربات و”استثمارات” محفظاتية ممنوحة. وها هي الآن تنخرط في استراتيجية غزو بلدان أفريقيا جنوب الصحراء.

تحرير أسعار مواد الاستهلاك الرئيسية وخصخصة المؤسسات والخدمات العمومية: ارتفاع أرباح المقاولات الرأسمالية الخاصة على حساب تدني القدرة الشرائية للمواطنين

منذ أوائل الثمانينات، بدأ تحرير أسعار مواد الاستهلاك الرئيسية كالزبدة والحليب. وتحررت واردات القمح اللين والسكر في 1996. وألغي للدعم المخصص للزيت منذ يونيو 2000. وشكلت المواد الغذائية قطاعا مربحا للمجموعات الرأسمالية الكبيرة التي تستغل نفوذها لتوجيه دعم الدولة لصالحها. هكذا استحوذت شركة كوسومار التابعة للهولدينغ الملكي أونا (الذي تحول فيما بعد الى الشركة الوطنية للاستثمار والآن أصبح يسمى “المدى”) في صيف 2005 على قطاع السكر بالمغرب (انتاجا وتحويلا وتوزيعا) بعد شرائها لأربع معامل سكر، في إطار عملية خصخصتها بعد أن كانت عمومية، وأصبحت تتحكم عمليا في ميزانية صندوق المقاصة المخصصة لدعم السكر. وهيمن الهولدينغ أيضا على قطاعي الزيت (لوسيور- كريسطال) والحليب (شركة سنطرال).

وفي سياق عقد الاتفاق الفلاحي بين المغرب والاتحاد الأوروبي في 2012 الذي فتح الباب للمقاولات الكبرى الأوروبية لتصدير منتوجاتهم الفلاحية والفلاحية-الصناعية المدعمة ورديئة الجودة الى السوق المغربية، ودرءا لاشتدادا المنافسة الأجنبية، عمدت الشركة الوطنية للاستثمار الى الانسحاب من قطاع المواد الغذائية. هكذا لجأت في سنة 2011 الى بيع حصة 41 في المائة من شركتها لوسيور- كريسطال للمجموعة الصناعية والمالية للبذور الزيتية “سوفيبروتيول” (Sofiproteol) التي تنتج زيوت لوسيور بفرنسا. وفي سنة 2012، باعت حصة 37,8 في المائة من أسهم شركتها سنطرال ليتيير للشركة الفرنسية متعددة الجنسيات دانون، ثم 22 في المائة في نهاية 2014، لتصبح هذا الأخيرة تملك قرابة 91 في المائة من شركة سنطرال لتيير، وغيرت اسمها في أكتوبر 2015 الى شركة سنطرال دانون. وفي سنة 2013، باعت الشركة الوطنية للاستثمار 27,5 في المائة من مجموعة كوسومار (معامل السكر) لمجموعة ويلمار الأسيوية، ثم في سنة 2014، باعت حصة 24,5 في المائة لمجموعة من الشركات محلية وأجنبية.

وفي هذه المدة بالضبط بلغت واردات السكر رقما قياسيا حيث شكلت 80 في المائة من تغطية استهلاك السكر في سنة 2012 (مقابل 70 و71 في المائة سنتي 2011 و2013، ثم 59 و58 في المائة سنتي 2014 و2015) وهو ما يعادل أكثر من مليون طن من السكر الخام مستوردة بأكثر من 5 مليار درهم (601 مليون دولار). مما جعل عملية بيع أسهم الشركة الوطنية للاستثمار جد مربحة.

وواصلت الدولة تقليصها التدريجي لميزانية صندوق دعم مواد الاستهلاك الرئيسية (المقاصة) وصولا الى رفع الدعم النهائي عن أسعار البنزين والفيول في فاتح فبراير 2014، والغازوال في فاتح يناير 2015 ثم التحرير الكلي لأسعار الوقود الثلاث مع فاتح دجنبر 2015. وقدرت أرباح شركات توزيع المحروقات خلال 3 سنوات بعد التحرير الكلي بمبلغ 17 مليار درهم، حيث تبين أن متوسط الفارق بين الأسعار المحتسبة استنادا إلى تركيبة الأسعار ما قبل التحرير والأسعار التي اعتمدها شركات توزيع البترول بعد ذلك، هو زائد 96 سنتيم في اللتر في الغازوال، و76 سنتيم في اللتر في البنزين، وهو ما يمثل زائد ربح لهذه الشركات بحوالي 7 مليارات درهم سنويا.

 هكذا فثمن بيع اللتر الواحد من الغازوال باحتساب جميع الرسوم والتكاليف انتقل من 7,98 درهم في 1 دجنبر 2015 الى 9,65 درهم في 1 دجنبر 2017، حيث أن هامش ربح الشركات انتقل من 1,1 درهم للتر الواحد الى 1,95 درهم للتر الواحد. وهذا ما يشكل إحدى روافد الثروة المالية للملياردير عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار ووزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، التي قدرت بمبلغ 2,2 مليار دولار حسب مجلة “فوربس” المتخصصة في أخبار رجال الأعمال في العالم في فبراير 2018، وصنفته في المرتبة الخامسة في ترتيب أغنى رجال الأعمال في شمال إفريقيا. وهذه الثروة انتقلت من جيوب المواطنين مباشرة. فقد أوضحت المندوبية السامية للتخطيط في مذكرة إخبارية أن الأسعار عند الاستهلاك بعد تحرير المحروقات ارتفعت سنة 2016 بنسبة 6,1 في المائة وهو ما أدى إلى تراجع القدرة الشرائية للأسر بنسبة 6,0 في المائة، وأن الدخل المتاح للأسر حسب الفرد بلغ 19 286 درهما في سنة 2016 (أي 1 600 درهم في الشهر). ويهدف النقاش الدائر حاليا حول التقرير التركيبي للجنة الاستطلاع البرلمانية حول ارتفاع أسعار بيع المحروقات السائلة للعموم بعد قرار تحريرها إلى حجب مسؤولية الدولة وغالبية الفرق البرلمانية في قرار التحرير لصالح مجموعات رأسمالية كبيرة محلية وأجنبية التي تحقق أرباحا هائلة على حساب القدرة الشرائية لغالبية الفئات الشعبية، كما يهدف الى استبعاد مطلب إعادة تأميم قطاع المحروقات.

شملت عمليات الخصخصة أيضا الخدمات العمومية من خلال ما يسمى بالتدبير المفوض للمرافق العامة (بدأ منذ 2002-2003) الذي شمل مجالات واسعة منها توزيع الماء والكهرباء، والنقل الحضري، وجمع النفايات المنزلية الصلبة، إلخ. وهو يرتكز على ضمان مصلحة المفوض إليه لتحقيق أرباحه على حساب المصلحة العامة للمواطنين، وما ينتج عن ذلك من تردي لنوعية الخدمات المقدمة وارتفاع أثمانها بشكل صاروخي. وجاء قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص (2015-2014) ليشمل الخدمات غير التجارية وعلى رأسها الصحة والتعليم عبر فتح المجال للقطاع الخاص للاستحواذ على الخدمات العمومية الرئيسية وجعلها مجالات لمراكمة الأرباح. وسبق للدولة أن ضربت مجانية الخدمات الصحية عبر مرسوم 30 مارس 1999 وضرب الطابع العمومي في مجال التعليم عبر ميثاق التربية والتكوين.

ولا بد من التذكير بأن الطبقات الحاكمة تدبر سياسة الخوصصة والسياسات العمومية وفق ما تسطره في الجوهر المؤسسات المالية الدولية (البنك العالمي وصندوق النقد الدولي) ومنظمة التجارة العالمية وحكومات القوى العظمى، وتكيفها وفق مصالحها الخاصة بدعم من هذه المؤسسات وهذه القوى نفسها التي تستفيد مقاولاتها الكبيرة من اتفاقات التبادل الحر لولوج السوق المغربية والاستحواذ على الصفقات العمومية وجميع المجالات المربحة بالبلد. هكذا منح توزيع الماء الصالح للشرب لأربع شركات خاصة هي ليديك التابعة لسويز ليونيز دوزو الفرنسية (1997)، وكل ومن ريضال (1998)، وأمانديس- طنجة، وأمانديس- تطوان التابعة لفيوليا الفرنسية (2002). وهذه الشركات الأربع تسيطر على 36% من توزيع الماء الصالح للشرب والتطهير السائل في المجال الحضري وتحقق أرباحا صافية هائلة هي أيضا من جيوب المواطنين مباشرة. كما جرت خصخصة منابع الماء الطبيعية حيث تستولي شركة أولماس سيدي علي التي تملكها عائلة مريم بنصالح شقرون التي تعد من العائلات المليارديرية المحظوظة بالمغرب، والتي ما فتأت أرباحها الصافية ترتفع حيث بلغت 190 مليون درهم سنة 2017 مسجلة زيادة بنسبة 11 في المائة مقارنة مع 2016.

وهذه الثروة تراكمت على حساب استنزاف الثروات المائية لسكان قرية تارميلات وانقطاعات متكررة لتزويد بيوت المنطقة بالمياه الصالحة للشرب. وهو ما أدى إلى اندلاع حراك شبابي سماه الداعون إليه “حراك شعبي أيت عمى والماس” وكان من أبرز مطالبه “إمداد السكان بالماء الصالح للشرب وتوفير المياه المعدنية ووضع حد لاستنزاف الثروة المائية للمنطقة”. وتستغل الشركة الأورو-إفريقية للمياه الخاصة منذ 2010 المياه الطبيعية لقرية بنصميم بمنطقة افران بعد أن انتزعتها بالقوة وبمساعدة أجهزة الدولة من سكانها الأصليين، المزارعين الفقراء. كما “فاز” الهولدينغ الملكي أونا/المدى بمشروع توزيع ماء السقي الفلاحي بسبت الكردان بنواحي تارودانت. وهناك مشاريع تحلية ماء البحر ستستفيد منها شركات خاصة أجنبية ومحلية وفق قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص على حساب المزارعين الصغار.

المقاطعة الحالية هي استمرار لمسلسل الاحتجاجات الشعبية ضد غلاء المعيشة

تدهورت القدرة الشرائية لجماهير المأجورين واحتدت سيرورة افقار المنتجين الصغار في الوقت الذي اغتنت فيه أقلية من الرأسماليين المحليين دخلوا في شراكات مع الرأسمال الأجنبي وراكموا ثروات كبيرة يصدرونها الى القارة الافريقية لجني فوائض أرباح على حساب الشعوب الافريقية. وتأتي المقاطعة الحالية لمواد استهلاك محددة في سياق مسلسل الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت منذ أولى تجارب التدبير المفوض، ضد شركة ليديك في البيضاء في 1997، وضد ريضال في الرباط في 1998، وأمانديس بمدينتي طنجة وتطوان في سنة 2002. وسيتوسع النضال ضد غلاء المعيشة بشكل عام منذ 2006 على إثر موجة ارتفاع مواد الاستهلاك الأساسية، وتكاثرت التنسيقيات المحلية لمناهضة غلاء الأسعار والدفاع عن الخدمات العمومية طيلة الفترة الممتدة بين 2006 و2008. وستأتي التعبئات الشعبية العارمة في الشوارع التي أطلقتها حركة 20 فبراير خلال فترة 2011 -2012 والتي عممت مطالب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وحاولت فتح ملفات الريع من خلال المطالبة بلائحة المستفيدين من مأذونيات النقل (لاكريمات)، ومقالع الرمال والحجر، ورخص الصيد في البحر، وتوزيع العقارات والأراضي العمومية (ضيعات شركتي صوديا وصوجيطا العمومتين نموذجا)، والملك الغابوي، إلخ. حاولت الطبقات الحاكمة احتواء دينامية حركة 20 فبراير من خلال مهزلة الدستور الممنوح وإرساء حكومة شكلية برئاسة حزب العدالة والتنمية، حزب يميني ليبرالي بغطاء ديني، لكن الأشكال الاحتجاجية الشعبية والنضالات العمالية تواصلت في مناطق عديدة في سنة 2014 وكذا في 2015 التي اندلعت فيها من جديد احتجاجات المواطنين والمواطنات ضد شركة أمانديس في طنجة.

 ومباشرة بعد فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات البرلمانية التي جرت يوم 7 أكتوبر2016، اندلع حراك الريف بمدينة الحسيمة بعد مقتل محسن فكري طحنا داخل شاحنة لجمع النفايات (28 أكتوبر). وسيتوسع الحراك الشعبي ليشمل مدينة جرادة وعديدا من مناطق المغرب المهمشة كاشفا زيف شعارات التنمية وتوق الطبقات الشعبية الى بديل اقتصادي واجتماعي يقطع مع منطق الريع وافتراس الثروات وتدمير البشر والطبيعة.

ترهيب الدولة أجج المقاطعة

جاء موقف الدولة من المقاطعة منسجما مع طبيعة سياساتها التي تخدم الرأسمال حيث رأت فيها ضررا كبيرا بمناخ الأعمال الذي حرص المغرب على أن يحسن ترتيبه في التصنيف الذي وضعه البنك العالمي. كما كشفت مختلف المصطلحات التي استعملها عديد من الوزراء في المحكومة الحالية (مداويخ، خونة، إلخ،)، وبعض النواب والنائبات (قطيع، إلخ)، سوى دليلا على احتقارهم لقدرات الشعب المغربي وتنفيذهم لأوامر أسيادهم الرأسماليون الكبار لضمان أرباحهم ومواصلة سياسة الترهيب والقمع والتضييق على الحريات لمواصلة الأوراش الليبرالية الكبرى باسم تشجيع الاستثمار. لكن رد عليها الشعب بحملة سخرية عرت خذلانهم المخجل ودناءتهم. وهذا الإحساس بالحكرة أجج المقاطعة وزاد من تلاحم الشعب في مواجهة دولة الرأسماليين.

مديونية الأسر لتنمية أرباح بنوك خاصة تلزمها تعبئة شعبية للحد من جشعها

احتدت مديونية الأسر المغربية إزاء البنوك بشكل كبير لتضمن سكنا اقتصاديا وتلبي حد أدنى من ضروريات العيش. وأظهر الإحصاء الأخير للمندوبية السامية للتخطيط (11 ماي 2018) أن 34 في المائة من الأسر المغربية لجأت إلى الاستدانة لأن دخلهم لا يسد حاجتهم للإنفاق، وبأن 86,4 في المائة من الأسر ترى أن أسعار المواد الغذائية شهدت ارتفاعاً خلال الشهور الـ 12 الماضية. فمستوى الدخل الفردي للأغلبية الساحقة من المغاربة هزيل جدا. وتصنف أغلب تقارير المؤسسات الدولية المغرب في الرتب المتأخرة عالميا في قطاعي التعليم والصحة. ويزداد بشكل كبير عدد السكان الذين يعيشون تحت عتبة الفقر، والبطالة لها طابع جماهيري وشبيبي بشكل رئيسي.  

هذا بينما حققت البنوك ربحا صافيا بمبلغ يقارب 10 مليار درهم كمعدل في السنوات الثلاث الأخيرة. ولا أدل على ذلك حركة ضحايا القروض الصغرى ذات الغلبة النسائية التي اضطرت، في سياق احتجاجات 20 فبراير 2011، إلى تعليق تسديد ديونها إزاء مؤسسات القروض الصغرى التي تفرض معدلات فائدة عالية (33 في المائة) على نساء لا دخل لهن. فقد حققت ربحا صافيا بمبلغ 226 مليون درهم كمعدل في الثلاث سنوات الأخيرة. ويشهد القطاع البنكي تركزا كبيرا حيث تسطير عليه ثلاث بنوك كبرى ذات رأسمال خاص مغربي في أغلبيته، وهي التجاري وفا بنك (الهولدينغ الملكي)، ومجموعة البنك الشعبي (بنك تشاركي)، والبنك المغربي للتجارة الخارجية (عائلة بنجلون)، التي تمتلك حوالي ثلثي السوق المغربي. ففي سنة 2017، حقق بنك التجاري وفا بنك أرباحا فاقت 6,6 مليار درهم، متبوعا بمجموعة البنك الشعبي بمجموع أرباح صافية ناهزت 2,8 مليار درهم، ثم البنك المغربي للتجارة الخارجية الذي حقق أرباحا بلغت 2,03 مليار درهم. ونرى أن هذه الأبناك الثلاث وشركات التأمين التابعة لها هي التي تتزعم تغلغل الرأسمال الخاص المغربي في القارة الافريقية اليوم لتوسع أرباحها على حساب الشعوب الافريقية التي نهبها الاستعمار الأجنبي.

هذا القطاع البنكي وما يمارسه من نهب لجيوب شرائح واسعة من المواطنين والمواطنات المغاربة تلزمه تعبئة شعبية حقيقية للحد من طغيانه.

نظام المديونية العمومية في جوهر نظام الاستحواذ على الثروات ولابد من تعبئة شعبية من أجل إلغائه

تسارعت سيرورة تراكم الرأسمال الخاص في المغرب وارتفعت أرباحه المتجلية في مظاهر بذخ وثراء أقلية مقابل انخفاض الدخل الفردي للأجراء وصغار المنتجين. وشكلت المديونية العمومية إحدى دعامات هذا التراكم. فمجمل سياسات الليبرالية الجديدة التي تنهجها الدولة ترتكز على توفير شروط الاستثمار المربح للرأسمال الأجنبي والمحلي الكبير من خلال تحسين ما تدعوه “مناخ الأعمال” عبر تحفيزات ضريبية، وإعانات، وتسهيل الولوج الى التمويل والعقار، ومخططات قطاعية، وأوراش البنية التحتية، إلخ. ومن هنا تضخم المديونية العمومية التي ستتحمل تكاليفها الفئات الشعبية من خلال سياسات التقشف الاجتماعي. ففي نهاية 2016، بلغ مجموع الديون العمومية الخارجية المستحقة 312,5 مليار درهم (30,9 مليار دولار أمريكي) وتمثل 30,8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ويبلغ الدين الخارجي المستحق (المضمون من طرف الدولة) على المؤسسات والمقاولات العمومية 168,8 مليار درهم، اي 54 في المائة من مجموع الدين الخارجي العمومي و16,7 في المائة من الناتج المحلي الخام. تستدين المقاولات والمؤسسات العمومية لتدعم الاستثمار الخاص في المغرب وافريقيا حيث بلغت مديونتها أكثر من نصف الدين الخارجي العمومي تضمنه الدولة على حساب تقشف الأجراء والفئات الشعبية. وبلغت المديونية الداخلية العمومية 516 مليار درهم. هكذا بلغت المديونية العمومية الإجمالية (الخارجية والداخلية) 828 مليار درهم ممثلة 82 في المائة من الناتج الداخلي الخام لسنة 2016. وتمتص خدمة الدين (التي تعني تسديد الفوائد السنوية زائد قسط من رأسمال الدين الأصلي، وقد بلغت 157 مليار درهم في سنة 2015) بشكل كبير الموارد الضرورية لتلبية الحاجيات الأساسية كالتعليم، والرعاية الصحية، وتوفير السكن اللائق، أو الاستثمار في البنيات التحتية العمومية الناجعة والبرامج اللازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إلخ. إن نظام المديونية العمومية الجهنمي جعلنا خاضعين لمؤسسات الرأسمال العالمي والبنوك الخاصة والقوى الامبريالية الكبرى، وتعمقت تبعية بلدنا وزاد تخلفها الاقتصادي والاجتماعي، وتفاقم فقداننا لسيادتنا السياسية والاقتصادية والغذائية.

إننا في جمعية أطاك المغرب، نطالب بوقف سداد الديون وتدقيق وجهتها ومدى استفادة الشعب منها وبإلغاء الديون العمومية الخارجية والداخلية غير الشرعية كشرط ضروري لأي تنمية عادلة ولاستعادة سيادتنا الشعبية وتقرير مصيرنا بأنفسنا. وترافق تضخم المديونية العمومية مع تنامي المقاومات ضد آثاره المباشرة.  فكما رأينا أعلاه، توسعت الاحتجاجات الشعبية مع بداية التسعينات بشكل كبير في جميع المناطق المهمشة والمقصية بالمغرب من أجل المطالبة بحد أدنى من ضروريات الحياة كالطرق وشبكة الماء والكهرباء والمستوصفات والمدارس، إلخ. كما تأسست جمعية المعطلين حاملي الشهادات التي خاضت معارك كبيرة من أجل الحق في الشغل. وتوسعت التعبئات ضد غلاء الأسعار والدفاع عن الخدمات العمومية، إلخ. وشكل اندلاع حركة 20 فبراير مع بداية سنة 2011 ثم سلسلة الحراكات الشعبية التي دشنها حراك الريف التعبير الساطع عن صرخة مختلف شرائح الشعب ضد سياسات التقشف التي تفرضها ضرورة تسديد الديون. وهذا ما يتطلب تعبئة شعبية تنخرط فيها منظمات نضال الشغيلة بفعالية وكفاحية.

الشركات متعددة الجنسيات تنهب ثرواتنا وتدمر بيئتنا ولابد من حملة شعبية ضد عدم افلاتها من العقاب

يدخل الرأسمال الكبير المحلي في شراكات مع الشركات متعددة الجنسيات من خلال تعميم حرية تداول الرساميل والسلع وإعادة ترحيل الأرباح. وهذا ما يتيح لها اقتناص فرص احتكار الأسواق المحلية وفرض معاييرها ومنتجاتها على المواطنين وبالأثمان التي تريدها.

وجمعية أطاك المغرب، عضو الشبكة الدولية للجنة من أجل إلغاء الديون غير الشرعية، منخرطة في الحملة الدولية للحركات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني من اجل وضع حد لتسلط الشركات العابرة للقارات عبر إقرار صك دولي ملزم قانونا يجبرها على احترام حقوق الإنسان والتوقف عن تدمير الإنسان والطبيعة.

إننا نسعى لتوسيع هذه الحملة على مستوى بلدنا ومنطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط حتى نرصد مدى تدمير الشركات متعددة الجنسيات لثرواتنا وبيئتنا. فقد تبث تورط شركة ليديك الفرنسية بالبيضاء في فضائح مالية واجتماعية وبيئية وباعتراف مؤسسات الدولة كالمجلس الأعلى للحسابات، ومازالت السكان يعانون من وزر الزيادات المتكررة في الأسعار وحرمان الآلاف من حقهم في الربط الاجتماعي في حين تحول الشركة لمليارات الدراهم إلى الشركة الأم في فرنسا بصفة غير قانونية. وتتقاطع هذه الحملة مع حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) ضد العدو الاسرائيلي الذي توجد أيضا عديد من شركاته في المغرب.

جميعا ضد الحكرة ومن أجل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية

إن المقاطعة الحالية هي احتجاج شعبي ضد الحكرة ومن أجل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية وهي مطالب سبق أن رفعها عاليا الشعب المغربي في الشوارع منذ انطلاق حركة 20 فبراير وصولا الى الحراكات الشعبية في الريف وجرادة وزاكورة وغيرها.

إن جمعيتنا أطاك المغرب تحيي إبداع الشعب المغربي وتسانده في مقاطعة أخطبوط الرأسمال. كما تساند الحراكات الشعبية في الريف وجرادة وبويزاكارن وزاكورة ضد سياسات القهر والتجويع والبطالة والعطش وانعدام متطلبات الحياة الكريمة والتدمير البيئي. وتندد بالقمع الذي تشنه الدولة البورجوازية ضد الحق في الاحتجاج والتعبير وبمحاولاتها التضليلية للنيل من صدقية المطالب وتجريم المقاومات.

إن المقاطعة الحالية هي تعبير ملموس عن مطلب شعبنا بحقه من الثروة المنتجة التي تعود اليوم الحصة الكبيرة منها الى أقليات رأسمالية تنهب الثروات وتدمر البيئة. وهي تعبير عن مطالبته بتنمية بديلة تقوم على العدالة الاجتماعية، وتكييف الاقتصاد لتلبية الحاجيات الأولية للطبقات الشعبية، وزيادة الأجور، وسن ضريبة تصاعدية على الأرباح، ورفع اعتمادات الميزانيات الاجتماعية، إلخ.

اليوم وأمام احتداد استئثار الحاكمين بالقرار الاقتصادي والسياسي وضربهم لمصالح الأغلبية من شعبنا، يصبح عصيانهم ومقاطعة منتجاتهم واجبا وطنيا.

وأمام تواطؤهم وتحالفهم مع مستعمرينا القدامى والجدد من أجل نهب واستغلال خيراتنا يصبح عصيانهم ومقاطعة منتجاتهم واجبا وطنيا.

وأمام عنصرية الحاكمين ضد الأغلبية الساحقة من شعبنا، وتحقيرهم لثقافة المقاومة والتضامن لدى شعبنا، وتعميقهم وتشجيعهم للهيمنة الثقافية الاستعمارية خاصة الفرنسية التي لم تتوقف منذ الاستقلال الشكلي، يصبح عصيانهم ومقاطعة منتجاتهم واجبا وطنيا.

المجلس الوطني

الرباط في 20 مايو 2018

 

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا