من وراء طرح قانون محاربة العنف ضد النساء؟

النساء14 سبتمبر، 2018

 

 

                              صدر ضمن ملف عدد جريدة المناضل-ة 69 حول العنف ضد النساء

لن يشكل مصادقة البرلمان المغربي في أواسط شهر فبراير الجاري على قانون محاربة العنف ضد النساء، أي تقدم في اتجاه الحد من أوجه اللامساواة ومن مختلف أشكال العنف الذي تتعرض له النساء. فلم يستجب للمطالب الرئيسية للحركة النسائية المغربية التي ضلت تنادي منذ بداية التسعينات بسن قانون إطار منسجم وشامل يجمع بين كل من المقاربة الزجرية لمرتكبي العنف وحماية الضحايا وآليات الوقاية اللازمة. ولذلك من الطبيعي أن تتبنى معظم مكونات الحركة النسائية موقفا رافضا لهذا القانون، في حين لم يبقى ضمن المؤيدين غير ذلك الطيف من جمعيات نسائية رجعية ذات المرجعية الدينية، خاصة تلك التابعة لحزب العدالة والتنمية. يقف خلف إصدار هذا القانون طرفان هما النظام المغربي المستبد والرجعي وقوى الإمبريالية بزعامة الاتحاد الأوربي. فكيف التقت مصالحهما في إصداره؟ وما هي مصالح كل طرف؟

أولا، مصالح النظام الاستبدادي الرجعي

      يعد مطلب إصدار قانون شامل لمحاربة العنف ضد النساء مطلبا ديمقراطيا نسائيا أساسيا ضمن سيرورة النضال من أجل تحرر النساء. ومن شأن نضال الحركة النسائية المغربية حول هذه المسألة رغم طابعها النيوليبرالي أن يجر قطاعات من النساء، خاصة من الفئات المتعلمة للنضال السياسي في مواجهة النظام. وهذا ما أتبتته التعبئات النسائية ضد مدونة الأحوال الشخصية خلال التسعينات، حيث سارع النظام الرجعي إلى تقديم تنازلات شكلية لوقف سيرورة انخراط النساء في النضال السياسي من أجل المطالب الديمقراطية.

ولقد ساهمت الإجراءات التي اتخذها النظام والمندرجة في ظل ما يسميه باستراتيجية محاربة العنف ضد النساء خلال السنوات الأخيرة في إبقاء معظم مكونات الحركة النسائية المغربية البرجوازية والنيوليبرالية منخرطة في “النضال” المؤسساتي، بل نعتقد أنها كانت من بين العوامل المساهمة في خيانتها لمطالب حركة 20 فبراير وانضمامها للجنة الملكية لصياغة الدستور.

ومثلما يشكل مضمون الدستور (المناصفة…) ضمانة لمواصلة خرط هذه الحركة في طريق “النضال” المؤسساتي، فإن إصدار هذا القانون يندرج، بالنسبة لمصلحة النظام، في هذا السياق. ورغم المعارضة الكلامية لهذه الحركة البرجوازية التوجه، إلا أنها مقتنعة بأن ما جاء به من “إيجابيات” نتيجة لمساعيها بأسلوب المذكرات واللوبيات الشبكية لدى مؤسسات النظام ولدى المنظمات الدولية وقوى الإمبريالية، ويكفي مواصلة هذا النهج لإحراز المزيد. وهنا بالضبط تلتقي مصلحة كل من النظام والقوى الإمبريالية، بحيث أن هذا القانون سيساهم بالنسبة لهما في ضمان الاستقرار السياسي للنظام.

       وطالما أن هذا القانون لا يشكل أي زعزعة لتشكيلة البنية الاقتصادية والاجتماعية المضطهدة للنساء ويبقي عددا كبيرا من الآليات الرجعية لاستمرار إخضاع النساء، فلا ضرر سياسي من تبني استراتيجية لمحاربة العنف ضد النساء وإصدار قانون بأسلوب النظام الرجعي.

      يشكل هذا القانون، من ناحية أخرى، استجابة من النظام للوصايا السياسة للقوى الإمبريالية التي يمكن القول إنها هي من يقف خلف دفع النظام لإصداره. وبتحقيق النظام لإحدى الشروط السياسية المفروضة يكون قد خدم مصالح البرجوازية الكبرى، لاسيما شرائحها المحتكرة لتصدير المواد الأولية المعدنية والفلاحية ومنتجي سلع الصناعات الغذائية التي تراهن على عقد اتفاقات الشراكة والتبادل الحر لتسويق منتجاتها.

ثانيا، مصالح القوى الإمبريالية

   فرضت القوى الإمبريالية في السنوات الأخيرة، في إطار التبعية السياسية للنظام لمؤسساتها، تغييرا للتشريعات المتعلقة بالنساء وإصدار قانون محاربة العنف نفسه. ولا يعد ذلك غير إحدى الإجراءات السياسية التي تندرج ضمن شروط سياسية إجمالية مصاحبة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية النيوليبرالية المفروضة من قبلها والساعية لتوفير الشروط المثلى لاندماج أكبر لبنيات الاقتصاد المغربي لخدمة متطلبات الرأسمال العالمي وفتح أبواب أسواقه بالكامل وتوفير القوى العاملة، وضمنها اليد العاملة النسائية، بكلفة أقل وبتأهيل مهني أكبر. وتكمن إحدى الغايات السياسية وراء كل هذه الشروط ضمان ألا تفضي هذه السياسات والهجومات الطبقية المصاحبة لها لإثارة غضب المستغلين وتجذير سيرورة النضال الاجتماعي، مما يهدد بنسف “الاستقرار الاجتماعي” الضروري للرأسمال.

     وفي هذا السياق يمكن فهم كل الشروط السياسية التي فرضتها الإمبريالية العالمية (دور صندوق النقد الدولي والبنك العالمي). ومن اللافت أن المركز الإمبريالي لدول الإتحاد الأوربي هو الذي لعب الدور الحاسم لدفع النظام لتبني كل الإجراءات المرتبطة بحقوق النساء المعلن عنها في السنوات الأخيرة، في خضم “المفاوضات” حول اتفاقية الشراكة. ويجذر بنا هنا ذكر السياسات المرتبطة بهذه الحقوق التي نجح الإتحاد الأوربي في فرضها، وهي الخطة الحكومية للمساواة، وإنشاء صندوق التكافل العائلي، وتعديل عدد من التشريعات لتنسجم مع المعايير الدولة في مجال حقوق النساء، وتطبيق اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء وبروتوكولها الاختياري وإرساء هيئة المناصفة والمصادقة على قانون محاربة العنف ضد النساء. لم تكتفي مؤسسات الاتحاد الأوربي بوضع مضمون هذه الإجراءات والقوانين الضابطة لها، وإنما حددت الآجال الزمنية التي يتعين على النظام تطبيقها وحددت آلية لفرض رقابة على سير أطوار التنفيذ، كما دأبت دوما سيرا على نهج القوى الإمبريالية.

نفاق المنظمات العالمية والدولة

يجب التنبيه إلى أن مؤسسات الرأسمال العالمي (وضمنها الاتحاد الأوربي وأجهزته) مسؤولة بسياساتها الاقتصادية وتدخلاتها السياسية في كل مناطق العالم عن أوجه العنف التي يجري التغاضي عنها.

تختصر هذه المؤسسات العنف، في مظاهره الفردية، خاصة العنف الأسري، أو مظاهر الاغتصاب الفردي (وضمنها الاغتصاب الزوجي)، بينما يجري التغاضي عن العنف الجماعي الممارس على النساء والذي تتحمل هذه المؤسسات مؤسساته.

إنها أوجه عنف أكثر همجية وضمنها، حرمان ملايين النساء من الخدمات الاجتماعية (الصحة، التعليم…) بسبب سياسات التقشف والخوصصة. إضافة إلى مظاهر العنف الاقتصادي مثل الحرمان من الشغل أو تأنيث قطاعات إنتاجية واسعة حيث تسود الهشاشة والحرمان من الحقوق الاجتماعية (المتعارف عليها دوليا طبعا).

تصدر الدولة قانونا يدعي مواجهة العنف ضد النساء، في الوقت الذي تتوارد فيه الحالات بالعشرات والمئات عن نساء يلدن أو يتوفين في أروقة المستشفيات العمومية المدمرة بسياسة ليبرالية مفروضة من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

تدعي الدولة محاربة العنف ضد النساء، بينما العشرات من العاملات الزراعيات يمتن في حوادث سير قاتلة، بينما تغض الطرف عن أرباب العمل الذين يرفضون توفير وسائل نقل لائقة للعاملات.

تدعي الدولة محاربة التحرش ضد النساء- كشكل من أشكال العنف- بينما تشهد قطاعات الإنتاج التي جرى تأنيثها (الزراعة، التصبير..)، ابتزاز العاملات مقابل الحفاظ على مناصب الشغل.

وفي الوقت الذي يظهر الاتحاد الأوربي ضاغطا على المغرب لوضع قانون حول العنف الموجه ضد النساء، لا يثني دوله على تصدير وسائل قمع المظاهرات، التي نزلت على الأستاذات المتدربات ونساء الريف المناضلات.

إنها أوجه العنف الذي تخفيها تقارير المغرب وأيضا تتغاضى عنها المنظمات الدولية ومؤسسات الرأسمال العالمي. إنه عنف جنسي وطبقي صارخ.

لا يبخس المناضلون أي إجراء قانوني يخص تحسين أوضاع الاستغلال، ويعتبرونها نتاج نضال الكادحات والكادحين. لكنهم لا يعولون على أن الدولة والرأسماليين، سيكونون أكثر طيبوبة بمجرد توقيهم على المواثيق والاتفاقيات الدولية.

فقد تنظيم النساء العاملات والكادحات في تنظيماتهن، وتبني النقابات للمطالب النسوية وجعلها محورا للنضال اليومي الكفاحي، هو من سيقضي على ظاهرة العنف ضد النساء.

بقلم، وجاد وجدان

شارك المقالة

اقرأ أيضا