قبل مائة سنة، نوفمبر 1918: الثورة الألمانية

الثورة23 نوفمبر، 2018

 

 

كان اندلاع الثورة الألمانية في نوفمبر عام 1918 خبرا سارا لعمال روسيا الذي يأملون، منذ أكتوبر 1917، ثورة في بلد متطور.  بنظر البلاشفة، يجب على الثورة أن تمتد و إلا ستُخنق من قبل البرجوازية.

 في ألمانيا، أكثر بلدان أوربا تصنيعا، أثرت التقاليد الماركسية في الكثير من العمال. في العام 1912 كان الحزب الاشتراكي الديمقراطي يضم  مليون عضو، واتحاده النقابي ينظم 2.5 مليون أجير، وووصل إلى البرلمان  110 منتخب  اشتراكي بأصوات 34% من الناخبين.  طبعا لم يبق هذا الحزب ذاك الذي كان يتحدى بسمارك، وأدت نجاحاته الانتخابية بقسم من كوادره إلى التكيف  مع النظام السياسي السائد. هذا ما قادهم، مثل الاشتراكيين الفرنسيين، إلى التصويت على اعتمادات الحرب في أغسطس 1914، وتغيير المعسكر،  واقتياد العمال إلى المذبحة الامبريالية.

خيانة الحزب الاشتراكي الديمقراطي

 كان الحزب الاشتراكي الديمقراطي أجبر نوابه  المعارضين لميزانية الحرب على التصويت عليها.  وفي ديسمبر تمرد النائب كارل ليبكنيخت على هذا الانضباط، فأرسل إلى الجبهة لحفر الخنادق.  كان ابنا  لأحد مؤسسي الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ومعاديا للنزعة العسكرية، وعارض الحرب  مع روزا لوكسمبرورغ،  وكلارا زيتكين، و ليو يوغيشيس،  وفرانز مهرينغ.  وقاموا بتأسيس عصبة سبارتاكوس، باسم العبد الذي كان تحدى روما القديمة.  كان شعارهم: “العدو الرئيسي  يوجد في بلدنا”.  وقامت حركة شبيهة في الاتحاد النقابي التابع للحزب، حيث شكل مناضلون معارضون للحرب، مثل ريشار مولر،  شبكة المندوبين الثوريين، المؤثرين بقوة في المصانع.

كانت الحمى الوطنية مستشرية في العام 1914. وفي العام 1915 تظاهرت النساء  ضد غلاء المعيشة. ويوم فاتح مايو  العام 1916 دعا السبارتاكيون إلى التظاهر ضد الحرب. وأطلق ليبكنخت وهو في لباس الجندية شعار:” تسقط الحرب ! تسقط الحكومة !” وتواجه المتظاهرون مع الشرطة.  وأرسل ليبكنخت إلى الأشغال الشاقة.

 آنذاك كتب كاوتسكي، الذي كان يقود الحزب الاشتراكي الديمقراطي،  أنه إذا لم يقم هذا الأخير بانعطافة نحو السلم سينضم العمال والجنود إلى السبارتاكيين.  وفي يناير 1917 قامت قيادة الحزب، مع ايبرت وشايدمان،  بطرد كافة معارضيها.  فنتج عن ذلك نشوء الحزب الاشتراكي الديمقراطي المستقل بقيادة برينشتاين وكاوتسكي، المعاديين للثورة  مثل قادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، لكنه يضم أيضا  قسما من المندوبين الثوريين  والسبارتاكيين.

يوم 28 يناير، اضرب 400 ألف شغيل عن العمل ضد الحرب بدعوة من المندوبين الثوريين. امتد الإضراب إلى مدن كييل وهامبورغ  وكولونيا .  ولوقف الإضراب  دخل ايبرت وشايدمان لجنة الإضراب.

انهيار الجبهة

في نهاية سبتمبر/ أيلول 1918ـ، تكاثرت الهزائم العسكرية، فأدركت القيادة العليا أنها لن تنتصر في الحرب. إنها بحاجة إلى هدنة، لكن دون ربطها بهزيمة.  فاتجه الجنرال لودندورف صوب الحزب الاشتراكي الديمقراطي وأعطاه مقاعد في الحكومة.  وسيذيع الجيش لاحقا أن المدنيين، وبخاصة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، طعنوه  في الظهر.

 وفي مطلع أكتوبر، اقترحت هدنة على ويلسن، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية  التي دخلت الحرب في العام 1917 إلى جانب فرنسا و بريطانيا.  وأكثر ويلسن المطالب،  وفقط يوم 28 أكتوبر شارك الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الحكومة لأول مرة.

انتفاضة البحارة

لكن قادة البحرية الحربية أرادوا معركة شرف أخيرة.  ورفض البحارة.  يوم 29 أكتوبر انتفضت باخرتان  قرب فيلهيلمشاڤن. استعاد الضباط زمام الأمر، واعتقلوا ألف بحار،  لكن لن يكون ثمة معركة شرف.  وفي قاعدة كييل البحرية، حيث يتركز 50 ألف بحار و 30 آلف عامل  أحواض سفن، يريد  البحارة تحرير رفاقهم.  بعد مظاهرة مقموعة،  انتخبوا مجلسهم.  وكذلك فعل العمال.  وأطلق سراح البحارة.  و تآخى جنود بُـعثوا لقمعهم.  إننا يوم 3 نوفمبر، الثورة الألمانية ابتدأت.

من برلين جرى إرسال  وزير برجوازي وغوستاف نوسكه الإطار بالحزب الاشتراكي الديمقراطي: انتخب نوسكه على رأس مجلس البحارة والجنود، ثم أصبح حاكما للمدينة التي سيطر عليها.  لكن البحارة انتشروا في البلد  مكثرين فيها مجالس الجنود والعمال. بدؤوا بالموانئ، ثم اتجهوا إلى الروهر. ويوم 4 نوفمبر أعلن مجلس  العمال في شتوتغارت استعداده لتوقيع الهدنة. ويوم 6 كان شمال غرب ألمانيا بيد المجالس. ويوم 7 أعلن كورت أيسنر في ميونيخ جمهورية مجالس بافاريا. وكان دور الساكس وهيس  وفرانكونيا  وفورتمبيرغ  يوم 8.  كما تشكلت المجالس في ميتز وستراسبورغ.

الثورة تصل إلى برلين

يوم 9 نوفمبر، احتل عمال برلين  المباني العمومية.  وتآخى الجنود.  وفي الساعة 11، أعلن  المستشار ماكس دو باد  تنحي الإمبراطور وترك مكانه لايبرت الذي قال:”  لا أريد الثورة ، أكرهها مثل الخطيئة”ّ.    وقام تابعه الاشتراكي الديمقراطي شايدمان، الذي أراد أن يستبق السبارتاكيين، في الساعة 14، بإعلان قيام الجمهورية الألمانية الأولى. وفي الساعة 16 حيا ليبكنيخت من جانبه الجمهورية الاشتراكية الحرة ودعا إلى النضال من أجلها.

 شكل ايبرت حكومة  من الحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي المستقل، وسماها كما في روسيا،  مجلس مفوضي الشعب بقصد خداع العمال.  ودعا المندوبون الثوريون العمال إلى انتخاب مجالس لتشكيل حكومة ثورية.  لكن أغلبية 3000 مندوب بمؤتمر المجالس، المستدعى باستعجال،  ظلت مرتبطة بالحزب الاشتراكي الديمقراطي.  وصوتوا على الثقة لايبرت، الذي حظي بدعم  المارشال هيدنبورغ والجيش ضد السبارتاكيين.  وبالنظر إلى عدم الثقة في الجيش تم تشكيل فرق متطوعين، من ضباط، ومغامرين وطلاب من أقصى اليمين.

واندلعت إضرابات. وللالتفاف عليها قام الاتحاد النقابي التابع للحزب الاشتراكي الديمقراطي بتوقيع اتفاق مع أرباب العمل يمنح يوم عمل من ثماني ساعات والاعتراف بنقابات المصنع والاتفاقات الجماعية.

 وكما كتب تروتسكي في 1919:” عندما اندلعت الحرب، وحلت ساعة أكبر امتحان تاريخي، تجلى أن المنظمة الرسمية [الحزب الاشتراكي الديمقراطي] كانت تتصرف ليس كمنظمة قتال للبروليتاريا ضد الدولة البرجوازية ، بل كهيئة ملحقة بالدولة (…) كانت الطبقة العاملة مشلولة(…) ووضعت معاناة الحرب نهاية للشلل (…) لكن البروليتاريا بقيت دون منظمة قتال”.

أسقط العمال والجنود والبحارة  الملكية. لكنهم يريدون أكثر من الجمهورية البرجوازية التي ترضي الحزب الاشتراكي الديمقراطي. قاموا بمبادرات في هذا الاتجاه لكن ينقصهم حزب ثوري لتنسيق العمل.  الحزب الوحيد المنظم فعلا هو الحزب الاشتراكي الديمقراطي.  هذا الحزب الذي ساعد ماركس وانجلز على خلقه في 1875 من أجل تحرر الطبقة العاملة، أصبح في ما بين1914 و 1918 القوة الوحيدة التي  يمكن للبرجوازية و الجيش أن يستندا عليه ضد الثورة العمالية.

جاك فونتنوي

المصدر : ·  Lutte Ouvrière n°2625/

ترجمة المناضل-ة  

شارك المقالة

اقرأ أيضا