لماذا ندافع عن التنسيق؟

* جرى تداول العديد من الإنتقادات لخطوة التنسيق (إضراب 3 يناير)، مفادها أن هذه الخطوة لم تزد ملفنا المطلبي إلا تعتيما، بإغراقه في باقي مطالب تنسيقيات الشغيلة التعليمية، وإغفاله في تصريحات القيادات النقابية و مسؤولي الدولة.
* استطاعت الدولة تنزيل هجماتها على قطاع التعليم وشغيلته، اعتمادا على سياسة فرق تسد. فانتشرت الفئوية داخل صفوف الشغيلة، كل فئة تناضل من أجل مطلبها الخاص، معتقدة أنه بعزله عن باقي المطالب ترسل رسالة إلى الدولة ببساطة مطلبها، وهذا ما سيدفع الأخيرة للإستجابة له.لكن الذي وقع هو العكس. فقد استطاعت الدولة بث الشقاق بيننا كشغيلة تعليمية، فاسحة المجال هكذا لمزيد إضعاف العمل النقابي والزحف على المكتسبات التاريخية التي حصنتها الأجيال السابقة بكفاحاتها ونضالاتها وتضحياتها.
* يعد التنسيق الحالي- رغم تواضع بداياته- مكسبا تنظيميا عظيما يجب الحفاظ عليه، وأي تراجع عليه سيكون نكوصا تستفيد منه الدولة بالإنفراد بضحايا سياستها في قطاع التعليم والوظيفة العمومية.
* دأبت تنسيقيتنا الوطنية منذ تأسيسها إلى دعوة النقابات وكل فئات الشغيلة للإنخراط في أشكالها النضالية، وتجاوز منطق التضامن إلى النضال ضد مخطط التعاقد الذي يستهدف الجسم التعليمي بمجمله (مرسمين ومفروض علهيم التعاقد). وهذا ما يحتسب لتنسيقيتنا الوطنية وليس عليها، ويجب الحفاظ عليه كمسكب برنامجي وتنظيمي، وليس التراجع عليه.
* تطور الأمر مع مجلسنا الوطني المنعقد يوم 2 دجنبر 2018 الذي أكد على ضرورة التنسيق، وقد ترجم هذا إلى خطوات موحدة (إضراب 11 دجنبر، إضراب 3 يناير).
* يقتضي منطق التطور التأكيد على التنسيق وتطويره وليس مهاجمته بمبرر أن ملفنا لن يستفيد شيئا من هذا التنسيق مقارنة بباقي الفئات.
* إذا كان التنسيق هو الذي أدى إلى إغفال ملفنا دون ملفات باقي التنسيقيات، فهل يعني هذا أن نضالنا المنفرد قبل التنسيق، قد استطاع انتزاع تنازلات من الدولة في هذا الجانب. ناضلنا منذ تأسيس تنسيقيتنا الوطنية (مارس 2018) وحتى قبلها لوحدنا دون تنسيق، وقد استطعنا تحقيق مكاسب معينة (إيقاف حالات الفصل- عدم معادلة الشواهد- ، تسويات المستحقات/الأجور)، لكن هذا النضال المنفرد لم يحلحل موقف الدولة من مخطط التعاقد قيد أنملة.
* إن التنسيق الحالي يفتح آفاق عظيمة أمام نضال شغيلة التعليم- وضمنهم تنسيقيتنا- لبناء ميزان قوى حقيقي قادر لوحده على دفع الدولة لتقديم تنازلات حقيقية من أجل نزع فتيل نضال شغيلة التعليم الصاعد من الأعماق والمنفلت من كل ضبط بيروقراطي. هذا ما يجعل الدولة حاليا تعتمد التكتيك القديم: فرق تسد، بإغفال ملفنا، وإدعاء سير ملفات التنسيقيات الأخرى في طريق الحل.
* ليس من المستحب أن نبني تكتيكاتنا النضالية بناء على ارتسامات وانفعالات آنية تجاه ما تقوم به الدولة والبيروقراطيات النقابية. فإذا كان إغفال مطلبنا من طرف الدولة يخدم هدفها في كسر التنسيق الحالي، فلا يجب علينا نحن أن نسهل عليها هدفها.
* هذا التغييب أمر مقصود: فأكثر ما تخشاه هذه لدولة هو وحدة نضالات الشغيلة التعليمية، وأكثر من ذلك وحدة نضالات الشعب المغربي ككل. إذن الأمر مقصود من أجل عزلنا كمفروض عليهم التعاقد وخندقة مطالبنا بعيدا عن باقي الشغيلة التعليمية. لذلك الإجابة الموضوعية لمثل هذه الممارسات ليست التشكيك في مدى فعالية التنسيق، وإنما الدعوة إلى المزيد من توحيد النضالات بغية خلق ميزان قوى أكبر يسمح بالاستجابة لمطالبنا العادلة والمشروعة.
* لا شيء يمنع الدولة من التصريح بعدم الاستجابة لمطلبنا، فهي دولة وتملك كل القوة والقنوات لذلك، وقد سبق وصرحت به أكثر من مرة. وما إغفالها بعد محطة 3 يناير إلا لخدمة هدف بث الشقاق في صفوف التنسيق. إن إغفال الدولة لمطلبنا يؤكد على أنها منشغلة فعلا بهذا التنسيق ويقض مضجعها، وهذا شيء في صالحنا وليس ضدنا.
* يدل هذا على جسامة ملف التعاقد ومدى الصعوبة التي تنتظر نضالنا من أجل إسقاطه.
* مخطط التعاقد سياسة دولة وليس في نيتها التراجع عنها دون ميزان قوى اجتماعي كبير، ليس التنسيق الحالي إلا بذوره المتواضعة.
* إيمانا منا أن هجوم الدولة على الوظيفة العمومية هجوم شامل، ولا يستهدف فئة بعينها، وإنما الغرض منه هو الإجهاز على المرفق العمومية والقضاء على الوظيفة العمومية، استجابة لإملاءات مؤسسات دولية مانحة، وجب أن يتجاوز هذا التنسيق التنسيقيات الفئوية لشغيلة التعليم والنقابات ليشمل فئات أعرض من موظفين غير مصطفين تحت أي لواء من هذه الألوية وعموم الشعب المغربي على اعتبار أن الوظيفة والمرفق العموميين يشكلان أكبر المكتسبات التي حصنتها نضالاته.
* علينا أن ننظر إلى الوجه الآخر لإغفال الدولة لملفنا، الوجه الإيجابي لهذا الإغفال والتركيز على مطالب فئات أخرى كانت الدولة ترفض سابقا الاستجابة لها وتعتبر ذلك من سابع المستحيلات. الدرس الذي يجب استيعابه هو أنه لولا التنسيق لما اضطرت الدولة إلى الخروج بتصريحات تلمح فيها (تلمح فقط) بإمكانية (إمكانية فقط) الاستجابة لمطالب هذه الفئات.
* ما دام التنسيق هو الذي دفع الدولة لهذه التلميحات، فإن المزيد من التنسيق هو الذي سيدفعها للإستجابة لها. والتتمة المنطقية لهذا الدرس هي أن الاستجابة لمطلبنا وإسقاط مخطط التعاقد، لا يحتاج إلى محض تنسيق بين تنسيقيات فئات تعليمية، بل إلى بناء ميزان قوى اجتماعي حقيقي ووحدة نضالية بين كل الشغيلة (وظيفة عمومية، وقطاع خاص). وهذا هو الكفيل وحده بفرض إسقاط التعاقد على الدولة.
* إدعاء أن التنسيق ليس حلا لملفنا، ليس إلا تمنيات لن تؤدي إلا إلى تدمير نضالنا ومكاسب تنسيقيتنا الوطنية (التنظيمية والبرنامجية) إضافة إلى فقدان الدعم والتعاطف الشعبي الذي بدأ نضالنا يناله.
* المفروض إذن أن نفكر في تطوير التنسيق القائم حاليا وليس التراجع عنه: ما هي الأرضية المطلبية التي سيقوم عليها التنسيق؟ ما هي أشكال النضال الموحدة؟ ما هي الأشكال التنظيمية الكفيلة بتوحيد نضالاتنا (صيغ اتخاذ القرار وتنفيذه)؟

فلنقوي تنظيمنا… فلنوحد صفوفنا… قوتنا في وحدتنا.

بقلم، بشرى الكفول

شارك المقالة

اقرأ أيضا