تنسيقة المفروض عليهن/ هم التعاقد: بين النضال ضد مخطط التعاقد والمطالب الجزئية

 

خاضت تنسيقية المفروض عليهن/ هم التعاقد خلال الموسم الفارط معركة تعد من أضخم النضالات التي شهدها تاريخ شغيلة التعليم العمومي. كان مطلب المعركة: “الإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية وإسقاط مخطط التعاقد”.

تميزت المعركة باستماتة وقتالية الجماهير الأستاذية، خاصة الاستجابة الواسعة لإضراب مديد، متحدية مخاطر الاقتطاعات والعزل.

ولكن مهما بلغت قوة المعركة، فلم يكن باستطاعتها- ولن يكون ذلك في مقدورها مستقبلا- إسقاط مخطط التعاقد وتحقيق مطلب الإدماج اعتمادا على قتالية فئة المفروض عليهن/ هم التعاقد لوحدها. المعركة أكبر حتى من الجسم النقابي ذاته بوضعه الحالي، وتحتاج إلى ميزان قوى اجتماعي يستطيع ثني الدولة على التخلي على تفكيك الوظيفة العمومية- التي لا يشكل فرض التعاقد على شغيلة التعليم إلا جزءً يسيرا منها- الموصى به من مؤسسات الرأسمال العالمي.

أدى تجاهل هذه العقبة الكأداء إلى انكسار موجة التنسيقية الضخمة- الأشبه بتسونامي لحظي- على جدران رفض الدولة الاستجابةَ للمطلب ومناوراتها وإجراءات إفراغ الإضراب المديد من مضمونه الكفاحي (إجراءات عقابية، التعويض، تكالب الوسطاء وخداعهم… إلخ).

لسنا من أولئك الذين يخاطبون المفروض عليهن/ هم التعاقد بخطاب: لم يكن عليكم أن تغامروا بإضراب مديد لم تختمر بعد شروطه. فقط من يعتقد أن النضال يطبخ في المقرات أو يعد بواسطة خبراء هم من يتبنون مثل هذا الخطاب، فهزيمة نضال أفضل بكثير من استسلام دون معركة.

لكن نسيان دروس ذلك الإضراب وعدم استحضار دروسه، سيدفع التنسيقية إلى انتهاج تكتيكات لن تكون أقل ضررا من تكتيك الاندفاع السابق (الإدماج أو البلوكاج).

عندما تنتهي معركة هجومية كبيرة، يفرض منطق الوضع الانتقال إلى النضال من موقع دفاعي: تحصين التنظيم، النضال من أجل مطالب جزئية… إلخ. تلعب المعارك الدفاعية دورا كبيرا في إعادة لم الصفوف المشتتة بعد تراجع المعركة الهجومية، والإبقاء على جذوة النضال متقدة.

لكن هناك خطر قصر النضال على هذه المطالب الجزئية بمبرر سهولة تحقيقها مقارنة بالمطلب الشامل.

بعد انتهاء كل نضال هجومي يظهر رأيان متعارضان:

= اقتصار النضال من أجل مطالب جزئية، لأن الجماهير لديها إشكالات ملموسة وعدم التفاعل معها سيؤدي بنا إلى فقدانها.

= النضال من أجل المطلب الشامل، وما أن يتحقق فستتحقق بقية المطالب.

كلا الرأيين صحيح ولكن إن جرى دمجهما بشكل ديالكتيكي، واسْتُحْضِرَت شروط النضال وجرى تجاوز مطبات النضال السابق.

وفي نفس الوقت كلا المنظورين خاطئ إن عُزِلَ الواحد عن الآخر. فالأول يحتقر جماهير الشغيلة ويعتبرها ساعية فقط لتحسين وضع العبودية بدل النضال من أجل إسقاطها. أما الموقف الثاني فيقفز على الاستعداد النضالي للجماهير ويفرض عليها شروط النضال.

بعد انتهاء الإضراب المديد لتنسيقية المفروض عليهن/ هم التعاقد، انحلت معركة التنسيقية إلى مناوشات جزئية من أجل مطالب لا علاقة لها بمخطط التعاقد في الجوهر: الحركة الانتقالية الوطنية، إرجاع الاقتطاعات، إلغاء الإجراءات الزجرية، تعويضات المناطق المسترجعة… إلخ.

طبعا لا يجب إقامة تعارض بين المعركتين: معركة إسقاط مخطط التعاقد والنضال من أجل المطالب الجزئية.

لكن يجب الانتباه إلى منظور السعي لتحقيق هذه المطالب الجزئية، فجعل النضال من أجلها وسيلة لإعادة استجماع صفوف المفروض عليهن/ هم التعاقد وجسرا لاستئناف النضال ضد مخطط التعاقد ومن أجل الإدماج في الوظيفة العمومية أمر مطلوب. على النضال من أجل المطالب الجزئية أن يلعب دور تقوية ثقة الجماهير الأستاذية في نفسها وفي تنظيمها، بدل تكريس فكرة القبول بجوهر الهجوم مقابل تنازلات (خبزية) لن تغير الكثير (ولا حتى القليل) من وضع الاستغلال (هشاشة التوظيف بموجب عقود).

 أما جعل تحقيق تلك المطالب بمناورات واستجداءات تسعى لإظهار حسن نية التنسيقية من أجل الوصول إلى مساومة ما، فهو مدمر للاستعداد النضالي لدى شغيلة التعاقد المفروض. كما أن الدولة لا تعطي تنازلات (فتات) لحركات النضال إلا إذا التزمت هذه الأخيرة بقبول جوهر الهجوم. وهذا ما يجب أن تتخوف منه الجماهير الأستاذية وكل من له غيرة على التنسيقية: التخوف من مساومة فوقية بين الدولة والوسطاء من جهة وبين من يتولى الحوار باسم التنسيقية.

إن كل هذه المطالب الجزئية تتشاركها شغيلة التقاعد المفروض مع بقية فئات شغيلة التعليم، لذلك فعزل نضالنا من أجلها عن نضال بقية شغيلة التعليم، يصعب إمكان تحقيقها بشكل كبير. لذلك فإن تنسيق خطوات نضال شغيلة التعاقد المفروض مع باقي فئات شغيلة التعليم والوظيفة العمومية شرط أولي لكل نضال.

لیس لدینا أوهام حول حجم المصاعب الموضوعیة والذاتیة التي تقف في وجه استئناف نضال ضد التعاقد، بفعل تردي معنویات قطاعات واسعة من شغیلة التعلیم والوظیفة العمومیة التي یستهدفها دکاک الهجوم اللیبرالي الموصی به من الدوائر الإمبریالیة. ولا بديل لتجاوز هذه المصاعب إلا استئناف النضال انطلاقا من مستوى الوعي الجماهير والاستعداد النضالي وليس فرض شروط مسبقة مثل: إما النضال من أجل إسقاط التعاقد أولا لا نضال، أو الشرط النقيض: لا نضال حاليا إلا من أجل الحركة الانتقالية… إلخ.

بقلم، شادية الشريف

شارك المقالة

اقرأ أيضا