“حوار” 1 نونبر بين الوزارة وتنسيقية المفروض عليهن/ هم التعاقد؛ فخاخ يلزم الحذر منها

عُقِدَت جولة “حوار” بين وزارة التربية الوطنية ولجنة حوار تنيسقية المفروض عليهن/ هم التعاقد بحضور قيادات التنسيق النقابي الخماسي. وكما جاء في بلاغ الوزارة [29 أكتوبر]، لم تتجاوز مقترحاتها “تجويد الأنظمة الأساسية لأطر الأكاديميات الجهوية”.

الهدف من ذلك واضح: عدم تجاوز سقف ما اقترحته الدولة سابقا، أي “التوظيف الجهوي” وتجويد نظام التوظيف بالعقدة، استجابةً لتوصيات التقريرين الأخيرين للمجلس الأعلى للتعليم وللمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

إن استحضار تجارب ودروس النضالات السابقة أمر ضروري لتفادي مناورات الدولة، وتجاوز فخاخ منصوبة لفش الاستعداد النضالي الذي ظل كامنا في صفوف المفروض عليهن/ هم التعاقد، الذي أبان عنه الإضراب الأخير (23- 24 أكتوبر).

فخ رقم 1: نقاش التفاصيل

تسعى الدولة دائما لجر حركات النضال إلى نقاش تفاصيل هجماتها، قصد حصر الاعتراضات على الجزئيات وإغفال الجوهر.

في البداية انصبت أغلب الانتقادات على عدم قانونية المقرر الوزاري المشترك فأصدرت الوزارة “الأنظمة الأساسية لأطر الأكاديميات الجهوية”. بعد ذلك جرى انتقاد بنود هذه الأنظمة الأساسية وقوطع توقيع ملحقات العقود، فأجابت الوزارة على تلك الاعتراضات الجزئية بالمصادقة على تعديلات الأنظمة الأساسية الجهوية.

مؤخرا، ركزت تعبئة التنسيقية على مطالب جزئية (الحركة الوطنية، تعويضات عن المناطق المسترجعة… إلخ)، وتقدمت الوزارة في لقاء 1 نوفمبر 2019 بمقترحات وعود (التبادل بين الجهات… إلخ).

علينا تفادي فخ نقاش مقترحات الوزارة: هل تستجيب للمطالب أم لا تستجيب. وأيضا تفادي فخ التقدم بمقترحات بديلة كما صرح بذلك مدير الموارد البشرية (اقتراح حلول غير التي وردت بالعرض): تسعى الدولة لجرنا إلى دوامة من المقترحات والمقترحات المضادة، وجولات “حوار” لا تنتهي.

فخ 2: جولات “حوار” لا تنتهي

ليس المشكل في المقترحات التي تتقدم بها الوزارة فقط، وهل تستجيب لبعض أو لجل مطالب المفروض عليهن/ هم التعاقد، بل في منطق “الحوار” ذاته.

إن نقاش التفاصيل على طاولة “الحوار”، مع دولة لم تُخْفِ قط أهدافها من عَقْدِهِ (تجويد الأنظمة الأساسية)، نقاشٌ زائفٌ، غايتُه جرُّ التنسيقية إلى دوامةِ جولاتِ “حوارٍ” لا تنتهي وهَجْرِ ميدان النضال.

ليس التفاوض شكلا ولا مستوى نضاليا يجري بالتوازي مع مستويات النضال الأخرى (الميداني والنظري). يأتي التفاوض بعد انتهاء جولةِ نضالٍ، أي أي بعد استنفاذ الحركة النضالية لزخمها البدئي، أو عند اضطرار الدولة لتقديم تنازلات قصد إيقاف معركة جارية.

يجلس كلا الطرفان إلى “طاولة التفاوض” بمنطقين متناقضين:

* حركات النضال: استغلال ميزان القوى لانتزاع أكبر قدر من المكاسب من أجل استعمالها لبدء تعبئات جديدة استعدادا لاستئناف النضال في أقرب فرصة ممكنة.

* الدولة: إيقاف المعركة بشكل مؤقت وانتظار أول فرصة لاسترجاع ما اضطرت إلى التنازل عنه واستئناف الهجوم.

لا يتعلق الأمر إذن بحوار. يجري الحوار بين أعضاء نفس الطبقة، بين منظمات النضال. أما بين أعداء طبقيين (المفروض عليهن/ هم التعاقد من جهة، والدولة من جهة أخرى) فلا حوار، بل تفاوض يأتي ليعكس ميزان القوى بينهما.

فخ 3: اعتبار “الحوار” آليةَ دائمةَ الاشتغال

اعتبار “الحوار” مستوى نضاليا موازيا للمستويات الأخرى، يعني جعله آلية دائمة، حيث تلتقي تنظيمات الجماهير مع الدولة، بشكل دوري، لنقاش وتدارس مقترحات الطرفين.

يتنافى هذا مع إمكانية استمرار النضال، لأن اللقاءات الدورية وانتظار رد كل طرف، سيكرس الانتظارية في صفوف القواعد، وستنطفأ شعلة الاستعداد النضالي مع الزمن ومع خيبات الاستجابة لوعود الحوار: توقيع اتفاقيات والاحتجاج على عدم تنفيذها وتوقيع اتفاقيات جديدة تلتزم بتنفيذ بنود القديمة… وهكذا إلى ما لا نهاية، تماما مثل حكاية قيادات النقابات مع اتفاق 26 أبريل 2011، واتفاق أبريل 2019.

كما أن دوامة “الحوار” ستجعل المنخرطين فيها دائمي البحث عن “التقاط الإشارات” الدالة عن قرب استجابة الطرف الآخر، بَدَلَ التقاط الإشارات القادمة من أسفل، من القواعد.

وبنفس المنطق، سيتضخم دور الأجهزة لجنة الحوار والمكتب التنفيذي، على حساب مبادرات الجماهير التي ستنحو نحو السلبية منتظرة دوما ما سينتج عن جولات الحوار.

اعتبار التفاوض مستوى نضاليا قائما بذاته، وبموازاة النضال الميداني، أقرب إلى ما تسعى إليه قيادات النقابات منذ زمن وتطلق عليه “مأسسة الحوار الاجتماعي”، أي جعله آلية دائمة وملزمة قانونيا: دورية محددة قانونية وإلزام بتنفيذ توصيات “الحوار”، ما يسد باب التملص منها في وجه الدولة.

ترفض الدولة هذا المطلب، لأنها لا تلجأ إلى الحوار من أجل الوصول إلى حلول وتلبية المطالب، بل لتنفيس “الاحتقان الاجتماعي” ولتجاوز لحظات التوتر السياسي والاجتماعي، لذلك توقع اتفاقات تتضمن تنازلات (فتات)، سرعان ما تتملص منها، بمجرد اجتياز نقطة الخطر.

فخ 4: التفاوض/ “الحوار” في لحظة ضعف

لا “تحاور” الدولة حركات النضال إلا تحت الضغط، وتَتَمَنَّعُ حين ينتفي أو حين يكون المناخ السياسي فاترا. إن الذي جعل الدولة تسعى لجر التنيسقية إلى طاولة “الحوار” هو الخوف من امتداد المناخ النضالي الذي بدأ يتجدد في المنطقة (السودان، العراق، مصر، لبنان).

تمثل تنسيقية المفروض عليهن/ هم التعاقد الحركة الاجتماعية التي لا زالت تحافظ على زخم نضالي كامن. قد يشكل نضال التنسيقية ذلك الفتيل الذي سيشعل برميل البارود الاجتماعي المتفجر، لذلك تسعى الدولة إلى تبليل هذا الفتيل بإغراقه في سراب وعود جلسات “حوار” لا تنتهي.

لن تجني حركات النضال من الذهاب إلى التفاوض أو “الحوار” في لحظات الجزر النضالي أو الضعف التنظيمي، إلا الريح ووعودا لن تتحقق على أرض الواقع، وفي أحسن الأحوال منةَ من الدولة ستستعيدها بكل سهولة.

النضال وحده ينتزع المكاسب

الدولة صريحة ولا تخفي أهدافها: تجويد الأنظمة الأساسية من أجل الإبقاء على جوهر مخطط التعاقد. على حركات النضال بدورها أن تكون صريحة، ولا تقع أسيرة أوهامها: إمكان نزع مكاسب بـ”الحوار”… ليس هناك في النضال أسوء من خداع النفس.

الحوار الوحيد المطلوب حاليا هو بين حركات النضال: تنسيقيات فئات شغيلة التعليم، الفروع النقابية الكفاحية، مختلف تنسيقيات فئات الوظيفة العمومية، شغيلة القطاع الخاص التي تناضل ضد المقاولات من باطن/ المناولة، حركات النضال ضد البطالة، حركات النضال الطبي… إلخ.

سيكون إعلان المفروض عليهن/ هم التعاقد الإضراب بتنسيق مع حاملي الشهادات (إضراب 2 ديسمبر)، تأثير أكبر من ألف جلسة “حوار” ومن الوعود المعسولة لوزير لا يملك قرار التنازل عن أبسط مكسب.

سيفتح هذا البابَ لنضالٍ مشتركٍ يلتحق به باقي ضحايا تفكيك الوظيفة العمومية، والضحايا المستقبليين لهذا التفكيك (الطلبة)، إضافة إلى كل ضحايا تهشيش علاقة الشغل (سواء بالقطاع العمومي أو الخاص).

هذا هو الشرط الوحيد الذي سيجبر الدولة على تقديم تنازلات: مكاسب فعلية، ما دون ذلك جري وراء سراب في صحراء قاحلة.

بقلم، شادية الشريف

شارك المقالة

اقرأ أيضا