وفاءً لجريدة “المناضل-ة”..

الشباب و الطلبة4 فبراير، 2020

تنويه من هيئة تحرير جريدة المناضل-ة: 

مع تحياتنا وإكبارنا لكل من عبر عن دعمه ومساندته للمناضل-ة، تود هيئة التحرير أن تؤكد للجميع أنها ستواصل السعي نحو الملائمة مع قانون الصحافة الجديد لكي يستمر إصدار المناضل-ة، وفي انتظار ذلك سنسعى ليصل صوتنا بمختلف الطرق التي تتيحها أنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، سائرين على نفس نهجنا: الانتصار للنضالات العمالية والشعبية والتعريف بها والسعي للمساهمة في بناء أدواتها، لكي نبقى مضطلعين بعلة وجود الجريدة وأوفياء لشعارها الذي يلخص كل دروس النضال العمالي والشعبي: تحرر الكادحين من صنع الكادحين أنفسهم.

نتوقع من رواد صفحة فيسبوك جريدة المناضل-ة أن يواصلوا تواصلهم مع هيئة التحرير لكل غاية مفيدة، لا سيما لمعرفة المنابر التي سيواصل عبرها كتاب المقالات والمراسلات واجبهم الإعلامي النضالي.

********************************

لقد صارت لنا جريدة.

تدوينة فايسبوكية لمحمد رضا السلاوي
تطوان في 4 فبراير 2020

لا زلت أتذكر تلك الليلة الخريفية من شهر شتنبر 2004 عندما تلقفت عددكِ الأول بفرح طفولي، لا زلت أتذكر إحساسا بالفخر والاعتزاز تَمَلَّكَنِي وأنا أتصفح مقالاتك وأقرأ السطر الأول من افتتاحيتك الأولى: “لماذا جريدة المناضل-ة”*..
نعم، أخيرا صارت لنا جريدة..
لا زلتِ كما عهدتكِ منذ صدورك في أكتوبر 2004، رغم الصعوبات الذاتية والموضوعية لا زلت صامدة لم تتزحزحي عن دوركِ قيد أنملة..
انتظر الجميع نهايتك، وانتظرناها نحن أيضا، كان إعدامك مسألة وقت، ومسألة ميزان قوى.. فأنت قلتِ بجرأة قل نظيرها كل ما كان يجب أن يقال، دون خوف ودون مواربة، قدمت قراءتك وموقفك من الأحزاب والنقابات والإطارات الجمعوية ذات “اليسار” قبل اليمين، وكان لانتقادك للنظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي نصيب الأسد.. واستطعت الصمود طيلة عقد ونيف، حتى أكملت 75 عددا وعدة منشورات وموقع إلكتروني وصفحات موازية على مواقع التواصل الاجتماعي كلها بناء على عمل تطوعي لا يبغي جزاء ولا شكورا، بل ولا حتى ظهورا.
وانتظر أعداؤك موتك اختناقا، بسبب ما تعانينه من مشاكل مادية لا حل لها، فكيف لجريدة أن تستمر دون إعلانات، دون دعم من الدولة، ودون أن يكون وراءها سلطة أو حزب أو حتى ممول ما تسبح بحمده. لم يكن لديك سوى أنصارك الفقراء الكادحين الذين ينتظرونك في التظاهرات والاعتصامات والمعارك النضالية، كانوا دعمك الأول والأخير، كانوا قراءك وموزعيك ومراسليك، ولكنهم كانوا فقراء.. وكانوا بالكاد يكابدون عناء الحياة، ولكنهم كانوا سندك الذي لا سند لك سواه، فأنت صوتهم وهم قلبك النابض، لقد كانوا أنصارك بحق.. وما قُدر لجريدة أخرى أن يكون لها أنصار مثلهم من حيث القدرة على التضحية والإيمان بالقضية والأمل في التغيير.
جريدة تنبع من قلب نضالات ومعارك الكادحين، تعيش معهم، تتظاهر وتعتصم معهم، ثم تستخلص معهم دروس معاركهم بإيجابياتها وسلبياتها، بنقاط قوتها ومكامن ضعفها، لتكون النضالات اللاحقة أقوى فأقوى. لقد شكلتِ خزانا لا غنى عنه لدروس النضالات والمعارك النضالية وذاكرة لها، كنت النبراس وكنت البوصلة، بوصلة تشير الى طريق تحرر الكادحين، هذا التحرر الذي لن يكون إلا من صنعهم.
من نضالات عمال المناجم بإيمني وجبل عوام الى اعتصام إميضر الى نضالات جرادة فالعاملات والعمال الزراعيين ومطرودي الضيعات والمعامل فالبحارة المناضلين على درب الشهيد عبد الله موناصر.. هذا البحار البسيط العصامي الذي آمن أن تحرر العمال سيكون من صنعهم وأنه لا بد من بناء أدواة النضال فكان استشهاده لبنة الأساس في هذا البناء، وكانت جريدة المناضل-ة إحدى هذه الأدوات التي ما رأت النور إلا بعد أن عمد لها الطريق باستشهاده.
كنتِ أيضا مع المعطلين في نضالاتهم ومؤتمراتهم، وكنتِ مع الطلبة في ساحات جامعاتهم وفي الشوارع تدعين لدمج النضالين الطلابي والعمالي، وكنتِ مع الأساتذة الين فرض عليهم التعاقد في الشوارع والمعتصمات والندوات.. وكنتِ مع النساء في معاركهم من أجل التحرر بمنظور طبقي واضح وبموقف واضح من نضالات الصالونات التي لا ترى في نضال النساء سوى حرب ضروس مع سيطرة الرجل دون سواه.
وكنتِ أيضا حاضرة كلما انفجر الغضب الشعبي وخرجت الجموع الى الشارع، كنت حاضرة في إيفني آيت باعمران كما في طاطا وبوعرفة وجرادة وفي الريف الشامخ وغيرها من ساحات النضال… وكنت طبعا مع الهبة الشعبية في 20 فبراير 2011 وما تلاها تُجَمِّعين التجارب والخبرات وتستخلصين الدروس وتستشرفين مستقبل الحراك دون أوهام ولكن دون تخاذل وبمنظور عمالي وثوري شامل.
وما كان لكِ ضمن كل هذا أن لا تضعي نضالات الشعب المغربي وعماله وكادحيه ضمن منظور أُمَمِي يدمج النضالات هنا بمثيلاتها هناك في كل أصقاع الأرض، فكنت خزانا لا ينضب لتجارب الشعوب وحركات التحرر ونضالات العمال والنساء والمهمشين عبر العالم، ضد الرأسمالية والعولمة النيوليبرالية، كما كنتِ لنضالات الشعب الفلسطيني خير سند.. ومعه كل الشعوب التواقة إلى التحرر والانعتاق.. لقد جسدت أرقى التقاليد الأممية فكرا وممارسة..
أين كان لكادحي هذا البلد أن يطلعوا على دراسات وتحاليل من منظور ماركسي ثوري لواقع الحركة النقابية بالمغرب ولآفاق بناء حركة نقابية مكافحة وقوية؟ وأين كانوا سيطلعون على منظور ماركسي ثوري للقضية الأمازيغية ولقضية تحرر المرأة والقضية الفلسطينية وإعادة بناء الحركة الطلابية الثورية التجارب التاريخية لنضال الشعب المغربي وحركة العولمة البديلة ومقررات وتحليلات الأممية الرابعة ونضالات الشعوب والحركات المناضلة عبر التاريخ وغيرها..
كيف إذن تريدين أن تستمري في البناء في زمن الردة هذا؟ يَعلمُ أعداؤكِ أن موجة النضالات القادمة ستكون أكثر قوة في ظل هذا التردي العام فكيف يسمحون لك أن تكون حاضرة في قلبها، لتنقلي دروس الماضي والحاضر إلى المستقبل، إنهم يخشون المستقبل فكيف لك أن تكوني من ضمن الفاعلين فيه؟ آن لحكم الإعدام الذي صدر في حقك منذ صدور عددك الأول أن يُنفذ ما دام الرهان على اختناقك ذاتيا قد فشل، وما دمت مستمرة في طريقك دون أن تتزحزحي قيد أنملة، وما دمت متشبثة ببوصلتك التي لم تزل تشير الى الطريق: تحرر الكادحين لن يكون إلا من صنع الكادحين أنفسهم.
آن لحكم الإعدام أن ينفذ في حقك ما دمتِ عمالية في عصر سيطرة الرأسمال وقانون الغاب، نسوية في زمن يجب أن تسود فيه قيم تسليع المرأة، فإما أن تكون تحت العباءة أو عرضة للبيع والشراء، وفي النهاية أن تكون سلعة وفقط. ما دمت بيئية في زمن يسبق فيه التنافس على جني الأرباح الحرص على مستقبل البشرية وحمايتها من الانقراض. ما دمت اخترت أن تكوني شبيبية بما تحمله كلمة الشباب من توق للتغيير والثورة على كل الرجعيات وأنظمة القهر، وما دمت اخترت أن تكوني أممية في عصر الشتات والصراع الطائفي والعرقي والمذهبي، شتات لا يستفيد منه إلا الرأسمال العولمي ووكلاؤه المحليون.
لن يكون مفاجئا أن تُعدمي فالقانون هو قانون الأقوياء والحاكمين، والرأسمال هو الحاكم في وطني كما في كل بقاع الأرض، إنه ميزان القوى الطبقي الذي تترجمه القوانين وتعديلاتها، وكذا تطبيقها التمييزي على أرض الواقع، وهذا ما تعلمينه جيدا.
لم تستطيعي توفير الشروط الشكلية التي يطلبها قانون الصحافة الجديد، ولكن الأكيد أنك لم تسقطي يوما في قذف أو سب أو تشهير أو ابتزاز، لم تتجاوزي قط أخلاقيات الصحافة كما هي متعارف عليها وكما يجب أن تكون، ولو كانوا سجلوا عليك خرقا لما قصروا، ولكن منعك دون مبرر كان ليكون فضيحة وقد صاروا يعلمون مكانتك والاحترام الذي صرت تحضين به داخل وخارج الحدود، فكيف يمكن إغلاق جريدة مناضلة وملتزمة لا تشوبها شائبة من حيث أخلاق العمل الصحفي المتعارف عليها عالميا؟؟ يعلم الجميع في الداخل والخارج أنك جريدة مناضلة، إسم على مسمى، فكيف السبيل إلى إسكات هذا الصوت المناضل دون أن تزيد صورة الوضع الحقوقي ببلادنا قتامة عن ما هي عليه؟؟
ولكن لابد من إسكات هذا الصوت المناضل الصامد رغم الصعوبات، وليس هناك من سبيل سوى القول بعدم الملائمة مع قانون الصحافة، من حيث الشكل لا من حيث المضمون، إنه القانون.. والقانون لا يحمي الضعفاء..
بطبيعة الحال لستِ وحدك وموقعك الإلكتروني من أخل بالتلاؤم مع قانون الصحافة من حيث شكلياته، فالعشرات من المواقع الإلكترونية التي يعرفها الجميع يخرق القانون في مضمونه لا في شكلياته، أما الشكليات فأغلبها قادر على الحصول على بطاقة صحفي ما دام قادرا على الحصول على دعم مالي، ولكن نشر الرداءة والتفاهة وإلهاء الرأي العام الشعبي هو المطلوب من صحافة بلد يغرق شيئا فشيئا في مستنقع الفساد والاستغلال والاستبداد. لقد خلق “النظام” حقوقييه ومناضليه وأحزابه ونقاباته وجمعياته وأطلق لهم العنان يُمَيِّعُون كل شيء وينشرون التفاهة في كل المجالات دون حسيب أو رقيب، ولا غنى له عن “صحافة” لا تشبه الصحافة إلا في تلاؤمها شكلا مع قانون الصحافة، ولا مكان لصحافة ملتزمة ومناضلة تقول الحق وتضع يدها على الجرح وتكشف مكمن الداء وتساهم في صناعة الدواء، وتُعَلم المواطنين كيف يعالجون أمراضهم الاجتماعية بالقضاء على مسبباتها.
لقد وَفيتِ بما عاهدتِ، وهاهم الآلاف من أنصارك من عمال وفلاحين فقراء وطلبة ومعطلين وكادحين نساء ورجالا يعلمون أنك تقفين اليوم أمام الحكم الصادر لا محالة بالتوقيف لنسختك الورقية والحجب لموقعك الإلكتروني شامخة صامدة كما وقف الثوار والأحرار عبر التاريخ، لم تخوني نضالاتهم وآمالهم وطموحاتهم يوما ولم تتزحزحي عن منهجك قيد أنملة.
آن لكِ أن تفخري أيتها “المناضل-ة” فالعالم كله يشهد بأنك وقفت أمام المقصلة حرة شامخة ولم تَتَرَدّي إلى مستنقع الرداءة والتفاهة وممارسة الإلهاء أو التلميع أو التبرير أو حتى المجاملة، ولكِ أن تفخري أن تراثك ومقالاتك ومنشوراتك ستظل نبراسا يُنير نضالات ملايين الكادحين حتى التحرر النهائي، ولتعلمي أن البذور التي زرعتها ستنبت في كل مكان، في المعامل والمناجم والموانئ والمزارع والساحات الجامعية والأحياء الهامشية في القرى والمدن، بين العمال والطلبة والفلاحين والكادحين والمفقرين والمهمشين والمنسيين، وستُزهرُ ألفَ مناضل-ة ومناضل-ة..
الأكيد أنهم لن يوقفوا زحف الربيع.. ولكن الأكيد أيضا أننا قريبا سنقول:
كانت لنا جريدة.. اسمها “جريدة المناضل-ة”.
تدوينة فايسبوكية لمحمد رضا السلاوي
تطوان في 4 فبراير 2020

* من افتتاحية العدد الأول من جريدة المناضل-ة بتاريخ 1 أكتوبر 2004

“إن من أبرز ما ينقص طاقة الكفاح هذه، المتنوعة والواعدة، أداة إعلامية مكافحة، جديرة بهذه الصفة. فاغلب الإعلام “التقدمي”، مفعم بروح التوفيق بين الطبقات والإشفاق على بؤس الكادحين والتماس الإنصاف من الظالم، أي في آخر المطاف الاستسلام للسياسات المعتدية. كادحو المغرب بحاجة ماسة إلى أداة إعلام ترصد جبهات الهجوم البورجوازي لتعرف بخطط العدو الطبقي، بقصد التعبئة في الوقت المناسب.

أداة تفك الحصار عن نضالات الطلبة والمعطلين والشغيلة والقرويين وتنظم التضامن معها وتعبأ لأجل التصدي. أداة تستخلص دروس الكفاحات، المحلية والعالمية، وتعممها. وتمد طلائع النضال بالأدوات الفكرية التي لا غنى عنها لفهم واقعنا من اجل تغييره. أداة النقاش الضروري بين كافة المناضلين المنتسبين لقضية تحرر العمال وكافة المضطهدين، حول مسائل النضال البرنامجية والتكتيكية والمتصلة ببناء الأدوات وفي المقدمة منها الحزب العمالي الاشتراكي لقيادة نضال عمال المغرب وكادحيه نحو مجتمع خلو من الاستغلال والاضطهاد. أداة تستشرف معالم البديل العمالي والشعبي، بالاستناد إلى كنوز تجارب الكفاح، الجارية منها والتاريخية.

هذا ما تصبو إليه جريدة المناضل-ة.”

 

 

 

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا