تحت ستار مواجهة كرورنا: الدولة تمرر تعدياتها على الوظيفة العمومية

تستعد الدولة، تحت ستار مواجهة كورونا لتمرير ما أعدته منذ عقدين من إجراءات ما أطلقت عليه “مراجعة شاملة للنظام الأساسية للوظيفة العمومية”. يحدث هذا في الوقت الذي أعلنت فيه المركزيات النقابية اصطفافها وراء “الإجماع الوطني” الضروري لمواجهة الكارثة، متغافلة عن الحرب الطبقية التي يشنها أرباب العمل ودولتهم ضد الشغيلة والكادحين- ات.
أعدت الدولة سلة من الإجراءات التي خربت علاقات الشغل في القطاع الخاص لصالح أرباب العمل، وتسعى لتعميمها على الوظيفة والإدارة العموميتين، وتستغل مناخ الهلع الذي سببه امتداد كرورنا وانشغال الرأي العام به لتنزيل هذه الإجراءات.
ففي الوقت الذي ينشغل فيه الشعب بتكديس مواد الاستهلاك الأساسية، تقوم الحكومة بإخراج ترسانة أسلحتها المعدة لدك أسوار الوظيفة العمومية، مبررة ذلك بالطابع الاستثنائي للحظة الذي يستدعي تلك الإجراءات.
وفي هذا الإطار قدم رئيس الحكومة توجيهات عامة حول ميزانية 2021- 2023، تتضمن إجراءات تقشفية، للقطاعات الحكومية من أجل الإعداد للميزانيات الثلاث المقبلة في المغرب.
وتقوم الصحافة الليبرالية والإعلام الموالي بقصف عقول الكادحين- ات لقبول تلك الإجراءات. قدم موقع هسبريس تلك الإجراءات التي أُعِدَّتْ منذ عقدين على أنها “إجراءات تقشفية فرضها فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، الذي أعلنته منظمة الصحة العالمية وباء عالميا”، في حين أنها إجراءات فرضها البنك العالمي منذ بداية سنوات 2000.
تعتمد الحكومة على ما أسمته نعوم كلاين “عقيدة الصدمة”، هي مجموعة من الأفكار التي وضعها الأستاذ ميلتون فريدمان في جامعة “شيكاغو”، منظر الليبرالية الجديدة. ينصح فريدمان الحكومات باستغلال مناخ الأزمات لـ “التصرف بسرعة خاطفة… في سبيل فرض تغيير سريع لا رجوع عنه يستبق استيقاظ المجتمع المرهق من الصدمة… وقبل أن يتمكن ضحايا الحرب أو الكوارث الطبيعية من الاتحاد مجددا والمطالبة باسترجاع ما كان يوما ملكا لهم”. [“عقيدة الصدمة، صعود رأسمالية الكوارث”، نعومي كلاين، صفحة 19].
وهذا ما قامت به الدولة فيما يخص الوظيفة العمومية (ومجالات أخرى)، حيث تضمنت الإجراءات التقشفية، التي أقرها رئيس الحكومة في إطار توجيهاته العامة المتعلقة بالبرمجة الميزانياتية 2020- 2023: “ضرورة التحكم في نفقات الموظفين عن طريق ضبط توقعات كتلة الأجور وتقييد صرفها بالسقف المحدد لها، مشددا على ضرورة حصر المناصب المالية الضرورية مع العمل على استغلال الإمكانات المتعلقة بإعادة انتشار المناصب المالية لتغطية العجز على المستويين المجالي والقطاعي”.
إنها الخطوط العريضة ذاتها للهجوم على الوظيفة العمومية، التي خلصت إليها “المناظرات الوطنية حول المراجعة الشاملة للوظيفة العمومية” منذ مناظرة الصخيرات 2013، وتضمنتها تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ووثائق وزارة إصلاح الوظيفة والإدارة العمومية، وقبل ذلك كله أوامرُ صندوق النقد الدولي.
فتحت الدولة باب مستودع أسلحتها على مصراعيه، مستهدفة حقوقا تاريخية كان يضمنها مرسوم 1958 بمثابة نظام أساسي للوظيفة العمومية. فقد شملت إجراءات التحكم في نفقات الموظفين التي تضمنها منشور رئيس الحكومة: “الأجور المؤداة والنفقات المترتبة عن الترقي في الرتبة والدرجة الواردة، مطالبا بالأخذ بعين الاعتبار التغيرات في أعداد الموظفين والتغيير المالي المترتب عن التزامات الحوار الاجتماعي”.
وقد سبق لوزارة التربية الوطنية، أن فرضت إجراء “التعليم عن بعد” بمبرر عدم حرمان التلاميذ من حقهم في التعلم، وقد قبلته شغيلة التعليم اضطراريا. لكن هذا الإجراء وارد في كل وثائق البنك العالمي، وتضمنته “حقيبة تنزيل مضامين القانون الإطار” التي أصدرتها وزارة التربية الوطنية في فبراير 2020. يدخل التعليم عن بعد ضمن ما يسميه البنك العالمي “التدبير الحديث للموارد البشرية”، أي آلية من آليات تقديم “الخدمات العمومية” دون ارتباط دائم لمقدم الخدمة بالدولة (شغل قار، حقوق اجتماعية بمعايير نظامية…).
توجد هيئة موظفي- ات الدولة (الوظيفة والإدارة العمومية) في منعطف تاريخي، فبعد زوال كارثة كورونا، ستجد نفسها في وجه تغيير شامل لما ألفوه من علاقات الشغل القديمة، التي جرى استبدالها بأخرى، تحرمهم من سابق المكاسب.
يضع هذا الهجوم الحركة النقابية أمام محك حقيقي. القيادات البيروقراطية اختارت جانب الدولة باصطفافها وراء “الإجماع الوطني حول الخيارات النيولبيرالية”، ما يضع المهمة على النوى المكافحة والنقابيين- ات الكفاحيين- ات، وبالدرجة الأولى على تنسيقية المفروضة عليهم- هن التعاقد التي سبق لها أن خاضت معركة جبارة ضد أحد أقسى أوجه هذا الهجوم: التشغيل بموجب عقود.
إن أولى واجباتنا هي عدم السكوت عن هذه الهجمات بمبرر أن اللحظة تتطلب الوقوف صفا واحدا في وجه وباء كورونا، بل فتح أعين المستهدفين- ات بهذه الهجمات، وإعداد القوة اللازمة للحظة التي سـ”يتمكن ضحايا الحرب أو الكوارث الطبيعية من الاتحاد مجددا والمطالبة باسترجاع ما كان يوما ملكا لهم”، على حد تخوف زعيم الليبرالية الجديدة ميلتون فردمان.

شارك المقالة

اقرأ أيضا