التنسيقية الوطنية للأساتذة المفروض عليهم- هن التعاقد: مسيرات الأقطاب عنوان للصمود الواجب حفزه وتدعيمه

باتت شغيلة التعاقد المفروض تمثل ثلث أجراء- ات قطاع التعليم، ولن يمضي وقت طويل حتى تصبح غالبيتها. تسعى الدولة إلى تعميم نمط تشغيل هش يضرب مكاسب الاستقرار المهني الذي انتزعته شغيلة القطاع العام بنضالات كبيرة في سياق الطموحات التحريرية للنضال ضد الاستعمار، هذا ما بات في مرمى الهجوم المضاد باسم الإصلاحات الليبرالية للوظيفة العمومية.

إن نضال الأساتذة- ات المفروض عليهم- هن التعاقد كما نضالات باقي الفئات التعليمية وضِمنها النضالات السابقة للأساتذة المتدربين نضالٌ دفاعي للحفاظ على مكاسب تاريخية وليس نضالا لانتزاع مكاسب جديدة تُحسِّن من الدخل وشروط العمل في سياق استنكاف قيادات النضال النقابي أمام هجوم برجوازي محموم وشامل، واقتصارها على مواكبة تلك الهجمات برفع مطالب محض فئوية لا تضع نصب أعينها رد الهجوم بدل طلب اللطف فيه.
تشكل التنسيقية الوطنية لشغيلة التعاقد المفروض البؤرة الأكثر اشتعالا، والتي استمر نضالها لمدة أكثر من ثلاث سنوات. إنه مكسب هام وجب تثمينه وتطويره، مكسب تسعى الدولة إلى القضاء عليه عبر سلسلة من إجراءات القمع وزرع خطاب التيئيس والتنازلات الفارغة. إلى جانب دعم النوى الديمقراطية الكفاحية داخل الجسم النقابي التي تصارع لفرض خط نقابي طبقي في مواجهة الاستسلام البيروقراطي.

المعركة الوطنية نجاح نسبي في ضل شروط صعبة
استطاعت التنسيقية تجسيد معركتها الوطنية بقطبي إنزكان والدار البيضاء بالرغم من حملة التضييق والقمع التي لجأت إليها الدولة لمنعها. طوَّقت أجهزة القمع مسيرة إنزكان ومنعت مسيرة الدار البيضاء. لكن ذلك لم يكبح آلاف الأساتذة- ات وعشرات المتضامنين- ات الذين تنقلوا من الأقاصي وتحدوا الصعاب لتنفيذ الخطوة النضالية. طبعا لا يمكن القياس بالمقارنة مع المسيرات السابقة لتنسيقية المفروض عليهم التعاقد (2018- 2019) فالسياق النضالي تبدل كما ان أجواء كوفيد- 19 واستغلال الطورائ الصحية لمنع النضال حاضرة بقوة.

حضور متواضع وجب حفز مزيدِه
رغم تزامن برنامج معركة المفروض عليهم التعاقد مع عطلة مدرسية من أجل شحذ تاهمم للحضور بكثافة وقوة، كان الحاصل عكس ذلك، فالحضور لم يصل لما هو مأمول.
عكس التعاليق التي تركز على مسؤولية المتخاذلين- ات والانتهازيين- ات (الجاري نعتهم- هن باللفظ التحقيري: “المعدات”)، فقد كان لمآل المعركة الوطنية مارس وأبريل 2019 وما تمخض عنها أثرٌ كبير على كبح الاندفاعة الحماسية الملازمة لكل تجربة في بدايتها. فغالبية الشبيبة التعليمية (باستثناء طلائعها التي كانت لها تجربة طلابية أو في حركات النضال ضد البطالة) ولجت ميدان النضال والاحتجاج لأول مرة، واعتقادُها راسخ أن حسم ملف التعاقد سيتم الآن وحالا، من خلال نظرة لا تولي ميزان القوى أي اهتمام. وبعد أن أحرقت أصابعها في معركة “الإدماج أو البلوكاج” استنتجت الدرس الصحيح: إسقاط مخطط التعاقد معركة طويلة النفس وليست مهمة التنسيقية وحدها.
كما أن تواتر هجمات الدولة، منذ المصادقة على “القانون- الإطار 51.17” في البرلمان في غشت 2019 وتفعيل مقتضياته والإعداد للمصادقة على مشروع “النظام الأساسي لمهن التربية والتكوين” بتفعيل عملي لأهم هجماته حتى قبل المصادقة عليه، فضلا عن أثر الاقتطاع من أجور المضربين- ات، كلها عوامل تضغط على معنويات الشغيلة واستعدادها النضالي، مُضافا إليها مفاعيل الأزمة الصحية لكوفيد- 19 وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية: كلها عوامل موضوعية خارجة عن إرادة التنسيقية الذاتية، وتتضاعف مفاعيلها باستحضار عزلة نضالاتها عن بقية نضالات الشغيلة (البريد، الصحة).

مكاسب هامة يجب تحصينها
يمثل بناء التجربة النضالية الجماعية للمفروض عليهم- هن التعاقد ونضالاتها طيلة السنوات الثلاث الماضية مكسب هاما. فعشرات الآلاف من شغيلة القطاع وغالبيتها شبيبة تخوض تجربتها النضالية لأول مرة وهذا مكسب هام أيضا. علينا فقط أن نتخيل كيف سيكون الوضع بدون تنظيم يوحد هؤلاء الأجراء؟
أجبرت ردة الفعل النضالية للمفروض عليهم- هن التقاعد الدولة على التخفيف من عدوانية الهجوم وإبطاء سرعته، فالهدف في بدايته كان تعميم نفس شروط هشاشة القطاع الخاص على المفروض عليهم- هن التعاقد بتسهيل عملية الطرد لأتفه الأسباب وتحديد صلاحية عقدة العمل مع إمكانية رفض تجديدها وإبطاء باب الترقي المهني وعدم الاستفادة من الحركة الانتقالية… الخ. اضطرت الدولة إلى كبح جماح اندفاعها بتنازلات حقيقية لكن دون أن يصل إلى حد الإدماج الرسمي في الوظيفية العمومية بإلغاء التشغيل بالعقدة. وها هي الدولة حاليا تستغل ظروف الطوارئ الصحية لاستئناف ما اضطرت إلى إبطائه سابقا، وهو ما يستوجب منا تجاوز نقاط قصور نضالاتنا السابقة، وعلى رأسها الانعزال والفئوية.
تناضل التنسيقية لأجل الادماج وإلغاء التشغيل بالعقدة كمطلب مركزي وقد أصبح واضحا للجميع على ضوء التجربة الملموسة أن تحقيق ذلك يتطلب ميزان قوى يلف كل شغيلة القطاع في معركة فاصلة بدعم من قطاعات شعبية تحت شعار: النضال لأجل مدرسة عمومية مجانية وجيدة وتحسين ظروف كل شغيلة التعليم؟ معركة ظهرت علاماتها الأولى في نضالات مارس وأبريل 2019، التي حركت القاعدة النقابية المُرسَّمة وأحيت آمالا اقبرتها مناوشات بلا أفق وانقسامات نقابية لا علاقة لها بمصالح الشغيلة. انتكست هذه الآمال بعد وقف المعركة وما خلفته من انكسار معنوي في صفوف قطاع واسع كان يعتقد أن إسقاط التعاقد لا يتطلب الا “غارة نضالية” تشنها التنسيقية لإجبار الدولة على التنازل.
إن بناء ميزان قوى كفيل بإسقاط التشغيل بالتعاقد هدفٌ يجب بلوغه وفق برنامج دقيق وطويل النفس. إنها معركة استراتيجية يجب شرحها على أوسع نطاق في صفوف المفروض عليهم التعاقد. إنها مراكمة نضالية وتنظيمية لمعركة فاصلة بعد اعداد العُدة وتوفير شروط نجاح ٍعنوانُه إجبار الدولة على الغاء التشغيل بالتعاقد والإدماج الكلي للجميع في سلك الوظيفة العمومية.
تحاول الدولة بشتى الطرق نسف المكتسبات الجزئية الحالية. إن أي تراجع في قاعدة التنسيقية أو خفوت ديناميتها النضالية سيستتبع حتما هجوما مباغتا من الدولة. إذا لم تنتزع التنسيقية مكاسب إضافية فإنها على الأقل بوجودها النضالي الحالي تحد من شن الدولة لهجوم يقلب الوضع رأسا على عقب… لكن إلى متى؟
طبعا تشخيص الوضع الذاتي للتنسيقية والوقوف على جوانب القصور لتجاوزها ومرتكزات القوة لتعزيزها واجبُ كل مناضل- ة. إن تصليب التنسيقية كتنظيم ديمقراطي يوفر الشروط الحقيقية لنقاش حر وجماعي، وأن تتبلور أغلبية واضحة الأفكار ولها منظور طبقي للعمل ووجود أقليات لها آراء مغايرة حول عمل التنسيقية وبرنامجها هو أساس خلق دينامية داخلية بمشاركة أوسع الأعضاء. يجب أن نجعل الآليات والصيغ التنظيمية تتيح تحقيق هذه الغاية، كلما انخرط الجميع في النقاش كلما كان العمل الجماعي على تنفيذه ممكنا.
باتت نسونة قطاع التعليم أمرا واقعا. ولا شك أن التحاق الفوج الأخير سيعزز هذا المنحى. إن مستقبل التنسيقية رهين بقدرتها على حفز الأستاذات، وهذا غير ممكن دون وعي تام بوضع آليات تسهل مخاطبتهن وتعيد النظر في طرق العمل وآليات الاشتغال. وهذا بدوره غير ممكن دون نسونة حقيقية وانتصار واع على العقلية الذكورية المنغرسة والتي تصيب حتى النساء أنفسهن. علينا أن نتيح للأستذات وضع خطط التحول الهام للتنسيقية في إطار نسونتها بما يتوافق المنحى الحتمي لوزنهن في قطاع التعليم وكل تأخر يعني تفويت فرص وتهديد لمستقبل التنسيقية.

آفاق المستقبل
تعزيز التراكمات الحالية وتحصين المكاسب المحققة هو شعارنا في الظرفية الراهنة، وأفقٌنا معركةٌ فاصلة لإسقاط التعاقد عبر معركة شاملة تلف كل شغيلة قطاع التعليم والوظيفة العمومية بدعم شعبي. دورنا أن نحسن أداء التنسيقية وأن نحفز المبادرات والنقاشات الجماعية ومواصلة البرامج النضالية التي يشارك الجميع في وضعها وتنفيذها، ومخاطبة زملائنا في المهنة وتشجيع كل النضالات الموحدة التي تتجاوز الانقسامات النقابية والفئوية، وموجِّهُها الدفاع عن المكاسب السابقة وانتزاع أخرى تحسن ظروف العيش وشروط العمل ودفاعا عن حرية التنظيم النقابي.
معركتنا تتطلب طول النفس والوعي التام. الأمل كله إلى جانبنا وعلى اليائسين- ات الاقتناع التام أن الوضع سيكون أصعب ولولا تلك الجهود والتي لا ترتقي إلى أحلامهم- ات لكن ليطمئنوا أن عملنا الجماعي اليوم هو سبيلنا لبلوغ أهدافنا كاملة غدا.
ماسين

شارك المقالة

اقرأ أيضا