ما السبيل لاستئناف النضال ضد مخطط التعاقد وإنقاذ أسراه من فك الاستبداد؟

بقلم: وائل المراكشي

دخلت معركة شغيلة التعليم ضد مخطط التعاقد منعطفا جديدا، مع المحطة النضالية الأخيرة التي شهدت تصعيدا قمعيا انتهى باعتقال العشرات، ومتابعة 33 معتقلين- ات في حالة سراح بتهم ثقيلة: التجمهر غير المسلح بغير رخصة وخرق حالة الطوارئ الصحية وإيذاء رجال القوة العمومية أثناء قيامهم بوظائفهم وبسبب قيامهم بها وإهانة رجال القوة العامة بأقوال بقصد المس بشرفهم والاحترام الواجب لسلطتهم وإهانة هيئة منظمة.
جرت جلسة متابعة المجموعة الأولى (20) يوم 8 أبريل وحُدد يوم 20 ماي لأول جلسات المحاكمة، في حين جلسة المجموعة الثانية (13) يوم 9 أبريل وأولى جلساتها ستكون يوم 27 ماي، التي إن لم يوقفها نضالُ موحد للشغيلة ينتزع أسرانا من فك قضاء الاستبداد، فإنها ستطول بقصد إنهاك قوى التنسيقية والشغيلة التعليمية، وحرف وجهة نضالها من المطالبة بإسقاط مخطط التعاقد إلى مناوشات متقطعة للتضامن مع المعتقلين- ات والمطالبة بإطلاق السراح.
طبعا، لا يخفى على أحد أن التهم جاهزة، في حين أن “التهمة الحقيقية” هي خرق قانون الاستبداد الذي يريد انصياعا كليا لهجماته. فما يسميه النظام “رجال القوة العمومية” هو جهازُ قمعٍ طبقي موجَّه بالأساس لكبح الاندفاعات النضالية العمالية والشعبية وحماية مصالح أرباب العمل والرأسمال العالمي. أما “قيامهم بوظائفهم” فهو سحل وتهشيم عظام المحتجين- ات ضد سياسات الدولة. تنتقل فصائل الاستبداد المسلح لإطفاء جذوات النضال العمالي الشعبي (إيميني، إفني، الريف، جرادة، زاكورة، الرباط…) وهذا لا يستدعي أدنى احترام، بل كل الحقد الطبقي المتراكم لأجيال. هذا الحقد يجب تسييسه وتوجيهه ضد أصل الشرور: نظام الاستبداد الحامي لمصالح قلة رأسمالية مغتنية، بدل الاقتصار على توجيهه ضد الدمى والواجهات المؤسسية للاستبداد (من وزراء لا سلطة لهم، أو رجال قمع ينفذون الأوامر… إلخ).

القمع والاعتقال لحرف مجرى المعركة
يعتمد النظام على خبرة مديدة في التعامل مع حركات احتجاج، ابتداءً من مناورات تدعي الاستجابة للمطالب (إسقاط التعاقد منذ مارس 2019) وهجوم إعلامي لتشويه الحركة (الإضرار بمصلحة التلاميذ) انتهاء بقمع محسوب واعتقال قسم من طلائع النضال، للزج بالحركة في دهاليز التضامن ومتابعة المحاكمات والاحتجاج ضدها، حتى يُنسى الملف الأصلي الذي من أجله اعتُقل من اعتُقل.
يبدو، إذن، أن المعركة دخلت منعطفا، إن لم نُحسن التعامل معه، فسنعيد سيناريوهات سابقة تمكنت فيه آلية القضاء/ الظلم البرجوازي من تفتيت التعبئة الجماهيرية، بجرها في مسلسل محاكمات تطول جارة معها أوهاما وآمالا سرعان ما تتكسر على صخرة إصرار الاستبداد على سحق حركة النضال.

سابقة تاريخية [1]
بعد ما يقارب العام من حراك الريف، أقدم الاستبداد صيف سنة 2017 على اعتقال واختطاف مجموعة من المناضلين- ات، بتهم شبيهة بالموجهة للأساتذة – ات الذين فُرض عليهم- هن التعاقد. ودخل حراك الريف نفق المحاكمات ما استنزف الحراك وأسر المعتقلين- ات بالدرجة الأولى. وبدل الاستمرار في النضال من أجل الملف المطلبي الحقوق والاقتصادي والاجتماعي الذي رفعه الحراك، استُنزِفت طاقة النضال في التضامن مع المعتقلين- ات والمطالبة بإطلاق سراحهم.
نبه إلى هذا بيان تنديدي صدر عن نقابات وتنسيقيات شغيلة التعليم بزاكورة يوم 8 أبريل بالقول: “كل هذا لكسر عزيمة المناضلين- ات وتحوير مطلب التنسيقية من الإدماج في الوظيفة العمومية إلى مطلب إطلاق سراح المعتقلين- ات”.
طبعا لا يعني الوعي بالمشكل سهولة التغلب عليه، فالمشكل أعمق ويتعلق بقدرة الاعتقالات على ردع قسم من القواعد الذي انخرط في المعركة مستبعدا كليا إمكان التعامل مع الأساتذة بنفس طريقة القمع المعتادة مع شرائح أخرى، وأقسام أخرى انخرطت لتحسين وضعها المهني (الترسيم). وقد يبدو لها التصادمُ مع جهاز دولة ممركز ومصمم من قبيل المخاطرة بما تحصل بين أيديها (المنصب والراتب) على علاته. لا يمكن رص الصفوف فقط بالتنبيه إلى خطة الدولة، فهذه واضحة للعيان منذ زمن، ولكن بإذكاء الثقة بأن شغيلة التعاقد المفروض لن تبقى في الساحة وحيدة لمواجهة آلة القمع، بل ستجد السند في التحاق أقسام الشغيلة الأخرى بالمعركة.
لا يعني الأمر إهمال ملف ضحايا الاعتقال، فالأمران مترابطان: الحق في الوظيفة العمومية والحق في النضال من أجلها. لذلك فإن ربط المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين- ات يجب أن يندرج ضمن منظور يحافظ على وحدة الملف المطلبي: إسقاط مخطط التعاقد والإدماج في الوظيفة العمومية والحق في الإضراب والاحتجاج (المطالبة بإسقاط مشروع القانون التكبيلي للإضراب). وعلينا استعمال الاعتقال للتشهير بالاستبداد السياسي واستنهاض الرد العمالي والشعبي القادر وحده على انتزاع حرية المعتقلين، وليس براءتهم كما تحاول المعارك القانونية.

تضامن مطلوب وجب تطويره
أعلنت النقابات غضبها من استهداف شغيلة التعاقد المفروض بالقمع والاعتقال. ودعا المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم- كدش إلى أسبوع غضب ابتداءً من 9 أبريل حتى 16 منه، يتضمن إضرابا يوم 9  أبريل. وأعلنت الجامعة الوطنية للتعليم بدورها إضرابا وطنيا يوم 9 أبريل ووقفات احتجاجية يوم الخميس أثناء فترات الاستراحة وأخرى يوم الجمعة… إضافة إلى دعوة فروع نقابات أخرى لإضرابات (الجامعة الوطنية للتعليم- الاتحاد المغربي للشغل بالدرويش على سبيل المثال لا الحصر).
الدعوة إلى الإضراب والتضامن واجب ويظل حدا أدنى من علة وجود جسم نقابي منظم. لكن هزيمة هجوم الدولة الممركز لن ينجح بواسطة إضرابات مشتتة ووقفات تُعطى صلاحيةُ اختيارِ مكانها للفروع.
يحتاج الأمر أكثر من تضامن وإعلان غضب. تقتضي اللحظة لم شمل جسم الشغيلة المشتت منذ عقود، والقطع النهائي مع النضال الفئوي. ليس الأمر سهلا، ولكنه واجب ضروري وحيوي لرد هجمة الدولة القمعية على أعقابها، وضمان استئناف النضال ضد تفكيك المدرسة العمومية وحق التوظيف العمومي.
علينا أن نجعل من النضال ضد الاعتقال ومن أجل حرية ضحاياه نقطة تجميع قوى شغيلة القطاع، وإعلان معركة موحدة. ونقطة البداية هي تحويل “اللجنة الوطنية لمساندة الأستاذة المتعاقدين المعتقلين”، إلى جهاز للتعبئة العامة وحشد قوة طبقة الشغيلة والإعداد لرد جماعي يشمل كل النقابات والتنسيقيات والجمعيات الحقوقية وشتى الإطارات الداعمة.
الواجب الآني أيضا هو عقد مجلس وطني دائم الاجتماع يضم نقابات القطاع وتنسيقياته وتسطير برنامج نضالي بملف مطلبي لا يتضمن فقط إطلاق السراح، ولكن أيضا مطالب مجمل الشغيلة وعلى رأسها إسقاط مخطط التعاقد ومشروعي قانوني الإضراب وتأسيس النقابات.
ويجب علينا ألا نكتفي بالمبادرات الممركزة وطنيا، علينا القيام بذات الشيء جهويا وإقليميا، ولنا في مبادرة إعلان إضراب وحدوي بين نقابات وتنسيقيات شغيلة التعليم بزاكورة ودمنات نموذج للاقتداء.

حسابات القيادات النقابية
للقيادات النقابية حسابتها الخاصة المستقلة عن قواعد الشغيلة. فتلك القيادات منخرطة تماما في سلم اجتماعي وتعاون طبقي مع البرجوازية ودولتها. وأدنى مناوشة اجتماعية تعتبرها القيادات النقابية مهدِّدة للاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي.
تضطر القيادات البيروقراطية إلى مجاراة القواعد النقابية إذا بلغ “الاحتقان” درجة لا تكفي معها الدعوات إلى الحوار لتنفيسه، أو إذا اقتربت استحقاقات تسعى من أجلها البيروقراطيات إلى زيادة منسوب ثقتها لدى تلك القواعد.
انفرط عقد التنسيق الخماسي منذ نهاية الموسم الدراسي 2018- 2019، بعد أن أدى مهمته في إطفاء جذوة نضال شغيلة التعليم (خاصة المفروض عليها التعاقد) عبر الوساطة والحوار، وبعد ذلك انفرط عقد التنسيق الثنائي بين النقابة الوطنية للتعليم- كدش جامعة التوجه الديمقراطي، دون أدنى تقييم أو تقديم أسباب ذلك.
منذ مدة ظلت القيادات النقابية مستنكفة عن انخراط في نضال جدي إلى جانب تنسيقية المفروض عليهن- هم التعاقد، مفضلة استنكار إغلاق باب الحوار ومطالبة بفتحه لـ”نزع فتيل الاحتقان الذي يعيشه قطاع التربية والتعليم” [بيان التنسيق النقابي الخماسي ماي 2019].
لكن القمع الذي واجهت به الدولة نضال تنسيقيات شغيلة التعليم في مارس الماضي، دفع قيادتي ن. و. ت (كدش) وجامعة التوجه الديمقراطي إلى إعلان إضراب وإنزال وطني يوم 5 أبريل، دون تنسيق مسبق بينهما، ولا مع تنسيقية التعاقد المفروض.
وبعد الاعتقالات التي طالت شباب وشابات التنسيقية الوطنية أعلنت من جديد هاتين النقابتين مبادرات الإضراب والوقفات دون تنسيق أو سعي وحدوي: كل يغني ليلاه.

سابقة تاريخية [2]
بعد تعليق التنسيقية الوطنية لإضرابها المديد بداية شهر ماي 2019، قام التنسيق الخماسي الذي استنكف طيلة شهر أبريل عن الدعوة إلى إضراب تضامني، بالدعوة إلى إضراب يومي 14 و15 ماي 2019 إضافة إلى وقفات ومسيرات بالشموع بعد صلاة التراويح واعتصامات أمام المديريات والأكاديميات.
إن الدعوة إلى أشكال نضالية بعد هزيمة معركة قاسية، يُعَدُّ من قبيل رفع الحرج واستبعاد اللوم، وهو ما كان مغزى ذلك الإضراب. ورغم ذلك دعونا للانخراط فيه ومده بالزخم الذي ترفضه البيروقراطيات الداعية له. [أنظر- ي مقال: “دعوة قيادات نقابية للإضراب: ما الموقف السليم؟. (إضراب 14 و15 ماي 2019 نموذجا)” بموقع المناضل- ة).
لم يستطع ذلك الإضراب وتلك الأشكال النضالية منع الإجراءات العقابية في حق شغيلة التعليم (خاصة الاقتطاعات) ولا ضمان العدالة لأسرة الشهيد عبد الله حجيلي، ولا وقف الهجوم (المصادقة على القانون الإطار)، لأن ذلك لم يكن نية التنسيق النقابي الخماسي، رغم وروده في بيانها.
إن الحذر من القيادات البيروقراطية واجب كل مناضل- ة عمالي- ة وواجب الطلائع التي ينجبها الكفاح الميداني، خصوصا أن السياق يتسم بقرب الانتخابات المهنية، التي تعتبرها تلك البيروقراطيات أهم بكثير من مائة معركة يمكن كسبها في الميدان.
علينا وضع مبادرة قياديتي ن. و. ت وجامعة التوجه الديمقراطي في إطار ممارستهما السابقة، لا للاستنكاف عن الانخراط في أسبوع الغضب الذي دعت له ن. و. ت أو الإضراب والوقفات التي دعت لها الجامعة، ولكن لنكون على بينة من حدود تلك القيادات، وأن إنجاح تلك المبادرات رهين بانخراط كل جسم الشغيلة وبنفس وحدوي وكفاحي فيها.

الدفاع القانوني مطلوب، لكنه لا يكفي
حشدت “اللجنة الوطنية لمساندة الأستاذة المتعاقدين المعتقلين” جسما من المحامين لتمثيل المعتقلين أمام القضاء. طبعا هذا مطلوب، لكن منطق الترافع القانوني الذي يجد المحامي نفسه محصورا في إطاره، يحد من فعالية دوره. يقتصر دور مثل هذه اللجان على ما أعلنه بلاغ تأسيس لجنة المساندة في 7 ابريل 2021: “تدارس سبل دعم ومساندة المعتقلات والمعتقلين”، وهو أمر مطلوب، لكن الواجب يتعدى الدعم والمؤازرة خاصة من جانب النقابات المنخرطة في تلك اللجنة.
لن يستطيع حشد المحامين مهما بلغ عدده، ولا قوة المرافعات مهما كانت حجيتها القانونية انتزاع أسرى النضال العمالي من فك الاستبداد، إن لم تكن مسنودة بنضال الشغيلة الوحدوي والكفاحي.

سابقة تاريخية [3]
بعد اعتقال مناضلي- ات حراك الريف صيف 2017، تقدم للدفاع عنهم عشرات المحامين- ات. عول المعتقلون- ات وأسرهم- هن ومعهم كادحو- ات المغرب على خطابة المحامين وقدرتهم على ولوج ثغرات القانون. وجرى افتخار بمرافعات فضحت النيابة العامة، وأخرى أسكتت القاضي، ناسين أن المحاكمة كلها لعبة، يتقنها النظام، وسيعتبر مرافعات الدفاع دليلا على عدالة المحاكمة، تماما كما وصف جيل بيرو قضاء الحسن الثاني في كتابه “صديقنا الملك”: “إنها تمثيل تام للنظام القضائي المغربي، كتلة عائمة تُظهِر للعين الصورةَ المستحبة عن جهاز ذي نزعة ديمقراطية، بينما القسم الغاطس الأكثر أهمية يغوص في قاع القمع البوليسي”. وانتهى الأمر بإصدار أحكام ثقيلة ناهزت 200 سنة. [أنظر- ي مقال: “أحكام قضاء الاستبداد في حق مناضلي حراك الريف: ماذا كنتم تنتظرون؟” على موقع المناضل- ة].
يخضع القانون في آخر المطاف، لميزان القوى الاجتماعي/ الطبقي. ومن يكون في موقع قوة يُطوِّع القانون كما يشاء، ويخرقه إن كان ذلك يتيح له هزيمة غريمه. علاوة على ذلك فسلطة التشريع القانوني توجد في يد الطبقة السائدة ودولتها، لذلك من الخطأ الكبير التعويل على إمكان الانتصار في معركة قانونية محضة.

لنحذر من الوساطات
ظهرت الأصوات المنادية بضرورة التدخل لإنهاء “أزمة احتجاجات المتعاقدين” حتى قبل الاعتقالات الأخيرة، وقد احتل مقدمة الجوقة العازفة على نغم الوساطة، كوكبةٌ من الأساتذة الجامعيين داعين إلى تدخل “العقل الاستراتيجي” في البلاد من أجل إنهاء الأزمة بين الوزارة والأساتذة المحتجين.
إن مفهوم الوساطة بحد ذاته إشكالي، فهو يحيل إلى الوقوف على نفس المسافة بين الطرفي، وتزداد إشكاليته حين يأتي على لسان قيادات نقابية. فلا يمكن الوقوف موقف الحياد بين دولة تُجْهِز على حقي التعليم والتوظيف العموميين وتعتدي على حرية الإضراب والتظاهر، وبين تنسيقية تناضل من أجل الحفاظ على تلك الحقوق وهذه الحرية.
غالبا ما يتذرع المتقدمون بمبادرات الوساطة بمصلحة الوطن، لكن هؤلاء يتناسون أن الوطن الآن ليس ملكا للشغيلة ولا لعموم الكادحين- ات، بل لأرباب العمل المحليين والرأسمال العالمي الذين يستنزفون خيراته ويعتصرون عرق شغيلته تحت رعاية حكم مستبد فرد.
لا يتقدم هؤلاء بمقترح الوساطة إلا في اللحظات الحرجة، وتكون غاية الوساطة هي نفسها غاية الحوار الذي تنادي به البيروقراطيات النقابية: “نزع فتيل الاحتقان”.

سابقة تاريخية [4]
بعد القمع الأهوج الذي نفذته الدولة ضد الأساتذة- ات المتدربين- ات بمركز إنزكان موسم 2015- 2016 وما استثاره من استهجان شعبي وتضامن نقابي، وتواصل إصرار فوج الكرامة على الاستمرار في مقاطعة التكوين، اندفعت كوكبة من الصحفيين والأكاديميين والبرلمانيين لاقتراح مبادرة وساطة بين الفوج والوزارة/ الدولة.
أُطلِقت مبادرة تحت اسم “مبادرة لحل مشكلة أساتذة الغد” التي تحدثت آنذاك عن “تصلب الطرفين” ووقفت على نفس أرضية هجوم الدولة مقترحة على الأساتذة- ات المتدربين- ات حلولا استثنائية للتخلي من مطلب “إسقاط المرسومين” بمبرر أن الفوج لم يكن مشمولا بهما بسبب عدم نشرهما في الجريدة الرسمية.
قَبِلَ الفوج بالحل الاستثنائي مرغما، وما أن تنصلت الدولة من وعودها حتى ابتلعت شقوقُ المجتمع البرجوازي كل دعاة الوساطة، تاركين عشرات المرسبين- ات في مواجهة الضياع. وهو نفس ما وقع مع الوساطة بين تنسيقية التعاقد المفروض والوزارة أبريل 2019، وما أن علقت التنسيقية الإضراب، حت تُركت وحيدة في مواجهة الإجراءات العقابية وتشديد الهجوم.
بدأ الضرب على طبل الوساطة حاليا، بمقال نُشر على موقع هسبريس يحمل عنوان: “الوساطة بين “المتعاقدين” والوزارة… تعقيدات الملف تبعد شخصيات بارزة‬” (8 أبريل 2021).
يتهم المقال الأساتذة بتكريس “أزمة تدخل سنتها الخامسة على التوالي”، ويضعها على قدم المساواة مع الدولة متهما إياهما بالتطرف: “إصرار طرفي الصراع على مقاربتين حديتين بشكل نهائي”. وينتقد المقال “غياب أي صوت نقابي ووسيط”، مثنيا بشدة على سابقة 2015- 2016: “مثلما جرى مع تجربة الأساتذة المتدربين سنة 2015، إذ شُكلت حينها لجنة من سياسيين ومثقفين وجامعيين لبحث سبل الوصول إلى حل يطوي الاحتجاجات”. وهذا تأكيد من هذا المنبر شبه الرسمي بأن هدف الوساطة هو إنهاء الاحتجاج.
استند المقال على تصريحات لأحد كبار خدام الاستبداد؛ إسماعيل العلوي من حزب التقدم والاشتراكية، الذي أكد على نفس النقط: “من الضروري أن يتدخل المسؤولون بالتي هي أحسن، معتبرا أن مؤاخذاته تهم الحكومة والأساتذة كذلك، لعدة اعتبارات”، مكررا أباطيل الوزارة حول المماثلة والمطابقة: “الأساتذة حققوا مكتسبات مهمة، ولهم نفس حقوق الموظفين العموميين، وتبقت فقط نقطة الحركة الانتقالية، ومن الممكن تحصيلها بصيغ أخرى في المستقبل”.

تحرر الشغيلة من صنع الشغيلة نفسها
ضمانة انتصار النضال ضد مخطط التعاقد وضد قمع الحق في الإضراب والتظاهر، رهينة بتفادي الفخاخ التي أدت بحركات النضال العمالي والشعبي إلى نفس المآزق منذ عقود: النزوع الفئوي، الوساطة، “الحوار”، المعارك القانونية.
ينتظرنا شوط قاسٍ من النضال، فالشروط قد تبدلت نوعيا مع الهجوم القمعي الأخير. أصبحت لدى الدولة ورقة المعتقلين- ات للضغط ليس فقط على التنسيقية كجهاز ولكن حتى على الاستعداد النضالي للقواعد الأستاذية. وسيكون لملف المعتقلين الحيز الأكبر من النضال ومن النقاش، وستتراجع أهمية الملف الأصلي (إسقاط التعاقد والإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية) تحت ضرورة واستعجالية متابعة مسلسل المحاكمات، الذي يبدو أن الدول ستطيله عمدا لإشغال التنسيقية، وهو ما يجب علينا تفاديه.
يصعب الخروج من هذا المنعطف، بناء على نضال التنسيقية وحدها. يحتاج الأمر إلى تضافر جميع جهود الجميع من نقابات وتنسيقيات وجمعيات حقوقية وكافة الإطارات التي ستساهم ليس فقط في التضامن والدعم والمؤازرة، ولكن أيضا في إعادة إطلاق النضال ضد مخططات الدولة البرجوازية.
لن ترتكز خطة الدولة على القمع والاعتقال فقط، بل ستتقدم بحلول أعدتها منذ زمن (أنظمة أساسية على هيئة مرسوم تشريعي يُصدَر في الجريدة الرسمية، إلحاق المفروض عليهم- هن التعاقد بالصندوق المغربي للتقاعد… إلخ)، مع إظهار ذلك بأنه محض تنفيذ لسياسة مقرَّرة سلفا، وليس استجابة لنضال التنسيقية، تماما كما فعلت بعد قمع حراك الريف، واعتبرت أن المخطط التنموي كان جاهزا منذ زمن طويل، وقد شابته بعض الخروقات جرى تصحيحها.
مواجهة هذه الخطة تستدعي قوة أكبر من شغيلة التعاقد المفروض وتنسيقيتها لوحدها. تقتضي معركة من هذا الحجم خرط أقسام شغيلة التعليم والوظيفة العمومية، وأول واجباتنا هو خطة نضال مضادة قائمة على وحدة الشغيلة ومنفتحة على أقسام الشغيلة الأخرى (القطاع الخاص) ومستثيرة أكبر تضامن شعبي أبانت على كمونه حملاتُ التضامن على الفايسبوك [أنظري مقال: “قمع نضالات الشغيلة التعليمية: الدلالات والبدائل” بموقع المناضل- ة].
إما وحدة آنية وعاجلة، وإما انحدار بشروط استغلال شغيلة التعليم (مُرسمة ومفروض عليها التعاقد) إلى درك العبودية، وهو ما لا تخفيه الوزارة/ الدولة وتصرح به علنا.

 

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا