إيران: بعد ثلاث سنوات من التعبئة والإضرابات 6000 عامل يفرضون إعادة تأميم مصنعهم

بلا حدود15 يوليو، 2021

في أوائل شهر أيار/مايو تمت إعادة تأميم مجمع هفت تابيه Haft Tappeh لصناعة السكر في إيران، حيث يشتغل زهاء 6000 عامل (منهم 2500 عامل موسمي)، إثر موجات إضراب عديدة، بعد خصخصته عام 2015. إذا كان تأميم الموقع، أو «إقالة أرباب عمل خواص»، كما يقولون، يبدو للعمال بحق انتصارا في بلد أقر دستوره عام 2006 «ضرورة خصخصة 80٪ من الاقتصاد» في غضون عشرين عامًا، فإنه لا يترك مجالًا لأي وهم  بينهم.

عودة إلى كفاح مديد

منذ العام 2018، شهد هذا المركز الصناعي الكبير، الذي يضم مزارع قصب السكر ومصفاة، عشرات الإضرابات، بقيادة لجنة إضراب قابلة للعزل. أثرت هذه الأحداث إلى حد كبير على انتفاضة الشباب في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2019 (كانت الاتصالات مع الحركة الطلابية هامة ومستمرة)، ولكن أيضاً على الحركة العمالية الإيرانية برمتها. يكفي سماع خطاب أحد قادة حركة هفت تابيه، إسماعيل باخشي، لحظة هذا الانتصار للاقتناع بذلك:

«أحيي جميع نساء هفت تابيه، كل أطفال هفت تابيه، جميع العمال والمدرسين والممرضات وحركة حقوق النساء بأكملها، وجميع المتقاعدين، ومن دعمونا طوال الوقت ومن سجنوا من أجلنا، وطلابنا الأعزاء.»

لهذا السبب، تعرض عمال هفت تابيه لقمع شديد للغاية منذ عام 2015، وخاصة قادة وأعضاء لجنة الإضراب مثل باخشي، مع تسريحات واعتقالات ومحاكمات. طُرد هذا الأخير من العمل وأعيد إلى منصبه مرات عديدة، وتعرض على سبيل المثال للتعذيب للاعتراف أنه كان مجنداً سياسياً من قبل المناضلين الشيوعيين في المنفى. لكن كثيرا ما تغلبت النضالات والإضرابات على هكذا محاولات ترهيب [1].

مصادرة أرباب العمل الخواص

إذا كان هناك إضرابات كُثر، فبسبب تدهور ظروف العمل. بينما كانوا تلقوا وعودا بالرخاء والازدهار، بالتنازل عن الموقع للقطاع الخاص، واجه العمال واقع الرأسمالية: تخفيضات في الأجور، وأجور غير مدفوعة لعدة أشهر متتالية (أحد أسباب بداية موجة الإضرابات الأولى)، وإلغاء الأنشطة الثقافية والرياضية المقدمة للأسر وقمع المتظاهرين. والخطاب الذي ألقاه بخشي في أيار/مايو أثناء الانتصار شاهد على ذلك:

«خصخصوا بوعود طوباوية. ستجلب لنا الرأسمالية الازدهار، وستتحسن نوعية الحياة بالفعل، وستشهد الأجور زيادة وظروف العمل تحسناً. يا لها من وعود طوباوية! وعود جميلة جدا ولكن الحقيقة الوحيدة التي عشناها في ظل هذه الرأسمالية كانت البشاعة ومزيدا من البشاعة! وحتى أنها دمرت القليل من الأشياء الجميلة في حياتنا الماضية. لماذا؟ لأن حرص الرأسمالية الوحيد هو الربح. قلصت أجور العمال لكسب مزيد من الأرباح، وألغت الأنشطة الثقافية والرياضية في هفت تابيه بمبرر أنها لم تكن مربحة بما يكفي. اختفت الأنشطة في خدمة العائلات.»

يُنظر إلى التأميم على أنه انتصار بسبب الازدراء الهائل لما نهجه النظام الإيراني من سياسة خصخصة الاقتصاد. في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979، وبعد سقوط الشاه، واستيلاء الديكتاتورية الإسلامية على النظام، كان جزء كبير من اقتصاد البلد مؤمماً. في كثير من الأحيان لنزع المقاولات من العمال الذين كانوا طردوا أرباب عملها ولإضعاف المجالس العمالية، استولت مجالس الشورى على إدارتها. أصبحت الصناعات الكبيرة والمناجم وقطاعات الطاقة والبنوك والتأمين والاتصالات والبريد والسكك الحديدية والطيران وحتى قسم ضخم من صناعة السيارات مقاولات عامة. في عام 2005، شرع كبار المسؤولين في النظام في إعادة خصخصة متسارعة، لاحتكار الثروة المنتجة في البلد بشكل أكثر مباشرة أو من خلال مؤسساتهم الدينية. أصدر مجلس تشخيص مصلحة النظام، الذي يعين أعضاؤه المرشد الأعلى خامنئي، قرارًا يفيد بأن مشاكل البلد الاقتصادية تتطلب التنازل عن قسم من الصناعات الأم لفائدة القطاع الخاص. ولترسيم القرار، أدرج هدف خصخصة 80٪ من الأصول العامة في الدستور، في حزيران/يونيو عام 2006. مكّنت هذه السياسة عديدا من أعيان النظام من الإثراء الفاحش، من خلال استشراء الفساد واختلاس الأموال، وتلقي مساعدات عامة لاستثمارات لا ترى النور بأي وجه.

بعد حصولهم على التأميم، يأمل عمال هفت تابيه تأمين مناصب عملهم وأجورهم. ومع ذلك، فإن الدولة ليست بأي حال من الأحوال ضامن ظروف العمل الجيدة ولا تحمي من مزيد من عملية خصخصة جديدة، لأنها هي بالذات من كانت باعت المصنع إلى القطاع الخاص بمبلغ بخس للغاية في عام 2015. «تخلصت هفت تابيه من قبضة القطاع الخاص، لكننا لم نتحرر مع ذلك» على حد تحذير قائد عمالي. لذلك تردد شعار «رقابة عمالية» على نطاق واسع منذ عام 2019، وحتى أبعد من هفت تابيه. على سبيل المثال، في الأهواز، التي تبعد بما يناهز مائة كيلومتر جنوبًا، حيث يضاعف العمال الثلاثة آلاف في مصنع الصلب محلياً عدد الإضرابات في السنوات الأخيرة، أيضاً ضد الخصخصة وعدم دفع الأجور. كما كان عمال الموقعين الاثنين تظاهروا سويًا في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2018، في شوارع الأهواز، للإفراج عن المضربين في هفت تابيه المعتقلين لدى النظام.

تنظيم الأحداث التالية: إفساح المجال للرقابة العمالية

هكذا، قامت لجنة الإضراب فورا، في نهاية الشهر الماضي، بدعوة جميع العمال لتنظيم انتخابات جديدة لمندوبي العمال تحضيراً لاعتماد رقابة عمالية وازدواجية سلطة داخل المصنع.

«يقول البعض ان ذلك كان مجرد نضال مطلبي وليس صراعًا سياسيًا. إنهم يتجاهلون الثمن الذي أديناه: فتح ما يزيد عن 300 دعوى قضائية، وتسريح عشرات العمال، وسجن العشرات. دفعنا جميعًا هذا الثمن، لم يكن ذلك لعبة. لكننا في بداية الطريق. كل من يقدم   وعوداً طوباوية محتالون. نحن في بداية النضال وحسب، وبات من اللازم الإمساك بزمام الأمور. إذا كنتم لا تريدون أن يضطهدكم كبار المسؤولين في الدولة، فعليكم أولاً، في مختلف القطاعات، إنشاء لجنة تحضيراً للتصويت النسبي وفقًا لعدد عمال مختلف القطاعات. ثانيًا، في أقرب وقت ممكن، عليكم تأسيس مجلس مندوبي هفت تابيه. ندعو المهندسين والتقنيين إلى إنشاء لجنة تقنية حتى يتمكن العمال من التحكم بالإنتاج في أسرع وقت ممكن. يجب أن ندير الأمور، ويلزم أن تكون نسائنا قادرات على التدخل في شؤون المصنع. ماذا يجب أن تفعل الدولة الآن؟ الالتزام بتأمين الصحة والسلامة والنظافة [في المصنع]. لسبب وجيه، ماذا تفعل الدولة حول التلقيح؟ يلزم أن نجبرها على تلقيح العمال. لا يجب أن يتحمل العمال دفع ثمن لقاحهم. يثقل عبء الإنتاج كاهل العمال وعلينا دفع ثمن اللقاحات؟»

لحظة كتابة هذا التقرير، لم يتم تسوية أي شيء في هفت تابيه: لا يزال عمال المصنع، وخاصة العمال الزراعيون، مضربين لأن السلطات المحلية، تحت التأثير الواضح لرئيسه المطرود، أسدبيجي، قررت خفض حصص المياه المخصصة لزراعات السكر، لكي تظهر للعمال عجزهم عن إدارة الإنتاج وحدهم. وفي إطار نفس الهدف دوماً، قبل بضعة أسابيع، لم يكن رب العمل نفسه وجد شيئًا أفضل من محاولة حرق الحقول! كان ذلك تصعيدا منذ أيار/مايو، عندما كان استأجر مرتزقة للاعتداء على العمال. وكأن ذلك لم يكن كافيًا –يلزم قول أن هؤلاء الأخيرين لا يزالون ثابتي العزم للغاية!- كشف أسدبيجي حيلة قديمة أخرى في إطار التخريب التام للإضراب: رفض دفع أجور الأشهر الأخيرة. لا يزال العمال والحالة هذه بعيدين عن التخلص منه، ومن الضروري استئناف نضالهم وشعاراتهم في مكان آخر بحزم.

توسيع النضالات وتنسيقها

منذ 20 حزيران/يونيو، تفجرت الإضرابات في مصافي النفط والغاز في جميع أنحاء البلد مطالبة بزيادة الأجور ومنح عطل إضافية. يشن العمال ما يسمونه «حملة 20-10»: 20 يوم عمل مقابل 10 أيام كعطلة، لأن العمل شاق للغاية في المصفاة ولأنهم يأتون من جميع أنحاء البلد للعمل هناك، تاركين عائلاتهم لفترات طويلة جدًا. ومع ذلك، فإن المضربين، في بيانهم الصحفي المشترك، يشيرون هم بالذات إلى الدروس التي قدمها نضال هفت تابيه وضرورة اتخاذ قرارات بأنفسهم وعدم السماح لأرباب العمل بإصدار القوانين. وفي هذه الإضرابات سواء تعلق الأمر بمصافي السكر أو النفط أو الغاز، يحرص الجميع على التنسيق وطرد الأصدقاء المزيفين.

ولأسباب وجيهة، ترسم هذه الإضرابات معالم الأحداث الراهنية في البلد لدرجة أنه حتى مرشحي الانتخابات الرئاسية التي جرت في 18 حزيران/يونيو شعروا بأنهم مرغمون، بسبب شعبية نضالهم في البلد، على «تقديم شكل من أشكال الدعم لمضربي هفت تابيه. لم ينخدع هؤلاء الأخيرون بذلك لأنهم نشروا فوراً بلاغاً يؤكد أن الانتخابات لم تكن من شأنهم وأنها لن تقدم لهم أي شيء قد يساعدهم فعلاً في المعركة ضد الرأسمالية، وأن المحافظين أو الإصلاحيين هم الفائزون فيها.

إن صعود الحركة العمالية الإيرانية، الذي أصبح اليوم واضحا للعيان، على الرغم من القمع، حقيقة هامة أكثر بكثير من التناوب الرئاسي بين حسن روحاني المتدين «المعتدل» والرجعي المتطرف ابراهيم رئيسي الذي انتخب للتو. إن هذا الصعود منارة أمل للمستقبل.

باربرا كازان

تعريب: المناضل-ة 

 

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا