تعطيل الشباب بلا تعويض عن البطالة جريمة شنعاء، لا خيار غير التنظيم والنضال

ليست ملايين المعطلين والمعطلات بشهادات جامعية وبدونها مصيبة حتمية، بل نتيجة سياسة مقصودة. فالمشرفون على تسيير المغرب لا يضعون نصب أعينهم غير مصلحة أقلية من عمالقة المال والأعمال من الرأسماليين المغاربة والأجانب، تاركين غالبية الشعب ضحية لأهوال البؤس وشظف العيش.

فتَراكُم أرباح الأقلية يتطلب وجود جيش من المعطلين والمعطلات يجعل الأجور منخفضة بفعل وفرة طالبي العمل المنافسين بعضهم لبعض في سباق نحو فرص عمل ضئيلة. كما ينفع جيش البطالة في الضغط على العاملين ليقبلوا أشد استغلال في أسوء ظروف عمل وأقلها كلفة للرأسماليين.

ثم إن إبقاء المغرب في وضع تبعية لقوى استعمارية جديدة، الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة الامريكية، وخضوع لمؤسسات ذلك الاستعمار، من بنك عالمي وصندوق نقد دولي، يحكم على اقتصاد المغرب بالبقاء مصدرا للمواد الأولية كالمعادن ولمنتجات فلاحية وبحرية، ويد عاملة مسترخصة، بلا قاعدة صناعية متينة وبلا اقتصاد مندمج قوي خالق لفرص العمل.

وأخيرا تؤدي سياسة التقشف في الانفاق الاجتماعي، بقصد مواصلة أداء خدمة الديون، إلى عدم التوظيف الكافي في التعليم والصحة وغيرهما من الخدمات الاجتماعية، وهو ما يؤدي بدوره إلى رداءة الخدمات، ويتجلى اليوم في كارثة التعليم العمومي، وفي ما آلت اليه المستشفيات العمومية.

واقع البطالة الكثيفة واقع مفروض وهو قابل للتغيير، وثمة من البلدان عبر العالم من تَقل مُؤهلاتها عن المتاح للمغرب، لكن وضعها الاجتماعي أفضل بكثير، ومستوى البطالة، لاسيما بطالة الشباب أقل. باختصار يمكن لشباب المغرب أن يفرض بالنضال سياسة بديلة تتيح فرص العمل للجميع، فتطوير اقتصاد المغرب في اتجاه متحرر وبمنطق تلبية حاجات الشعب كفيل بعلاج جذري لآفة البطالة الكثيفة المميزة لاقتصاد رأسمالي تابع.

يتطلب تحقيق هذا البديل كفاحا تشارك فيه ملايين الجماهير، قوة هذا الكفاح كامنة، تطل  بين فينة وأخرى، كما هو الأمر حاليا  بعد قرار الإقصاء من مباراة التشغيل في التعليم، حيث اهتزت معظم مدن المغرب، الجامعية وغيرها في حراك قل نظيره وَحَّدَ نضال الطلاب والمعطلين وضحايا التعاقد المفروض في التعليم، وزرع الرعب في قلوب الظالمين.

سيرا نحو تحقيق هذا البديل غير الفوري، يجب النضال لتحقيق مطلب التعويض عن البطالة، أي حدا أدنى من الدخل المضمون لمواجهة متطلبات الحياة. وهو دخل سيحسن أيضا قدرة ضحايا البطالة على النضال من أجل الحل الجذري، حل بديل مجتمعي شامل يعيد بناء المغرب على أسس التحرر من الاستعمار الجديد، وتحقيق العدالة الاجتماعية.

هل التعويض عن البطالة مطلب قابل للتحقيق؟ أين الثروة؟

قد يدعي المستفيد من وضع الظلم الاجتماعي القائم، المسبب لبطالة الملايين، أن مطلب التعويض عن البطالة غير ممكن، بدعوى أن المغرب ليس هو فرنسا أو السويد.

ليس نقص الموارد المالية هو المانع من تعويض المعطلين والمعطلات بدخل، بل نقص القوة النضالية لفرضه. فالتعويض عن البطالة في البلدان التي يوجد فيها هو نتيجة كفاحات مريرة دامت عقودا مديدة، كفاحات الحركة العمالية بأشكال مختلفة بلغت مستوى هزات ثورية هددت بتقويض النظام الرأسمالي. وحتى اليوم لا زال عمال تلك البلدان وعاملاتها في نضال مستمر دفاعا عن الحق في التعويض عن البطالة، هذا الحق الذي يتعرض لهجمات متواصلة من قبل البرجوازية.

الموارد المالية لتلبية مطلب التعويض عن البطالة متوافرة، إنما يستحوذ عليها عمالقة المال والأعمال، من مجموعات رأسمالية احتكارية وكبار ملاكي العقارات بالمدن وبالعالم الفلاحي، ومعهم العديد من الشركات الأجنبية الاستعمارية التي وهبتها الدولة المغربية جزءا من اقتصاد البلد منذ الاستقلال الشكلي وزادتها أكثر بسياسة الخوصصة في ثلاثين سنة الأخيرة.

الثروة موجودة، فقط يجب فرص تخصيصها لتلبية حاجات الشعب، ومنها التعويض عن البطالة، عوض تخصيصها لإثراء الرأسماليين وخدامهم.

المغرب عرضة لنهب ثرواته، وللإفراط في استغلال طبقته العاملة والضغط على قسمها العامل بقسمها المعطل. وبرجوازية المغرب تراكم الثروة وتهرب قسما منها إلى البنوك الأجنبية.

فحسب تقرير لمؤتمر الامم المتحدة للتجارة و التنمية – CNUCED  – برسم أكتوبر 2020، بلغ مجموع الأموال المهربة  من المغرب بطريقة غير مشروعة 16.6 مليار دولار ( 155 مليار درهم) في عامين فقط : 2013 و2014. والوسيلة الأكثر استخداما لتهريب الأموال هي تزوير فواتير المنتجات المستورَدة والمصدَّرة من حيث الكمية والقيمة.

من جانبها سبق لمنظمة غير حكومية أمريكية  Global Financial Integrity  أن  كشفت  تهريب 41 مليار دولار من المغرب الى الخارج (لا سيما بنوك سويسرا) في فترة 2004-2013، أي  بمعدل 4 مليار دولار أمريكي في السنة. ما يضع  المغرب في المرتبة 34 بين 149 دولة نامية في مجال تهريب الرساميل ،و في المرتبة الثالثة على صعيد أفريقيا،  بعد جنوب افريقيا ونيجريا .

من جانب آخر، لدى الدولة رافعة كبيرة لتخصيص المال للتعويض عن البطالة، وهي أن تكف عن الهدايا الضريبية التي تمنحها كل سنة للأرباب العمل في كل ميزانية [ما يسمى النفقات الجبائية]، وأن تقوم ثانية بمحاربة التملص والغش الضريبيين الذين بلغا مستويات مُهولة. فلا همَّ للبرجوازية المغربية غير اعتصار أقصى ما يمكن من الشغيلة وابتكار ألف حيلة وحيلة للتهرب من الضريبة والغش فيها. ما يجعل الدولة تملأ خزينتها من جيوب ضحايا الإفقار عبر الضرائب غير المباشرة، وأولها الضريبة على القيمة المضافة TVA التي تمثل المورد الأول للميزانية العامة للدولة ولتمويل الجماعات الترابية.

على الدولة أيضا أن تحارب سرقة المقاولات وأصحاب المهن الحرة لمداخيل هذه الضريبة (TVA) بفعل دورهما كوسيط بين دافع الضريبة (المستهلك) وخزينة الدولة. فقد كشفت عملية واحدة قامت بها المديرية العامة للضرائب حجم اختلاس المال العام عبر هذه الضريبة حيث بلغ المسروق 2.5 مليار درهم.

وإجمالا يجب تغيير نظام الضريبة المغربي كي يتحمل أصحاب المليارات ثقله، فهم الأقدر عليه وليس جماهير العمال والكادحين.

الدولة قادرة عندما يتم إجبارها

عندما امتدت السيرورة الثورية لعام 2011 إلى المغرب، متجسدة في حراك 20 فبراير، وما رافقها من كفاحات شعبية، أُجبرت الدولة، خوفا من سقوط النظام، على تخصيص موارد غير مسبوقة للزيادة في أجور الموظفين (600 درهم دفعة واحدة)، وتلبية مطالب أجراء العديد من المؤسسات والقطاعات، وضخ أموال في صندوق المقاصة (دعم اسعار مواد أساسية)، وتشغيل آلاف المعطلين والمعطلات.

اليوم أيضا يمكن لتنظيم نضالات الشباب، ولنموها، والتحامها بنضالات الطبقة العاملة وسائر ضحايا النظام الاقتصادي الجائر، أن يفرض على الدولة التعويض عن البطالة، هذا التعويض الذي تفرضه عليها اعتبارات أخرى في الصحراء حتى إلى كلميم، عبر ما يسمى بطاقات الانعاش حيث يحصل حاملها على دخل شهري يتراوح بين 1000 و1500 درهم.

كما يجب الكف عن الإنفاق في شراء الأسلحة، وتخصيص الموارد لتلبية حاجات الشعب، ومنها التعويض على البطالة، في أفق القضاء النهائي عليها. كفى من التسلح، فشعب المغرب لن يقاتل شقيقه الجزائري، بل سيتحد الشعبان في النضال من أجل مستقبل مشترك، مستقبل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

التعويض عن البطالة ممكن، وهو في المتناول بالكفاح المنظم لملايين ضحايا البطالة. حركة النضال ضد البطالة عفوية غير منظمة. أدوات نضال المرحلة السابقة بلغت مداها، ومنها التي انقرضت. لم تعد قادرة على جمع شمل المعطلين والمعطلات. التنظيم والنضال هو الطريق الوحيد لانتزاع الحقوق، الحق في التعويض عن البطالة، والحق في عمل لائق، الحق في الحياة.

الوسيلة الأولى للتنظيم هو البناء من أسفل، أي اللجان، أو التنسيقيات المحلية، أو أي اسم آخر. المهم ما يتيح لضحايا البطالة جمع الشمل، والنقاش الجماعي الحر والديمقراطي، وتنظيم نضالات، والتعاون مع هيئات النضال بالمدن الأخرى، والنضال يدا في يد مع المنظمات العمالية والشعبية، في افق توحيد النضال وأدواته وطنيا.

هيا بنا إلى النضال، أيتها الشابة المعطلة، وأيها الشاب المعطل، فلا جدوى من انتظار رحمة من وضعونا في جحيم البطالة، فهم منصرفون لتنمية أرباحهم وحماية مصالحهم.

محمود جديد

شارك المقالة

اقرأ أيضا