الجائحة والحرب والأسواق المالية

بلا حدود1 يونيو، 2022

بقلم: نيكولا بِنييس    Nicolas Béniès

منذُ ما يربوُ عن ثلاثين سنةٍ، مدَّدتِ الأسواقُ الماليةُ سيطرتَها على حساب الدول ورفاهِ السكان. فقد أبان ما اتخذتهُ من قرارات، في سنوات الثمانينات، بإزالة الضوابط، لاسيما في المجال المالي، كاملَ ضرره.

ففيما تتأرجح بورصاتُ البلدان المتقدمة تبعاً لإعلانات حرب بوتين في أوكرانيا، هابطةً يوم 24 فبراير، ثم صاعدةً ردّاً على مفاوضات سلام ممكنة في متم مارس، اتجهت أسعار البترول، والطاقةِ عامةً، وكذا الموادِ الأولية، نحو الارتفاع مُحدِّدَةً صعود أسعارٍ غيرَ مسبوقٍ منذ العام 1985، بنسبة 4,5% في فرنسا. لماذا هذه الطفرة؟ هل هي تضخم؟

أسبابُ الارتفاع

ليس ثمة، راهناً، أيُّ نقصٍ مرئيٍّ في البترول ولا في الغاز.  ولا في المواد الأوليةِ، غذائيةً كانت أو معادن.   يكْمُن تفسير ذلك في أمولة financiarisation كل هذه المواد الأولية، في تسعيرها في الأسواق المالية الآجلة.  يتوقعُ الفاعلون أن يحدثَ مستقبلاٍ نقصٌ في الغاز – بفعل العقوبات على روسيا- وفي البترول – للسبب ذاته، و لأن بلدان منظمة  أوبيب لن تزيد إنتاجها- ونقصٌ في المواد الأولية كذلكَ.  تُتَرجم هذه التوقعات بارتفاع الأسعار مستقبلا في الأسواق الآجلة.  لكنها، ضد كل منطق، تُطَبَّقُ فورا، وهذا الفارق هو ما يُفسر الأرباح الفائضةً.  وسعيا للحد من الميل إلى الارتفاع، تقول الولايات المتحدة الأمريكية إنها على استعداد لإطلاق “حجم تاريخي”، فيما يتعلق بمخزونها من البترول (جريدة Les Échos 1 ابريل 2022). وهذا اعلانٌ يجب النظر اليه كإشارة إلى الفاعلين في هذه السوق ليكُفّوا عن لعب الارتفاع.

على هذا النحو، تنكشف سيطرةُ الأسواق المالية ومعاييرِها.  وتجدُ سياسات الحكومات نفسَها في حالة ضعفٍ.  تشير الحرب، على غرار الجائحة، وكذا أزمةُ 2007-2008، الى ضرورة تقنين هذه الأسواق.  لم تعدْ سياسةُ الاتحاد الأوربي الزراعيةُ المشتركةُ غير نظامٍ من أشكال الدعم المالي. ولم يعدْ بوسعه التخلي عن المنطق المالي لإرساء بدايةِ استقلالٍ غذائي. كما لم يعد بإمكان الدول الفعلُ في سوق البترول.

ستكون الهندسةُ الجيوسياسية التي ستترتَّبُ عن الحرب مُحدِّدةً في تحقيق هذه التكهنات أو عدم تحقيقها. إن أبرز النتائج، وأكثرها مدعاةً للخوف، لحد الآن، هي انخفاضُ القدرة الشرائية وارتفاع التفاوتات.  وقد يؤدي ارتفاعُ أسعارِ المواد الأوليةِ، في العديد من البلدان، إلى نقصٍ ومجاعةٍ.

 تضخم؟

ليست كلُّ الاسعارِ في ارتفاعٍ في البلدان المتطورة. التضخمُ يحدد ارتفاعا مُعَمَّماً وانخفاضاً في قيمة العُملةِ. إنَّ تمايزَ ارتفاع الأسعار/التضخم مهمٌّ لتحديد السياسات النقدية.  قررتِ الخزينةُ الامريكية الكفَّ عن ما يسمى  « quantitative easing » ، أي عن خلقِ  النقد من أجل شراء ديون الدولة وزيادةِ نسب فائدتها،  كأداة رئيسية  لخفض الكتلة النقدية المتداولة. ويسير المصرفُ المركزي الأوربي، وسطَ نقاشات داخلية، على الطريق ذاتِه.  وفي فرنسا، انتقلت نسبةُ الفائدة لمدى 10 سنوات الخاصة بالدين العمومي من 0% إلى 1%في شهر مارس. والحال أن أسبابَ الارتفاع يجب ألا يُبحث عنها في خلق النقد. اذا اتسعت هذه السياسةُ، فقد تُتَرجم بزيادة خدمةِ الدين على الدول ومصاعبَ إعادة التمويل بالنسبة للمقاولات. وستبرزُ العواقبُ على صعيدين، هبوط لسوق الأسهم من جهة و إفلاسات من جهة أخرى.

تُسرِّعُ الحربُ والجائحةُ، غيرُ المنتهيةِ بعدُ، الميولَ السابقة وتُعمِّقاِنها. وقد خلق العام 2021 وهماً.  إذْ كان الانتعاشُ ناتجا إلى حد بعيد عن تدخل الدولة، وعن شبهِ توقف الإنتاج في العام 2020.  وتُنذرُ العقوبات، ولا سيما انخفاضُ القدرة الشرائية، وكذا السياساتُ الاقتصاديةُ والنقدية، بانكماش اقتصادي عميقٍ.

إذا كانت الدولُ تريد إعادة تصنيعٍ بمحاربة التغيرات المناخية والازمة البيئية، فعليها  البدء  بالتحرر  من سيطرة الأسواق المالية  الساعية إلى  إضفاء سعرٍ على كل ما هو حي.

المصدر: https://www.pressegauche.org/Pandemie-guerre-et-marches-financiers

ترجمة  المناضل-ة

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا