مُؤتمر النّقابة الوَطنية للتّعليم-ك.د.ش العَاشر: تقييمٌ من وجْهة نظر مُعارضة

اختتم مُؤتمر النّقابة الوطنية للتعليم-ك.د.ش أشغاله يوم 22 مايو 2022، في سياق مطبُوع باستعداد الدّولة للنّيل من مَكاسب أُجراء القطاع، عبر ما يُسمى “النظام الأساسي الجديد”، وعبر مُجمل القوانين الجَاري إعدادها على قدم وساق، منها تفكيكُ الوظيفة العُمومية وقانون منع الإضراب، وقانون النقابات، ومَزيدٌ من تدمير الحق في التّقاعد.
هَذا فيمَا يتواصلُ تشتت القوى، بين نقابات عدّة، وأشكال تنظيم وفعل فئَوية، وهيمنةُ تصور غير كِفاحي للنّضال النّقابي، وتعثر تَجارب بناءْ يسَار نقابي طَبقي. لتوضيح مُجريات المُؤتمر ونتائجِه، نستجوبُ أدناهُ مُناضلا شَارك في أشغال المؤتمر.
غَنيّ عن البَيان أنّ الغَاية الأولى والأخيرة من النّقد هي البناءُ، فمصلحةُ الأُجراء الطّبقية هي بوصلة وجهة النّظر المُعارضة هُنا. عادةً ما تُوصف أجهزةُ قرار النّقابة ببَرلمانها، لكنّه برلمانٌ فريدٌ، تنقصهُ معارضةٌ مُنظمة. نأملُ أن تُساعد هذه المُقابلة على تَبلوُرها.
——

س: كيف كان نقاش مشاريع الوثائق قبل المؤتمر؟ فقد جرت عادة المؤتمرات السابقة على نقص الاهتمام بهذا النقاش؟ ة إلى ماذا يعزى ذلك؟
ج: تضمنت أوراق المؤتمر أربعة مشاريع: مشروع التقرير العام، ومشروع السياسات التعليمية، ومشروع الملف المطلبي، ومشروع المقرر التنظيمي. وكانت ممكناً أن تُشكلَ أرضياتٍ مناسبةً للنقاش والإغناء والتطوير، لكن لا يمكن القول إن نقاش الأوراق كان معمما وكافيا.
يمكن تحديد دور نقاش مشاريع أوراق المؤتمر في أربعة أشياء:
* امتلاك القواعد النقابية (وليس القادة ومسؤولي الأجهزة والمؤتمرون فقط) وعيا للحظة النضالية ورهاناتها.
* مساهمة جميع منخرطي النقابة (أو قل اغلبية منخرطيها) في صياغة توجهها عبر تقديم رؤى واجتهادات، قد تكون متباينة.
* المساهمة في فرز التوجهات النقابية المختلفة، على أساس الأفكار المعبر عنها بشأن مضمون بتلك الأوراق.
* تمييز النقاش العام داخل النقابة، وانتخاب قيادتها (المجلس الوطني في حالة ن.و.ت) على أساس ذلك النقاش.
لكن واقع الحال خلاف ذلك. لقد تم إعداد مشاريع الأوراق منذ مدة معقولة، وتم إرسالها إلى أعضاء اللجنة التحضيرية وكتاب الفروع بمدة كافية. لكن معظم الفروع لم تنظم نقاش المشاريع بما يجعل لحظةَ النقاش أساسيةً ومحورية في سيرورة المؤتمر. لا يُعزى ذلك إلى الكسل، بل إلى ثقافة تنظيمية جرى تكريسها بالنقابة، ثقافة لا تعطي النقاش والتنشيط النضالي للفروع أي أهمية، ولا تعتبر المؤتمرات محطة للنقاش العام داخل النقابة، بل مجرد لحظة مناورات من أجل الصعود إلى الأجهزة، بما يفتح المجال لمقتنصي امتيازات وطالبي وجاهة بعيدين كل البعد عن تقاليد الكفاح النقابي. تعتبر هاته الثقافة مشاريع المقررات المعدة للمؤتمر مجرد تقليد آت من زمن مضى، وهذه النظرة تعضدها الممارسة الفعلية للنقابة: لا أثر للمنظورات الوارة في وثائق المؤتمر، حتى وهي قاصرة، في الأداء اليومي للقادة النقابيين، وفي لحظات اتخاذ القرارات النضالية التي يفترض أن يأخذها المؤمنون بتلك المنظورات.

س: من شكل النسبة الأكبر في المؤتمرين :المنتخبون من القواعد، أم المؤتمرون بالصفة، أي عضوية الجهاز السابق ؟ وما تمثيل النساء والشباب؟
ج: حضر المؤتمر زهاء 700 مؤتمر، يمثل منهم المؤتمرون بالصفة أكثر قليلا من الثلث، بينما شكلت النساء حوالي 13 بالمئة من المؤتمرين، فيما شكل الشباب (دون أربعين سنة) أقل من الربع.

س: في السنوات الأخيرة، تراوح عدد منخرطي ن.و.ت ومنخرطاتها بين 15 و 20 الف. هذا عدد ضئيل بالنظر إلى وزن النقابة تاريخيا في القطاع، وإلى حجم كتلة أجراء التعليم اليوم. ما السبب بنظركم؟

ج: ليس الامر مستغربا في ظل الواقع الحالي. لقد تعرضت الحركة النقابية في قطاع التعليم لتشرذم حقيقي طيلة العشرين سنة الأخيرة على الأقل، حيث تعرضت النقابة الوطنية للتعليم ك.د.ش لثلاثة انشقاقات دالة، لم تكن كلها نتيجة اختيارات حقيقية للقواعد، بل لصراع حزبي في القمة بين فصائل الحركة الاتحادية المتضاربة. فيما أثرت السياسة النقابية المرافقة لهجوم الدولة على التعليم على إيمان كثير من الشغيلة التعليمية بجدوى النضال داخل النقابة، حيث بات النضال داخل التنسيقيات الفئوية المتعددة خيارا وحيدا للعديدين. فيما اختار الجيل الجديد من الشغيلة، المفروض عليهم التعاقد، بفعل موقف الحركة النقابية غير الحازم من مسألة التعاقد (رفض كلامي دون محاولة منع نضالي لتمرير المشروع ووأده في مهده)، العمل ضمن التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد.
ينتسب اليوم إلى النقابة الوطنية للتعليم أقل من 6% من شغيلة التعليم، قسم مهم من هؤلاء المنتسبين، لا ينخرط في النقابة باعتبارها أداة للنضال الجماعي التضامني بين شغيلة التعليم أولا، وبين كل العاملين باجر ثانيا؛ بل مجرد أداة لقضاء بعض الأغراض، وتحصين بعض “الحقوق” الفردية، ووسيلة للاحتماء من الإدارة، واحيانا وسيلة للارتقاء المهني (السعي لمناصب المسؤولية الإدارية مثلا). ما يعني ان ذلك الجزء الأهم من تلك 6% المنخرطة في النقابة منخرط فقط بأداء واجب الانخراط،دون تجسيد حتى الحد الأدنى من الانخراط النقابي الفعلي، وضمنه تنفيذ قرارات الإضراب والحضور في الخطوات النضالية.

س: لوحظ في مؤتمرات سابقة أن مشاريع وثائق المؤتمر لا تفضي الى وثائق صادرة عن المؤتمر أي مصادق عليها بعد ادخال تعديلات وإضافات، هل هذا مصير مشاريع المؤتمر العاشر؟ وما دلالة ذلك بنظركم؟

بالفعل، لقد ساهم عدد من مناضلي النقابة ومناضلاتها، وعدد من الفروع، على قلتهم، في تقديم تعديلات مكتوبة على تلك الأوراق قبل المؤتمر. وساهم عدد من المؤتمرين الملتزمين في النقاش داخل المؤتمر بتقديم تعديلات وتصويبات وإغناءات. لكن يظهر أن ذلك كله يذهب سدى. فقد دلت التجارب السابقة، منذ المؤتمر الاستثنائي في العام2002، على أن تلك الأوراق، باستثناء القانونين الأساسي والداخلي، لا يتم تعميمها أو إصدارها. إن ذلك له معنيان: الأول أن تلك الأوراق غير مهمة في توجيه النقابة ورسم خط سيرها. ثانيا من شأن إصدارها أن يجعل شطحات مواقف الأجهزة النقابية أكثر إحراجا.
على أي نتمنى، وإن كان ذلك مستبعدا، أن تعمل القيادة النقابية الجديدة على إصدار الأوراق المصادق عليها من المؤتمر العاشر للعموم، وجعلها في متناول المناضلات والمناضلين، كأداة للاستعمال النضالي اليومي، لتوسع اشعاع النقابي وتطوير بنائها.

س: مثلت مسألة التعاقد المفروض أكبر ضربة للقطاع في تاريخه، هل حظيت بالمكانة اللازمة في اشغال المؤتمر؟ وماذا قرر بشأنها؟
كان نقاش مسألة التعاقد حاضرا فعلا في المؤتمر، سواء في تدخلات بعض المؤتمرين (خاصة من المفروض عليهم التعاقد)، أو في نقاش لجنة الملف المطلبي. لكن يُلاحظ أن مطلب إلغاء أو إسقاط التعاقد جاء في مشروع الملف المطلبي كمطلب عادي، شبيه بالمطالب الفئوية الأخرى. فيما كان يجب ان تخصص له ورقة مستقلة أو على الأقل أن يظهر في المشروع على أنه القضية الأساسية.
لكن يبدو أن القيادة النقابية أضحت، في حوارها المستمر مع الوزارة، مؤمنة بأن مسألة التعاقد باتت قريبة من حل ما (وهو حل ليس معناه إسقاط منطق التعاقد). وأن النقاش يجب ألا يكون بين الشغيلة داخل نقابتهم وبين نقاباتهم، بل بين أعضاء اللجنة التقنية لإعداد النظام الأساسي لمهن التربية والتكوين. مسألة إعطاء موقف جازم من التعاقد، وإعطاءه المكانة التي يستحقها كهجوم استراتيجي مميت، معناه إعطاء موقف جازم من كل سياسة الدولة وترتيب الأثر النضالي والتنظيمي والسياسي على ذلك الموقف. وهو ما تتفاداه القيادة النقابية.

س: يلاحظ في بيان المؤتمر إشارة الى قانون الاضراب، لكن من زاوية اقتطاع من الرواتب فقط.
هل استشعر المؤتمر الأخطار القادمة [ قانون الاضراب التقاعد، النظام الأساسي …] وقدرها حق قدرها؟ وما الخطة النضالية لمواجهتها لدى النقابة الوطنية للتعليم، وفي علاقتها بباقي مكونات الساحة النقابية التعليمية؟

ج: لقد وردت مسألة قانون الإضراب في تدخلات بعض المؤتمرين من زاوية ما يشكل من خطر محدق على الشغيلة، لكن المنطق القطاعي (وهو منطق فئوي كذلك) بات هو من يتحكم في انتاج المواقف داخل نقابتنا. إن اتخاذ موقف من قانون الإضراب (والتقاعد…) معناه، في الأعراف غير العمالية التي تسير بها النقابة، تجاوز النقابة القطاعية لصلاحيات المكتب التنفيذي، الذي وقع على اتفاق 30 أبريل 2022 الذي يتضمن، من بين دواهي أخرى، إصدار قانون للإضراب قبل انصرام السنة. بينما لم يتم نقاش عمل النقابة في “الحوار” القطاعي، ولم يطرح للتقييم ولا للنقد، رغم أنه يشكل أخطر ما يمر به القطاع الآن. من هاته الزاوية يمكن القول أن المؤتمر العاشر، الذي أكد بيانه الختامي على إصدار قانون أساسي ضمن الوظيفة العمومية، لم يناقش أهم مسألة تهم مستقبل الشغيلة، أية وظيفة عمومية يتحدث عنها البيان؟ في دولة ذاهبة لتغيير مفهوم هاته الوظيفة بشكل جذري، ووظيفة القيادات النقابية (في كل قطاعات الوظيفة العمومية) الآن هي مرافقتها على إحداث هذا التحول الاستراتيجي. وفي هذا الامر لا يمكن الحديث عن خطط للمواجهة، وأن العلاقة بين مكونات الساحة النقابية التعليمية أضحت هي إصدار بيانات لا تبين شيئا عن مجريات الحوار القطاعي.

س: هل من معارضة ظهرت داخل المؤتمر، وما دلالات انسحاب المؤتمرين المنتمين للحزب الاشتراكي الموحد؟

ج: في تقاليد الحركة النقابية المغربية، ارتبط ظهور “معارضة” داخل المؤتمرات بخلافات حول التمثيلية في الأجهزة، وليس حول الخط النقابي الواجب اتباعه. فمنذ الشهيد عمر بن جلون، الذي أسس لأول خط معارض للسياسات النقابية للبيروقراطية النقابية، بعمل منهجي وفكري ونضالي، وببعد رام على الدوام الحفاظ على الوحدة النقابية داخل المركزية النقابية، لم تظهر معارضة نقابية تروم الدفع في اتجاه تطبيق مبادئ تأسيس النقابة: السعي نحو الوحدة والديموقراطية العمالية داخل النقابة، إلا في محاولتين يتيمتين: تجربة الدفع بعدم شق المنظمة عبر تبني “خيار آخر”، وهو كان عنوان وثيقة رامت النأي بنقابة الشغيلة عن صراعات القمم الاتحادية والحفاظ على وحدة المنظمة. وهناك تجربة النداء من اجل بناء توجه نقابي ديموقراطي كفاحي، الذي انطلق من داخل مؤتمر النقابة الوطنية للتعليم سنة 2006، عبر محاولة توحيد القواعد النقابية المستاءة من التوجه السائد وممارساته المجارية لسياسات الدولة الرامية لتفكيك القطاع واتقاء تشرذم فعل الشغيلة النضالي للشغيلة عبر التنسيقيات الفئوية. ما خلا هاتين التجربتين الفاشلتين، تستمر ما يسمى “المكونات السياسية” داخل قيادة النقابة، وهي كلها منحدرة إما من الحركة الاتحادية (المؤتمر والطليعة ومناضلي تيار الوفاء للديموقراطية سابقا) أو من اليسار الجذري (النهج الديموقراطي والحزب الاشتراكي الموحد) أو من التجربة الطلابية القاعدية (المؤتلفون مع تيار الساسي داخل ما يسمى اليسار الوحدوي)، في تدبير قيادتهم للمنظمة داخل نفس المنظور العام للعمل النقابي. وكل الخلافات التي تنشأ داخلهم يتم حلها بعيدا عن اعين الشغيلة ودون علمهم. وهو نفس ما وقع في هذا المؤتمر حيث لا يعرف المؤتمرون هل من خلاف في التوجه النقابي بين المنتمين للحزب الاشتراكي الموحد وبين باقي المكونات، اللهم ما يعرفه الجميع من تباين التقديرات المرتبط ببناء فدرالية اليسار الديموقراطي. خارج كل هذا لم يعرف المؤتمر أي نقاش جدي حول الخط النقابي الواجب اتباعه في اللحظة الراهنة. وهذا ما يعني في أبجديات العمل النقابي الراهن بالمغرب نجاحا للمؤتمر، أي أن مقاييس النجاح هي نجاح القيادة (وهنا نقصد الخط وليس الأشخاص) في الاستمرار في قيادة النقابة على ذات النهج.

شارك المقالة

اقرأ أيضا