أساطير الصّهيونية (مقدمة الكتاب)

بلا حدود29 يونيو، 2022

بقلم جون روز  John Rose

نشأت فكرة هذا الكتاب للمرة الأولى في صيف سنة 2002، في أعقاب ملاحظات عنصرية صفيقة أطلقها رئيس الوزراء السابق إيهود باراك من حزب العمل الإسرائيلي، عندما زعم أن «الكذب» جزء جوهري في الثقافة العربية (آروری 173-2003 ). انعكس هذا الانفجار العاطفي غير العادي بشكل غاية في السوء على باراك، وربما يشي بشيء مماثل عن العملية النفسية التي تسمى «الإسقاط»، ألم يكن يسقط على عدوه کشفاً عن أفكاره السياسية الخاصة ومعتقداته المدفونة في أعماق نظامه العقلي؟ المؤكد أن الفلسطينيين يرون من خلال تجربتهم أن الصهيونية عبارة عن صرح من الأكاذيب.

خذ مثالا بسيطاً، عندما كان باراك رئيسا للوزراء، كان عدد المستوطنات اليهودية «غير القانونية» في الضفة الغربية قد تزايد، على الرغم من التزامه المفترض بـ«عملية السلام».  والسياسيون الصهاينة أمثال باراك يدثرون ادعاءاتهم حول الضفة الغربية بعباءة الأسطورة الدينية، ويستشهدون بحكايات الكتاب المقدس عن «أرض إسرائيل القديمة». وعلى أي حال، فإنه بالنسبة للفلسطينيين الذين عاشت عائلاتهم على هذه الأرض الفلسطينية وزرعوها على مدى الأجيال، تبدو هذه الأسطورة كذبة ضخمة، التبرير سرقة أرضهم.

ما الذي يميز كذبة عن أسطورة وفقا لـ«Concise Oxford Dictionary»؟ الكذبة تعني «بيان زائف عمدا»، «خداع متعمد»، على حين أن الأسطورة مفهوم «ذائع الانتشار ولكنه مزيف»، دون أن يكون فيه خداع متعمد بالضرورة. ولكن إذا جربت مجموعة من الناس الظلم والاضطهاد نتيجة لأسطورة الزيف، فمن المؤكد أنه لا يهم بالنسبة لهم ما إذا كان الزيف خداعا عما في أصله.

وحجة هذا الكتاب أن الصهيونية مبنية على سلسلة من الأساطير. مجموعة من المفاهيم الزائفة التي تقوض مزاعمها عن الديانة اليهودية والتاريخ اليهودي، كما أن أساسها الجوهري -كاستجابة لنزعة معاداة السامية الأوروبية فضلا عن تبريرها لوضعها السياسي العدواني، أمر بالغ الخطورة في أرض فلسطين.

والفصول التالية تتعامل بشكل مباشر مع الأساطير، بالرد على مزاعم محددة اصطنعتها الأيديولوجيات الصهيونية، أو على المعتقدات واسعة الانتشار التي صارت جزءا من الفولكلور الصهيوني.

ساعد أعظم صناع الأساطير الصهيونية، داڤيد بن جوريون، دون قصد على تشكيل أول وآخر فصول الكتاب. هذا المزور للحقائق كان أول رئيس وزراء إسرائيلي وأكثر زعماء الصهيونية نجاحاً في القرن العشرين. بن جوريون تباهي مرة بأن الأسطورة يمكن أن تصبح حقيقة إذا آمن الناس بها بما يكفي من القوة.

وقد استخدم بحذق ومهارة، خفة اليد الثقافية، لكي يتلاعب باحتراف بقصص الكتاب المقدس، بحيث تناسب المزاعم السياسية للصهيونية على الأرض الفلسطينية.

ويفند الفصل الأول استخدام بن جوريون الفاحش جدا للأساطير الدينية، وبالتحديد أسطورة أن الكتاب المقدس «فوضه أمر» إعلان دولة يهودية في فلسطين.  ويوضح الفصل، مع تطور الطرح المقدم فيه، كيف أن علم الآثار الإسرائيلية الآن قلل من مصداقية المزاعم الصهيونية حول (إسرائيل القديمة)، والفصل العاشر يوضح كيف أن بن جوريون دمر أي احتمالات لمصالحة عربية-إسرائيلية. إذ إنه خرب المحادثات السرية مع عبد الناصر، الذي كان أهم زعيم قومي عربي في القرن العشرين، والذي كان يسعى إلى سلام مشرف مع إسرائيل. ذلك أن «تنظيم الضباط الأحرار»، بما فيه ناصر، الذي قاد ثورة مصر الوطنية في سنة 1952م، كان قد قطع شوطاً كبيراً لبناء جسور مع المجتمع اليهودي في البلاد.

ويشير سلوك بن جوريون هنا إلى أهم استنتاج في الكتاب، بأن الصهيونية هي مصدر العداوة العربية-اليهودية، وتعتمد أي احتمالات للمصالحة العربية-اليهودية على إزاحتها.

وتتطلب فكرة المصالحة «العربية-اليهودية» سؤالا حيويا حول تجاهل تاريخ آخر أسبق زمناً. إذ إن الثورة الإسلامية، قبل ما يزيد على ألف وثلاثمئة سنة، بشرت بما أسماه العديد من الباحثين «التعايش» بين العرب واليهود مما أنتج ثقافة عربية-يهودية، أو حتى ثقافة يهودية-إسلامية، وليس مجرد ثقافة يهودية باللغة العربية (الفصل الرابع والفصل العاشر).

بل إن من المحتمل أن طبقة التجار اليهودية فائقة الحركة -التي تولت زمام قيادة اليهودية في أوروبا العصور الوسطى وساعدت على وجود فترات آمنة من الازدهار والاستقرار لليهود في تاريخ أوروبا القديم  (لفصل الثالث)-  كانت جذورها، جزئيا على الأقل، تضرب في هذه الفترة الإسلامية اليهودية المبكرة، ومن المؤكد أن هذه كانت وجهة نظر أبرز باحثي القرن العشرين في التاريخ العربي اليهودي، البروفيسور س.د. جوبتين  (الفصل الرابع والفصل العاشر).

ولكن ما علاقة هذا بتفنيد أساطير اليهودية؟ هناك إجابتان مختلفتان تماماً. أولاهما: أن الصهيونية تتجاهل المكون العربي الإسلامي في التاريخ اليهودي. وثانيهما:  أن الصهيونية لا ترى سوى «المعاناة » اليهودية خلال ما يسمى  «النفي»، لا سيما في أوروبا.

وأسطورة «النفي» لها سخافتها المخصوصة، وقد سيستها الصهيونية عندما جلبتها من قصص الكتاب المقدس.  وهي تشير إلى ما يقرب من ألفي سنة من التاريخ اليهودي من هدم المعبد في القدس على أيدي الجيش الروماني سنة 70م، حتى مولد إسرائيل في سنة 1948م.  ويعتبر اليهود الذين كانوا يعيشون خارج فلسطين في هذه الفترة منفيين عاشوا في «المنفى».  لا يبدو التعايش العربي-اليهودي نوعا من «النفي» بأي حال. والحقيقة أن اليهود كانوا قد استوطنوا منطقة الهلال الخصيب (التي حولت بريطانيا جزءا كبيرا منها إلى العراق في بدايات القرن العشرين)، لا سيما المنطقة المحيطة بمدينة بابل القديمة، قبل عدة قرون مما يُسمى النفي. وإلى هذا اليوم يتحدث اليهود الإيرانيون والعراقيون بفخر عن تاريخ متواصل على مدى 2500 سنة، والتلمود البابلي الذي بقي المرشد الروحي لكل اليهود المتدينين، ومنهم اليهود الأوروبيون، هو في حد ذاته شهادة على أهمية هذه الجماعات اليهودية. وبعد الثورة الإسلامية، حلت بغداد محل بابل باعتبارها المركز الروحي لكل الجماعات اليهودية، بما في ذلك الجماعات اليهودية الصغيرة جدّاً، في ذلك الوقت، بأوروبا.

ويتحدى الفصلان الثاني والثالث أساطير «المنفى» و«المعاناة»، ففي الفصل الثاني نرى كيف أنه في وقت سقوط المعبد بالقدس، منذ نحو 2000 سنة، كان معظم اليهود يعيشون خارج فلسطين، مبعثرين في جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية وما وراءها. ولم تكن بابل استثناء في ذلك.

أما الفصل الثالث فيواجه بروز طبقة التجار اليهودية، في أوروبا العصور الوسطى إلى أسطورة «المعاناة».  والآن لا يوجد شك في أن الدور الاقتصادي اليهودي في أوروبا العصور الوسطى كان يمكن أن يفاقم، بل ويحفز نزعة عداء السامية التقليدية في المسيحية. ولكن الصهيونية تحكي جانبا واحدا فقط من القصة. إذ كان الحكام المسيحيون على استعداد دائم لحماية رعاياهم اليهود الذين كانوا ناشطين اقتصاديا وفي غاية النجاح أحيانا.  وعلى أي حال، فإن الصهيونية تتخلص من المناقشة الجادة، دعك من التحليل، للدور الاقتصادي اليهودي في التاريخ الأوروبي الباكر.

هذا محض نفاق، إذ كان على الصهيونية أن تواجه الصورة غير المتوافقة زمنيّاً «للتاجر والمالي اليهودي» التي عاشت إلى ما بعد حركة التنوير الأوروبية بنفس الروح التي عمرت بها الحركات اليهودية الأخرى الأهم كثيرا والتي خرجت من رحم التنوير والاندماجيين والاشتراكيين. و«شيلوك» الشخصية اليهودية المثيرة للجدل التي ابتدعها شكسبير، ينتمى بجذوره إلى هذا التاريخ اليهودي الأوروبي الباكر، لا يمكنك أن تتجاهل «شيلوك»، إنما عليك أن تشرحه. ويحاول الفصل الثالث أن يقدم مثل هذا الشرح.

وقد طرحت حركة التنوير وعذا بالاندماج.   إذ إنها كانت إعلاناً عن حقوق جديدة للمواطنة والحريات في أوروبا وأمريكا، ليعيش اليهود جنبا إلى جنب مع المسيحيين وتضمن هذا التحرر من الدور الاقتصادي الضيق الذي كانت أوروبا المسيحية قبل العصر الحديث قد حاولت أن تفرضه على اليهود. وبدأت الثورة الأمريكية سنة 1776م، والثورة الفرنسية 1789م في تحويل الوعد إلى حقيقة سياسية عملية. وللأسف، فإن الثورة في الإمبراطورية الروسية حيث كانت تعيش غالبية اليهود والتي بلغت ذروتها في بواكير القرن العشرين-  قد اخفقت في الوفاء بذلك الوعد.  وكشف الفصل السادس الخلفية التاريخية، ويبرهن على أن الجذور الحقيقية للصهيونية تكمن هناك.

أما الفصول: الخامس والسابع والتاسع فتكشف الأثر المدمر العميق للصهيونية على العرب وأرضهم في فلسطين، حسبما ظهر أيضا في العالم الحديث. ويفند الفصل الخامس النصف الأول من الأسطورة الصهيونية الشهيرة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض». ويفند الفصل السادس النصف الثاني منها. ويحاول الفصل الخامس أن يعيد الحياة للجماعات الفلاحية العربية في الأرض الخاوية بفلسطين قبل وصول الصهاينة في القرن التاسع عشر. ويقدر نجاح الفصل في هذا، فإن الفضل ينبغي أن يُنسب للمؤرخ اللامع- قليل الحظ من الشهرة- بشارة دوماني، الذي أقتبس في هذا الفصل أبحاثه دون خجل.

ويكشف الفصل السابع والتاسع أسطورة أن مزاعم الصهيونية بشأن الاستقلال الوطني اليهودي والتحرير، يمكن مقارنتها بنضال الشعوب المقهورة في أماكن أخرى بالعالم في القرن العشرين. فالحقيقة أن الصهيونية مثلت حركة في الاتجاه المضاد. وبعد الحرب العالمية الأولى، ساعدت على تقوية الحكم الاستعماري البريطاني على العالم العربي. وبعد الحرب العالمية الثانية، لم تكن الدولة اليهودية المختلقة حديثاً سوی رصيد استراتيجي لمخططات الولايات المتحدة الإمبريالية الجديدة للمنطقة العربية.  وفي كلتا الحالتين، كانت الصهيونية معتمدة على القوى الإمبريالية الغربية تماماً.

هذه الفصول تلقي بعض الضوء المدهش على المجادلات المألوفة. فمثلا يكشف الفصل السابع كيف أن إعلان بلفور سنة 1917م، الذي مهد الطريق أمام الدولة اليهودية، له جذور أعمق مما يدرك معظم الناس. ذلك أن آرثر بلفور، الوزير البريطاني المحافظ الذي ارتبط الإعلان باسمه، كانت تحرکه معتقدات معادية للسامية.  ولم تنتقل عدوى معاداة السامية المنسوبة إليه إلى بقية وزارة داڤيد لويد الحربية فقط، وإنما أذعن إليها بسعادة الزعماء الصهاينة من أمثال حاييم وايزمان.

ويكشف هذا عن جانب من الصهيونية مزعج تماماً، ومخفي عادة، وهو جانب نقابله أيضا في الفصل السادس مع تيودور هرتزل، مؤسس الصهيونية، كان ذلك استعداداً لدعم الآراء الأوروبية المعادية للسامية عن اليهود. ونقولها صريحة: كان الزعماء الصهاينة على استعداد تام لأن يقولوا للسياسيين الأوروبيين الذين يتصرفون من منطلق رد الفعل «في بلادكم يهود أكثر مما ينبغي»؟ ساعدونا على التخلص منهم إلى فلسطين.

كذلك يناقش الفصل السابع زعماً غير تقليدي، بأن الدافع الأساسي وراء إعلان بلفور كان اعتقاد وزارة الحرب البريطانية، بأن القوة اليهودية في أمريكا وروسيا سوف تساعد على تقوية مركز الحلفاء في الحرب ضد ألمانيا.

الملهم الرئيس وراء الفصل التاسع هو نعوم تشومسكي، ومثلما لاحظ إدوارد سعيد، أعظم مفكري فلسطين، فإن كتاب Fateful Triangle لتشومسكي، ربما يكون أكثر الكتب طموحا من حيث محاولة تناول الصراع بين الصهيونية والفلسطينيين من زاوية الدور الأمريكي المركزي في هذا الصراع.. ويمكن قراءته على أنه حرب طويلة بين الحقيقة وسلسلة من الأساطير-إسرائيل الديمقراطية، استخدام إسرائيل الطاهر للسلاح، الاحتلال الرحيم، لا عنصرية ضد العرب في إسرائيل- هذا العمل يستحيل مجاراته، وإذا كان هذا الفصل لا يفعل شيئا سوى إقناع الناس بقراءة تشومسكي، فإنه يكون قد حقق غرضه.

وعلى أي حال، فإن الفصل يحاول أن يكون على قدر من الأصالة. فتحت حكم الرئيس چورج بوش الابن، بدت العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل معكوسة أحياناً بشكل غريب، وبعيدا عن أن إسرائيل تخدم مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ألم تبدأ الولايات المتحدة في خدمة مصالح إسرائيل؟

ويغلب على الظن أن اليهود الأمريكيين من المحافظين الجدد، في قلب إدارة بوش، كانوا مهندسي هذا الانقلاب في السياسة. ومن المؤكد أن لبعض هؤلاء المحافظين الجدد جذورا تمتد إلى حزب الليكود المتعصب في إسرائيل (الحزب الحاكم وقت تأليف هذا الكتاب في صيف 2003م). وثمة عامل معقد يتمثل في أن هذه الزمرة القبيحة قد بعثت الحياة مجددا في اتهام قدیم بمعاداة السامية تستخدمه المؤامرة الصهيونية. ويحاول الفصل التاسع بعناية أن يفند الاتهام، وينظر إلى أي مدى انصاعت إدارة بوش للمحافظين الجدد.

ويتحدى الفصل الثامن أسطورة أن الهولوكوست أو ما يُسمى مذابح النازية ضد اليهود يقدم حالة لا يمكن الرد عليها في الدفاع عن الصهيونية. فبينما لا يوجد شك في أن الهولوكوست (1) يشكل إحدى أخطر الجرائم في التاريخ الإنساني فإن ذلك لا يبرر اختلاق دولة يهودية قائمة على أساس الإقصاء العنيف لشعب أخر من أرضه، وهو ما حدث بالضبط سنة 1948م. لقد كانت تلك لحظة فاصلة بالنسبة لكل من الصهيونية والفلسطينيين الذين يذكرونها باعتبارها نكبة. وبالإضافة إلى أن ما حدث هو أبعد ما يكون عن كونه رد فعل مشروع للهولوكوست، فإن الهولوكوست إذا ما تذكرناه بشكل صحيح هو نفسه يدين الأفعال التي تسحب الأساس الأخلاقي من أولئك الذين يستغلونه على هذا النحو. ويجادل الفصل الثامن من خلال استخدام كتابات وتحليلات حول الهولوكوست، بأن الرفض الأيديولوجي الأعمى لفهم الحقائق السياسية للشعب الفلسطيني، له قدرة في حد ذاته على جعل الصهيونية حركة راديكالية، مما يغريها بتصرفات عنيفة أشد من ذي قبل ضد الشعب الفلسطيني.

ونحن نعرف من تاريخها القصير والدموي كيف يمكن أن يتحول هذا العنف إلى تطهير عرقي. ولدينا دلائل تاريخية صادمة من قرية دير ياسين الفلسطينية سنة 1948م وفي معسكرات اللاجئين الفلسطينيين في صابرا وشاتيلا ببيروت سنة  1982م  وقد صك كاتب إسرائيلي راديكالي مصطلحاً جديداً لهذه العملية هو «Politicide»،   بمعني «إيجاد نهاية للوجود الفلسطيني»،  [2003:3   Kimmerling] التي ترمز إليها سياسات الزعيم الإسرائيلي آرييل شارون.

وتتسم الدولة اليهودية بعجز فطري عن الاعتراف بمسؤوليتها عن النكبة، وفي الحقيقة فإن ظِل اللاجئ الفلسطيني قدَر سيطاردها إلى الأبد، ماديًّا وسياسيًّا وأخلاقيًّا ونفسيًّا، ثم عسكريًّا في نهاية الأمر. إذ إن حركة المقاومة الفلسطينية المسلحة التي كان يقودها یاسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، تضرب بجذورها العميقة في معسكرات اللاجئين المنتشرة في معظم أنحاء العالم العربي. وعلى الرغم من أن الأمر استغرق عشرين سنة لكي تظهر منظمة التحرير الفلسطينية، فإنها كانت بالنسبة للدولة اليهودية الوجه الآخر السالب.  لقد كان للمنظمة الحق السياسي والأخلاقي في أن تطالب باعتراف على أسس عادلة واعتراف بطلبها العادل للعودة لأرض فلسطين۔ ويجسد الانتحاري الذي يفجر نفسه بالقنابل في مطلع القرن الحادي والعشرين إخفاق الدولة اليهودية في فهم هذا.  ففي بعض الأحيان يكون الانتحاري حرفيًّا اللاجئ الذي لم يسمح له بالعودة إلى وطنه.

وعلى امتداد هذا الكتاب، استخدمت عبارة معاداة السامية لوصف كراهية اليهود. وأنا أدرك تمامًا أن هناك جدلاً حول هذا المفهوم (بل حتى في كيفية تهجئته) ولكن هذه حذلقة لا أظن أنها تخصنا هنا.

إذا كان هذا الكتاب يقترح الحاجة الملحة لتاريخ يهودي بديل، سواء القديم أو الحديث، بدلاً من التاريخ الذي أقحمه الصهاينة علينا في القرن العشرين، فإن هذا يكون إضافة جيدة.  ولكنني لا أزعم أنني كتبت مثل هذا التاريخ. إذ إن اهتمامي الأساسي كان منصبًّا فقط على هدم التاريخ الأسطوري الذي اصطنعته الصهيونية.

====

+ أساطير الصهيونية، جون روز ، الطبعة الأولى – 2021 دار نشر صفصافة –مصر

————-

احالة

(1) استغلتها إسرائيل سياسيًّا واعلاميًّا وماليًّا، ودفع ثمن ذلك الفلسطينيون. وهناك خلاف كبير على حجمها وتفاصيلها، مع اغفال بقية ضحايا النازية والحرب العالمية الثانية في مقابل التركيز عليها، وتفرض كثير من الحكومات الأوروبية عقوبات قانونية ضد من يحاول التشكيك في هذه الأسطورة. وقد تعرض باحثون في فرنسا وانجلترا والولايات المتحدة لمضايقات عنيفة نتيجة نشر أبحاثهم عنها. وآخرهم المؤرخ الإنجليزي إيرفنج الذي ينفي تماما وقوعها، حيث تم اعتقاله في ديسمبر عام 2005 م (المترجم)

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا