مقدمة كتاب جوزيف ضاهر: غزة: إبادة مستمرة
بقلم جوزيف ضاهر
فيما كان تأليف هذا الكتاب ينتهي، في يناير 2025، أبرمت دولة الفصل العنصري الاستعمارية الإسرائيلية وقف إطلاق نار مع حركة حماس الفلسطينية، في تعليق مؤقت لحرب إبادة سكان قطاع غزة في أعقاب هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر 2023 [1].
أياما قلائل بعد من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التطبيق، في 19 يناير 2025، وانتهاء حصار سلطات الاحتلال الإسرائيلية لممر نزارم – الذي يشطر الأراضي إلى قسمين، من حدود إسرائيل حتى البحر – عاد مئات الآف الفلسطينيين النازحين إلى شمال المنطقة، برغم أن منازلهم قد دمرت على الأرجح. لكن الهدنة هشة، بينما تستمر تهديدات إسرائيل وضغوطها، بدعم من الولايات المتحدة، ضد فلسطيني قطاع غزة[2].
عاش سكان قطاع غزة، البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة، منذ أكتوبر 2023 ، تحت قصف إسرائيلي مستمر وعنيف بنحو غير مسبوق حتى إبرام اتفاق وقف إطلاق النار. جرى ترحيل أكثر من مليوني فلسطيني في الأراضي، أي زهاء 90٪ من مجموع سكانها. وقد تم إيواء غالبيتهم العظمى في خيام بدائية غير ملائمة على الإطلاق لظروف الشتاء.
بلغت الحصيلة الرسمية، عقب إبرام وقف إطلاق النار، 61709 قتيلا، منهم 17881 طفل، وما لا يقل عن 111588 جريح. لكن العدد، للأسف، مرجحٌ أن يكون أعلى بكثير. فقد أشار مقال نشرته المجلة الطبية البريطانية The Lancet في يوليو / تموز2024 إلى أن من شأن الهجوم الجاري آنذاك أن يؤدي إلى مقتل 186 ألف فلسطيني. وفي مقال نُشر في صحيفة The Guardian في سبتمبر/أيلول، قدرت ديفي سريدار Devi Sridhar ، رئيسة قسم الصحة العامة العالمية في جامعة إدنبرة، أن الوفيات في غزة قد تصل، إذا استمرت بوتيرتها الحالية – زهاء 23000 وفاة شهريًا – إلى حوالي 335500 حالة وفاة.
ووفقاً لتقرير للبنك الدولي نُشر في منتصف ديسمبر/كانون أول 2024، يواجه 90% من سكان قطاع غزة انعداماً حاداً للأمن الغذائي، منهم 000 875 شخص في حالة طوارئ و000 345 شخص في حالة طوارئ قصوى. وفضلا عن ذلك، جرى تدمير أو إضرار بالغ بنحو 90% من المساكن. وعلى نطاق أوسع، جرى تدمير جميع البنى التحتية الأساسية في الإقليم: شبكات الاتصالات خُربت بالكامل تقريباً، برغم ما يبذل المشغلون المحليون من جهود للحفاظ على الاتصال؛ كما دُمر القطاع الخاص بشكل كبير، حيث قُوِّضت أو تضررت أكثر من 88٪ من الشركات، وكذلك 70٪ من شبكة الطرق؛ وبعض قطاعات النشاط، مثل الزراعة أو الصيد، والبناء، والصناعة، والنقل، والمالية، لم تعد موجودة على الإطلاق. وقد صرح أشيم شتاينر، رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، عقب وقف إطلاق النار أن منظمته تقدر أن حوالي ثلثي جميع المباني قد دمرت أو تضررت جراء القصف المكثف من قبل الجيش الإسرائيلي المحتل. وأضاف أن ”حوالي ستين عاماً من التنمية ضاعت في هذا الصراع خلال خمسة عشر شهراً[3]“. وقد تستغرق إعادة إعمار قطاع غزة ثلاثمائة وخمسين عاماً إذا استمر الحصار، وتقدر كلفتها بأكثر من 53 مليار دولار[4].
تمثل الحرب على قطاع غزة ، بلا ريب، نكبة جديدة، أشد تدميراً ودموية من نكبة العام 1948، حيث طُرد آنذاك أكثر من 700 ألف فلسطيني من ديارهم وأصبحوا لاجئين. استمرت عملية التطهير العرقي والإبادة الجماعية هذه، دون انقطاع بتاتا، بشكل بالغ العنف على مدى خمسة عشر شهراً.
بالإضافة إلى ذلك، يسعى هذا الكتاب إلى وضع تاريخ اضطهاد دولة اسرائيل للفلسطينيين في سياق إقليمي ودولي. وهكذا، يبحث المؤلف في الجزء الأول، الذي يعرض تحليلاً تاريخياً لمسار القضية الفلسطينية، دور إ دولة إسرائيل التاريخي في الشرق الأدنى في خدمة الإمبريالية الغربية، وبوجه خاص الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة.
في الجزء الثاني، يتناول الكتاب توسع الحرب الإسرائيلية في لبنان بعد 7 أكتوبر 2023، ولا سيما في أعقاب تصعيد العنف الإسرائيلي في منتصف سبتمبر 2024. في هذا الجزء، نعود أيضًا بإيجاز إلى تاريخ الاعتداءات والاحتلالات الإسرائيلية في لبنان، حيث أصل حزب الله اللبناني.
في الجزء الثالث تحليل لسقوط نظام الأسد، الذي كان في السلطة في سوريا منذ عام 1970، بالإضافة إلى التحديات التي تعترض التطلعات الديمقراطية والاجتماعية للطبقات الشعبية السورية.
في القسم التالي، نتناول تأثير الحرب على الديناميات السياسية الإقليمية في الشرق الأدنى وعلى مختلف الفاعلين الإقليميين، مثل ملكيات الخليج ومصر والأردن، وكذا على إيران وشبكة نفوذها الإقليمي.
وأخيراً، نتطرق لمسألة التضامن الدولي وأهميته الحاسمة في إطار تحرير فلسطين وعلاقاتها بتحرير الطبقات الشعبية في المنطقة.
جوزيف ضاهر: غزة: إبادة مستمرة
فلسطين والشرق الأوسط و النزعة الأممية
دار نشر Syllepse ، باريس 2025، 168 صفحة، 12 يورو
https://www.syllepse.net/gaza-un-genocide-en-cours-_r_25_i_1112.html
1 -تجدر الإشارة أيضًا إلى أن العديد من المدنيين الإسرائيليين المختطفين في 7 أكتوبر 2023 قُتلوا على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما جراء قصف الدبابات لمنازل كانوا محتجزين فيها.
2 – يتضمن اتفاق الهدنة ثلاث مراحل يتعين أن تفضي إلى وقف كامل للعنف الإسرائيلي ضد قطاع غزة وإعادة إعماره على المدى الطويل، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكد مرارًا أن بلاده تحتفظ بـ ”حق استئناف الحرب“ ضد حركة حماس في أي وقت بدعم من الولايات المتحدة. وفي مطلع مارس/آذار 2025، أعلن عن وقف جميع المساعدات الإنسانية في نهاية المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار.
3 – تقدر منظمة الأمم المتحدة أنه استمرار نسبة النمو البالغة 0.4٪ المسجلة بين عامي 2007 و2022، يستلزم ما لا يقل عن 350 عامًا حتى تستعيد قطاع غزة مستويات الناتج المحلي الإجمالي التي كانت عليها في عام 2022. وكالة الانباء الفرنسية AFP . .، ”الحرب قضت على 60 عامًا من التنمية في غزة، وفقًا لمسؤول رفيع في الأمم المتحدة“، 25 يناير 2025،
4 ”أكثر من 50 مليار دولار لازمة لإعادة إعمار غزة“، 20 فبراير 2025،
اقرأ أيضا