في بنما، سَدَّ العمال الطرق لفرض تخفيضات في الأسعار –وانتزعوا ذلك 

بلا حدود17 أغسطس، 2022

 

08.15.2022

بقلم: أوكتافيو غارسيا سوتو

بنما بلد من بلدان عديدة أصبح فيها العمال عاجزين عن تحمل كلفة المعيشة. في هذه الأسابيع الأخيرة، سدَّتِ النقابات الطرق الرئيسية مطالبة الحكومة بتسقيف أسعار المواد الغذائية والغاز والأدوية -وحصلت بالفعل على تخفيض بنسبة 30٪.

في أوائل تموز/يوليو، سَدَّ «التحالف الشعبي من أجل الحياة»، وهو ائتلاف عمال وطلبة وشعوب أصلية بنمية، الطريق السريع للبلدان الأمريكية [شبكة طرق تمتد عبر القارات الأمريكية-المترجم]، الشريان الرئيسي للنقل الشخصي والتجاري في البلد. طالبت بالتفاوض مع الحكومة وإتيان حلول لارتفاع أسعار البنزين والغذاء والدواء. فأصيبت حركة السيارات بالشلل.

تثير اختناقات حركة المرور شكاوى واعتراضات منتظمة في بنما، بسبب نظام نقل عام رديء، زيادة مفرطة في السيارات وبنية تحتية سيئة. عادة ما تقدم وسائل الإعلام الاحتجاجات على أنها ضرر من تلك الأضرار التي تشوب بنما، وسرعان ما تفض بعد تعرضها لقمع الحكومة. لكن هذه المرة، أظهر السائقون دعمهم علنا. كما انضم إليهم سكان المدن المجاورة. في مدينة بنما، العاصمة، خرج الناس إلى الشوارع وأقاموا المتاريس. رقص المتظاهرون وتقاسموا الطعام في مطابخ مشتركة حتى أن بعض السكان ناموا على المتاريس. لأول مرة منذ الغزو الأمريكي الذي أطاح بالديكتاتور مانويل نورييغا عام 1989، توقفت الحياة اليومية في بنما.

طالب التحالف الشعبي من أجل الحياة بإجراء مفاوضات مباشرة مع الحكومة، وكان العمال في إطار وحدة تفاوض وحيدة. وتحت إشراف الحزب الثوري الديمقراطي (PRD)، المنتسب إلى الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية، ردت حكومة لورنتينو كورتيزو  بقمع عنيف، خاصة في وسط البلد، في إقليم فيراغواس، حيث أسفرت مواجهة استمرت ثماني ساعات في يوم 20 تموز/يوليو عن سقوط جرحى عديدين، بمن فيهم راجلين وحتى أطفال، ضرباً، وبإطلاق الرصاص والغاز المسيل للدموع. أعلنت الشرطة في حصيلة رسمية عن عشرين معتقلا واثني عشر جريحا، في حين سجل الممثلون الرسميون لنقابات المدرسين إصابة اثنين وعشرين شخصاً على يد قوات الشرطة. وفي الوقت ذاته، سعت الحكومة إلى رد سياسي لتهدئة الغضب الشعبي، بالشروع في مفاوضات صورية، وتجميد أسعار كمية صغيرة من المواد الغذائية (ولكن ليس بما يكفي لتناول وجبة غذائية صحية)، ومحاولات رشوة قادة حركة التحالف. وبعد أسبوعين، وافقت حكومة كورتيزو على إجراء مفاوضات متلفزة.

وفي وقت كتابة هذا المقال، مر ما يزيد قليلا على أسبوعين منذ بدء المفاوضات. رفعت حواجز قطع الطرقات، وجرى التوصل إلى توافق بشأن بعض نقاط الحوار التسع: تخفيض ثمن سلة المواد الغذائية الأساسية بنسبة 30 في المائة (من 289.92 دولارا إلى 207.92 دولارا)، مع وجود اثنين وسبعين سقفا إضافيا لأسعار المنتجات؛ وتقليص سعر البنزين إلى 3.25 دولار للغالون الواحد؛ وتخصيص نسبة 6٪ من الناتج الداخلي الخام للتعليم العام. بالإضافة إلى ذلك، وافقت الحكومة على خفض سعر 170 دواء بنسبة 30% مؤقتاً.

تبذل نخبة المقاولات، بما في ذلك قطاعات الزراعة وصناعة الدواء القوية، جهودا جادة لإفشال هذه السيرورة. تستعرض أكبر جمعيات المقاولات في بنما مواقفها في وسائل الاعلام المتلفزة والمطبوعة المحتكرة للغاية. يهدد المتحدثون باسمها بتجاهل اتفاقات المفاوضات، ويحذرون في الآن ذاته من التكاليف ويطالبون بإشراكهم في المفاوضات. لا تعترض وسائل الإعلام على هذه الادعاءات، ولا تشير إلى الحقائق الدامغة التي تثبت مسؤولية المقاولات في الأزمة. في عام 2019، على سبيل المثال، صرحت السلطات الضريبية بمعدل فاحش بشأن تهرب المقاولات من دفع الضرائب بلغ 87.4٪.

لا يزال التفاوت الصارخ في بنما مستمرا على الرغم من نموها الاقتصادي غير المسبوق. في حين أن ما يناهز ربع السكان يعيشون على أقل من 400 دولار، تستحوذ نسبة 10٪ الأغنى على 37.3٪ من الدخل القومي. مع ذلك، فإن وسائل الإعلام التابعة للمقاولات لا تثير سوى الذعر الأحمر من خلال عقد مقارنات مع كوبا وفنزويلا بمعلومات خاطئة، وعبر توضيح أن الاضطرابات المدنية في هذه السنوات الأخيرة في أمريكا اللاتينية ليست سوى مناورات يسارية، وعن طريق نشر نظريات مؤامرة قائمة على أن التدخلات الأجنبية هي محرك الاحتجاجات الرئيسي. في غضون ذلك، دعت حكومة الحزب الثوري الديمقراطي، صديقة قطاع المقاولات منذ عهد الجنرال عمر توريخوس، علنا إلى إشراك قطاع الأعمال في المفاوضات.

إن ما يسمى بالجهات المستقلة، التي سرعان ما اكتسبت سمعة بفضل نشاطها في «محاربة الفساد» وعلاقاتها بوسائل الإعلام، تطالب أيضاً بالمشاركة في المفاوضات. وهي تضم منظمات غير حكومية عديدة مدعومة من المقاولات ومؤيدة للولايات المتحدة، فضلا عن أعضاء في الكونغرس. في حين أن الفساد الصغير مشكلة متفشية في سياسة بنما، فإن هذه الكفاحية المؤيدة للوضع السياسي القائم تميل بشدة إلى الدفاع عن التقشف وتتجنب أي شكل من أشكال نقد الفساد الحقيقي: الذي يرتكبه من يمولوها. وعلى الرغم من الاتفاقات المبرمة على طاولة المفاوضات، اتضحت مآزق عد

ما من حل حتى الآن لمسألة ارتفاع أسعار الكهرباء أو إفقار نظام الضمان الاجتماعي. تدين حركات التحالف الاجتماعية رفض الحكومة وضع سقف لأرباح قطاع صناعة الأدوية. بالإضافة إلى ذلك، تدعو إلى مقاطعة الحكومة بسبب استمرار عمليات انقطاع بث المفاوضات المباشر، خاصة عندما تثار حقائق ضارة بطبقة مالكي المقاولات. لكن عزم التحالف الشعبي من أجل الحياة ثابت مثل رد فعل الرأسمال. يلح على أن الشعب سيخرج إلى الشوارع كلما كان الأمر ضرورياً، لأنه هو من يسن القوانين.

أوكتافيو غارسيا سوتو صحفي مستقل نشر في جريدة لاتيراسا La Tercera (تشيلي) ولا استريلا  La Estrella (بنما) وتاز  Taz  (ألمانيا).

ترجمة المناضل-ة

المصدر:

https://jacobin.com/2022/08/panama-roadblocks-protests-commodity-prices-cost-of-living-inflation/

 

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا